فما بلغت رسالته أى فما أديت شيئا من رسالته لما أن بعضها ليس أولى بالاداء من بعض فاذا لم تؤد بعضها فكأنك أغفلت أداءها جميعا كما أن من لم يؤمن بعضها كان كمن لم يؤمن بكلها لادلاء كل منها بما يدليه غيرها وكونها لذلك فى حكم شىء واحد والشىء الواحد لايكون مبلغا غير مبلغ مؤمنا به غير مؤمن به ولأن كتمان بعضها يضيع ماأدى منها كترك بعض أركان الصلاة فان غرض الدعوة ينتفض به واعترض القول بنفى أولوية بعضها من بعض بالأداء بأن الأولوية ثابتة باعتبار الوجوب قطعا وظنا وجلاءا وخفاءا اصلا وفرعا وأجاب فى الكشف بأنه نفى الأولوية نظرا إلى أصل الوجوب وأيضا ان ذلك راجع إلى المبلغ والكلام فى التبليغ وهو غير مختلف الوجوب لأنه شىء واحد نظرا إلى ذاته ثم كتمان البعض يدل على أنه لم ينظر الى أنه مأمور بالتبليغ بل إلى مافى المبلغ من المصلحة فكأنه لم يمتثل هذا الأمر أصلا فلم يبلغ وإن أعلم الناس لم ينفعه لأنه مخبر إذ ذاك لامبلغ ونوقش فى التعليل الثانى بأن الصلاة اعتبرها الشارع أمرا واحدا بخلاف التبليغ وهى مناقشة غير واردة لأنه تعالى ألزمه علسيه الصلاة والسلام تبليغ الجميع فقد جعلها كالصلاة بلا ريب .
ومما ذكرنا فى تفسير الشرطية يعلم أن لااتحاد بين الشرط والجزاء ومن ادعاه بناءا على أن المآ ل إن لم تبلغ الرسالة لم تبلغ الرسالة جعله نظير .
أنا أبو النجم وشعرى شعرى .
حيث جعل فيه الخبر عين المبتدأ بلا مزيد فى اللفظ وشعرى شعرى المشهور بلاغته والمستفيض فصاحته ولكنه أخبر بالسكوت عن هذه الصفات التى بها تحصل الفائدة أنها من لوازم شعره فى أفهام الناس السامعين لاشتهاره بها وأنه غنى عن ذكرها لشهرتها وذياعها وكذلك كما ابن المنير : أريد فى الآية لأن عدم تبليغ الرسالة أمر معلوم عند الناس مستقر فى الافهام أنه عظيم شنيع ينعى على مرتكبه ألا ترى أن عدم نشر العلم من العالم أمر فظيع فكيف كتمان الرسالة من الرسول ! فاستغنى عن ذكر الزيادات التى يتفاوت بها الشرط واجزاء للصوقها بالجزاء فى الأفهمام وأن كل من سمهع عدم تبليغ الرسالة فهم ماوراءه من الوعيد والتهديد وحسن هذا الأسلوب فى الكتاب العزيز بذكر الشرط عاما حيث قال سبحانه : وإن لم تفعل ولم يقل : وإن لم تبلغ الرسالة فما بلغت الرسالة ليتغايرا لفظا وإن اتحدا معنى وهذا أحسن رونقا وأظهر طلاوة من تكرار اللفظ الواحد فى الشرط والجزاء وهذه الذروة انحط عنها أبوالنجم بذكر المبتدأ بلفظ الخبر وحق له أن تتضاءل فصاحته عند فصاحة المعجز فلا معاب عليه فى ذلك وقيل : إن المراد فان لم تفعل فلك مايوجبه كتمان الوحى كله فوضع السبب موضع المسبب ويعضده ماأخرجه إسحق راهويه فى مسنده من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه وأخرجه أبو الشيخ وابن حيان فى تفسيره من مرسل الحسن أن النبى صلى الله عليه و سلم قال : بعثنى الله تعالى بالرسالة فضقت بها ذرعا فأوحى الله تعالى إن لم تبلغ رسالاتى عذبتك وضمن لى العصمة فقويت .
وقيل إن المراد إن تركت تبليغ ماأنزل إليك حكم عليك بأنك لم تبلغ أصلا وقيل وليته ماقيل المراد بما أنزل القرآن وبما فى الجواب بقية المعجزات وقيل : غير ذلك واستدل بالآية على أنه صلى الله عليه و سلم لم يكتم شيئا من الوحى ونسب إلى الشيعة أنهم يزعمون أنه E كتم البعض تقية .
وعن بعض الصوفية أن المراد تبليغ مايتعلق به مصالح العباد من الأحكام وقصد بإنزاله اطلاعهم عليه وأما ما خص به من الغيب ولم يتعلق به مصالح أمته فله بل عليه كتمانه وروى السلمى عن جعفر رضى الله تعالى عنه فى قوله تعالى : فأوحى إلى عبده ماأوحى قال : أوحى بلا واسطة فيما بينه وبينه سرا إلى قلبه