الإسلام وتحديات العولمة
سعد المنصوري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين.
المقدمة :
العولمة من المصطلحات حديثة التداول والاستعمال في عالمنا المعاصر، تقترن في الاذهان غالباً بالجانب الاقتصادي، وسوّقت بغلاف التقدم، والرقي، والرفاه الاجتماعي، وألقيت باعتبارها القدر والحتميّة في طبيعة العلاقات الدولية، والاجتماعيّة، في ظل التطورات التقنيّة، وتكنولوجيا الإنتاج.
وهي لا تقتصر على الجانب الإقتصادي في فعالياتها ونشاطاتها وأهدافها وان كان العنصر الرئيسي في نظرية العولمة، إلّا أنها تتعداه لتشمل الجوانب الأخرى من الحياة الإنسانية الثقافيّة والسياسيّة والإجتماعيّة. والجوانب الأخيرة يأخذ بعضها موقع المقدمة لتحقق المنافع الإقتصادية، وأخرى نتائج ساهمت الاخيرة في أيجادها.
وشغل موضوع العولمة إهتمام المفكرين والسياسيين والاقتصاديين ومراكز الدراسات واحتل مساحة كبيرة من عنأية المحافل العلميّة.
وللأهميّة التي يحظى بها، وللآثار والنتائج التي يتعرض لها نظام الحياة اليومية المباشرة لإنسان اليوم من تحولات ولعوامل أخرى إنقسم الباحثون بين مؤيد ومناصر للعولمة، ومشكك بمصداقيتها ورافض.
فالمناصر يعتبرها اعلى مراحل التقدم الذي أنتجه الفكر الإنساني ونهأية التأريخ، والحل الوحيد للمشاكل المعاصرة في العالم، وآخر مؤيد من نوع آخر، ويعتبرها كالقانون الطبيعي الذي لا يمكن التحكّم به ولا خيار قياله إلّا الاستسلام.
والمشككون ينظرون إلى الشعارات، والواقع، والقائمين على الدعوة، والقائدين للتجربة، فيشككون في مصداقيتهم، وحسن نوأياهم، لأنهم صانعوا الاضطرابات ومستثمريها، وناشروا الفقر ومروجي الفساد وناهبوا خيرات وثروات العالم، فمتى أصبحوا يتحركون بهذا المستوى من المسؤولية إتجاه العالم؟، ومصائب العالم جاءت نتيجة عدم إلتزام الدول صاحبة القدرة داخل حدودها الوطنيّة. فمتى ما استقرت جيوشها يتحقق الأمن والمصالح لأخرى.
والرافض للعولمة، لقراءته لها بأنها مفردة الخطاب الإستعماري الجديد وصياغة القوى الاستكبارية التي تتحرك بإتجاه الهيمنة، وفرض قدرتها على العالم بنـزعتها الاستبدادية، وشعاراتها التغييريّة، محاولة لأيجاد تحوّلات في نمط الحياة الإنسانية، في السياقات التي تساهم في تحقيق أهدافها.
فركّزت نشاطات فعالياتها بإتجاه الإنسان لإفراغه من محتواه وانتمائه الحضاري، ونحو الوطن، لافراغة من استقلال، وسيادته، وثرواته، والحياة، من أهدافها الصحيحة.
وكان للشعوب والمجتمعات الإنسانية وعي متقدم، وإحساس جدّي، بخطورة الانسياق خلف شعار العولمة، وادراك لما تؤدي إليه من شقاء وبؤس وانقسام، وساهم الوعي العالمي لأهداف العولمة بإثارة اعتراضات شملت شوارع العواصم الكبرى، أدّت إلى صدامات سقط خلالها جرحى وقتلى، ولم تقم منظمة التجارة العالمية اجتماعاً على أي مستوى إلّا وهو صرف بالمتظاهرين والمعترضين واصبح هذا المنظر مألوفاً في وسائل الاعلام.
والمجتمع الإسلامي، باعتباره الهدف في الاستثمار والاستغلال والهيمنة الاستكبارية لما يمتلك من مواقع جغرافيّة متميزة وحساسة للارتباطات البرية والمائية، والثروات الطبيعية الوافرة، وحاجة الغرب لها لإدامة تطوره، وتقدمه وحياته اليومية، ولما نمتلكه من حضارة ونظرية متكاملة فاعلة، كل ذلك جعلنا أكثر الشعوب تعرضاً للموآمرات على جميع المستويات.
وهذا يملي علينا مسؤوليات إضافية، أحدها بإتجاه مقابلة العولمة، والثاني اتجاه البناء الداخلي للأمة على أساس مبادئها، والثالث نحو مواكبة العلوم العصرية للحصول عليها لامتلاك مقومات القدرة التي تدعم الحضارة الإسلامية المتقدمة، بالاعتماد على القدرات والطاقات الذاتيّة، لتفعيلها على نسق واحد بإتجاه النهوض والتحرر والعمل لإحتلال الموقع الطبيعي للأمة الإسلامية الذي يتناسب مع موقعها الحضاري وطاقاتها المعنوية وثرواتها الطبيعيّة، واستعداداتها الإنسانية.
التمهيد
احتفظ العالم بنوع من التوازن في القوى، وحكمت فيه معادلات لإدارة الصراع السياسي والتنافس وتقسيم المنافع، وكان هذا النمط من الإستقرار النسبي سائداً على المجتمع الدولي في فترة ماتسمى بالحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالميّة الثانية.
فلما كانت أحداث غزو الكويت من قبل النظام العراقي اقترنت بمرحلتين غأية في الأهميّة والتأثير في التحولات العالميّة:
الاولى: التطور التكنولوجي
شهد العالم تطوراً تكنولوجيا سريعاً وواسعاً، وسيطرت الآلة على معظم مراحل عملية الانتاج، فكانت نتيجة ذلك، الاستغناء عن الإنسان في مراحل كثيرة من الانتاج، وساهم ذلك في مضاعفة البطالة وحلول الآلة محل الأيدي العاملة وانفجرت هذه الاوضاع في ظروف تشكوا فيها أكثر دول العالم من الكثافة السكانيّة وزيادة نسبة النمو السكاني، وضعف الموارد الاقتصاديّة وشيوع المشاكل العالميّة التي تشمل أكثر من دولة، كالجفاف، وازدياد معدلات التأخر، والمخدرات، وتلوث البيئة، والحروب الداخليّة وغيرها، فنتج عن تقسيم للعالم بين الشمال الأقليّة التي تمتلك أعلى معدلات النمو الاقتصادي ووفرة الثروة وقلة السكان، وقدرة الإستثمار، وبين الجنوب الذي يمتاز بفقدان التكنولوجيا المتطورة، وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي وضمور الثروة، وازدياد معدلات نمو السكان.
ففي الشمال كانت تكنلوجيا الانتاج قد ارتقت القمة في التطور، واُحيطت بنظام محافظ، وحظر من التسرب والتصدير، واحتكار الدول الصناعية لها، فأصبح الغرب مركز الانتاج والتحكم والتوظيف للتكنلوجيا، وأمريكا مركز الغرب استغلت هذه الاجواء واغتنمت الفرصة للتحكم بالعالم على أساس أيديولوجي وقومي يعبر عن الأحلام الأمريكية، والغربيّة للسيطرة على العالم.
فعلى أساس تفاوت القدرة في الحصول على تكنولوجيا الانتاج انقسم العالم، وقام النظام العالمي الجديد في تحديد العلاقة وكيفيتها بين دول العالم بتحكم المركز الغني بقيادة امريكا، فالنظام الجديد يمثل إرادة الأغنياء، ولم يقتصر النظام الجديد على الاقتصاد وإنّما تمدد إلى أكثر من ذلك فطال الثقافة والسياسة وطريقة الحياة وطبيعة العلاقات.
