لقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير قال بن بطال غرض البخاري الفرق بين وصف كلام الله تعالى بأنه مخلوق وبين وصفه بأنه محدث فأحال وصفه بالخلق وأجاز وصفه بالحدث اعتمادا على الآية وهذا قول بعض المعتزلة وأهل الظاهر وهو خطأ لأن الذكر الموصوف في الآية بالأحداث ليس هو نفس كلامه تعالى لقيام الدليل على ان محدثا ومنشأ ومخترعا ومخلوقا ألفاظ مترادفه على معنى واحد فإذا لم يجز وصف كلامه القائم بذاته تعالى بأنه مخلوق لم يجز وصفه بأنه محدث وإذا كان كذلك فالذكر الموصوف في الآية بأنه محدث هو الرسول لأن الله تعالى قد سماه في قوله تعالى قد أنزل الله اليكم ذكرا رسولا فيكون المعنى ما يأتيهم من رسول محدث ويحتمل أن يكون المراد بالذكر هنا وعظ الرسول إياهم وتحذيره من المعاصي فسماه ذكرا وأضافه إليه إذ هو فاعله ومقدر رسوله على اكتسابه وقال بعضهم في هذه الآية ان مرجع الأحداث إلى الإتيان لا إلى الذكر القديم لأن نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان شيئا بعد شيء فكان نزوله يحدث حينا بعد حين كما أن العالم يعلم ما لا يعلمه الجاهل فإذا علمه الجاهل حدث عنده العلم ولم يكن احداثه عند التعلم احداث عين المعلم قلت والاحتمال الأخير أقرب إلى مراد البخاري لما قدمت قبل أن مبنى هذه التراجم عنده على اثبات أن أفعال العباد مخلوقة ومراده هنا الحدث بالنسبة للإنزال وبذلك جزم بن المنير ومن تبعه وقال الكرماني صفات الله تعالى سلبية ووجودية واضافية فالأولى هي التنزيهات والثانية هي القديمة والثالثة الخلق والرزق وهي حادثة ولا يلزم من حدوثها تغير في ذات الله ولا في صفاته الوجودية كما ان تعلق العلم وتعلق القدرة بالمعلومات والمقدورات حادث وكذا جميع الصفات الفعلية فإذا تقرر ذلك فالإنزال حادث والمنزل قديم وتعلق القدرة حادث ونفس القدرة قديمة فالمذكور وهو القرآن قديم والذكر حادث وأما ما نقله بن بطال عن المهلب ففيه نظر لأن البخاري لا يقصد ذلك ولا يرضى بما نسب إليه إذ لا فرق بين مخلوق وحادث لا عقلا ولا نقلا ولا عرفا وقال بن المنير قيل ويحتمل أن يكون مراده حمل لفظ محدث على الحديث فمعنى ذكر محدث أي متحدث به وأخرج بن أبي حاتم من طريق هشام بن عبيد الله الرازي أن رجلا من الجهمية احتج لزعمه أن القرآن مخلوق بهذه الآية فقال له هشام محدث إلينا محدث إلى العباد وعن احمد بن إبراهيم الدورقي نحوه ومن طريق نعيم بن حماد قال محدث عند الخلق لا عند الله قال وانما المراد انه محدث عند النبي صلى الله عليه وسلّم يعلمه بعد ان كان لا يعلمه واما الله سبحانه فلم يزل عالما وقال في موضع آخر كلام الله ليس بمحدث لأنه لم يزل متكلما لا انه كان لا يتكلم حتى أحدث كلاما لنفسه فمن زعم ذلك فقد شبه الله بخلقه لأن الخلق كانوا لا يتكلمون حتى أحدث لهم كلاما فتكلموا به وقال الراغب المحدث ما أوجد بعد ان لم يكن وذلك اما في ذاته أو احداثه عند من حصل عنده ويقال لكل ما قرب عهده حدث فعالا كان أو مقالا وقال غيره في قوله تعالى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وفي قوله لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا المعنى يحدث عندهم ما لم يكن يعلمونه فهو نظير الآية الأولى وقد نقل الهروي في الفاروق بسنده إلى حرب الكرماني سألت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يعني بن راهويه عن قوله تعالى ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث قال قديم من رب العزة محدث إلى الأرض فهذا هو سلف البخاري في ذلك وقال بن التين احتج من قال بخلق القرآن بهذه الآية قالوا والمحدث هو المخلوق والجواب ان لفظ الذكر في القرآن يتصرف على وجوه الذكر بمعنى العلم ومنه فاسألوا أهل الذكر والذكر بمعنى العظة ومنه ص والقرآن ذي الذكر والذكر بمعنى الصلاة ومنه فاسعوا إلى ذكر الله والذكر بمعنى الشرف