وتمام الكلام فى هذا المقام ما ذكره بعض المحققين أنه إذا دخل نفى بلا أو غيرها أو ما فى معناه على تشبيه مصرح بأركانه أو ببعضها أحتمل معنيين تفضيل المشبه بأن يكون المعنى أنه لا يشبه بكذا لان وجه الشبه فيه أولى وأقوى كقولك ليس زيد كحاتم فى الجود ويحتمل بأن يكون المعنى أنه لا يشبه به لعبد المسافة بينهما كقول العرب ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان وفتى ولا كما لك وقوله : طرف الخيال ولا كليلة مدلج ووقع فى شروح المقامات وغيرها أن العرب لم تستعمل النفى بلا على هذا الوجه إلا للمعنى الثانى وأن استعماله لتفضيل المشبه من كلام المولدين حتى اعترضوا على قول الحريرى فى قوله : غدوت ولا اغتداء الغراب وعيب قول صاحب التلويح فى خطبته : نال حظا من الاشتهار ولا اشتهار الشمس نصف النهار ومبنى الاعتراض على هذا ولعله ليس بلازم كما أشار إليه صاحب الانتصاف بما أورد من الآيات ومما أورده التعالبى من خلافه أيضا فى كتابه المنتخب فلان حسن ولا القمر وجواد ولا المطر على أنه لو سم ما ذكروه فالمعانى لا حجر فيها على أن ماورد فى النفى بلا المعترضة بين الطرفين لا فى كل نفى انتهى وهو كما قال : من نفائس المعانى التى ينبغى حفظها وقوله تعالى : وإنى سميتها مريم عطف على إنى وضعتها أنصثى المنصوبة المحل على المفعولية للقول : وما بينهما كما علمت اعتراض بجملتين غير محكيتين الثانية من تتمة الأولى معنى على ما بين أجره البعض مجرى الاعتراض فى الاعتراض فجعله نظير قوله تعالى : إنه لقسم لو تعلمون عظم .
واعترض بأنه كيف الاعتراض بين كلامى أم مريم وكلام متكام لا يجوز أن يكون معترضا بين كرمى متكلم آخر وأجيب بأن كلام أمو مريم من كلام الله تعالى نقلا عن أم مريم ولا بعد فى أن يكون كلامه تعالى اعتراضا بين كلاميها اللذين هما من كلام الله تعالى نقلا عنها هزا على تقدير أن لا تكون تانك الجملتان من كلام أم مريم أما إذا كانتا من كلامها بناذا على ما سبق من القراء والاحتمال فلا اعتراض .
قيل : والغرض من عرض التسمية على علام الغيوب التقرب اليه تعالى واستدعاء العصمة لها فان مريم فى لغتهم بمعنى العابدة ولا يخفى بعده إذ مجرد ذكر تسميتها مريم يكون مقربا لها اليه تعالى لأن التقرب اليه تعالى إنما يكون بسبب العبادة ومجرد عرض التسمية ليس بعبادة فكيف يكون مقربا اللهم إلا أن يقال : إن التقرب إلى الله تعالى بحبها للعباد الذى أشعر به تسميتها بنتها عابدة تو اعتقاد الله تعالى مستعاذ يجير من يستعيذ به عما يخافه .
واعترض بأن هذا لا يدفع الشبهة بل هى باقية ايضا لأن المقرب حينئذ ما فى القلب من الحب والاعتقاد لا عرض ذلك على من لايخفى عليه خافية والأولى أن يقال : إن الغرض من ذلك إظهار غير راجعة عن نيتها وإن كان ما وضعته أنثى وأنها وإن لم تكن خليفة بسدانة بيت المقدس فلتكن من العابدات فيه واستقلالها بالتسمية لكون أبيها قد مات وأمها حامل بها فتقديم اليه للتخصيص يعنى التسمية من لا يشاركنى فيها أبوها قيل : وفى ذلك تعريض بيتمها استعطافا له تعالى وجعلا ليتمها شفيعا لها والقول : بأن فائدة عرض تسميتها التحسر ةالتحزن أيضا أى إنى سميتها لا أبوها لعدم احتفاله بها والتفاته اليها لكراهة الرجال فى الغالب البنات فمع أنه خلاف مادل عليه الآثار ونطق به غالب الاخبار من موت أبيها وهى حمل يجر إلى ما ينبغى أن تنزه عنه ساحة الرجل الصالح عمران كما لا يخفى وقد تقدم الكلام فى مريم وزناومعنى وقد اختار بعض المتأخرين انها معربة مارية بمعنى جارية ويقرب أن يكون القول المعول عليه واستدل بالآية على جواز تسمية الاطفال يوم الولادة لا يوم السابع لان الظاهر أنها إنما قالت ذلك بإثر الوضع واستدل بتغاير المفعولين على