بين عالمية الإسلام والعولمة المعاصرة
محمد المختار السلامي
عضو الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على من أرسلته رحمة للعالمين، وختمت به رسالات المرسلين وهدايات النبيين، فأبان لجميع الخلائق مستقيم المحجة، وأقام على المعاندين واضح الحجة، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وسلم ربنا عليه وعليهم الطيبين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وسلم ربنا عليه وعليهم سلامك الرضي، وبلغهم مقامات الرضوان المقام السامق العلي.
بين عالمية الإسلام والعولمة المعاصرة
منهجان ما عرفت البشرية في تاريخها الطويل مثيلا لهما، منهج نزل به الروح الأمين على قلب خاتم المرسلين ليكون للعالمين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، ينظم بمبادئ واضحة وقواعد ثابتة، شؤون الإنسان وعلاقاته بالكون، وعلاقة الكون به، وعلاقاتهما بالخالق. عمره من يوم إيقاظه للبشرية أربعة عشرا قرنا وثلث قرن، هو الإسلام. ومنهج جديد انبثق من روح الحضارة المعاصرة بعد أن تقلبت في أطوارها حتى بلغت الحداثة، ثم أفضت إلى ما أطلق عليه، العولمة.
يتفق المنهجان في نقطة هامة، هي أن العموم قاعدتهما، وأن كل واحد منهما يهدف إلى جمع البشر تحت رايته. ثم يسير كل واحد منهما بعد ذلك في خط مساره الذي يتميز به.
عبر المنهج الأول عن امتداده، وذلك أولا، بشموله للإنسان وللكون بما يتألف منه من حيوان ونبات وأرض وسماء، وكواكب ومجرات، ومن مخلوقات منظورة وغير منظورة، ليؤلف بينها ويحكم التصرف فيها بميزان واحد عدل، هو ميزان لا يتأثر بالمصالح الخاصة ولا يراعي الظروف الوقتية، ولا السلطة المبنية على القوة ولا التحكم المستند إلى نوازع الهوى، بل هو الميزان النابع من الأصول التي قررها خالق الجميع، والتي تحقق ما أراده الله من تعمير الكون.
وثانيا: في امتداده ليشمل الكل في جميع الأزمنة والأمكنة.
ينبني ما قدمناه على الجميع بين قوله تعالى (رب العالمين) وبين قوله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
يقول الشيخ ابن عاشور رحمه الله : خص الله الشريعة الإسلامية بوصف الرحمة الكاملة، وأقيمت شريعة الإسلام على دعائم الرحمة والرفق واليسر. حتى القصاص والحدود هي في حقيقة أمرها رحمة بالعالمين ليأمنوا في حياتهم، والأمن أول شروط النجاح في الاستخلاف في الأرض. وهذه الشريعة رحمة بالحيوان الذي سخره خالقه للإنسان، فحماه من العبث به أو تعذيبه، وقرر في ضمير أتباعها أن الرأفة والرحمة بالحيوان طريق لمرضاة خالق الأكوان([1]).
ويقول سيد قطب: وضع المنهج الدائم لحياة إنسانية متجددة، وترك للبشرية أن تستنبط الأحكام الجزئية التي تحتاج إليها ارتباطات حياتها النامية المتجددة، ووسائل استنباط وسائل تتنفيذها كذلك بحسب ظروف الحياة وملابساتها، دون اصطدام المنهج الدائم. وهو منهج متوازن متناسق، لا يعذب الجسد ليسمو بالروح، ولا يهمل الروح ليستمتع الجسد، ولا يصادم طاقات الفرد ورغائبه الفطرية السليمة، ولا يطلق للفرد نزواته وشهواته الطاغية. فكان رحمة لقومه ولمن جاء بعدهم، وقد أخذت البشرية تقترب شيئا فشيئا من آفاق هذه المبادئ، وتنفذها ولو تحت عناوين أخرى([2]).
عبر المنهـج الثاني عـن نفسه (بالعولمة) وهي ترجمة لكلمة (Globalization) بالكرة الأرضية. هنو نتاج ما حققه التقدم العلمي والتقني من مكاسب، قربت بين المسافات واختزلت الأبعاد، ونقلت الأفكار والصور والحوادث، فجمعت بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب. ووصلت إلى أن سكان الأرض قد يتأثرون بالحادثة أو المشهد في لحظة واحدة. وتصل المعلومة إلى سكان الأدغال والصحاري، وإلى المدن في نفس الوقت. فالأصل الذي انبنى عليه مصطلح العولمة هو الإمكانات العلمية والتقنية التي قربت بين البشر. والقرب بينهم يتبعه القدرة على التفاعل بينهم، في ميادين الاقتصاد وتبادل خيرات الكون، وفي المعرفة، فتسري المعلومات عبر وسائل تزداد كل يوم اقتدارا على السرعة في تعميم النفع لهم، وفي الثقافة بصفة عامة وأنماط الحياة، وبالتالي في السياسة بتقليص الحواجز بين الأقطار، وتحجيم سلطان الحكومات على تكييف الرأي العام بما تنشره أو تحجبه عن شعوبها، فخرج عن سلطانها أخص ما هو لها قبل العولمة، وهو أن تكون السياسة المحلية هي التي تكيف الرأي العام، وتدفعه بالتالي إلى الاختيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تسطرها ليسهل عليها التنفيذ.
غايات العولمة
للعولمة أهداف ظاهرة لينة الملمس مشرقة المظهر ناعمة جذابة، سوف أتبعها، ثم أعرض الصورة التطبيقية التي جرى عليها تنفيذ ذلك، لأقارن بين العولمة والعالمية الإسلامية.
1- العولمة الاقتصادية:
هي الفاتحة لحرية انتقال رؤوس الأموال عبر القارات، وما يتبع ذلك من تقليص أثر البطالة بما تنجزه من مشاريع وتجلبه معها من تقنيات، فترفع من كفاءة الشغالين ومن مستوى عيشهم. فهدفها هو رخاء المحرومين المهمشين وخاصة في العالم الثالث الفقير المحتاج لرؤوس الأموال. والعالم الإسلامي واحد من هذا العالم البائس.
فعلا إن العالم انكمشت أپعاده، وإن رؤوس الأموال أخذت تجول في أرجاء العالم بحرية، وإن هذه القوة المندفعة الهادمة للحدود والقيود تمثلت أولا وبالذات في الشركات العملاقة العالمية المتعددة الجنسيات. وإن الإطار القانوني الحامي والمنظم لها هو اتفاقية التجارة العالمية التي انبعثت سنة 1995 بمدينة مراكش، وما تبعها من اتفاقيات.
إن التقلبات الاقتصادية هذه التي تمت حتى وصلت إلى ما وصلت إليه بسرعة مذهلة في الظاهر، هي في الحقيقة تطور حث خطاه ودفع بما كان معدا في الخفاء من قبل، أمور اغتنمتها الدولة العظمى المتفردة بالزعامة العالمية (الولايات المتحدة الأمريكية) وبطرق مدروسة للتأثير ويتمثل ذلك في الأمور التالية:
أولاً: في انتهاء الحرب الباردة بسقوط حائط برلين، الذي يعني أن النظام الليبرالي انتصر انتصارا ساحقا بالضربة القاضية على غيره من النظم والإيديولوجيات، وأنّه تربع على عرش اقتصاد العالم يقوده آمنا على انفراده بالقيادة، مؤمنا أمر اتباع الدول كلها له. والزعيمة الولايات المتحدة الأمريكية.
