تلك الاطوار إلى ان صار انسانا جميل الصورة مفضلا بالعقل والفهم والنطق كان حقا عليه ان يشكر من أنشأه وهيأه ويعبده حق عبادته ويطيعه ولا يعصيه وفيه ان في تقدير الأعمال ما هو سابق ولاحق فالسابق ما في علم الله تعالى واللاحق ما يقدر على الجنين في بطن أمه كما وقع في الحديث وهذا هو الذي يقبل النسخ وأما ما وقع في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السماوات والأرض بخمسين الف سنة فهو محمول على كتابة ذلك في اللوح المحفوظ على وفق ما في علم الله سبحانه وتعالى واستدل به على ان السقط بعد الأربعة اشهر يصلي عليه لأنه وقت نفخ الروح فيه وهو منقول عن القديم للشافعي والمشهور عن احمد وإسحاق وعن احمد إذا بلغ أربعة اشهر وعشرا ففي تلك العشر ينفخ فيه الروح ويصلي عليه والراجح عند الشافعية انه لا بد من وجود الروح وهو الجديد وقد قالوا فإذا بكى أو اختلج أو تنفس ثم بطل ذلك صلى عليه والا فلا والأصل في ذلك ما أخرجه النسائي وصححه بن حبان والحاكم عن جابر رفعه إذا استهل الصبي ورث وصلى عليه وقد ضعفه النووي في شرح المهذب والصواب انه صحيح الإسناد لكن المرجح عند الحفاظ وقفه وعلى طريق الفقهاء لا اثر للتعليل بذلك لان الحكم للرفع لزيادته قالوا وإذا بلغ مائة وعشرين يوما غسل وكفن ودفن بغير صلاة وما قبل ذلك لا يشرع له غسل ولا غيره واستدل به على ان التخليق لا يكون الا في الأربعين الثالثة فأقل ما يتبين فيه خلق الولد أحد وثمانون يوما وهي ابتداء الأربعين الثالثة وقد لا يتبين الا في آخرها ويترتب على ذلك انه لا تنقضي العدة بالوضع الا ببلوغها وفيه خلاف ولا يثبت للامة أمية الولد الا بعد دخول الأربعين الثالثة وهذا قول الشافعية والحنابلة وتوسع المالكية في ذلك فأداروا الحكم في ذلك على كل سقط ومنهم من قيده بالتخطيط ولو كان خفيا وفي ذلك رواية عن احمد وحجتهم ما تقدم في بعض طرقه ان النطفة إذا لم يقدر تخليقها لا تصير علقة وإذا قدر انها تتخلق تصير علقة ثم مضغة الخ فمتى وضعت علقة عرف ان النطفة خرجت عن كونها نطفة واستحالت إلى أول أحوال الولد وفيه ان كلا من السعادة والشقاء قد يقع بلا عمل ولا عمر وعليه ينطبق قوله صلى الله عليه وسلّم الله اعلم بما كانوا عاملين وسيأتي الإلمام بشيء من ذلك بعد أبواب وفيه الحث القوي على القناعة والزجر الشديد عن الحرص لان الرزق إذا كان قد سبق تقديره لم يغن التعني في طلبه وانما شرع الاكتساب لأنه من جملة الأسباب التي اقتضتها الحكمة في دار الدنيا وفيه ان الأعمال سبب دخول الجنة أو النار ولا يعارض ذلك حديث لن يدخل أحدا منكم الجنة عمله لما تقدم من الجمع بينهما في شرحه في باب القصد والمداومة على العمل من كتاب الرقاق وفيه ان من كتب شقيا لا يعلم حاله في الدنيا وكذا عكسه واحتج من اثبت ذلك بما سيأتي قريبا من حديث على اما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل أهل السعادة الحديث والتحقيق ان يقال ان أريد انه لا يعلم أصلا ورأسا فمردود وان أريد انه يعلم بطريق العلامة المثبتة للظن الغالب فنعم ويقوى ذلك في حق من اشتهر له لسان صدق بالخير والصلاح ومات على ذلك لقوله في الحديث الصحيح الماضي في الجنائز أنتم شهداء الله في الأرض وان أريد انه يعلم قطعا لمن شاء الله ان يطلعه على ذلك فهو من جملة الغيب الذي استأثر الله بعلمه واطلع من شاء ممن ارتضى من رسله عليه وفيه الحث على الاستعاذة بالله تعالى من سوء الخاتمة وقد عمل به جمع جم من السلف وأئمة الخلف وأما ما قال عبد الحق في كتاب العاقبة أن سوء الخاتمة لا يقع لمن استقام باطنه وصلح ظاهره وانما يقع لمن في طويته فساد أو ارتياب ويكثر وقوعه للمصر على الكبائر والمجزىء على العظائم فيهجم عليه الموت بغتة فيصطلمه