والحريص يصيدك إلا الجواد بمعنى : جنيت لك ويصيد لك وأن يكون على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والمضاف هو المكيل أو الموزون ولا يصح أن يكون ضميرا مرفوعا للمطففين لأن الكلام يخرج به إلى نظم فاسد ؛ وذلك أن المعنى : إذا أخذوا من الناس استوفوا وإذا أعطوهم أخسروا ؛ وإن جعلت الضمير للمطففين انقلب إلى قولك : إذا أخذوا من الناس استوفوا وإذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا وهو كلام متنافر لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشر والتعلق في إبطاله بخط المصحف وأن الألف التي تكتب بعد واو الجمع غير ثابتة فيه : ركيك ؛ لأن خط المصحف لم يراع في كثير منه حد المصطلح عليه في علم الخط على أني رأيت في الكتب المخطوطة بأيدي الأئمة المتقين هذه الألف مرفوضة لكونها غير ثابتة في اللفظ والمعنى جيمعا ؛ لأن الواو وحدها معطية معنى الجمع وإنما كتبت هذه الألف تفرقة بين واو الجمع وغيرها في نحو قولك : هم لم يدعوا وهو يدعو ؛ فمن لم يثبتها قال : المعنى كاف في التفرقة بينهما . وعن عيسى بن عمر وحمزة : أنهما كانا ثيرتكبان ذلك أي يجعلان الضميرين للمطففين ويقفان عند الواوين وقيفة يبينان بها ما أرادا فإن قلت : هلا قيل : أو اتزنوا كما قيل " أو وزنوهم " ؟ قلت : كأن المطففين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن إللا بالمكاييل دون الموازين لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرقة لأنهم يدعدعون ويحتالون في الملء وإذا أعطوا كالوا أو وزنوا لتمكنهم من البخس في النوعين جميعا " يخسرون " ينقصون يقال : خسر الميزان وأخسره " ألا يظن " إنكار وتعجيب عظيم من حالهم في الاجزاء على التطفيف كأنهم لا يخطرون ببالهم ولا يخمنون تخمينا " أنهم مبعثون " ومحاسبون على مقدار الذرة والخردلة . وعن قتادة : أوف يا ابن آدم كما تحب أن يوفى لك واعدل كما تحب أن يعدل لك . وع الفضيل : بخس الميزان سواد الوجه يوم القيامة . وعن عبد الملك بن مروان : أن أعرابيا قال له : قد سمعت ما قال الله في المطففين : أراد بذلك أن المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيمالذي سمعت به فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن وفي هذا الإنكار والتعجيب وكلمة الظن ووصف اليوم بالعظم وقيام الناس فيه لله خاضعين ووصفه ذاته برب العالمين : بيان بليغ لعظم الذنب وتفاقم الإثم في التطفيف وفيما كان في مثل حاله من الحيف وترك القيام بالقسط والعمل على السوية والعدل في كل أخذ وإعطاء بل في كل قول وعمل وقيل : الظن بمعنى اليقين والوجه ما ذكر ؛ ونصب " يوم يقوم " بمبعوثون . وقرئ بالجر بدلا من يوم عظيم وعن ابن عمر أنه قرأ هذه السوة فلما بلغ قوله : " يوم يقوم الناس لرب العالمين " بكى نحيباص وامتنع من قراءة ما بعده .
" كلا إن كتاب الفجار لفى سجين وما أدراك ما سبين كتاب مرقوم " " كلا " ردعهم عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن ذكر البعث والحساب ونبههم على أنه مما يجب أن يتاب عنه ويندم عليه ثم أتبعه وعيد الفجارعلى العموم . وكتاب الفجار : ما يكتب من أعمالهم . فإن قلت : قد أخبر الله عن كتاب الفجار بأنه في سجين وفسر سجينا بكتاب مرقوم ؛ فكأنه قيل : إن كتابهم في كتاب مرقوم . فما معناه : قلت " سجين " كتاب جامع هو ديوان الشر : دون الله فيه أعمال الشياكطين وأعمال الكفرة والفسقة من الجن والإنس وهو كتاب مرقوم مسطور بين الكتابة . أو معلم من رآه أنه لا خير فيه فالمعنى أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان وسمي سجينا : فعيلا من السجن وهو الحبس والتضييق . لنه سبب الحبس والتضييق في جهنم أو لأنه مطروح كما روي تحت الأرض السابعة في مكان وحش مظلم وهو مسكن إبليس وذريته استهانة به وإذالة وليشهده الشياطين المدحورون كما يشهد ديوان الخير الملائكة المقربون . فإن قلت : فما سجين أصفة هو أم اسم ؟ قلت : بل هو اسم علم منقول من وصف كحاتك . وهو منصرف لأنه ليس فيه إلا سبب واحد وهو التعريف .
" ويل يومئذ للمكذبين الذين يكذبون بيوم الدين وما تكذب به إلا كل معتد أسم إذا تتلى عليه ءاياتنا قال أساطير الأولين كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهم عنربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم ثم يقال هاذا الذي كنتم به تكذبون "