ثانياً: في حرب الخليج تلكم الحرب المشؤومة على العالم التي تفردت فيها أميركا أيضا بقيادة العالم كله وراءها. فكانت القرارات الأممية من إنشائها وتلحينها، والخطط العسكرية القتالية بسلاحها وتخطيطها. والتي غسلت بواسطتها هزيمتها في الفياتنام، فبرزت بعد انتصارها على العراق، لا الدولة المنتصرة على بلد صغير من العالم الثالث، ولكن الدولة التي سارت الدول العظمى والصغرى وراءها. فهي زعيمة العالم بلا منازع.
ثالثاً: ما أعلن في أعقاب هزيمة العراق. ففي نشوة الانتصار، والعالم كله يرقب التحولات – التي تعقب عادة الحروب – أعلن الرئيس الأميركي أن العالم مقدم على نظام دولي جديد يختلف عما كان عليه الأمر أيام الحرب الباردة، يقوم على احترام المبادئ الديموقراطية، ويعلي من شأن حقوق الإنسان، ويكون فيه للأمم المتحدة ومنظماتها الدور الفعال في تحقيق السلام والأمن في العالم. وسكت عن المنهج التطبيقي لمضامين هذا الإعلان في شكل دقيق. ولذا كان وزير خارجية صادقا مع نفسه حين اعترف بأنه لا يستطيع أن يصف ماسيكون عليه شكل هذا النظام الجديد([3]). فالغموض ظاهرة تطلق أيدي أصحاب القرار في طريقة التنفيذ، بعد أن تكون أفسحت للآمال المجال حتى تطوع الرأي العام العالمي لقبول مايقرر فيما بعد.
رابعاً: أسطول إعلامي عالمي يسيره خبراء متميزون في التزييف وتصوير الواقع وإبرازه في شكل جذاب، بما يمكن الدولة العظمى والشركات العملاقة من المكاسب التي تسعى للحصول عليها. كالدعوة للاستهلاك بشتى الطرق المؤثرة، مع التشكيك في جودة الإنتاج المحلي، وكقيود الحماية التي تستطيع وحدها فرضها. كما حصل في السنة الماضية من فرض ضريبة على توريد الصلب إلى أمريكا من الدول التي كانت عظمى، رغم إعلان الاتحاد الأوروبي في شهر مارس 2003 أنه سيقرر عقوبات ضد الولايات المتحدة الأمريكية إن هي لم تتراجع عن قرارها. فجنون العظمة خول لأمريكا أن تجعل مايقرره الكونغرس ملزما للعالم.
نتائج العولمة الاقتصادية:
إن الشركات العملاقة الخمسمائة قد قسمت خيرات العالم بينها فهي تفرض على الدول والحكومات ما تشاء من قيود. تنتقل من مكان إلى مكان تبعا لمؤشر واحد هو مغانمها المادية والأرباح التي تجمعها، فهي ترغب في يد عاملة رخيصة الثمن تضمر حقوقها الاجتماعية إلى أدنى حد، وضرائب منخفضة أكثر ما يمكن، وتحويل الصناعات الملوثة إلى العالم الثالث الذي لا يستطيع.
أن يفرض عليها المواصفات التي تفرضها حماية الإنسان والبيئة، وتهدد الدول التي تقيم فيها بالانتقال عنها إذا لم ترضخ لمطالبها تاركة وراءها تضخم البطالة، والفقر والديون التي حشرتها فيها كما حصل في دول شرق آسيا. وبجانب ذلك تتدفق السلع إلى البلدان الفقيرة لتعطل صناعاتها المحلية التي لم تتهيأ بعد للمنافسة فهي حرية مغشوشة، مكنت هذه الشركات من السيطرة على التجارة العالمية. تستقل في سياساتها عن سياسة ومصالح الدول التي تنشط فيها.
إن ما نادوا به من تمكين العالم الثالث من اكتساب المهارات التقنية سراب خادع. فالأسرار الصناعية يحتفظ بها بواسطة براءة الاختراع، وتنفرد الولايات المتحدة كل سنة بما يقارب 80% منها. قد أصبح مفهوم الحرية الاقتصادية يتماهى أكثر فأكثر مع التجارة، رغم أن هذه قسمت العالم إلى 20% في المائة تتمركز في أيديهم 80% من القرارات الشرائية والرساميل، و80% منهم يسعون وراء لقمة العيش دون جدوى في كثير من الأحيان([4]).
يقول المفكر وعالم الاجتماع السويسري (جون زيغلر): إن منظمة التجارة العالمية تجسد الليبرالية الجدية في صورتها المتطرفة. وهي تعني ضمن ما تعني. موتا محققا للعالم الثالث (بما فيه من العرب والمسلمين) وتذكر الإحصاءات أن عدد العالم يصل إلى ستة مليارات نسمة، يعيش أكثر من ثلثهم في دول الجنوب، والغالبية العظمى لا تعيش عيشة إنسانية. والدليل على ذلك أن 13% فقط من سكان العالم ينفقون 68% من الانتاج العالمي. ثم يقول: إنها عدم مساواة صارخة ورهيبة فضلا عن صنوف الاستغلال والاضطهاد التي يتعرض لها الآدميون من العالم الثالث.
إن عالم السوق الرأسمالية الموحدة الذي نحياه أفرز (رأسمالية الغاب) التي تعني نهاية الدولة الوطنية والسيادة الشعبية، ونهاية التنوير والقيم المصاحبة له، مثل التضامن والعدالة الاجتماعية، وتعني أيضا ضياع مائتي سنة من الثورة الديمقراطية. وهكذا يجد العالم نفسه يعيش ليلا رهيبا تجسده بعمق (منظمة التجارة العالمية)([5]).
إنه إذا قارنا العالمية الإسلامية بالعولمة في الناحية الاقتصادية، فإن الفوارق بينهما تبدو:
1- في أن الإسلام يقوم في تشريعه الذي أراد به إصلاح الأوضاع العالمية على الوضوح الكامل. يقول الله تعالى: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) ([6]).
ويقول: (وان تطعيوا تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين) ([7])، فكل تشريعاته لا يتأخر فيها البيان عن وقت العمل أپدا. وهي قاعدة مجمع عليها.
2- أن الأصل في الإسلام أن الأموال تنتقل تبعا لقاعدتين:
(أ) حرية المالك في التصرف في أمواله؛
(ب) عدم الإضرار بالغير. فالحدود الوطنية التي تولدت عن الحداثة، هي مخالفة لما قرره رب العزة من أن الأرض لله، وأن الإنسان مستخلف فيها، وأنه مأمور بالسعي في أرجائها قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من زرقه وإليه النشور) ([8])، ونوه بالذين يحركون الاقتصاد وينقلون السلع من مكان إلى آخر، فقال تعالى: (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) ([9]).
صياغة الآيتين تربط التجارة ونقل السلع والأموال بأمرين أساسيين. أولهما : أنه لا بد أن يكون حاضرا في وعي الساعي أن المال مال الله والرزق رزقه. وثانيهما أنه محاسب على تصرفاته. فعمله مستمر في المستقبل إلى أن يلقى ربه يوم الجزاء. وبهما معا يصبح نشاط الإنسان الاقتصادي داخلا تحت دائرة الثواب والعقاب الإلهي الذي يقوم فيه الرقيب من داخل الإنسان ومن إيمانه. وهذه الرقابة لا تختص بالتجار وأصحاب رؤوس الأموال بل هي تتعداهم إلى ولي الأمر الذي ينظم الشؤون الاقتصادية. يقول ابن عبد السلام: فإن قيل: لم منعتم الزيادة على العشر في أموال الكفار، وقلتم: لا تؤخذ في السنة إلا مرة واحدة؟ قلنا: لأنا لو خالفنا ذلك لزهدوا في التجارة إلى بلادنا، وانقطع ارتفاق المسلمين بالعشور، وبما يحملونه مما يحتاج إليه من أموال التجارة والأقوات وغير ذلك([10]). فالضرائب التي تحمل على السلع ينظر فيها بمقياس المصلحة العامة، يراعي فيها ما يكون أرفق بحال عامة الناس من وفرة السلع، وما يشجع التجار على جلب السلع والأقوات، وما هو أصلح لميزان الدولة في آن واحد، دون أن تجور ناحية على بقية النواحي، ولا أن تهمل مصلحة من الاعتبار. ثم إن النسبة التي توظف على مايجلبه غير المسلمين لبلاد الإسلام ترتفع وتنخفض تبعا لمعاملتهم لتجار المسلمين.
وبما قدمناه يبدو ما انبنى عليه التشريع الإسلامي وتنظيماته من الرحمة والعدل ومراعاة المصالح العامة دون تضحية بالمصلحة الخاصة. وتبدو الفوارق بين العالمية الإنسانية للإسلام. والعولمة المتمردة على الإنسان المحطمة لقيمته الموهنة لها في مقابل المكاسب المادية التي يزداد بها الأثرياء ثراء.
2- العولمة العلمية:
يقول الباحث عبد الخالق عبد الله: لقد وجدت العولمة الثقة في العلم والتكنولوجيا، وأكدت ولادة العولمة أن هذا العصر هو، وربما أكثر من أي وقت آخر، عصر العلوم والثورات العلمية. فالعلم أثر في هذا العصر كما لم يؤثر فيه أي عامل آخر. وكل النجاحات والإنجازات التي تحققت للبشرية، وربما كل التقدم المادي والمعنوي الذي تحقق خلال المائة سنة الأخيرة، وبالذات خلال العقد الأخير من القرن العشرين، لم يكن له أن يتحقق لولا العلم الذي أصبح اليوم الحقيقة الأساسية في الحياة، والمحور الذي تدور حوله كل الحقائق الحياتية الأخرى.
ويعلق د. بركات مراد قائلا: هذا القول صحيح. لقد تحول العلم والثورات العلمية إلى قوة من القوى الكاسحة التي تصنع الأحداث وتشكل المستقبل، وتعيد ترتيب أولويات الدول والمجتمعات والأفراد. فمن يمتلك هذه القوة ويحسن توظيف نتائجها الباهرة يمتلك أساس مصيره، ويعرف كيف يتدبر شؤونه، ويتمكن من التأثير في الآخرين، بما في ذلك القدرة على إدارة العالم سياسيا واقتصاديا([11]).
وليس العلم علم الاستيعاب ولكنه العلم الذي يفتح في كل لحظة كتاب الكون فيكشف جديدا، ويبرز شيئا مخترعا ماكان للإنسانية علم به من قبل، فيضيفه لرصيدها المعرفي، ليصبح وحدة من وحدات الهرم الذي يعلو بالاستناد إلى قاعدته باستمرار. لقد بلغت الإضافات العلمية والتكنولوجية في الولايات المتحدة وحدها أكثر من واحد وخمسين ومائة ألف اختراع في سنة 1999.
لقد قامت النهضة الحضارية الأوروبية على التجربة وحرية العلم في مساره واكتشافاته واستفادته بعد ذلك من تطويع الآلة المتحركة بالطاقة، وبرزت الحداثة، ثم إن البشرية بإضافتها تكنولوجيا المعلومات، وتطويرها لقدُرات الحاسوب، قد تجاوزت الحداثة إلى العولمة.
لقد تطور الكمبيوتر بسرعة فائقة من جيل إلى جيل، فيسر على العلماء في لحظة من العمليات الحسابية الدقيقة والصحيحة ما كان يقصر عن بلوغه عمر العالم قبل ذلك. ومكن العلماء والباحثين من جلب ما اختزن من المعلومات في لمح البصر مع التأكد من عدم تسرب الخطأ، مما كان يقتضي أزمانا من البحث والنسخ اليدوي أو بالراقنة.
اعتمدت الثورة العلمية فيما اعتمدت على اعتبار البحث العلمي أساسا للربح، والسبيل للنجاح في المنافسة القوية في الأسواق. ولذا قامت المخابر بجانب المصانع لتطور تقنياتها طلبا للتجويد والتجديد. كما قامت معاهد البحث داخل الجامعات والكليات والمعاهد، ورُصدت الاعتمادات الكبيرة في ميزانيات الدول والشركات للبحث، وطورت المناهج تطويرا يمكن الطلبة والعلماء والتقنيين من تدفق سيل الاختراعات. وسمت العقول إلى المجهول تكتشف كل يوم بعض الحجب، وتعد الآليات المساعدة على زيادة الإنتاج كما وتحسينه نوعا، وبالتالي التأثير فيما وقفت البشرية عاجزة عن هتك أسراره، وفي ميادين بقيت عصية عن البوح بقوانينها التي خلقها عليها باريها.
نعم كانت الاكتشافات العلمية في النصف الثاني من القرن العشرين تفوق بكثير ما بلغته الإنسانية في أدوار حضارتها. ففي ميدان الحياة ثم التأثير على التكاثر الحيواني بواسطة الاستنساخ، ومساعدة عدد غير قليل من أعراض العقم، وتم قراءة الجينوم البشري. ودخل الإشعاع الذري كوسيلة للكشف الباطني، وللعلاج. وتطورت الجراحة تطورا دخلت به مباضع الجراحين حتى إلى خلايا الدماغ مع المكريسكوب. وعدد غير قليل من الأمراض تمكن علم الطب من السيطرة على أعراضه، وانفصلت عن قائمة الأمراض الميؤوس من نجاة المصابين بها. وفي ميدان غذاء الإنسان تمكن العلم من التأثير على السلالات في الحيوانات لتنتج مضاعفا من اللحوم ومن الألبان، وفي النباتات لتقاوم الأمراض والحشرات الضارة، وتحقق تحسين إنتاجها كما ونوعا وشكلا.
وفي ميدان الاتصال تحقق في الواقع ما كان الخيال يقدمه في القصص والروايات من الصور المستحيلة عادة، ليستمتع بها في أحلام اليقظة. فالعقود تعقد بين أطراف تفصلهم آلاف الأميال، والأموال تنتقل من قارة إلى قارة بسرعة البرق، والحدث يحصل أثره في وقت حدوثه في أطراف الكرة الأرضية، والعالم في مكتبه تفتح له مكتبات الدنيا، بما تحويه من كتب ومجلات وبحوث، يرد منها مايبلغ به إنتاجه المبلغ الذي ما كان يحلم أن يصل إليه. فتقدمت العلوم وتيسر للإنسان المستوى الرفيع من العون أينما كان موقعه من الكرة الأرضية. فقد انفتحت آفاق معرفية لا تُعلم حدودها تُمكن من فهم أدق لتفاصيل الكون والحياة والمادة، وفهم مكوناتها وأجزائها الدقيقة، وامتدت إلى البحث في نشأة الكون، وبروز الحياة على وجه الأرض. ثم ألصقت هذه اللافتة على العولمة منادية أن عصر العولمة هو عصر العلم أو هما شيئان في شيء واحد، تعانقا وامتزجا.
