وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وبعد كون الختم مجازا في عدم نفوذ الحق لعقولهم وأسماعهم وكون ذلك مسببا لا محالة عن إعراضهم ومكابرتهم أسند ذلك الوصف إلى الله تعالى لأنه المقدر له على طريقة إسناد نظائر مثل هذا الوصف في غير ما آية من القرآن نحو قوله ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم ) وقوله ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ) ونظائر ذلك كثيرة في القرآن كثرة تنبو عن التأويل ومحملها عندنا على التحقيق أنها واردة على اعتبار أن كل ولقع هو بقدر الله تعالى وأن الله هدى ووفق بعضا وأضل وخذل بعضا في التقدير والتكوين فلا ينافي ذلك ورود الآية ونظائرها في معنى النعي على الموصوفين بذلك والتشنيع بحالهم لأن ذلك باعتبار ما لهم من الميل والاكتساب وبالتحقيق القدرة على الفعل والترك التي هي دون الخلق فالله تعالى قدر الشرور وأوجد في الناس القدرة على فعلها ولكنه نهاهم عنها لأنه أوجد في الناس القدرة على تركها أيضا فلا تعارض بين القدر والتكليف إذ كل راجع إلى جهة خلاف ما توهمته القدرية فنفوا القدر وهو التقدير والعلم وخلاف ما توهمته المعتزلة من عدم تعلق قدرة الله تعالى بأفعال المكلفين ولا هي مخلوقة له وإنما المخلوق له ذواتهم وآلات أفعالهم ليتوسلوا بذلك إلى إنكار صحة إسناد مثل هاته الأفعال إلى الله تعالى تنزيها له عن إيجاد الفساد وتأويل ما ورد من ذلك : على أن ذلك لم يغن عنهم شيئا لأنهم قائلون بعلمه تعالى بأنهم سيفعلون وهو قادر على سلب القدر منهم فبتركه إياهم على تلك القدرة إمهال لهم على فعل القبيح وهو قبيح فالتحقيق ما ذهب إليه الأشاعرة وغيرهم من أهل السنة أن الله هو مقدر أفعال العباد إلا أن فعلها هو من العبد لا من الله وهو الذي أفصح عنه إمام الحرمين وأضرابه من المحققين . ولا يرد علينا أنه كيف أقدرهم على فعل المعاصي ؟ لأنه يرد على المعتزلة أيضا أنه كيف علم بعد أن أقدرهم بأنهم شارعون في المعاصي ولم يسلب عنهم القدرة ؟ فكان مذهب الأشاعرة أسعد بالتحقيق وأجرى على طريق الجمع بين ما طفح به الكتاب والسنة من الأدلة . ولنا فيه تحقيق أعلى من هذا بسطناه في رسالة القدرة والتقدر التي لما تظهر .
وإسناد الختم المستعمل مجازا إلى الله تعالى للدلالة على تمكن معنى الختم من قلوبهم وأن لا يرجى زواله كما يقال خلقة في فلان والوصف الذي أودعه الله في فلان أو أعطاه فلانا وفرق بين هذا الإسناد وبين الإسناد في المجاز العقلي لأن هذا أريد منه لازم المعنى والمجاز العقلي إنما أسند فيه فعل لغير فاعله لملابسة والغالب صحة فرض الاعتبارين فيما صلح لأحدهما وإنما يرتكب ما يكون أصلح بالمقام .
وجملة ( وعلى سمعهم ) معطوفة على قوله ( وعلى قلوبهم ) بإعادة الجار لزيادة التأكيد حتى يكون المعطوف مقصودا لأن ( على ) مؤذنة بالمتعلق فكأن ختم كرر مرتين . وفيه ملاحظة كون الأسماع مقصودة بالختم إذ ليس العطف كالتصريح بالعامل . وليس قوله ( وعلى سمعهم ) خبرا مقدما لغشاوة لأن الأسماع لا تناسبها الغشاوة وإنما يناسبها السد ألا ترى إلى قوله تعالى ( وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ) ولأن تقديم قوله ( وعلى أبصارهم ) دليل على أنه هو الخبر لأن التقديم لتصحيح الابتداء بالنكرة فلو كان قوله ( وعلى سمعهم ) هو الخبر لا ستغنى بتقديم أحدهما وأبقى الآخر على الأصل من التأخير فقيل وعلى سمعهم غشاوة وعلى أبصارهم .
وفي تقديم السمع على البصر في مواقعه من القرآن دليل على أنه أفضل فائدة لصاحبه من البصر فإن التقديم مؤذن بأهمية المقدم وذلك لأن السمع آلة لتلقي المعارف التي بها كمال العقل وهو وسيلة بلوغ دعوة الأنبياء إلى أفهام الأمم على وجه أكمل من بلوغها بواسطة البصر لو فقد السمع ولأن السمع ترد إليه الأصوات المسموعة من الجهات الست بدون توجه بخلاف البصر فإنه يحتاج إلى التوجه بالالتفات إلى الجهات غير المقابلة .
( ولهم عذاب عظيم [ 7 ] ) A E