فيقدر ما يصح به الكلام بأن يقال : هذا الحكم لينجيكم من الهلاك بمغفرته ورحمته أو يقال : اركبوا فيها ذاكرين الله تعالى ولا تخافوا الغرق لما عسى فرط منكم من التقصير لأن الله تعالى شأنه غفور للخطايا والذنوب رحيم بعباده وجعلها بعضهم تعليلا بالنظر إلى ما فيها من الإشارة إلى النجاة فكأنه قيل : إركبوا لينجيكم الله سبحانه وقوله سبحانه : وهي تجري بهم في موج كالجبال جوز فيه ثلاثة أوجه : الأول أن يكون مستأنفا الثاني أن يكون حالا من الضمير المستتر في بسم الله أي جريانها إستقر بسم الله حال كونها جارية الثالث أنه حال من شيء محذوف دل عليه السياق أي فركبوا فيها جارية والفاء المقدرة للعطف و بهم متعلق بتجري أو بمحذوف أي ملتبسة والمضارع لحكاية الحال الماضية ولا معنى للحالية من الضمير المستتر في الحال الأول كما لا يخفى والموج ما إرتفع من الماء عند إضطرابه واحده موجة و كالجبال في موضع الصفة لموج أي في موج مرتفع متفاوت في الإرتفاع متراكم وقيل : إنها جرت بهم في موج كذلك وقد بقي منها فوق الماء ستة أذرع واستشكل هذا الجريان مع ما روي أن الماء طبق ما بين السماء والأرض وأن السفينة كانت تجري في داخله كالسمك وأجيب بأن الرواية مما لا صحة لها ويكاد العقل يأبى ذلك نعم أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن عساكر وعبد بن حميد من طريق مجاهد عن عبيد بن عمير قال : إن الماء علا رأس كل جبل خمسة عشر ذراعا على أنه لو سلم صحة ما ذكر فهذا الجريان كان في إبتداء الأمر قبل أن يتفاقم الخطب كما يدل عليه قوله سبحانه : ونادى نوح ابنه إلخ فإن ذلك إنما يتصور قبل أن تنقطع العلاقة بين السفينة والبر إذ حينئذ يمكن حريان ما جرى بين نوح عليه السلام وبين ابنه من المفاوضة والإستدعاء إلى السفينة والجواب بالإعتصام بالجبل .
وقال بعض المحققين : إن هذا النداء إنما كان قبل الركوب في السفينة والواو لا تدل على الترتيب وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قرأ ابنها على أن ضمير التأنيث لإمرأته وفي إضافته إليها إشعار بأنه ربيبة لأن الإضافة إلى الأم مع ذكر الأب خلاف الظاهر وإن جوزوه ووجه بأنه نسب إليها لكونه كافرا مثلها وما يقال من أنه كان لغير رشدة لقوله سبحانه : فخانتاهما فارتكاب عظيمة لا يقادر قدرها فإن الله تعالى قد طهر الأنبياء عليهم السلام عما هو دون ذلك من النقص بمراحل فحاشاهم ثم حاشاهم أن يشار إليهم بأصبع الطعن وإنما المراد بالخيانة الخيانة في الدين ونسبة هذا القول إلى الحسن ومجاهد كما زعم الطبرسي كذب صريح وقرأ محمد بن علي وعروة ابن الزبير رضي الله تعالى عنهم ابنه بهاء مفتوحة دون ألف إكتفاءا بالألف عنها وهو لغة كما قال ابن عطية ومن ذلك قوله : أما تقود بها شاة فتأكلها أو أن تبيعه في بعض الأراكيب قيل : وهو ضعيف في العربية حتى خصه بعضهم بالضرورة والضمير للأم أيضا وقرأ ابن عباس ابنه بسكون الهاء وهي على ما قال ابن عطية وأبو الفضل الرازي لغة أزد فإنهم يسكنون هاء الكناية من المذكر ومنه قوله : .
ونضواي مشتاقان له أرقان .
وقيل : إنها لغة لبني كلاب وعقيل ومن النحويين من يخص هذا السكون بالضرورة وينشد :