العالمية والعلم:
إن الصورة المشرقة الواعدة التي بسطناها باختصار والتي انتهت إلى اتحاد وجودي بين العلم والعولمة، هي صورة التبس فيها الحق بالباطل وامتزجا.
أولا: إن أول مايتعين رفعه من اللبس والمغالطة، هي دعوى الارتباط المنفرد بين العلم والعولمة. فالحقيقة أن العولمة اعتمدت في انتشارها وإلزام الدول والشعوب بها نسبة التقدم العلمي لها، إذ التقدم العلمي في كثير من الجوانب لم تنفرد به العولمة الرأسمالية، بل نجد أن النظام الاشتراكي البلشفي قد هوى على ركبتيه كما يهوي الثور في حلبة المصارعة، وهو يحمل مكاسب في التقدم العلمي، وأقماره الصناعية تدور في الفضاء الرحب، ومركبته الفضائية هي الأولى والأكبر والأقدر في مدارها يوم سقوطه، وترسانته النووية والصواريخ العابرة للقارات، قادرة على تخريب العالم مرات.
ثانيا: إن وراء هذا الوجه المشرق الباسم وجه مظلم كالح شرير. لقد جرت التجارب والاختراعات العلمية في خطين متضادين، خط يعمل للحياة، وخط يعمل للموت والتخريب، خط إنساني نبيل، وخط همجي شرس.
إن ما تحقق لحد الآن من تقدم في ميدان الكشف والعلاج، وتخفيف معاناة المرضى، والتغلب على بعض الأوبئة، والبحوث الواعدة للتغلب على أمراض ماتزال تقاوم، ولكن الضوء يتبين أكثر فأكثر مبشرا بقرب تجاوز نفق الجهل المظلم والعجز المستسلم، هي مكاسب للبشرية وآمال سعد العالم بتحققها، وفتح لكتاب جديد من الثقة في المستقبل. وكذلك ماتم في ميادين الاتصال والنقل، وما اكتشف من الفضاء الخارجي. نعم لم يعد الإنتاج مرتبطا بالمجهود العضلي والفكري البشري، بل إن الآلة المعتمدة على البرمجة الإلكترونية أخذت مكانها، لتقدم للإنسان مايلبي كثيرا من حاجاته ورغباته مع السرعة والدقة، مع انخفاض التكاليف.
هذا هو الوجه الذي ينوه به دعاة العولمة ويقدمونه على أن العالم يودع كل يوم بهذه المكاسب الحرمان والبؤس.
ولكن الوجه الآخر المعتم على شراسته وقبحه ولا إنسانية، مما يتحتم رفع الغطاء عنه وكشفه رفعا للمغالطات حتى يكون العالم يقظا لما يراد به.
إني لا أهدف إلى تتبع كل قبائح العولمة ومفاسدها، فذلك أمر فوق طاقة فرد واحد، ولكني ألفت النظر إلى بعض مظاهر التطبيق العملي للعولمة.
ففي ميدان العلاج، هو ميدان الشركات العملاقة في الأدوية، والتي لا تقدر إلا ما يدره عليها الدواء من أرباح، تسعره كما تشاء لتمتص إلى الإفلاس مدخرات المرضى والمكروبين، ولا يثور لهم ضمير إذا مات مئات الآلاف من الذين لا تمكنهم قدراتهم المالية من الاستمرار على تناول ما يمسكونه من أدوية. مع أن ثمنها لو بيع بربح معقول لتمكن كل المرضى من علاج أمراضهم. ولأنقذوا حياة الملايين من المصابين مثلا بمرض نقص المناعة المكتسبة.
وفوق هذا بلاء وعداء للإنسانية، ماتقوم به شركات إنتاج السلاح وتطويره بما يزيد فتكاً بالبشرية، وتخريبا لأنسجمة الجسم، وتشويها للأحياء وللأجيال القادمة.
أسوق لذلك مثالين:
أ) الأورنيوم المنضد (U.A) مشتق من نتاج الوقود المخصب للمفاعلات النووية. ويدخل في صنع الأسلحة كالقنابل المضادة للدبابات، وفي القنابل والقذائف والصواريخ.
وبما أنه أثقل من الصلب فإن القذائف التي تحتوي عليه تكون قادرة على خرق أقوى الدبابات المصفحة صلابة. ولكنه مع فاعليته القتالية يحتوي على ضرر كبير هو أنه (مشع) والأورنيوم كجميع المعادن الثقيلة، هو مادة كيميائية سامة. ففي الوقت الذي يتصل بالهدف، ينتشر الأورنيوم المنضد على شكل ضباب لطيف كجزيئات يمكن أن يستنشقها الإنسان أو أن تسري إلى أجهزته الداخلية ثم تختزن في الرئتين، أو في الكلي أو في باقي أجهزة الجسم. وهذا مايمكن أن يولد سرطان الرئتين أو العظام، وأمراض الكلي، أو تشوهات جينية، وأنواعا عديدة من المشاكل الصحية العويصة. كما يمكن أن تدخل شظية من القذيفة في داخل الإنسان، ويبقى مشعا في جسمه. وقد أكد فيزيائي نووي أن ذرات الأورنيوم المنضد المفرغة في الجو بعد الارتطام أو بعد التفرقع يمكن أن تنتشر على مساحة أربعين كلمترا. وكشفت دراسة (لجمعية عملية عاصفة الصحراء) أن من بين – 1051- من جنود حرب الخليج الذين أصيبوا بأمراض غاضمة، 82% منهم دخلوا في السيارات التي غنمت والتي كانت أهدافا للقذائف المشحونة بالأورنيوم المنضد، وما كان لهؤلاء أي علم عن بقاء فاعلية الأورنيوم ولا عن أخطاره([12]).
ب) القنابل العنقودية : وهي قنابل يلقى بها من الجو فتنحل كل واحدة منها إثر ذلك إلى مائتي قنبلة في حجم فراخ البط صفراء، ثم إن كل قنبلة تنفجر لتنبعث منها مئات السهام المسننة التي تغطي مساحات كبيرة بحكم اندفاعها بسرعة فائقة. والفعالية القتالية لكل سهم تصل إلى خرق دبابة فضلا عن لحم الإنسان وعظامه. والخطر العظيم هو أنه يبقى عدد غير قليل من هذه القنبلات سالمة تنتظر من يقترب منها فيحركها لتنفجر عليه. ونظر لصغر حجمها فهي تصل إلى الأماكن الخفية في الحدائق وزوايا ساحات المدارس، وتغري بلونها وصغر حجمها الأطفال. ولوصف أثرها يقول أحد أطباء العظام في كوسوفو: (ما شاهدت ولا شاهد أحد من زملائي جراحات مفجعة كالجراحات التي أحدثتها القنابل العنقودية. إن آثارها في غالب الأحوال هو العجز. تكون الأعضاء مطحونة بشكل لا يمكن لنا إلا أن نبترها. إنه فظيع! ([13]).