الثانية: انهيار الاتحاد السوفيتي
وصول غرباتشوف لأعلى سلطة في الدولة والحزب في الاتحاد السوفيتي السابق، وابتداع النظرية الإصلاحية «البروسترويكا» التي استهدفت إعادة تنظيم هيلكيّة الإتحاد السوفيتي – الذي تآكل من الداخل – ولم تتمكن من تحقيق أهدافها، لافتقادها للآليّة المنسجمة مع الاوضاع الداخليّة والعالميّة في حركتها بالإتجاه الذي اُريدلها، وعجز غرباتشوف من إحكام قبضته علهيا وتوجيهها نحو الغأيات المبتغاة منها وذلك لعوامل متعددة منها الضغوط الغربيّة، والاوضاع الداخليّة التي تعاني من تدهور على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والاوهام التي ملئت ذهن القيادة السوفيتيّة التي اتخذت تلك الطريقة وذلك المنهاج من الاصلاحات في ظروف عالميّة خطيرة وحساسة ومصريّة، إنتهت بتفتت الاتحاد السوفيتي وغيابه عن ساحة الصراع الدولي، وتشخصي حلف «وارشو» والمعسكر الشرقي وأذن الواقع الجديد بظهور نظام جديد يقوم على هيمة القطب الواحد بعد ان زال التنافس القطبي الثنائي لصالح امريكا.
وفي غمرة هذه الاحداث والظروف إحتل النظام العراقي دولة الكويت، واستطاعت أمريكا من تعبئة العالم بهذا الإتجاه وتحالف أهم الدول معها في حرب تحرير الكويت، وقادت التحالف وكسبت الشرعيّة الدوليّة لقيادة عملية عسكرية وسياسيّة وتواجد في أكثر مناطق العالم أهميّة وثروة وحساسيّة وتأثيراً على الاحداث والتغييرات العالميّة.
فساهمت التفاعلات في العالم الجديد، والأزمات المتعاقبة والظهور والانهيار لبعض القوى المؤثرة على الساحة الدوليّة إلى بروز ظاهرة جديدة أعطت لنفسها القيمومة والاشراف على حياة المجتمع الإنساني وتعتبر نفسها نهأية التاريخ، حينئذ كانت الفرصة موآتية والأجواء مساعدة لتعبر القوة المنتصرة عن وجودها وتقدم مشروعها العالمي. فإقترن الإعلان عن النظام العالمي الجديد بنهأية النظام العالمي القديم الذي جاء على انقاض الحرب العالميّة الثانية بقيادة دول التحالف التي جعلت لنفسها امتيازات خاصة شأنها گأي منتصر في إملاء شروطه وتحقيق مصالحه، واستمر هذا النظام يحكم قبضته بمعادلة توازن القوى ذات القطبيّة الثنائية، الشرق والغرب، انتهى بظروف مشابهة لمرحلة النشوء في حرب الخليج الفارسي الثانية عندما أخرجت قوات التحالف الجيش العراقي من الكويت وانهيار الإتحاد السوفيتي.
وفي غياب قطبيّة منافسة بدأ العقل الأمريكي يطرح نظريتين.
الاولى: نهأية التاريخ
وهي فكرة ترى ان العالم يسير وفق سنّة يمر من خلالها بمراحل متعددة من التطور على الصعيد الثقافي، والفكري والاقتصادي والاجتماعي والحضاري يصل العالم فيها إلى نقطة النهأية بعيش العالم نمطاً واحداً من العلاقات والثقافة والمعيشة مقتدياً بالنمط الغربي والامريكي، والترويج لهذه النظرية محاولة لإضعاف الروح المعنوية للشعوب الإسلامية ووضعهم أمام أمر محتوم لاخيار لهم فيه إلّا التسليم والانقياد له، وهذا جزء من برنامج الهجوم الثقافي على العالم الإسلامي.
الثانية: الصراع الحضاري
قادة الغرب وأمريكا بحاجة إلى حفظ حالة التوتر والتعبئة والاستعداد للمواجهة في مجتمعاتهم، وهذا الأمر بحاجة إلى إثارات من شأنها خلق العداء، والاحساس بالخطر، فعمدوا إلى إثارة الصراع الحضاري بين الثقافة الشرقيّة الإسلامية، والثقافة الغربيّة المسيحيّة في مختلف مجالاتها، وصّوروا لهم ان الخطر الحقيقي يكمن في الإسلام، وعلى هذا بدأت وسائل الاعلام تروّج لذلك وبعض القادة صرّحوا كالرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، بأنها حرب صليبيّة وقال رئيس اركان قوات حلف شمال الاطلسي عام 1991م: «لقد كسبنا الحرب الباردة بعد 70 عاماً، ونعود مرة اُخرى إلى الصراع الرئيس منذ 1300 عام إنها المواجهة مع الإسلام وليس 70 عاماً ولابد ان يكون هذا الصراع خطيراً» ([1]).
ومثل هذا الطرح يوظف لتبرير مواقفهم اللاإنسانية واعتداءاتهم وجرائهم الوحشية، وتجاوزهم لمبانيهم الفكرية والأيديولوجية في مأيتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من الحريات المختلفة، وتبرر المواقف المنحازة باتجاه إسرائيل والدعم الغربي للأنظمة الدكتاتورية.
فالنظريتان اُعدتا لخدمة الغرب وتهديد للعالم الإسلامي، وتضعه في موقع الخاسر على الاحتمالين في ذوبانه في الحضارة الغربيّة أو في حالة الاصطدام.
وفي المقابل تزرع الامل في نفوس مجتمعها وتطمئنهم بانتصار حضارتهم وسيادتها في العالم، بشرط الاستعداد للمواجهة مع الحضارة الإسلامية.
العولمة، مضمون وأهداف
العولمة: تعني فرض نهج معين ومصالح وقيم ثقافية بذاتها، وكل ماتراه القوة ذات الهيمنة أمراً نافعاً وضرورياً لمصالحها. فالعولمة منهج عملي لاتحده طريقة، وإنّما يتحرك بمرونه باتجاه المصالح التي خلقتها إرادات الدول الصناعية الكبرى، ومولتها وروّجت لها بالسلاح والنار، من أجل مصالحها التي تكمن في انشاء نظام اقتصادي ودولي هرمي يتكون من قلب ومركز غني من الاقتصادات المتقدمة والمستغلة، تحيط بها حافة فقيرة، وان العولمة ستؤدي إلى تركيز شديد في قوة الشركات في نطاق وعبر الحدود القومية، وان التجارة الدولية ونواحي نشاط الشركات متعددة الجنسيات ستسفر عن زيادة عدم المساواة دولياً.
فالعولمة لا تعني تعاون الجهود العالمية على مستوى النديّة وإنّما تعني الأحادية والسيطرة من قبل أمريكا والغرب على مصادر الثروة وفتح أسواق لمنتجاتها فالقضيّة المركزية الاقتصاد، ولا يتوصل اليها إلّا من خلال تغييرات أساسيّة، ولهذا إتخذت في تطبيقاتها طريقة غزو الثقافات الأخرى، ومحاولة محوها وجوداً وتأثيراً وابقائها على المستوى الفلكلوري، لا تؤثر على الواقع ولا يتأثر بها أو يتفاعل معها. ثم سيطرة القوى الكبرى الغنيّة.
والعولمة الأمريكية التي يراد لها الهيمنة والسيادة على العالم، لا تعني تحدّياً حضارياً، وغلية الحضارة الأقوى كما يحاول تصويرها الامريكان وإنّما غزواً لبلدان الثروة والمواد الخام تمارسه بلدا نالتكنولوجيا الصناعية، فهو مشروع هيمنة واستثمار على الواقع السياسي والاقتصادي من جهة تتقدمة القدرات الاعلاميّة الهائلة والمعقدة، وخبراتها التضليليّة التي اكتسبتها خلال فترات زمنيّة طويلة ودراسات تخصصيّة، لم يكن لهذه القوى الاعلامية يمثل على مستوى الكم والكيف، وقدرة على تسخير المؤسسات الدولية وتوظيفها لإعطاء تحركها صفة الشروعية والقانونيّة تتطابق مع الموازين الدولية فالعولمة تسمية بديلة للاستعمار والهيمنة الشاملة على العالم.
عناصر النظام العالمي الجديد
نقصد بالعناصر، البنية أو القاعدة التي يقف عليها النظا العالمي، الذي يحمل الصفة والعنوان الدولي، وهي تعني دول الشمال التي تمثل 20% من سكان العالم وتسيطر على 80% من الثروة العالمية فهو استخدام في غير محلة، واُعطي صفة العموم تعسفاً، او عدم اعترافهم بغيرهم في الوجود.
فالدول الاستكبارية تجد ان مصالحها تملي عليها ان تتمدد إلى مساحات واسعة من العالم لتوفير المواد الأوليّة والاسواق، فتتكلم بالصفة الدولية لتبرير توسّعها، وعليه فإن المفردات الدولية كهيئة الامم ومجلس الأمن وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنكظمات التجارية، مؤسسات أنشأت لضمان مصالح المؤسسين والنظام العالمي لما كان أحد إبداعات تلك الدول، فهو يقوم على تلك القواعد والمؤسسات الدولية التي تمنحه الشرعية وتعاقب المتخلفين أو المعترضين بإعتبارهم خرجوا على الشرعية الدولية (إرادة الدول الإستكبارية الغنيّة) فأصبحت المؤسسات وسائل هيمنة الاستكبار والمدافع عنه ومن أهم العناصر المؤثرة في النظام العالمي الجديد:
أ- البنك الدولي
وهو ابرز قلاع العولمة، والمساهمين الرئيسين في رأس مال البنك هم: الولأيات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، اليابان. أنشأ البنك التمويل المشاريع في الدول ذات الحاجة إلى التمويل المالي. لإنجاز مشاريعها العمرانيّة والتنمويّة.
لكن التعامل والشروط وطريقة اعطاء القروض للدول المحتاجة لاتتناسب مع شرائط تلك الدول، اشتراط الخبراء مثلاً لذلك: عندما يقدم البنك قرضاً لتمويل مشروع يشترط الاستعانة بخبراء للاشراف على المشروع ومتابعة أعماله حتى النهأية، وهم غالباً من اوربا او من أمريكا، والحد الوسطي لراتب كل مستشار (7250) دولار وزاد بعظهم (13000) دولار شهرياً، ويزود الخبير بمنزل ذي مواصفات لائقة بالسكن، بدل مواصلات، ومكاتب، ونفقات اُخرى، يصل متوسطها الشهري (9500) دولار، وسائق وخادمة أو أكثر وطباخ وبستاني وكلهم تصرف عليهم الدولة المقترضة([2]). ([2]).
تسترد باليسار ما تدفعه باليمين
يقول مسؤول البنك الدولي «ان معظم اموالنا لا تذهب إلى الجنوب (الفقير) إنما تذهب مباشرة من واشنطن إلى بتسلفانيا حيث تصنع التوربينات، أو إلى فرانكفورت حيث تنتج آلات الحفر» ([3]).
ويذكر ان القروض التي حصلت عليها الدول الخمس كالتالي «وقد حصلت تلك الدول حتى الآن على نصف المبالغ التي انفقها البنك على مشاريعه، اما الولأيات المتحدة الأمريكية بالذات فقد حصلت شركاتها على 24 مليار دولار من عقود عمل مع البنك، وهو المبلغ نفسه الذي ساهمت به الحكومة سواء في البنك او في وكالة التنمية الدولية.
اما بريطانيا فقد كانت أحسن حالاً فقد دفعت مبلغ 7 مليارات دولار وحصلت بالمقابل على عقود بمبلغ 12 مليار دولار يقوم البنك بتمويلها» ([4]).
أي ان هذه الدول الأكثر مساهمة، هي ذاتها التي تحصل شركاتها على أكبر عقود ممكنة من مشاريع البنك، وهي مشاريع بالاساس تهدف إلى تنمية العالم الثالث ومساعدة فقراءه، ولكن عندما تسترد الدول المساهمة والغنية مادفعته مع الفوائد، وعندما يلتهم خبراؤها كتلة نقديّة خيالية من كل مشروع، لا ينتظر الجنوب من الشمال إلّا استيراد البؤس والفقر والحرمان.
ب – المنظمات الدوليّة
اتخذت القوى الاستكباريّة ذات النفوذ والهيمنة المنظمات الدولية واجهة شرعية لتدخلاتها في المسائل المختلفة في العالم، ووظفتها غطاءً لحركتها وتنفيد إرادتها من دون إعطائها الصفة الاستكبارية لتلبس فعالياتها الشرعيّة الدوليّة والاهداف العالميّة.
وتمكنت تلك الدول من تسخيرها لأنها هي التي انشأتها وفرضت إرادتها في القوانين الدولية والنظام الداخلي للمنظمات.. في اسلوب تتمكن من تحريكها بإتجاه مصالحها ويساهم في الحد من نشاطات اعداءها.
ونلاحظ النظام الدولي المعاصر يتحرك بإرادة القوى القوية في العالم ويهتم بالمسائل التي تثيرها ويحكم لصالحها ولا يتجرأ بإدانتها. والمنظمات الدولية، تشمل الحكومية وغير الحكومية، كمنظمة الامم المتحدة وما يتفرع عنها من منظمات إقتصادية وتربويّة، وانسانيّة. وتختلف هذه المنظمات باختلاف الهدف الذي تأسست لأجله وبطبيعة الاعضاء المنتعين لها.
وتعتبر منظمة التجارة العالميّة أهم مؤسسة في الترويج للنظام العالمي الجديد والتي تلاحقها الجماهير في كل الدول بالتظاهرات أينما عقدت إجتماع وعلى أي مستوى.
جـ – الشركات متعددة الجنسيات
تمثل أساساً آخر مهم وفعّال في هيكل النظام العالمي الجديد – العولمة الاقتصادية – تتحرك بدعم وحمأية قرارات ومعاهدات ومنظمات دوليّة، واسناد دول الشمال سياسياً وعكسرياً، وهذا يجعلها تتحرك بفاعلية مضاعفة ويمنحها قدرة النفوذ وإلغاء المنافس.
وهذه الشركات نعتمد مبدأ الريح والمنافسة الاقتصادية، وهدفها الرئيسي الفعاليّات والنشاطات في المشاريع الإنتاجيّة والتجاريّة، وقد تكون لها أهداف ثانويّة اُخرى، ثقافية او دينيّة او سياسية او أمنيّة وتمثل بعضها واجهات لنفوذ اقتصادي وسياسي لقوى وحضارات ودول كبرى في شؤون بعض البلدان التي تتواجد فيها تلك الشركات ولهذه الشركات موقع مركزي رئيسي وفروع منتشرة في أنحاء العالم وتتمتع بقدرة على التأثير او الضغط على بعض الانظمة تصل أحياناً إلى اسقاطها، ومن هذه الشركات شركات النفط.
د - الشخصيات العلميّة
يمكن اعتبار الشخصّيات العلميّة أو السياسية أو الدينيّة أو الفنيّة لها أثر خارج حدود بلدها، ومساهمات في إحداث تغييرات في الاوضاع والمجريات العالميّة، لأن المعرفة سلطة وادات هيمنة ومن يمتلكها وادوات توزيعها وتوظيفها يمتلك قدرة وسلطة التحكم في العقول التابعة والمتأثرة به.
ولهذا يتمثل رجال العلم والسياسة الملتزمة لهذه النظرية الجدية في طريقة الاستعمار او المتأثرة بالغرب أو المنهزمة في المواجهة للتحديات، أحد الواجهات الإعلاميّة للعولمة والترويج لها.
وقد استغل هؤلاء ثقة الجماهير فعمدوا إلى صياغة أفكارهم واطروحاتهم الأيديولوجيّة ومشاريعهم بشكل قادر على تحقيق التأثير في المجتمع ووظفوا قدرتهم الاقناعيّة لتساهم في تيسير مرور آرائهم وخلق حالة تفاعل معها عند بعض المثقفين ثم عامة المجتمع.
فالشخصيات العلميّة ذات الاتجاه الغربي أحد الواجهات الاعلامية في نهيأة الارضية لاستقبال العولمة، والمروجين لاستيرادها والسماح لممارسة نشاطاتها داخل المجتمعات الإسلامية والعالم الثالث.
ماهيّة العولمة أو الأمركة
العولمة لا تمثّل مفهوماً مجرداً، وإنّما هي واقع معاش، والفهم الصحيح لها من خلال واقعها الخارجي، وحركتها، وكيفيّة أداءها وتطبيقاتها، لأن الشعارات والتبريرات لأيمكن ان تكون دليلاً على صدق المحتوى، والواقع الخارجي يكذبها.
الامم لاتعيش مع الشعارات ولا تتفاعل معها، وإنّما تعيش مع الواقع الذي تراه، وتنظر إلى نتائج وأثر الاقوال على حياتها.
ففهم العولمة نفتش عنه في الواقع الرسمي الأمريكي الذي يعتبر نفسه منظراً وقائداً وموجهاً لها.
1- الولأيات المتحدة الضامن للنظام العالمي
لقد أبرزت وثيقتان للبنتاغون هذا التوجه بوضوح نذكر هذا المقطع منهما: «الولأيات المتحدة هي الضامن للنظام العالمي، لذلك يجب ان نتصرف باستقلاليّة في حال وقوع كارثة تتطلب رد فعل سريعاً، أو عندما يصعب تجميع موقف عالمي موحّد» ([5]).
2- قلب انظمه الحكم لإرجاعها للحضيرة الأمريكية
أحد وسائل الحفاظ على النظام العالمي الانقلابات العسكرية وسيطرة عقليّة الثكنة على المجتمع ليتحقق النظام العالمي «المصلحة الأمريكية» كما ذكر هذا مكتب الاستخبارات الأمريكية: »كما رأت الولأيات المتحدة أنه في الدول التي يصعب فيها التحكم في الشرطة والعسكريين بطريقة مباشرة، يجب قلب نظام الحكم، وأن يصل إلى الحكم فيها نظام أكثر تودداً للولأيات المتحدة، وأن يوضع على رأس القمة والحكم «جيش دائم التواجد في السلطة، على طريقة» الحرس الوطني «أعوان سوموزا الذي ظل طول سنوات حكمه من المقربين للولأيات المتحدة»([6]). وهذه أحد وسائل إرجاع الدول إلى الحضيرة الأمريكية.
3- العالم الثالث عدو امريكا
لا تفكر امريكا كما يدعي مؤيدي العولمة، ان تكامل الاقتصادات الأقل نموا في الاقتصاد العالمي سيحقق زيادة كبيرة في معدلات نموها الاقتصادي وفي مستويات انتاجيتها، وان المعدلات السريعة للنمو الاقتصادي سيفيد كافة السكان عندما يحيى الوقت.
الامريكان يعتبرون العالم الثالث العدو الأقوى لهم لأنه يقف امام مصالحهم ولذلك يجوّزون لأنفسهم قتلهم كما يقول ويليام كوهين وزير الدفاع الأمريكي السابق: «الصراعات المحتملة قد تستوجب حرباً» «متوسطة الكثافة مع العدو الأقوى في العالم الثالث، مما يحتم إهتماماً خاصاً، وبالأخص إذا اعتبرنا القوة احتياجاً حيوياً لفرض السيطرة على أقاليم ومناطق جديدة للحفاظ على الامكانيّة المفتوحة للوصول إلى الاسواق والمواد الأوليّة البعيدة» ([7]).
4 - القوة والامن الامريكيين قائمان على النهب
لقد ذكر ذلك ريتشارد أيميرمان بقوله: «القوة والامن الامريكيين يعتمدان بشكل أساسي على الحصول على المواد الأوليّة من العامل وبالتدخل في أسواقه الداخليّة، وبالأخص في دول العالم الثالث التي يجب أن تبقيها الولأيات المتحدة تحت السيطرة الشديدة»([8]).
ولهذا دأبت الحكومات الغربيّة منذ عدة قرون على فتح الأسواق لمنتجاتها وتوفير المواد الخام لمصانعها، في كل انحاء العالم، وذلك بكل وبأي وسيلة تقدر عليها، من غزو عسكري او مكائد سياسية ومالية، ثم نسعمها اليوم تعلن وبكل وقاحة ووجه مكشوف، أن على الحكومات ان ترفع يدها عن الاقتصاد.
5- السيطرة على الدول النامية
أعطت أمريكا لنفسها الحق في منع الدول من استخدام مواردها لخدمة شعوبها وقد فعلت ذلك مع رئيس الوزراء الأيراني عام 1954 الدكتور مصدق، واعتبر الانقلاب الذي أعاد الشاه وقضى على مصدق فتحاً عظيماً للإدارة الأمريكية كتبت نيويورك تأيمز في افتتاحيتها 6/8/1954م: على البلدان النامية الساعية للتطور، والتي تملك موارد طبيعيّة لا بأس بها، ان تتعظ من هذا المثال الذي ثم ضربه، فإذا اتبعت من يهذي بقومية مجنونة، فان هذا سيكلفها دون شك الكثير.
ان التجربة الأيرانية تبدو مقنعة لأي مصدق آخر، وتظهر له أن عليه أن يخلع نفسه من السلطة، كما أن التجربة ذاتها تحدد وتوضح لباقي القادة وتضيء لهم التصوّر المحدد لأولوياتنا.
امبراطورية بلا حدود
الاحلام والاطماع الأمريكية في الهيمنة على العالم لا تنتهي إلى نقطة معينة من خارطة الكرة الارضيّة، ولم يكن هذا الشره من معطيات الاحداث والتفاعلات الاخيرة من القرن العشرين، وإنّما كانت قائمة منذ أن أحست بقدرتها وتأثيرها على المسار الاقتصادي والسياسي والعسكري على الساحة العالميّة، وشعورها بالحاجة إلى سوق بلا حدود ومنابع بلا ثمن.
وهذه الطموحات والاطماع لا تحدها سيادة الدول ومصالح الشعوب وكرامة الامم وحرياتها، لهذا تكون حدود الامبراطورية الأمريكية كل سوق، ومصدر طاقة ومعدن، ولا يأمن منها أي شعب، وبهذا تتحقق الفوضى العالمية الجديدة التي كان بعض المفكرين يحذرون منها في بدأية ظهور أمريكا على الساحة الدولية كما كتبت سيمون في([9])، «إننا نعلم تماماً ان أمركة أوربا بعد الحرب ستصبح خطراً عظيماً، ونعلم أيضاً مدى ما سنخسره لو تم ذلك؛ لأن أمركة اوروبا سوف تمهد دون شك لأمركة العالم بأسره.. وحينئذِ سوف تفقد الإنسانية جمعاء ماضيها» ([10]).
وتحققت نبؤة سيمون في بعد أكثر من نصف قرن وبدأت امريكا بإظهار أهدافها ومشاريعها بعد أن أصبحت بمستوى لا تخشى الدول المنافسة، لهذا قال ويلسون وهو يشرح الدور الذي تقوم به سلطة الدولة في تحقيق الهيمنة الأمريكية: «بما ان التجارة لا تعرف حدوداً قومية، وبما أن المنتج يحتاج إلى العالم ليصبح بأجمعه سوقه التجاري، فلابد إذن من ان يسبقه عَلَم بلاده حتى يوفر له فرصة اختراق كل الابواب المغلقة، ولابد أن يحمي رجال الدولة الإمتيازات التي يحصل عليها رجال المال حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير سيادة الامم التي تحاول التصدي لذلك يجب إقامة المستعمرات أو ضمها حتى لا نترك أي ركن في العالم»([11]).
وقد طبق عقيدته هذه عندما أصبح رئيساً، فغزا المسيك وهأييتي الدومنيكان وأعمل جنوده الذبح والقتل والدمار ليهيؤ الاجواء ويفتحوا الأسواق لرجال الأعمال الأمريكيين.
أهداف العولمة
الهدف الأساسي للعولمة إقتصادي بحت، إلّا أن الآثار التي أوجدتها هذه الظاهرة جعلت تفاعلاتها تتجاوز هذه الدائرة لتساهم في تغيرات جذرية على الأبعاد الاخرى غير الاقتصاديّة كالثقافيّة والسياسيّة والاعلاميّة والاخلاقيّة، لتجعل منها أهداف توصليّة.
وهذهِ الأهداف وان لم تكن الغأيات النهائية إلّا أنها وسيلة وطريق للهدف الاقتصادي، الذي لا يتحقق منفرداً من غير تحوّلات على المستويات الاُخرى، ولذلك جنّد رعاة العولمة كافة الوسائل من أجل جعل العالم ذو ملكية خاصة، جاعلاً من السياسة والثقافة والاخلاق جزءً من هذه الإتجاه:
العولمة السياسيّة
وهو المخطط الذي تطرحه الولأيات المتحدة، والذي يهدف إلى جعل العالم وحدة سياسيّة تحت القيادة الأمريكية، مع وضع هامشي للأمم المتحدة.
فلهذا تتحرك امريكا في قيادة العالم بإتجاه منافعها وعلى طريقتها الخاصة في تحقيقها، وهو الذي يحكيه الواقع المعاصر في طريقتها الانتقائية، في تفعيل الاحداث والتعامل معها، فهي تغض النظر عن دكتاتورية واستبداد وانتهاك لحقوق الإنسان هنا إذا كان النظام موالياً للنظام الدولي «امريكا»، وتعاقب وتتسُّدد وتعبئ كل قواها ضد نظام آخر لم ينخرط في السياق المرغوب، وتبرز هذهِ الانتقائية في مسألة التعامل مع ملف حقوق الإنسان، حيث لم تصدر إدانة واحدة من المنظمات الدولية «للدولة» اللقيطة والمدلله عند الغرب مثل إسرائيل الغاصبة، في الوقت الذي تصدر فيه كل عام قوائم أسماء بعض الدول الإسلامية ذات الحكومات الوطنيّة ضمن الدول التي تنتهك حقوق الإنسان.
2- العولمة الثقافيّة
جعل العالم على نمط واحد في السلوك والعادات والعلاقات من دول أي إعتبار أو تقدير لثقافة الشعوب وخصوصياتها.
وعمدت أمريكا للترويج والتبليغ لثقافتها وطريقة حياتها باعتبارها النموذج الأرقى والأفضل، وتريد من العالم ان يعيش الحياة الأمريكية ويكون الأمريكي القدوة في الحياة في ملبسه ومأكله وعلاقاته الاجتماعية. وترويح هذه النظرية وتصديرها إلى العالم الإسلامي يقصد منها سلب المحتوى الثقافي والهوية الإسلامية ثم سلب الارادة للتمكن من امتصاص ثروات الشعوب، لأن هيمنة القيم الثقافية الوافدة تسهم في تسويق منتجاتهم.
والمجتمع النموذجي وطريقة الحياة الأمريكية النموذجية، وذيوع أوهامها، لا واقع لها فهي لم تكن إلّا أحد الأسباب الرئيسيّة لانهيار القيم الأخلاقية في عالم اليوم. الثقافة الأمريكية قائمة على طريقة تكوين وبناء الولأيات المتحدة الأمريكية ذاتها، التي لم تعرف شيئاً من القيم الإنسانية، ولا تمتلك وحدة بناء وتكوين سليمة كالمجتمعات الإنسانية العريقة. فهي خليط من اجناس وجنسيات مختلفة، إشتركت في عملية الاستيلاء والنهب، والقتل لسكان تلك الأرض، ثم استولت على بلادهم وأرضهم وكوّنوا أمريكا الحاليّة.
فلم تجمعهم هوية ثقافيّة موحدة ولا جنس موحّد، ولا يوجد أثر للثقافة في تكوين المجتمع.
فدعوة المجتمعات الإنسانية لتقليد النموذج الأمريكي، دعوة للانسلاخ من الإنسانية ونهأية انسانية الإنسان و«تعفن التاريخ» كما يقول روجيه غارودي.
3- العولمة الاقتصاديّة
التوسع خارج الحدود الوطنيّة في العمليات الاقتصاديّة، وانتقال الرأسماليّة في عملية زحف سريعة لفرض هيمنتها على المواد الخام والأيدي العاملة الرخيصة والأسواق الخالية من المنافس.
وهي، استجابة لوسائل الإنتاج لوفرة انتاجها وحاجتها للاسواق ولحاجتها للمواد الخام.
واستجابة للاطماع والاهواء غير المحدودة لأصحاب رؤوس الأموال لتحقيق طموحاتهم.
وهذا الاتجاه ظهر على الساحة مع ميلاد الشركات المتعددة الجنسيات قبل عقود، لتتكامل اليوم وتصل إلى نظام التجارة الحرة الذي اعترف به دولياً، وقرر التعبير عنه مؤسسياً ضمن قوانين موضوعها: رؤوس الأموال والتجارة، والحواجز الجمركيّة والقاطرات الماليّة، وهذه القوانين يلغي مفعولها مفعول القوانين المرعية في الدول الوطنيّة بتحطيم الحواجز الجمركيّة لصالح حرية انتقال السلعة ورؤوس الأموال فيها، وذلك باشراف منظمة دوليّة تحمل اسم «الغات» وهي اختصار لعبارة «الاتفاقية العامة للتعرفات الجمركية» واهداف الغات ومن بعدها المنظمة العالمية للتجارة هي: تحرير التجارة الدوليّة وإزالة الحواجز الجمركية وفتح الاسواق الدولية أمام المنافسة بنحو اللبراليّة الاقتصادية، وكل دولة خرجت عن إطارها ورفضت الانخراط فيها كان جزاؤها العزلة الاقتصادية، وهي أخطر انواع العقوبات التي لا تتحمل عادة.
4 - العولمة الأخلاقية
الاخلاق انعكاس عن المبادئ التي يعتقد بها الإنسان والنشاطات والسلوك الإنساني استجابة لمحتواه الفكري والعقائدي.
والعولمة تعتمد على العامل الاقتصادي والمنفعة، وتعتبرها المحور في حركة العلاقات الاجتماعية والدوليّة، وحوّلت جميع القيم الإنسانية إلى قيم تجارية، بما فيها الفكر والفن والوجدان.
فالذي يحدد إتجاه حركة الحياة ويعين هدفها وطريقة التعامل في هذا الاتجاه ونحو ذلك المقصود العقل النفعي وقيم الريح والمنفعة.
فاذا انساق الإنسان مع هذه الدعوة فستقوده العولمة بناء على مبدأ البراغماتية إلى التجرد من القيم الأخلاقية القائمة على أساس الحق والعدل والتنكر لإنسانيته ووجدانه وعواطفه ومبدئه ومصيره ثم ينتهي الأمر إلى نهأية الروابط الاجتماعية وهبوط الإنسان إلى المستوى الحيواني لا يفكر إلا بالغرائز الحيوانيّة والاهداف النفعيّة الشخصيّة.
ولقد كان الجيل الاول للمجتمع الأمريكي مثالاً لذلك عندما تحرك باستجابة للدوافع النفعية، فأباد السكان الاصليين – الهنود الحمر – للسيطرة على بلادهم فقلص عددهم من 10 ملأيين إلى 200 ألف.
والعولمة تريد الإنسان ان يقتدي بالمواطن الأمريكي السابق واللاحق.
العولمة والعالميّة
العولمة تحوّل عالمي في رؤية كثير من المرتكزات في مجال القيم الأخلاقية والسياسة والثقافة والاقتصاد، التي كانت سائدة على المستويات الوطنية والاقليمية والدولية بين البشر، وترتكز على تحقيق أهداف ومقاصد ماديّة، تتعلق بسيطرة الإنسان على الطبيعة لتحسين حالة العيش، وتقوم على اصالة الفرد، باعتباره محور الوجود والعمل والنشاطات، ولذلك تدعوا لإعطاء الفرد أوسع الحريات في المجالات المختلفة، واعتماد تقيم الاشياء على مبدأ المنفعة «البراغماتية»، وعلى المادية المحضة، فهي لا تعتني بالغيب او القيم الأخلاقية التي لا تولّد أرياح، وهذه النظرة الفردية المادية الجامدة اذا استحكمت على مجتمع فإنها تنتج الفرد الغربي المعاصر المتحلل من كل التزام، الذي خلق أغلب الحروب على الأرض والأمر الذي تريده القوى المهيمنة والراعية للعولمة هو: فرض نهج وطريقة معيّنة، وقيم ثقافية بذاتها تراها نافعة وضرورية في ضمان مصالحها وتحقيق ارادتها.
فالعولمة: اجتياح للثقافات الإنسانية ومحاولة لمسحها من صفحة الوجود لصالح الثقافة الأمريكية المنتصرة، وهذا يمثل صراع الحضارات، ومحاولة الغاء الآخر وسيادة الفوضى الأمريكية التي تسميها أمريكا حضارة وتريد فرضها على العالم وتفتخر بأنها انتصرت على الثقافات الاُخرى، يقول الرئيس الأمريكي جورج بوش بعد حرب الخليج الفارسي الثانية: «ان مبادئنا هي التي انتصرت، واتجاهها في العالم هو الذي انتصر، وانها تريد ان تحل مشاكل العالم» ([12]).
واطلق سيلفيوبرلوسكوني في حرب الكلمات الرصاصة الاولى اذ قال: يجب ان نعي تفوق حضارتنا التي تتالف من نظام قيّم منح الإنسان الازدهار في البلدان التي اعتنقته، وضمن احترام الإنسان وحقوقه السياسيّة والدينيّة، هذا الاحترام لأيوجد بالتأكيد في البلدان الإسلامية وأكد «ان الغرب سيستمر في التغلب على الشعوب كما فعل من قبل مع العالم الشيوعي» ([13]).
أما العالميّة، فهي تعبير عن آفاق أوسع وأبعد من دائرة السياسة والاقتصاد والمنافع، تعبير عن التعدد والتنوع الثقافي الإنساني، والاعتراف ببعضهم مع الاحتفاط بتنوعاته، فهو لا يعني فرض رأي أو نوع ثقافي ولا إلغاء للآخر، وإنّما الاعتراف بالتبادل والادوار واحترام خصوصيات المجتمعات التي تميزها عن غيرها وهو الذي يطلق عليه حوار الحضارات والثقافات.
فالعالمية لا تعني، الاستعمار الاقتصادي والإستبداد الثقافي وعدم الاعتراف بالآخرين، وإنّما تعني الإنفتاح على الثقافات والتعرف عليها وإضافة عناصر قوة من التجارب الإنسانية إلى تجاربنا. والعالميّة في حركتها ونشاطها وفعالياتها الثقافيّة والاقتصادية الطبيعيّة لا تتعارض مع التنوع والتمأيز والتنافس والتكامل، ولا تنافس بحركة طبيعيّة معتدلة لا تحمل روح التآمر وحبّ الظلم للآخرين.
والمعرفة العلميّة نشاط إبداعي نمكن الغرب فيه في عصرنا من احتلال القمة، وعالمية المعرفة لا تنفي المركزية وتبعيّة الاطراف، وهي علاقة قابلة للتحول والتغير والتنقل بين الامم شريطة العمل الجاد وبذل الجهد المركّز وفق برامج تنمويّة ومشاريع تثير الاستعدادات الذاتيّة للأمة وتفعليها بإتجاه التكامل لتتحول الطاقات المجمّدة إلى قوى انتاجيّة وابداعيّة، تواكب الامم في حركتها الحضارية المتقدمة.
فما وصلت النية الإنسانية من مستوى متقدم في المجال العلمي، يمثل حركة وابداع وجهود الإنسانية على طول التاريخ وتراكم لتجربتها فجميع الامم لها مساهمة في بناء الصرح العلمي، أدت بعض الظروف المشؤومة إلى الاستيلاء عليها واحتكارها وتسخيرها للتحكم بمصائر المجتمعات الأخرى.
فالعولمة تختلف وتفترق عن العالمية في رؤيتها وتطبيقها وأهدافها
النظام العالمي الجديد غربي المولد والنشأة والاهداف
للغرب رؤية غير واقعيّة عن العالم الإسلامي، حيث تميّزة نظرتهم الرسميّة بالتعالي، والعنصريّة والعدائية التعسفيّة، ورسموا هذه الصورة على الواقع الخارجي في مرحلة الإستعمار، ولازال نهجهم بهذا المستوى وعلى هذا المنحى.
وتحمل الذاكرة الإسلامية صور من القساوة والوحشيّة والظلم مالا يمحى او يُنسى، وهذه الصور ماثلة في أذهان المسلمين من الحروب الصليبيّة حتى فلسطين والبوسنة وافغانستان والعراق.
فالغرب ينظر إلى عالمنا بتعالي وكبرياء واستصغار ودونيّة من الناحية السلوكية واعداء باعتبارنا أمة لها رسالة واهداف وحضارة مستقلة قادرة على القيام يوماً ما لإمتلاكها عناصر القوة الذاتية، تنافسهم وتزاحم وجودهم.
ولم يطرأ تغيرا على الموقف الغربي ازاء الإسلام والمسلمين، ولا يعتبر جديداً القول بدكتاتورية الغرب واستخفافهم واحتقارهم لحقوقنا وسيادتنا لأنهم يفعلون جرائمهم على مرأى وسمع من العالم يومياً، ومازالوا يرددون مقالات اسلافهم من الصليبين ومابعدهم في عصر الاستعمار المباشر وهاهم يثيرون الحروب ويقتلون المسلمين ويدعمون النظام الغاصب في فلسطين لكسب أكثر امتيازات ومنافع وسيطرة على مصادر الثروة في العالم الإسلامي.
فالعالم الغربي الرأسمالي بكل خلفياته الاستعمارية، واهدافه النفعيّة المعلنة وقيمة البراغماتية التعسفيّة، يسّوق النظام العالمي الجديد، ويكوّن من نفسه المرجعيّة الفكرية والسياسية والاقتصادية للعالم، ويقدم ذلك بديلاً عن القوانين الاقليميّة والثقافة الوطنيّة للشعوب.
فتمركز النظام الجديد في الغرب وانطلاقه من عالم التنافس الذي لا يهتم إلّا بالربح والخسارة، وموقفهم من المسلمين بصورة عامة، وموقف المسلمين الذي يقوم على ركام من عدم الثقة والعداء أولاً. ولأن مشاريعهم مستلهمة من مكوناتهم الثقافية ورؤيتهم العقائدية وقيمهم في الحياة التي لا تلتقي معنا في شيء ثانياً. وفي هذه الظروف يكون من السذاجة استجداء المشاريع الأجنبيّة والاطمئنان لقدرتها على حل مشاكلنا، لأن الحلول لا تُصنع في معامل الأعداء، ولا تنسجم إنتاجاتهم الفكرية مع عمقنا الحضاري وتركيبتنا الاجتماعية.
فالنظام العالمي الجديد، مشروع حملت به الرأسمالية الامبرالية، ووُلِدَ بعد ان انزوت الاشتراكية، فاحتل من مساحتها الكثير وورث ملكات الأم، فهو صورة لتلك الام القبيحة اُجري عليها الرتوش في الاستديوهات فلم تزيدها ألا قبحاً.
فهو لم يكن جديداً وإنّما القديم بصورة جديدة، أكثر تعسفاً وجشعاً وسلباً لحقوق المجتمعات الفقيرة، وأكثر قسوة وأيلاماً من السابق، لأن الداء في الدواء، ولأن المشاريع التنمويّة والاصلاحيّة جعلت جزء من هذا النظام، واريد له ان يكون حقيقة عالميّة لا يمكن الخروج منها بأي شكل.
الاعتماد على الذات
النظام العالمي الجديد بكل تحدياته، وتفاعلاته، والضجة الاعلاميّة لصالحه، وسعة هيمنته، يبقى ضيع المعامل الامبرباليّة التي لم تفكر يوماً بمصير الإنسانية، ومباديء الحق والعدل، ولا تنتج معاملها الفكرية إلّا القوالب المثيرة للحروب والفقر لتستثمرها بطريقتها الخاصة.
وهي التي جعلت من شعوبنا مختبرات لتجربة اسلحتها وتأثيرها على الإنسان والحيوان والنبات.
فتأسيساً على هذه الرؤية لأيمكن ان نقبل منها مشروع تدّعي انه يحقق أحلام الإنسانية ويقرب الفوارق الفاحشة بين الطبقات ويجعل العالم كالقربة المصغّرة.
والانسانيّة أجمل أحلامها ان تستقر أمريكا وأمثالها داخل حدودها، لأنها تتحرك على الساحة الدولية من غير حدود لأجل المصالح الاقليميّة الضيقة، فهي تردي العالم لأمريكا، ولا تعني بأبسط الحقوق الإنسانية.
واحتكار التكنولوجيا المتقدمة، ومنع تصديرها، ومهاجمة الدول التي تريد الاستفادة من مصادر الطاقة الحديثة، كلها محاولة للابقاء على تفوقها التقني.
فمثل هذه الحقائق لا تسمح للمرء أن يصدق ان عدوّه اعدله مشرع الخلاص والتقدم والمستقبل المنشود، وهو يرى ان العائق أمام نهضة الشعوب هي المراكز الامبرياليّة واذنابها.
ان الأمر الذي يمكن تصدقه وقبوله من هؤلاء، هو أنهم يصدرون الينا المشاريع التي تمكنهم من ثرواتها وطاقاتنا وتنتهي لخدمتهم واستعبادنا فيحكم التجربة الطويلة للأُمة مع المخططات الاجنبيّة، أصبحت الحقائق الاستعمارية واضحة، وان المشاريع التي تقدمت بها لشعوبنا ماهي إلّا فتات حضارتهم، وتجارب إنسانية فاشلة، فهي لا تعالجنا وإنّما تزرقنا بسموم حقدها المعهود.
فالرهان على بناء الاوطان اعتماداً على استيراد المشاريع الاجنبيّة لا يحقق شيئاً، وإنّما الأمر الوحيد في تحقيق مستقبل متطور افضل بالاعتماد على المكونات الذاتية للأمة بالتفاعل مع القدرات والامكانات الوطنيّة، وصهرها لتكوّن قالب واحد، وتحريكها بإتجاه التنمية الشاملة بآليات عمليّة موضوعية وبطاقات محليّة مستلهمة نشاطها من المقومات الذاتية للشخصيّة المتجسدة في الإسلام.
أما الإنصهار أو التفرج على التحولات الهائلة والعظيمة التي تطرأ على العالم وتزداد تعقيداً يوماً بعد آخر، فإنها ستنتهي بحذفنا وسحقنا. بعكس الحركة على أساس منهج ونظام يتناسب مع مكوناتنا الذاتية وقدراتنا الطبيعيّة وانتمائنا الحضاري ننطلق منها إلى عالم جديد نحمل ثوابتنا ومبادئنا وثقافتنا مصادر طاقة فاعلة، والتعاطي مع ما أنتجه الفكر والتجربة الإنسانية لنضيفها إلى مصادر قوتنا.
مواجهة تحديات العولمة
النظام العالمي الجديد حقيقة تحاول فرض نفسها بالقوة على الواقع العالمي، الاقتصادي، السياسي، الثقافي، وتتحرك بسرعة هائلة لفرض هيمنتها بتفعيل القضأيا العالمية والمحلية بإتجاه أهدافها، وبدعم المؤسسات الدوليّة التي أصبح أكثرها واجهة شرعية لحركة الشمال، واصدار احكام جائرة ضد الجنوب، وتهيء الرأي العام العالمي لمواجهة الاخير تحت غطاء الارهاب، وحقوق الإنسان والاصولية، والتطرف، وأسلحة الدمار الشامل.
فهذا الواقع المر، والازمات، وتداعي وانهيار النظام الدولي، وتجاوز القانون، وانفراط معادلة توازن القوى، وضياع الحقوق، لأيمكن الاكتفاء في مواجهتها بالاستنكار والتظاهرات الجماهيرية، والخطابات وبيان آثارها التخريبيّة على العالم.
فهو لم يكن حدثاً طبيعيّاً لتتم معالجته بالوسائل والآليات الطبيعيّة لسياقات السياسة الدولية وأداءاتها المعهودة، وإنّما هو مشروع السيطرة على العالم تتقدمه أمريكا بكل قواها وتعقيدتها وسياقاتها واطماعها موظفة الأحداث العالمية وتداعياتها، وضعف المنافس وغياب المزاحم على ساحة الصراع، وانفرادها بالقرارات الدولية.
ويوماً بعد آخر تظهر الحقائق والآثار التي تركتها العولمة على العالم بالارقام والوثائق، وقد صدرت تقارير عن البنك الدولي ومنظمة التنمية العالمية تشير إلى إنهيار في معدلات النمو، وتكرس الثروة عند الاغنياء، وافتقار الفقراء.
وساهمت هذه النتائج بالتشكيك بمصداقيتها، ولذلك يقولون ان «البنك الدولي هو أحد رموز العولمة في العصر الراهن، والدول الرئيسيّة المساهمة في البنك تسترد باليسار ماتدفعه باليمين»([14]).
وماهيّة العولمة عند قادة النظام العالمي الجديد تساوي كما يقول ريتشارد أيميرمان ان «القوة والامن الامريكيين يعتمدان بشكل أساسي على الحصول على المواد الأوليّة من العالم بالتدخل في أسواقه الداخلية، وبالاخص في دول العالم الثالث، التي يجب ان تبقيها الولأيات المتحدة تحت السيطرة الشديدة»([15]).
