أو ليذرها وفي رواية مالك عن هشام فلا يأخذه فانما أقطع له قطعة من النار قال الدارقطني هشام وان كان ثقة لكن الزهري أحفظ منه وحكاه الدارقطني عن شيخه أبي بكر النيسابوري قلت ورواية الزهري ترجع إلى رواية هشام فان الأمر فيه للتهديد لا لحقيقة التخيير بل هو كقوله فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر قال بن التين هو خطاب للمقضي له ومعناه أنه أعلم من نفسه هل هو محق أو مبطل فان كان محقا فليأخذ وان كان مبطلا فليترك فان الحكم لا ينقل الأصل عما كان عليه تنبيه زاد عبد الله بن رافع في آخر الحديث فبكى الرجلان وقال كل منهما حقي لك فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلّم أما إذا فعلتما فاقتسما وتوخيا الحق ثم استهما ثم تحاللا وفي هذا الحديث من الفوائد اثم من خاصم في باطل حتى استحق به في الظاهر شيئا هو في الباطل حرام عليه وفيه ان من ادعى مالا ولم يكن له بينة فحلف المدعى عليه وحكم الحاكم ببراءة الحالف أنه لا يبرأ في الباطن وان المدعي لو أقام بينة بعد ذلك تنافي دعواه سمعت وبطل الحكم وفيه أن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل حتى يصير حقا في الظاهر ويحكم له به أنه لا يحل له تناوله في الباطن ولا يرتفع عنه الإثم بالحكم وفيه ان المجتهد قد يخطئ فيرد به على من زعم أن كل مجتهد مصيب وفيه ان المجتهد إذا أخطأ لا يلحقه اثم بل يؤجر كما سيأتي وفيه أنه صلى الله عليه وسلّم كان يقضي بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه شيء وخالف في ذلك قوم وهذا الحديث من أصرح ما يحتج به عليهم وفيه انه ربما أداه اجتهاده إلى أمر فيحكم به ويكون في الباطن بخلاف ذلك لكن مثل ذلك لو وقع لم يقر عليه صلى الله عليه وسلّم لثبوت عصمته واحتج من منع مطلقا بأنه لو جاز وقوع الخطأ في حكمه للزم أمر المكلفين بالخطأ لثبوت الأمر باتباعه في جميع أحكامه حتى قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية وبأن الإجماع معصوم من الخطأ فالرسول أولى بذلك لعلو رتبته والجواب عن الأول ان الأمر إذا استلزم إيقاع الخطأ لا محذور فيه لأنه موجود في حق المقلدين فانهم مأمورون باتباع المفتي والحاكم ولو جاز عليه الخطأ والجواب عن الثاني أن الملازمة مردودة فان الإجماع إذا فرض وجوده دل على أن مستندهم ما جاء عن الرسول فرجع الاتباع إلى الرسول لا إلى نفس الإجماع والحديث حجة لمن اثبت انه قد يحكم بالشيء في الظاهر ويكون الأمر في الباطن بخلافه ولا مانع من ذلك إذ لا يلزم منه محال عقلا ولا نقلا وأجاب من منع بأن الحديث يتعلق بالحكومات الواقعة في فصل الخصومات المبنية على الإقرار أو البينة ولا مانع من وقوع ذلك فيها ومع ذلك فلا يقر على الخطأ وانما الممتنعة أن يقع فيه الخطأ أن يخبر عن أمر بأن الحكم الشرعي فيه كذا ويكون ذلك ناشئا عن اجتهاده فإنه لا يكون إلا حقا لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى الآية وأجيب بأن ذلك يستلزم الحكم الشرعي فيعود الاشكال كما كان ومن حجج من أجاز ذلك قوله صلى الله عليه وسلّم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم فيحكم بإسلام من تلفظ بالشهادتين ولو كان في نفس الأمر يعتقد خلاف ذلك والحكمة في ذلك مع أنه كان يمكن اطلاعه بالوحي على كل حكومة أنه لما كان مشرعا كان يحكم بما شرع للمكلفين ويعتمده الحكام بعده ومن ثم قال انما أنا بشر أي في الحكم بمثل ما كلفوا به والى هذه النكتة أشار المصنف بإيراده حديث عائشة في قصة بن وليدة زمعة حيث حكم صلى الله عليه وسلّم بالولد لعبد بن زمعة وألحقه بزمعة ثم لما رأى شبهة بعتبة أمر سودة