وأما في ميدان الفضاء الذي انطلقت منه الأقمار الصناعية تخترق الحدود وتنتقل الأخبار، وتمكن من المعرفة بأيسر طريق وأخصره، فإن الغاية منه لا تخرج عن الهيمنة، وإن حصل من ذلك بعض المكاسب فهي حادثة بالعرض.
يقول كيث. ر. هيل الكاتب العام للقوة الجوية الفضائية للولايات المتحدة الأمريكية: فيما يخص السيطرة الفضائية، قد تحصلنا عليها، ونحن مرتبطون بها، وإننا محتفظون بها. ويقول الجنرال جوزاف أشي القائد الأعلى للقوات في الفضاء: في يوم من الأيام سنهاجم أهدافا في الأرض – البواخر، الطائرات، وأهدافا فوق الأرض – من الفضاء وسنقاتل في الفضاء، وسنقاتل من الفضاء، وسنقاتل داخل الفضاء([14]).
والأمم المتحدة قد قررت منذ 1963: أن على الدول جميعها أن لا تدخل للفضاء الكوني أسلحة نووية ولا أي نوع من أسلحة الدمار الشامل، أو أن تركز أي نوع من هذه الأسلحة على الأجرام السماوية، أو أن تثبت في الفضاء شيئاً من ذلك بأي طريقة كانت([15])، ولكن قائدة العولمة تسخر من تلكم القرارات هذه هي العولمة في ميدان العلوم مزاياها ومضارها، والأهداف التي يسعى إليها أصحابها.
أما العالمية التي أجعلها المعادل للعولمة فإن العلم يضبط شؤونه ثلاث آيات من كتاب الله. ويوضح تطبيقاتها آيات عديدة في القرآن وعمل الرسول (صلى الله عليه وسلم) وما اهتدى به المسلمون فعملوا عليه عندما ساروا بالعلم أشواطا، وبلغوا ما بلغوه مما هو بإجماع المنصفين قاعدة انطلقت منها وبنت عليها الحضارة الغربية في شقها المعرفي. وهذه الآيات هي:
(ولا تقف ماليس لك به علم)([16]).
(وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) ([17]).
(وقل رب زدني علما)([18]).
الآية الأولى: تتوجه إلى كل فرد بذاته أن لا يتبع إلا ما ثبت علميا صدقه. والخلافة التي هي شرف كل فرد، والتي تحمل بها مسؤولية إعمار هذا الكون تقتضي منه أن يربط تصرفه بالعلم. وكل ما ينفيه العلم لا يعول عليه المؤمن استجابة لمقتضى أمر ربه من ناحية، وجريا على ما يوجبه ما ميزه الله به من عقل. فانهدم بذلك كل طريق غير طريق العلم في الإثبات أو النفي، وبالتالي يسقط اعتماد ماهو مهدوم ومهزوم من الأوهام، أو الظنون التي لم ترق إلى مرتبتها بالعقل. فانحصرت الإمامة في العلم في حياة المؤمنين، وأنها قاعدة نجاح الإنسان عموما.
أما الآية الثانية: فإنها تتوجه إلى مجموع المخاطبين أينما كانوا وحيثما حلوا لتذكرهم بحقيقة كثيرا ما تقع الغفلة عنها، وخاصة عندما يبلغ فرد من سعة العلم وجودة الذهن مبلغا كبيرا، فيظن أنه عالم كبير جدا، وأن حظه من العلم الحظ الموفور العظيم، أو عندما تنتشر المعرفة وتتابع آثارها في شعب من الشعوب، فيتملكه العجب ويظن أنه قد استحوذ على العلم من أطرافه ويزهو بمكتسباته، فتذكره الآية بقاعدة هي حقيقة التقدير لعلم البشر – أنه كلما اتسع وتعمق هو بعيد عن الكمال بعيد جدا عن الإحاطة – إن قصر المعرفة هو قصر العجائب، كلما فتح العالم بابا من أبوابه تحدته الحقيقة أن ذلك الباب إن هو إلا باب لقصر آخر ماتزال أسراره مغلقة تدعو إلى مواصلة البحث والتأمل والتعمق. وهو ما يقرر أن مسيرة العلم من طبيعتها أنها مسيرة لا تتوقف عند حد. والقليل هو ما علمته البشرية إلى اليوم، وأن مازال محجوبا عنها مغلفا بحجب الجهل هو الأگثر. فهو التحدي الذي يُنهض العلماء لمتابعة الطريق بأشخاصهم وبواسطة المؤسسات العلمية التي يعملون فيها ويكتشفون. وهذه دعوة للعالم كله أن يتعاون على التوسع في المعرفة، وعلى نشر نتائجها في العالمين. وأن العالم لا يخلق ولكنه يكتشف قوانين الخلق المحكم والنظام المقدر من الخلاق الحكيم، فنتائج ما وصل إليه هي العطاء الإلهي للإنسانية على يديه بما ألهمه في طريقه حتى وصل إلى المعرفة. ولذلك قال تعالى: وما أوتيتم من العلم. ففاعل الإيتاء هو الله!
الآية الثالثة: وقل رب زدني علما فهي التي تفتح أمام البشرية الآفاق لمواصلة السعي لتحصيل المعرفة. إن سعة الآفاق العلمية، والكم الهائل الذي لا يحد الإنسان حدوده من المجهول، ومحدودية العقل البشري، ومحدودية عمره، يدعو الإسلام البشر في كتابه القرآن أن لا يهولهم هذا التحدي، وأن عليهم أن يتدرعوا بالإيمان بأن يوفقهم الله في جهادهم العلمي إلى الظفر بالحقيقة العلمية. وهذا التوجه يربط العالم بربه وهو يبحث، ويربطه بربه في نجاحه، ويثبت في ضميره أن ما تقدم به وزاده إلى ذخائر الإنسانية من علم هو من عطاء الله. وإذا وقر هذا في ضمير العالم كان هدفه من جهاده هذا هو تحقيق خلافة الإنسان في الكون باقتداره على ربط قوانين الخلق ربطا يزيد العالم رخاء وأمنا ورفاها وصلة بالله الذي هو إله البشر جميعهم. وأنه مسؤول أيضا عن علمه، هل نفع به العائلة الإنسانية أم سار به على فتح أبواب البؤس والعذاب ثم المهانة لإذلال قوم ورفع آخرين؟ والعباد كلهم عباد الله.
وبهذا يتبين الفرق بين العولمة التي لا تفتح للعالم من مكتشفاتها العلمية إلا ما تجاوزه الزمن، ولا تمحض علمها للنفع العام، ولا ترعى للحياة البشرية بصفة عامة قيمة، والقيم التي توجهها وتحد لها حدودها لا تخرج عن الهيمنة والثروة، وبين العالمية الإسلامية التي وضح من مبانيها ونصوصها أنها الخير للعالم كله مؤمنه وكافره.
2) العولمة الثقافية:
إن الذي يمهد لنجاح فرض الهيمنة، ويروض على قبولها، ويفرغ الإنسان من مقوماته وخصائصه هو العولمة الثقافية. لقد قام فرنسيس فوكوياما الياباني الأصل الأميركي الجنسية مقدما للعولمة الثقافية لما قال: لقد انتهى التاريخ من حيث أنه لم يعد يوجد هناك مجال لمعارك إيديولوجية كبيرة. إن الليبرالية الديموقراطية لم تنتصر فقط، ولكن ببساطة هي الوجود. وهي كل مايمكن أن يكون موجودا. فواقعيا لم يبق هناك مجال للنقاش حول الأصوليات. لقد تحقق مادعاه كوجيف (الدولة العالمية المنسجمة) وهي الليبرالية الديموقراطية. ولانتصارها سببان: الأول هو أن تطور العلوم وقدرتنا المتزايدة للسيطرة على الطبيعة، تعني أن المجتمعات المؤثرة تقنيا تسيطر على المجتمعات غير المؤثرة. إن جانبا من تقنية السيطرة على الطبيعة تكمن في التنظيم الجدي (فالسوق، والمؤسسة الرأسمالية، والوسيط الرأسمالي) أثبتت كلها أنها عوامل فاعلة في التنظيم. وينتهي إلى أنه إذا لم تكن هناك مشاريع جديرة بأن نخاطر بحياتنا من أجلها في عملية البحث عن الاعتراف بالخصوصية الذاتية، فإن أبرز ما في الحياة الإنسانية يكون قد تم وهو ما يعنيه بنهاية التاريخ. وقد ثار حول ما قدمه من تصور جدل كبير مما اضطره إلى تصحيح ما يقصد، أو تعديله على الأصح. فقد كتب أنه لا يعني أنه النمط الليبرالي الديموقراطي قد انتصر وانتهى الأمر، ولكنه يعني أنه باندحار الإيديولوجية الشيوعية الروسية، لم يبق في الساحة العالمية من قدم نفسه كصاحب إيديولوجية عالمية، تقوم على التعميم، ويمكن أن تؤثر في المتلقين لأطروحاتها. وناقش الذين اعترضوا عليه بأن الصراع لم ينته وأنه يوجد في العالم إيديولوجيات يمكنها أن تأخذها مكانها في الساحة العالمية ليمتد الصراع. رد هذا بأمرين أولهما: أن ماتقوم عليه الحضارة اليوم هو مركب من أمرين الشعور بالمساواة وثانيهما الديموقراطية. على معنى أن الضمير العالمي قد تطور خلال العشرين قرنا الماضية، فانغرس في الضمير الحديث الديموقراطية المساواتية. فهي مكسب دائم أصبح جزءا من طبيعتنا الأساسية كحاجتنا للنوم أو خوفنا من الموت.
ورد ما اعترض به عليه من وجود إيديولوجيات يمكن أن تأخذ زمام القيادة فناقش وضع كل واحدة منها. ويرى أن الأصولية الإسلامية لايمكنها أن تنافس التحررية حتى في بلدان العالم الإسلامي، كما أنها انتصرت عليه في أقطار أخرى، وليست له جاذبية خارج المجموعات التي كانت إسلامية، وهو لا يهدد التحررية الغربية إلا في بعض الدول التي تضم مهاجرين لم ينسجموا مع التحررية. والتفسير الذي ربما يكون معقولا لقوة الأصولية يكمن في أنه يمثل ردّ الفعل ضد الجاذبية القوية التي تمارسها التحررية على العالم الإسلامي لما التقيا أول مرة([19]).
إن هذا التحليل يمثل التصور الذي اطمأنت إليه الديموقراطية التحررية التي تقودها أميركا. فالعالم الإسلامي قد انتهت مقاومته ولم يعد يمثل منهجا يمكن أن يؤثر في العالم. وإذا كان كذلك فإن التأثير فيه تأثيرا يصبح به نسخة من النموذج الأميركي في تصوره وقيمه وعلاقاته الاجتماعية، هو الذي يمكن للسيطرة الأميركية من التحكم فيما تزخر به أراضيه من ثروات. إنه مادام العالم الإسلامي متشبثا بعاداته وتقاليده، وبنمط ترابطه الاجتماعي فإنه يمثل شيئا مغاير النمط العولمة التي لا تتحقق إلا بصياغة كل الشعوب في القالب المهيمن زعيم العولمة. ففتحت منافذ التغيير في القيم تحت غطاء الحرية، وكان أهم ما عقدت له المؤتمرات قضايا الأسرة التي تمثل العمود الفقري للترابط الاجتماعي. فتحت غطاء حقوق المرأة وحريتها على أن ينحل نسيج الارتباط بين الزوجين، لينتقل رباط السكن واعتبار كل من الزوجين لباسا لصاحبه، إلى رابطة عقدية فاقدة لروحها. ثم اعتبار الغريزة الجنسية حقا للإنسان له أن يشبعه على الطريقة التي يرضاها مع شريكه اتحد الجنس أو اختلف.
واستشرى بواسطة أجهزة الإعلام تحويل المجتمعات إلى مجتمعات تمحض كل همها إلى الاستهلاك. وإلى اللهث وراء الجديد في اللباس والمراكب والزينة على الطريقة الأميركية. وبما للدولة الزعيمة من القدرات المالية الكبرى، و لقيام الإشهار على دراسات علمية ونفسية، وبما حصل ويحصل لها تبعا لذلك من قوة مؤثرة في أذواق وميول الواقعين تحت سلطانها، فإن المآل هو مسخهم وتحويلهم – بعد اقتلاع جذورهم – عبيد لما يقذف به في السوق، ونفسية العبيد لاتقاوم. ويصحب ذلك أن الهمم تنحرف عن الكمالات إلى تحقيق الرغبات بكل طريقة ولو على حساب الأمانة والعفاف، وينتشر الفساد والرشوة ومايصحب ذلك من انهيار اقتصادي واجتماعي، وبالتالي قبول الظلم والتسلط والفقر والمهانة كما يقول أپو الطيب:
ما لجرح بميت إيلام
إن الهيمنة الثقافية كانت هي التي أثارت تحفظ الدول الغربية التي تجري في نسق حضاري واحد مع الولايات المتحدة الأميركية، رغم أن كل عضو من أعضائها قد تنازل عن بعض لوازم السيادة لتحقيق الوحدة الأوروبية، ولكنها أمام الغزو الثقافي الأميركي وقفت تبغي المحافظة على هوياتها وشعرت بالخطر الذي يذوبها ويقطعها عن جذورها.
العالمية الإسلامية:
الإسلام يبقي بل يحترم الخصوصيات الثقافية مالم تعد على الأصول بالتحريف أو الهدم. لقد دخل في دين الله أفواج من الصين شرقا إلى الأندلس غربا، وما قضى الإسلام على المقومات الثقافية لأي مجتمع من المجتمعات، وماكان يقدم نمطا جاهزا يحمل عليه الداخلين فيه.
روى البخاري في صحيحه بسنده إلى هشام بن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله (صلى الله عليه وسلم): ماكان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو. ومما علق به ابن حجر أنه في رواية شريك أنه قال: فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: تقول ماذا؟ قال: تقول:
أتيناكم أتيناكم
ولولا الذهب الأحمـر ولـولا الحنطة السمرا فحيانا وحياكم رما حلت بواديكمء، مـا سمنــت عذاريكم([20]).
