" يهديهم ربهم بإيمانهم " يسددهم بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك السبيل المؤدي إلى الثواب لذلك جعل " تجري من تحتهم الأنهار " بيانا له وتفسيرا لأن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها ويجوز أن يريد : يهديهم في الآخرة بنور إيمانهم إلى طريق الجنة كقوله تعالى : " يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبإيمانهم " الحديد : 12 ، ومنه الحديث : إن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة فيقول له : أنا عملك فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة وأما الكافر إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة سيئة فيقول له أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار فإن قلت : فلقد دلت هذه الآية على أن الإيمان الذي يستحق به العبد الهداية والتوفيق والنور يوم القيامة هو إيمان مقيد وهو الإيمان المقرون بالعمل الصالح والإيمان الذي لم يقرن بالعمل الصالح فصاحبه لا توفيق له ولا نور . قلت : الأمر كذلك . ألا ترى كيف أوقع الصلة مجموعا فيها بين الإيمان والعمل كأنه قال : إن الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ثم قال : بإيمانهم أي بإيمانهم هذا المضموم إليه العمل الصالح وهو بين واضح لا شبهة فيه " دعواهم " دعاؤهم لأن اللهم نداء لله ومعناه : اللهم إنا نسبحك كقول القانت في دعاء القنوت : اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد . ويجوز أن يراد بالدعاء : العبادة " وأعتزلكم وما تدعون من دون الله " مريم : 48 ، على معنى : أن لا تكليف في الجنة ولا عبادة وما عبادتهم إلا أن يسبحوا الله ويحمدوه وذلك ليس بعبادة إنما يلهمونه فينطقون به تلذذا بلا كلفة كقوله تعالى : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " الأنفال : 35 ، . " وآخر دعواهم " وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح " أن " يقولوا : " الحمد لله رب العالمين " . ومعنى " وتحيتهم فيها سلام " أن بعضهم يحيي بعضا بالسلام . وقيل : هي تحية الملائكة إياهم إضافة للمصدر إلى المفعول . وقيل : تحية الله لهم . وأن هي المخففة من الثقيلة وأصله : أنه الحمد لله على أن الضمير للشأن كقوله : .
أن هالك كل من يحفي وينتعل .
وقرئ : أن الحمد لله بالتشديد ونصب الحمد .
" ولو يجعل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون " .
أصله " ولو يجعل الله للناس الشر " تعجيله لهم الخير فوضع " استعجالهم بالخير " موضع تعجيله لهم الخير إشعارا بسرعة إجابته لهم وإسعافه بطلبتهم حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم والمراد أهل مكة . وقولهم : فأمطر علينا حجارة من السماء يعني : ولو عجلنا لهم الشر الذي دعوا به كما نعجل لهم الخير ونجيبهم إليه " لقضي إليهم أجلهم " لأميتوا وأهلكوا . وقرئ : لقضى إليهم أجلهم على البناء للفاعل وهو الله D وتنصره قراءة عبد الله : لقضينا إليهم أجلهم فإن قلت : فكيف اتصل به قوله : " فنذر الذين لا يرجون لقاءنا " وما معناه ؟ قلت : قوله : " ولو يجعل الله " متضمن معنى نفي التعجيل كأنه قيل : ولا نعجل لهم الشر ولا نقضي إليهم أجلهم فنذرهم " في طغيانهم " أي فنمهلهم ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم إلزاما للحجة عليهم .
" إذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون " .
" لجنبه " في موضع الحال بدليل عطف الحالين عليه أي دعانا مضطجعا " أو قاعدا أو قائما " . فإن قلت : فما فائدة ذكر هذه الأحوال ؟ قلت : معناه أن المضرور لا يزال داعيا لا يفتر عن الدعاء حتى يزول عنه الضر فهو يدعونا في حالاته كلها إن كان مضطجعا عاجز النهض متخاذل النوء أو كان قاعدا لا يقدر على القيام أو كان قائما لا يطيق المشي والمضطرب إلى أن يخف كل الخفة ويرزق الصحة بكمالها والمسحة بتمامها . ويجوز أن يراد أن من المضرورين من هو أشد حالا وهو صاحب الفراش . ومنهم من هو أخص وهو القادر على القعود . ومنهم المستطيع للقيام وكلهم لا يستغنون عن الدعاء واستدفاع البلاء لأن الإنسان للجنس " مر " أي مضى على طريقته الأولى قبل مس الضر ونسي حال الجهد . أو مر عن موقف الابتهال والتضرع لا يرجع إليه كأنه لا عهد له به " كأن لم يدعنا " كأنه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن قال : .
كأن ثدياه حقان