جزم بن القيم في هذا الحديث نفسه وأقوى ما يستدل به ان المعراج بعد البعثة قوله في هذا الحديث نفسه ان جبريل قال لبواب السماء إذ قال له ابعث قال نعم فإنه ظاهر في ان المعراج كان بعد البعثة فيتعين ما ذكرته من التأويل وأقله قوله فاستيقظ وهو عند المسجد الحرام فان حمل على ظاهره جاز ان يكون نام بعد ان هبط من السماء فاستيقظ وهو عند المسجد الحرام وجاز أن يؤول قوله استيقظ أي أفاق مما كان فيه فإنه كان إذا اوحي إليه يستغرق فيه فإذا انتهى رجع إلى حالته الأولى فكني عنه بالاستيقاظ قوله فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تقدم الكلام عليه في الترجمة النبوية قوله فلم يكلموه حتى احتملوه تقدم وجه الجمع بين هذا وبين قوله في حديث أبي ذر فرج سقف بيتي وقوله في حديث مالك بن صعصعة بأنه كان في الحطيم عند شرحه بناء على اتحاد قصة الإسراء أما ان قلنا ان الإسراء كان متعددا فلا اشكال أصلا قوله فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته بفتح اللام وتشديد الموحدة وهي موضع القلادة من الصدر ومن هناك تنحر الإبل وقد تقدم عند شرحه الرد على من أنكر شق الصدر عند الإسراء وزعم ان ذلك انما وقع وهو صغير وبينت انه ثبت كذلك في غير رواية شريك في الصحيحين من حديث أبي ذر وان شق الصدر وقع أيضا عند البعثة كما أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده وأبو نعيم والبيهقي في دلائل النبوة وذكر أبو بشر الدولابي بسنده انه صلى الله عليه وسلّم رأى في المنام ان بطنه أخرج ثم أعيد فذكر ذلك لخديجة الحديث وتقدم بيان الحكمة في تعدد ذلك ووقع شق الصدر الكريم أيضا في حديث أبي هريرة حين كان بن عشر سنين وهو عند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وتقدم الإلمام بشيء من ذلك في الترجمة النبوية ووقع في الشفاء ان جبريل قال لما غسل قلبه قلب سديد فيه عينان تبصران واذنان تسمعان قوله ثم اتى بطست محشوا كذا وقع بالنصب وأعرب بأنه حال من الضمير الجار والمجرور والتقدير بطست كائن من ذهب فنقل الضمير من اسم الفاعل إلى الجار والمجرور وتقدم في كتاب الصلاة بلفظ محشو بالجر على الصفة لا اشكال فيه واما قوله ايمانا فمنصوب على التمييز وقوله وحكمة معطوف عليه قوله بطست من ذهب فيه تور من ذهب التور بمثناة تقدم بيانه في كتاب الوضوء وهذا يقتضي انه غير الطست وانه كان داخل الطست فقد تقدم في أوائل الصلاة في شرح حديث أبي ذر في الإسراء انهم غسلوه بماء زمزم فان كانت هذه الزيادة محفوظة احتمل ان يكون أحدهما فيه ماء زمزم والآخر هو المحشو بالإيمان واحتمل ان يكون التور ظرف الماء وغيره والطست لما يصب فيه عند الغسل صيانة له عن التبدد في الأرض وجريا له على العادة في الطست وما يوضع فيه الماء قوله فحشى به صدره في رواية الكشميهني فحشا بفتح الحاء والشين وصدره بالنصب ولغيره بضم الحاء وكسر الشين وصدره بالرفع قوله ولغاديده بغين معجمة فسره في هذه الرواية بأنها عروق حلقه وقال أهل اللغة هي اللحمات التي بين الحنك وصفحة العنق واحدها لغدود ولغديد ويقال له أيضا لغد وجمعه ألغاد قوله ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا ان كانت القصة متعددة فلا اشكال وان كانت متحدة ففي هذا السياق حذف تقديره ثم أركبه البراق إلى بيت المقدس ثم أتى بالمعراج كما في حديث مالك بن صعصعة فغسل به قلبي ثم حشى ثم أعيد ثم أتيت بدابة فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا وفي سياقه أيضا حذف تقديره حتى اتى بي بيت المقدس ثم أتى بالمعراج كما في رواية ثابت عن أنس رفعه أتيت بالبراق فركبته حتى أتى بي بيت المقدس فربطته ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين