والفاء في قوله : ( فلا يكن في صدرك ) اعتراضية إذ الجملة معترضة بين فعل ( أنزل ) ومتعلقة وهو ( لتنذر به ) فإن الاعتراض يكون مقترنا بالفاء كما يكون مقترنا بالواو كما في قوله تعالى : ( هذا فليذوقوه حميم وغساق ) وقوله : ( أن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى ) . وقول الشاعر وهو من الشواهد : .
اعلم فعلم المرء ينفعه ... أن سوف يأتي كل ما قدرا وقول بشار بن برد : كقائلة إن الحمار فنحه هن القت أهل السمسم المتهذب A E وليست الفاء زائدة للاعتراض ولكنها ترجع إلى معنى التسبب وإنما الاعتراض حصل بتقديم جملتها بين شيئين متصلين مبادرة من المتكلم بإفادته لأهميته وأصل ترتيب الكلام هنا : كتاب أنزل إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين فلا يكن في صدرك حرج منه وقد ذكر في مغني اللبيب دخول الفاء في الجملة المعترضة ولم يذكر ذلك في معاني الفاء فتوهم متوهمون أن الفاء لا تقع في الجملة المعترضة .
والمعنى أن الله أنزله إليك لا ليكون في صدرك حرج بل لينشرح صدرك به . ولذلك جاء في نفي الحرج بصيغة نهي الحرج عن ان يحصل في صدر النبي A ليكون النهي نهي تكوين بمعنى تكوين النفي عكس أمر التكوين الذي هو بمعنى تكوين الإثبات . مثل تكوين نفي الحرج عن صدره بحالة نهي العاقل المدرك للخطاب عن الحصول في المكان . وجعل صاحب الكشاف النهي متوجها في الحقيقة إلى النبي A أي نهيه عن المبالاة بالمكذبين بالقرآن والغم من صنيعتهم وجعل النهي في ظاهر اللفظ متوجها إلى الحرج للمبالغة في التكليف باقتلاعه من أصله على طريقة قول العرب : " لا أرينك هاهنا " أي لا تحضر فأراك وقولهم " لا عرفنك تفعل كذا " أي لا تفعله فأعرفك به نهيا بطريق الكناية . وأيا ما كان فالتفريع مناسب لمعاني التنكير المفروض في قوله ( كتاب ) أي فلا يكن في صدرك حرج منه من جهة ما جره نزوله إليك من تكذيب قومك وإنكارهم نزوله فلا يكن في صدرك حرج منه من عظم أمره وجلالته ولا يكن في صدرك حرج منه من عظم أمره وجلالته ولا يكن في صدرك حرج منه فإنه سبب شرح صدرك بمعانيه وبلاغته .
و ( من ) ابتدائية أي حرج ينشأ ويسري من جراء المذكور أي من تكذيب المكذبين به فلما كان التكذيب به من جملة شؤونه وهو سبب الحرج صح أن يجعل الحرج مسببا عن الكتاب بواسطة . والمعنى على تقدير مضاف أي حرج من إنكاره أي إنكار إنزاله من الله .
والحرج حقيقته المكان الضيق من الغابات الكثيرة الأشجار بحيث يعسر السلوك فيه ويستعار لحالة النفس عند الحزن والغضب والأسف لأنهم تخيلوا للغاضب والآسف ضيقا في صدره لما وجدوه يعسر منه التنفس من انقباض أعصاب مجاري النفس وفي معنى الآية قوله تعالى : ( فعلك تارك بعض ما يوحي إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير ) .
و ( لتنذر ) متعلق ب ( أنزل ) على معنى المفعول لأجله واقترانه بلام التعليل دون الإتيان بمصدر منصوب لاختلاف فاعل العامل وفاعل الإنذار . وجعل الإنذار به مقدما في التعليل لأنه الغرض الأهم لإبطال ما عليه المشركون من الباطل وما يخلقونه في الناس من العوائد الباطلة التي تعاني أزالتها من الناس بعد إسلامهم .
( وذكرى ) يجوز أن يكون معطوفا على ( لتنذر به ) باعتبار انسباكه بمصدر فيكون في محل خر ويجوز أن يكون العطف عطف جملة ويكون ( ذكرى ) مصدرا بدلا من فعله والتقدير : وذكر ذكرى المؤمنين فيكون في محل نصب فيكون اعتراضا .
وحذف متعلق ( تنذر ) وصرح بمتعلق ( ذكرى ) لظهور تقدير المحذوف من ذكر مقابله المذكور والتقدير : لتنذر به الكافرين وصرح بمتعلق الذكرى دون متعلق ( تنذر ) تنويها بشأن المؤمنين وتعريضا بتحقير الكافرين تجاه ذكر المؤمنين .
( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون [ 3 ] )