وإظهارا للرغبة والنشاط فيها وتبركا بذكر ما لقنه الله تعالى وهو أبلغ من أن يقول : أتوب إليكم أن أسألك لما فيه من الدلالة على كون ذلك أمرا هائلا محذورا لا محيص منه إلا بالعوذ بالله تعالى وأن قدرته عليه السلام قاصرة عن النجاة من المكاره إلا بذلك كما في إرشاد العقل السليم واحتمال أن يكون فيه رد وإنكار نظير ما في البقرة من قول موسى عليه السلام أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين مما لا يكاد يمر بفكر أحد من الجاهلين .
هذا وفي مصحف ابن مسعود إنه عمل غير صالح أن تسألني ورجح به كون ضمير إنه في القراءة المتواترة للنداء المتضمن للسؤال وقرأ ابن كثير فلا تسألن بفتح اللام وتشديد النون مفتوحة وهي قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكذا قرأ نافع وابن عامر غير أنهما كسرا النون على أن أصله تسألني فحذفت نون الوقاية لإجتماع النونات وكسرت الشديدة للياء ثم حذفت الياء إكتفاءا بالكسرة وقرأ أبو جعفر وشيبة وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما كذلك إلا أنهم أثبتوا الياء بعد النون وأمره ظاهر وقرأ الحسن وابن أبي مليكة تسألني من غير همز من سال يسال فهما يساولان وهي لغة سائرة وقرأ باقي السبعة بالهمز وإسكان اللام وكسر النون وتخفيفها وأثبت الياء في الوصل ورش وأبو عمرو وحذفها الباقون وإلا تغفر لي ما صدر عني من السؤال المذكور وترحمني بقبول توبتي أكن من الخاسرين .
47 .
- أعمالا بسبب ذلك وتأخير ذكر هذا عن حكاية الأمر الوارد على الأرض والسماء وما يتلوه مع أن حقه أن يذكر عقيب قوله سبحانه : فكان من المغرقين حسبما وقع في الخارج على ما علمت من أن النداء كان لطلب الإنجاء قبل العلم بالهلاك قيل : ليكون على أسلوب قصة البقرة في سورتها دلالة على إستقلال هذا المعنى بالغرض لما فيه من النكت من جعل جعل قرابة الدين غامرة لقرابة النسب وأن لا يقدم في الأمور الدينية الأصولية إلا بعد اليقين وتعقب بالفرق بين ما هنا وما هناك عند من كان ذا قلب وما ذكر من جعل قرابة الدين غامرة لقرابة النسب إلخ لا يفوت على تقدير سوق الكلام على ترتيب الوقوع أيضا .
واختار بعض المحققين أن ذلك لأن ذكر هذا النداء كما ترى مستدع لما مر من الجواب المستدعي لذكر توبته عليه السلام المؤدي إلى ذكر قبولها في ضمن الأمر بهبوطه عليه السلام من الفلك بالسلام والبركات الفائضة عليه وعلى المؤمنين حسبما يجيء إن شاء الله تعالى ولا ريب أن هذه المعاني آخذ بعضها بحجزة بعض بحيث لا تكاد تفرق الآيات الكريمة المنطوية عليها بعضها من بعض وأن ذلك إنما بتمام القصة وذلك إنما يكون بتمام الطوفان فلا جرم إقتضى الحال ذكر تمامها قبل هذا النداء وهو إنما يكون عند ذكر كون كنعان من المغرقين ولهذه النكتة إزداد حسن موقع الإيجاز البليغ وفيه فائدة أخرى هي التصريح بهلاكه من أول الأمر ولو ذكر النداء بعد فكان من المغرقين لربما توهم من أول الأمر إلى أن يرد أنه ليس من أهلك إلخ أنه ينجو بدعائه فنص على هلاكه ثم ذكر القصة على وجه أفحم مصاقع البلغاء ثم قال تعرض لما وقع في تضاعيف ذلك مما جرى بين نوح عليه السلام ورب العزة جلت حكمته وعلت كلمته ثم ذكر بعد توبته عليه السلام قبولها بقوله D : قيل يا نوح اهبط إلخ وهو الحسن بمكان وبني الفعل لما لم يسم فاعله لظهور أن القائل هو الله تعالى وقيل : القائل الملائكة عليهم السلام والهبوط النزول قيل : أي أنزل من الفلك وقيل : من الجبل إلى الأرض وذلك أنه روي أن السفينة إستوت على الجودي في عاشر ذي الحجة فأقام بمن معه هناك