فعائشة سارت على عادة القرشيين المهاجرين، فأشار عليها النبي (صلى الله عليه وسلم) أن تجري على عادة الأنصار في الاحتفال بأعراسهم. مما يشير إلى مبدأ من مبادئ التعامل بين المسلمين وبين من يتصلون بهم: أن تحترم ثقافة الشعوب.
العالمية الإسلامية بين المبادئ والواقع
سارت المبادئ الإسلامية مشرقة، يشع بريقها، ويتوهج نورها، تهدي العالمين إلى التي هي أقوم، رابطة بين الدنيا والآخرة.
هي في هدايتها العقدية والتشريعية والفكرية والعملية، منسجمة مع الفطرة السليمة التي خلق الله الإنسان عليها. وكلما دخلت عوامل الانحراف إلى اختيارات الإنسان تعكس مسار فطرته، وتشوه صورته فتدسيها، وتلويه عن التسامي فيهوي إلى المنازل الهابطة، يوقظه الهدي الإسلامي ليربط بينه وبين مقتضيات فطرته، فيجد في ذلك الطريق الأوفق بالطبيعة التي خلقه الله عليها في الحاضر والمآل. ويفوز بالأمن الراضي الذي يعطي للحياة معناها([21]).
إن تفريغ العالم من القيم المنسجمة مع الفطرة قد كان باب تعاسة له، كالغريق الموغل في لجج البحر يدفعه تيار عنيف إلى المحيط، وهو يظن أنه يقترب منه شاطئ النجاة. غرق العالم في الانحلال الخلقي، وقامت عصابات المخدرات والجنس، والإرهاب، والسطو على بيوت المال. وفي كل يوم نشرات عن الفساد الذي انحدر إليه كثير من أصحاب السلطة في البلدان القيادية للعولمة. كل ذلك يرفع الإعلان: إن هزيمة العولمة آتية لا ريب فيها، لأنها قامت على عكس الفطرة واعتمدت العنف. وأنها آئلة إلى ما آلت إليه سابقاتها من الحضارات.
نعم إن للقوة المادية، التي تقوم عليها والتي تطورت إلى حد بعيد، صولة وهيجانا، ودويا صاخبا، وهجمة شرسة على مكاسب العالم من المعرفة، ومما أودعه الله فيه من خيرات، ولكن تآكلها من ذاتها بما تزرعه كل يوم في داخل كيانها من قوى الفساد سينخرها نخرا تتهاوى به كالجليد عد ما تذيبه إشراقة وقوة أشعة الشمس. والشمس الساطعة ليست إلا الإسلام الدين الذي يقوم على الفضيلة، ويقرر أن العزة الحق ليس لها طريق واحد هو صراطه المستقيم (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما) ([22])، (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) ([23]).
ولكن واقع العالم الإسلامي شيء آخر، كأن المسلمين مُغرون بترك دينهم ظهريا، كأن أوامر القرآن نواهي، ونواهيه أوامر في الواقع العملي. يعرف القرآن المؤمنين أنهم يتحملون مسؤولية عمران الكون. قال تعالى: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) ([24])، طلب منا أن نعمر الكون، وليست عمارة الكون بالتناسل والكثرة العددية. فتكاثر الحشرات أسرع وأقوى من التكاثر البشري، ولكن عمارة الكون مرتبطة بالعلم الذي يفتح للإنسان الاطلاع على سنن الله في الكون وقوانينه في الخليقة. وكلما فتح بابا مكنه من أمرين معاً:
1) اكتشافه لحكمة من حكم الله في الخليقة فيزيد إيمانه إشراقاً.
2) تمكنه من تطويع ذلك ليحكم تعميره لما استخلف فيه. وهي سلسلة لانهاية لها كما سبق أن بيناه في مباني العلم في الإسلام. ولكن العالم الإسلامي ظهر في القرون الأخيرة بمظهر العاجز عن التحكم في أسرار الكون وتطويعها كما طلب الله منه. هو الجهل المرتبط بالتقليد. حظ المسلمين من العلوم الكونية هو التقليد لا الإپداع والاختراع. فمثلاً مهرة الأطباء عندنا هم الذين يطبقون ما أخذوه عن الغرب تطبيقا سليما. وليس لهم دور لا في الأجهزة التي يستندون إليها في الكشف، أو التحليل، ولا في تطوير نظريات. لا أعلم أن أطباءنا أضافوا جديدا للمعرفة الإنسانية. وكذلك المهندسون، وحتى علماء القانون هم عالة على المدرسة الفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية.
إن أول مايجب أن تتجه إليه عناية الأمة هو التربية، استلهاما من المنهج الرباني. إن أول آية نزلت على قلب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تجمع في أسلوب معجز بين التعلم (إقرأ) وبين رطبه بخالق الأكوان (باسم ربك الذي خلق) وبين نفاذه الى أسرار خلقه (خلق الإنسان من علـق). إن التزاوج بين العلم وبين الإيمان، هو المنهج الرباني وعاه أصحاب رسول الله ثم سار عليه المسلمون أيام عزهم فضموا إلى رضوان الله عزة في الدنيا وتمكينا فيها. روي البخاري بسنده إلى أپي نضرة قال: قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر: طلبت حاجة إلى عمر في خلافته. فانتهيت إلى المدينة ليلا، فغدوت عليه، وقد أعطيتُ فطنة ولسانا (أو قال منطقا) فأخذت في الدنيا فصغرتها، فتركتها لا تساوي شيئا. وإلى جنبه رجل أپيض الشعر أپيض الثياب. فقال لما فرغت: كل قولك كان مقاربا إلا وقوعك في الدنيا. وهل تدري ما الدنيا؟ إن الدنيا فيها بلاغنا (أو قال زادنا) إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة قال: فأخذ رجل هو أعلم بها مني. فقلت يا أمير المؤمنين! من هذا الرجل الذي إلى جنبك؟ قال: سيد المسلمين أبي بن كعب([25]).
ليتمكن الإسلام من تحقيق العالمية يتحتم:
أولاً: تغيير مناهجنا من التلقين إلى تحريك العقول لتنفذ إلى الأسرار. ومن عزل علوم الدين عن علوم الدنيا إلى الوصل بينهما. وأن لا تقلّ عنايتنا بتربية العقول عن تربية السلوك وتهذيب النفس.
ثانياً: الإصلاح الاجتماعي المبني على تربية الأجيال على حب العدل والتزامه مما تذوب معه الأنانية الطاغية، حتى يستحي الفرد من الظلم ويمقته في أصغر الأشياء وأعظمها على السواء. ويشمل ذلك الأسرة في حقوق الذكر والأنثى والوالدين والأولاد والزوج والزوجة. ويشمل ذلك أيضا العلاقات الاجتماعية في المدينة والدولة والملك العام والملك الخاص. لقد تكرر الأمر في القرآن بالعدل وتكرر النهي عن الظلم. وقد يخيل لبعض الناس أنه ظلم الحاكم أو رجل القضاء. وهو فهم ساذج. فالله يقول: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلـوا هو أقرب للتقوى)([26]).
ويقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أعطوا الطريق حقه([27])، فالعدل لا يتبع عواطف الحب ولا البغض، والطريق ككل المصالح العامة التي ينتفع بها المواطن يحتم على المستفيد أن لا يظلم فيتجاوز حقه في الاستفادة.
