وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

هذه الجملة جارية مجرى التعليل للحكم السابق في قوله تعالى ( سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) وبيان لسببه في الواقع ليدفع بذلك تعجب المتعجبين من استواء الإنذار وعدمه عندهم ومن عدم نفوذ الإيمان إلى نفوسهم مع وضوح دلائله فإذا علم أن على قلوبهم ختما وعلى أسماعهم وأن على أبصارهم غشاوة علم سبب ذلك كله وبطل العجب فالجملة استئناف بياني يفيد جواب سائل يسأل عن سبب كونهم لا يؤمنون وموقع هذه الجملة في نظم الكلام مقابل موقع جملة ( أولئك على هدى من ربهم ) فلهذه الجملة مكانة بين ذم أصحابها بمقدار ما لتلك من المكانة في الثناء على أربابها . والختم حقيقته السد على الإناء والغلق على الكتاب بطين ونحوه مع وضع علامة مرسومة في خاتم ليمنع ذلك من فتح المختوم فإذا فتح علم صاحبه أنه فتح لفساد يظهر في أثر النقش وقد اتخذ النبي A خاتما لذلك وقد كانت العرب تختم على قوارير الخمر ليصلحها انحباس الهواء عنها وتسلم من الأقذار في مدة تعتيقها . وأما تسمية البلوغ لآخر الشيء ختما فلأن ذلك الموضع أو ذلك الوقت هو ظرف وضع الختم فيسمى به مجازا . والخاتم بفتح التاء الطين الموضوع على المكان المختوم وأطلق على القالب المنقوش فيه علامة أو كتابة يطبع بها على الطين الذي يختم به . وكان نقش خاتم النبي A " محمد رسول الله " . وطين الختم طين خاص يشبه الجبس يبل بماء ونحوه ويشد على الموضع المختوم فإذا جف كان قوى الشد لا يقلع بسهولة وهو يكون قطعا صغيرة كل قطعة بمقدار مضغة وكانوا يجعلونه خواتيم في رقاب أهل الذمة قال بشار : .
ختم الحب لها في عنقي ... موضع الخاتم من أهل الذمم والغشاوة فعالة من غشاه وتغشاه إذا حجبه ومما يصاغ له وزن فعالة بكسر الفاء معنى الاشتمال على شيء مثل العمامة والعلاوة واللفافة . وقد قيل إن صوغ هذه الزنة للصناعات كالخياطة لما فيها من معنى الاشتمال المجازي ومعنى الغشاوة الغطاء . وليس الختم على القلوب والأسماع ولا الغشاوة على الأبصار هنا حقيقة كما توهمه بعض المفسرين فيما نقله ابن عطية بل ذلك جار على طريقة المجاز بأن جعل قلوبهم أي عقولهم في عدم نفوذ الإيمان والحق والإرشاد إليها وجعل أسماعهم في استكاكها عن سماع الآيات والنذر وجعل أعينهم في عدم الانتفاع بما ترى من المعجزات والدلائل الكونية كأنها مختوم عليها ومغشي دونها إما على طريقة الاستعارة بتشبيه عدم حصول النفع المقصود منها بالختم والغشاوة ثم إطلاق لفظ ختم على وجه التبعية ولفظ الغشاوة على وجه الأصلية وكلتاهما استعارة تحقيقية إلا أن المشبه محقق عقلا لا حسا .
ولك أن تجعل الختم والغشاوة تمثيلا بتشبيه هيئة وهمية متخيلة في قلوبهم أي إدراكهم من التصميم على الكفر وإمساكهم عن التأمل في الأدلة - كما تقدم - بهيئة الختم وتشبيه هيئة متخيلة في أبصارهم من عدم التأمل في الوحدانية وصدق الرسول بهيئة الغشاوة وكل ذينك من تشبيه المعقول بالمحسوس ولك أن تجعل الختم والغشاوة مجازا مرسلا بعلاقة اللزوم والمراد اتصافهم بلازم ذلك وهو أن لا تعقل ولا تحس والختم في اصطلاح الشرع استمرار الضلالة في نفس الضال أو خلق الضلالة ومثله الطبع والأكنة . والظاهر أن قوله ( وعلى سمعهم ) معطوف على قوله ( قلوبهم ) فتكون الأسماع مختوما عليها وليس هو خبرا مقدما لقوله غشاوة فيكون ( وعلى أبصارهم ) معطوفا عليه لأن الغشاوة تناسب الأبصار لا الأسماع ولأن الختم يناسب الأسماع كما يناسب القلوب إذ كلاهما يشبه بالوعاء ويتخيل فيه معنى الغلق والسد فإن العرب تقول : استك سمعه ووقر سمعه وجعلوا أصابعهم في آذانهم .
والمراد من القلوب هنا الألباب والعقول والعرب تطلق القلب على اللحمة الصنوبرية وتطلقه على الإدراك والعقل ولا يكادون يطلقونه على غير ذلك بالنسبة للإنسان وذلك غالب كلامهم على الحيوان وهو المراد هنا ومقره الدماغ لا محالة ولكن القلب هو الذي يمده بالقوة التي بها عمل الإدراك .
A E