العدم لا يحتاج إلى شيء يبني عليه ويحتمل أن يكون ذلك جعل علامة للملائكة على إحياء كل إنسان بجوهره ولا يحصل العلم للملائكة بذلك إلا بإبقاء عظم كل شخص ليعلم أنه إنما أراد بذلك إعادة الأرواح إلى تلك الأعيان التي هي جزء منها ولولا إبقاء شيء منها لجوزت الملائكة أن الأعادة إلى أمثال الأجساد لا إلى نفس الأجساد وقوله في الحديث ويبلى كل شيء من الإنسان يحتمل أن يريد به يفنى أي تعدم أجزاؤه بالكلية ويحتمل أن يراد به يستحيل فتزول صورته المعهودة فيصير على صفة جسم التراب ثم يعاد إذا ركبت إلى ما عهد وزعم بعض الشراح أن المراد أنه لا يبلى أي يطول بقاؤه لا أنه لا يفنى أصلا والحكمة فيه أنه قاعدة بدء الإنسان وأسه الذي ينبني عليه فهو أصلب من الجميع كقاعدة الجدار وإذا كان أصلب كان أدوم بقاء وهذا مردود لأنه خلاف الظاهر بغير دليل وقال العلماء هذا عام يخص منه الأنبياء لأن الأرض لا تأكل أجسادهم وألحق بن عبد البر بهم الشهداء والقرطبي المؤذن المحتسب قال عياض فتأويل الخبر وهو كل بن آدم يأكله التراب أي كل بن آدم مما يأكله التراب وأن كان التراب لا يأكل أجسادا كثيرة كالأنبياء قوله إلا عجب ذنبه أخذ بظاهره الجمهور فقالوا لا يبلى عجب الذنب ولا يأكله التراب وخالف المزني فقال إلا هنا بمعنى الواو أي وعجب الذنب أيضا يبلى وقد أثبت هذا المعنى الفراء والأخفش فقالوا ترد إلا بمعنى الواو ويرد ما انفرد به المزني التصريح بأن الأرض لا تأكله أبدا كما ذكرته من رواية همام وقوله في رواية الأعرج منه خلق يقتضي أنه أول كل شيء يخلق من الآدمي ولا يعارضه حديث سلمان أن أول ما خلق من آدم رأسه لأنه يجمع بينهما بان هذا في حق آدم وذاك في حق بنيه أو المراد بقول سلمان نفخ الروح في آدم لا خلق جسده