ينوه معظم المفكرين والكتاب بالديموقراطية، ويعتبرونها السبيل الوحيدة للحق والرفاه. والديموقراطية لها أشكالها المتعددة، بل إن شكل الديموقراطية في البلد الواحد يتطور تطورا كبيرا تكاد معظم ملامحه تتغير مع التقدم الزمني، ولو قارنت أوضاعه الحاضرة مع أوضاعه السابقة لانكشف لك فيه من النقائص والظلم الشيء الكثير. أم إذا نظرت في تطبيقاته في العلاقات الدولية وجدته لا يختلف عن بقية الأنظمة. يقول الكاتب جوهيا مورافشيك: إن الديموقراطية الحديثة ولدت سنة 1776، في شعب الولايات المتحدة الأميركية الحر. ولم يكن تعداد السكان يبلغ مليونين. ولم يكن كل المواطنين يتمتعون بحق الانتخاب، ففي بعض الولايات لا ينتخب إلا الرجال، وفي بعضها لا يتمتع بحق الانتخاب إلا من يملك ضيعة، ويقول إنه بواسطة انتصارات حركات الدفاع عن الحقوق المدنية سنة 1960 أمكن رأب الشرخ فتمكن النساء والأقليات بعد الكفاح القوي من المساواة في الحقوق المدنية([28]).
فالملونون في الولايات المتحدة ما كان لأولادهم أن يتعلموا في مدارس البيض. وليس لهم حق في الانتخابات إلى سنة 1960.
أما في العلاقات الدولية فإن الاستعمار لم ينتشر في العالم إلا عندما أخذت أوروبا بالديموقراطية والهيمنة القاسية، واستلاب حق الشعوب، والمأساة الإنسانية في فلسطين كلها بغطاء الديموقراطية.
أريد أن أبين ما أقصده جيدا من العدالة بضرب أمثلة بسيطة تكون لها دلالتها الواضحة. إن الذي يريد أن يسبق من كان قبله ليستأثر بمقعد في الحافلة هو غير عادل وظالم، إن الذي يحدث ضوضاء وقت ما يكون الناس نياما هو ظالم لهم، إن الذي يتملق السلطة وينشر أخبارا غير صحيحة ولا دقيقة هو ظالم للمجتمع، إن الذي يزيف الحقائق في الإعلام هو ظالم للذين خدعهم، إن الذي يعمل على منع الأنثى من مممارسة حقوقها هو ظالم لها وللمجتمع معا. وقس على هذا المنوال ما يكشف لك بأدنى تأمل أن العدل هو الأساس، وأن طرق تطبيقاته السياسية والاجتماعية كثيرة، والديموقراطية مقبولة إن كانت تحت غطاء العدالة، وإلا فهي نوع من التزييف والخداع.
إن العالم الإسلامي لو قدم مثالا للعالم على التزامه بالعدالة واحترامه لها لكان ذلك من أهم العوامل المحققة لعالمية الإسلام. وإن أعظم ما ينفر من الإسلام، وما يطعن به خصومه فيه، هو الصورة الواقعية للمسلمين الذين بتوالي قبولهم للمظالم المتنوعة هانت نفوسهم، وابتعدوا عن مقاعد العزة. يقول المتنبي:
من يهن يسهل الهوان عليه
مالجرح بميت إيلام
ثالثاً التعاون الصادق
لقد قرر القرآن أننا أمة واحدة، وأن رابطة المؤمن بغيره هي رابطة الأخوة، ولا أريد أن أسرد الأدلة فهي معلومة، ضروري معرفتها من أعداء الإسلام وخصومه فضلا عن معتنقيه.
أنا لا أدعو إلى أن تكون الأمة الإسلامية دولة وعلما واحدا على تباعد أقطارها، واختلاف أوطانها وثقافاتها ولغاتها. فهذا أمر خيالي وتصور بعيد أن يبرز إلى التطبيق الواقعي. والإسلام دين واقعي منهجيا وفلسفيا. ولكن أقول إن واجب الحكومات والقيادات في العالم الإسلامي أن يكون من ثوابتها التي لا تقبل الاجتهاد ولا التأويل ولا الاسترخاص، أن تكون علاقة كل شعب ببقية الشعوب علاقة تكامل في جميع الميادين الاقتصادية والعلمية والثقافية والعسكرية والدفاعية. يد على من سواهم.
حذرنا الله من النزاع فقال: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) ([29])، ذهبت ريحنا وتمزقنا ومضى علينا قرون من التناحر والتصادم والدعوى الجاهلية (العرقية) فابتلعنا أعداؤنا وأذلونا وانتقصت بلاد العالم الإسلامي من أطرافها، وأصاب في عصرنا السرطان الخبيث قلبها في فلسطين.
إن عالمية الإسلام تقتضي منا أن يضع أهل الذكر حكماء العالم الإسلامي ميثاقا لعلاقة شعوب العالم الإسلامي يدرس في جميع مراحل التعليم، ويقرر كبنود في مقدمة الدساتير، وتخصص له الندوات الفكرية، ويقسم كل ولي أمر على احترامه أمام شعبه وأمام العالم. وينتخب مجلس تمثل فيه جميع دوله يقولم على حراسة تطبيقه.
الهوامش:
([1]). التحرير والتنوير، ج17، ص170/ 171 بتصرف.
([2]). في ظلال القرآن، ج 17، ص26/64 بتصرف.
([3]). الإسلام والتفاعلات المعاصرة بحث د. محمد بدر المنياوي مجمع الفقه الاسلامي الدورة الرابعة عشرة.
([4]). غسان الغزي، في جذور العولمة، ص46.
([5]). ظاهرة العولمة كتاب الأمة، ص86.
([6]). سورة النمل / آية 79 .
([7]). سورة النور / آية 54 .
([8]). سورة الملك / آية 15.
([9]). سورة المزمل / آية 20 .
([10]). القواعد، ج 2، ص 257.
([11]). كتاب الأمة ص 148 / 149 العدد 86 .
[12])). Bill Mesler The Pentagon,s Radioacitve Bullet The Nation 21\10\66. p12\13
([13]). الدولة الفاسقة، ص 140 و L Etat Voyou. P. 141.
([14]). نفس المصدر، ص 56 / 57 .
([15]). الدولة الفاسقة، ص 140 و L Etat Voyou. P. 141.
([16]). سورة الإسراء / آية 36.
([17]). سورة الإسراء / آية 85.
([18]). سورة طه / آية 114.
([19]). مجلة الحوار الأميركية، العدد الثالث لسنة 90 ، ص 12/ 13 بتصرف Dialogue
([20]). فتح الباري، ج 11، ص 132/ 133.
([21]). العالمية والعولمة بحث آية الله الشيخ محمد علي التسخيري مجمع الفقه الإسلامي الدورة الرابعة عشرة.
([22]). سورة الأنعام / آية 161 .
([23]). سورة المنافقون / آية 8 .
([24]). سورة هود / آية 61 .
([25]). الأدب المفرد ح 476 ، ص 206.
([26]). سورة المائدة / آية 8 .
([27]). فتح الباري، ج 13، ص 247.
([28]). مجلة الحوار العدد 4/ 1991، ص 21/24 Dialogue.Joshua.Muravchik
([29]). سورة الأنفال / آية 46 .
ارسال نظر