لا يتصور من المؤمنين استعجال الساعة أو ما يعمها من العذاب حتى يعمهم النهي عنه وأما الثاني فلأن الإستعجال من المؤمنين حقيقة ومن الكفرة استهزاء فلا ينظمهما صيغة واحدة والإلتجاء إلى إرادة معنى مجازي يعمهما معا من غير أن يكون هناك نكتة سرية تعسف لا يليق بشأن التنزيل .
وادعى بعضهم عموم الخطاب واستدل بما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لما نزل قوله تعالى : اقتربت الساعة قال الكفار فيما بينهم : إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما تعملون حتى تنظروا ما هو كائن فلما تأخرت قالوا : ما نرى شيئا فنزلت اقترب للناس حسابهم فأشفقوا وانتظروا قربها فلما امتدت الأيام قالوا : يا محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به فنزلت أتى أمر الله فوثب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فرفع الناس رؤسهم فلما نزل فلا تستعجلوه اطمأنوا ثم قال صلى الله تعالى عليه وسلم : بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بإصبعيه إن كادت لتسبقني ولا دلالة فيه على ذلك لأن مناط اطمئنانهم إنما هو وقوفهم على أن المراد بالإتيان هو الإتيان الإدعائي لا الحقيقي الموجب لاستحالة الإستعجال المستلزمة لامتناع النهي عنه لما أن النهي عن الشيء يقتضي إمكانه في الجملة ومدار ذلك الوقوف إنما هو النهي عن الإستعجال المستلزم لإمكانه المقتضي عدم وقوع المستحيل بعد ولا يختلف ذلك باختلاف المستعجل كائنا من كان بل فيه دلالة واضحة على عدم العموم لأن المراد بأمر الله إنما هو الساعة وصدور استعجالها عن المؤمنين مستحيل نعم يجوز تخصيص الخطاب بهم على تقدير كون أمر الله تعالى العذاب الموعود للكفرة خاصة لكن الذي يقتضي به الإعجاز التنزيلي أنه خاص بالكفرة كذا قاله أبو السعود .
وبحث فيه من وجوه أما أولا فلأن الذي لا يتصور من المؤمنين الإستعجال بمعنى طلب الوقوع عاجلا لأعده عاجلا وسيأتي ما روي يدل على الأخير فإنه لما سمعوا الكلام حملوه على الظاهر فاضطربوا فقيل لهم : فلا تستعجلوه أي لا تعدوه عاجلا على أن عدم تصور المعنى الأول أيضا منهم في حيز المنع لجواز أن يستعجلوه لتشقي صدورهم وإذهاب غيظ قلوبهم والإستهزاء بهم والضحك منهم وأما ثانيا فلأن الجمع بين الحقيقة والمجاز لعله مذهب ذلك القائل وأما ثالثا فلأن القول بكون القراءة على صيغة نهي الغائب دالة على أن الخطاب مخصوص بالكفرة ممنوع والسند ظاهر وأما رابعا فلأن نفي دلالة ما روي على عموم الخطاب غير موجه لعموم لفظ الناس وأما خامسا فلأن قوله : بل فيه دلالة واضحة على عدم العموم لأن المراد بأمر الله تعالى إنما هو الساعة إلى آخره يرد عليه أنه لادلالة فيه أصلا على عدم العموم فضلا أن تكون واضحة وقد عرفت ما في قوله : وقد عرفت وأما سادسا فلأن حصره المراد بالأمر في الساعة مخالف لما ذكره في تفسير قوله : أتى أمر الله حيث قال : أي الساعة أو ما يعملها وغيرها من العذاب فبعد هذا التصريح كيف يدعي ذلك الحصر وفي بعض الأبحاث نظر وقال بعض الفضلاء : قد يقال : إن المراد بالناس في الخبر المؤمنون لما في خبر آخر أخرجه ابن مردوية عن الخبر قال : لما نزلت أتى أمر الله ذعر أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى نزلت فلا تستعجلوه فسكنوا وهذا أيضا على ما قيل لا يقتضي كون الخطاب للمؤمنين لجواز أن يقال : إنهم لما سمعوا أول الآية ذعروا واضطربوا لظن أنه وقع فلما سمعوا خطاب الكفرة