وهذه الأهداف تتحقق بقيادة أمريكا للعالم لأن «الولايات المتحدة هي الضمان للنظام العالمي، ولذلك يجب ان نتصرف بإستقلاليّة في حال وقوع كارثة تتطلب رد فعل سريعاً، او عندما يصعب تجميع موقف عالمي موحد» و«اقناع جميع المنافسين المحتملين بعدم ضرورة التطفل للعب دور عالمي أكبر من الذي يلعبونه الآن بالفعل»([16]).
فالنظام العالمي الجديد في الرؤية الاميركية، الوحدة السياسية تحت قيادة أميركا، منفردة في العالم، وجعل المؤسسات الدولية على الهامش، والتعامل معها بشكل روتيني، واشراك بعض المتحدين بالحدود التي لا تؤهلهم للوصول إلى مستوى المنافس، لكسب مشروعية في العمل وعالمية في التوجه.
ففي سياقات هذا الفهم القائم على الممارسة الاميركية في دعوتها وقيادتها للنظام العالمي الجديد ابتداء من الاقتصاد، وآلية تحقق المنافع، وانتهاء بانعكاساته على جوانب الحياة الأخرى، يصبح الحديث عن العولة بشكلها النظري، الذي يمثل الحل السحري للمشاكل العالمية، لا موقع له على ساحة الواقع الخارجي، وحديث انتقال المعلومات والتبادل الثقافي والمهني والتكنولوجي لا واقعية ولا معنى له حينما يكون التنافس قائم للحصول على أكثر أرباح وأوسع مساحة للسيطرة على الأسواق فهي تنتج بالضرورة الطرف الخاسر من الجنوب لعدم تكافؤ الفرص والوسائل للمنافسة، لاحتكار الشمال لها، فإذا كان ممنوع من وسائل المعرفة والانتاج، مستعبد ومنهوب الثروات، ومسلوب السيادة، خاوياً عاطلاً لا يمتلك الأتراث ثقافي ووسائل لا تؤهله لدخول حلية المنافسة، فلا يفكر بالمنافسة فضلاً عن كسبها لصالحه.
لأن التفاعل يساهم باستيعاب الأقوى، ومحو الاضعف، ولذلك تنتفي حركة الانتقال والتطور إلى الامام من أول الطريق باستيعاب واحتواء الأقوى للضعيف ليتحرك بإرادته وهي انتفاء المنافسة والابقاء عليه مستهلكا وسوقاً لتصريف البضائع التي ينتجها الأقوى، وللحفاظ على هذه المواقع وبنفس المديات عمد الغرب بصورة عامة وأمريكا خاصة على المنهج التالي:
1- احتكار التكنولوجيا الحديثة ومنع تصديرها أو تعليمها.
2- محاصرة الدولة التي تحاول الحصول على التكنولوجيا إعتماداً على القوى الداخليّة، وأيجاد مضأيقات كثيرة لمنعها، وتهمتها بالسعي لانتاج اسلحة الدمار الشامل.
3- تفريع بلدان العالم الثالث من القدرات المبدعة وكسب العقول التي يمكن ان تكون مؤثرة في الحصول على تكنولوجيا متطورة ببذل جهود علمية ومختبريّة.
4- إثارة الإضطرابات الداخليّة وعدم الاستقرار التي من شأنها تعطيل وتجميد القوى المبدعة.
5- اشغال بعض الدول بشراء الأسلحة نتيجة للأيحاء بمخاطر محيطة بتلك الدولة فتؤدي إلى خلق أزمة في منطقة من العالم، وعدم ثقة بين دول جارة، ثم تنتهي إلى حركة سوق السلاح لتكون المنطقة موقعاً لتصريف ما تنتجه معامل السلاح التقليدي، وهنا تأمن الدول الاستكبارية من أي اتحاد او تحالف اقتصادي او عسكري او أمني من شأنه التأثير على تواجد ومنافع القوى الأجنبية.
ففي هذه الاجواء، والاشكال المتعددة من التحديات المصريّة لمستقبل الأمة الإسلامية، وسياقات الأداء الرسمي، والإنسياق خلف شعارات التجديد، يجدر بالأمة قادة ومقودين ان تكون لهم مشاريع يحجم المخاطر والتهديدات التي يتعرضون لها.
ولا يتناسب الموقف اللامسؤول من الحكومات والشعوب، لأن الغفلة واللامبالات، أو النظرة القصيرة للاحداث والاهتمام بالمصالح القريبة – تساهم في سحق الجميع، ولا تنتهي إلّا باستعباد الشعوب ونهب خيراتها، والعيش على هامش الحياة، وآخر القافلة الإنسانية.
ونحن نمتلك عقيدة ومبدأ يريدنا ان نتصدر القافلة لهدأيتها إلى الهدى والخير والصلاح والسعادة، وهذا الهدف العظيم لا يأتي بالتواكل والأماني، وإنّما بنشاط المجتمع نشاطاً منتجاً بمستوى المنافسة العصرية، منطلق من أصالة الإنتماء والحضارة العريقة للأُمة والقيم الحاكمة في تحديد طبيعة وكيفيّة العلاقات.
فلا يتناسب الانزواء الإجتماعي أو العيش غريباً عن الزمن ولا العيش في احضان الوافد الغريب، وإنّما العمل بناءً على فهم الواقع وتحديد التحديات ونوع الأخطار، وضعف المواقع، وقبول التخلف، وتعبأة القوى، وتركيز الجهود، وتحدي التخلف الموروث، والانطلاق نحو المستقبل من قاعدة المبادئ، باستيعاب قوة الحاضر ومواكبته، وتوفير شروط الانتماء إليه.
ولهذا فان التعاطي الصحيح ازاء العولمة، وتفاعلاتها وتهديداتها من جهة، ووضعنا المتدني عند الحافة، وغياب الشمروع المنافس، والتبعيّة المتفاقمة للدولة الضعيفة والنامية من جهة أخرى، يمليان علينا وظيفة شرعية ووطنيّة وتأريخيّة بأيجاد مشروع لدعم الاستقلال والحرية في البلاد الإسلامية يبعدنا عن الاستسلام إلى مسلخ العولمة ويثير فينا روح المقاومة والحفاظ على الهوية الدينيّة والوطنيّة وتوفير الوسائل التي تؤهلنا في الدخول في اطار المنافسة العصرية.
مشروع مواجهة العولمة
الجوانب المركزية في العولمة هي:
1- السياسي.
2- الثقافي.
3- الاقتصادي.
1- الجانب السياسي ومواجهته
وهو يشمل محورين وأنواع من الروابط التي تكون الحكومة مركزاً فيها:
أ- الروابط بين الحكومات والشعوب.
ب – روابط بين الحكومات الإسلامية والجارة.
وجميع هذه الروابط وبعض العلاقات الأخرى لم يتركها الاستعمار نقطة قوة والتحام بين الشعوب والحكومات الإسلامية، وإنّما عمد إلى لغم كل المنطقة بمسائل يختار إثارتها في الاوقات التي يريدها هو، كما هي موجودة بين الدول كذلك هي داخل الدولة الواحدة، أمثال الطائفيّة والقوميّة ومسألة الأقليات والأكثريات لذلك يكون مشروع المواجهة السياسية يعمل على الاتجاهات الثلاثة آنفة الذكر.
الحكومات والشعوب
العلاقة بين السلطة والشعب تتحول من مرحلة التصادم إلى التفاهم. لما كانت العولمة لا تعترف بالحدود الوطنيّة، وتضعّف الحكومات، ولها القدرة على قلب وتغير الحكومات، فالسلاطات تحت ضغط العولمة.
ومن جانب آخر الأُمة مهددة ثقافياً وحضارياً، وهي تحس بخطر المواجهة وكثقافة الموآمرات عليها، وهي بحاجة إلى مقدار من الامن والحرية لصيانة نفسها من الانصهار مع الموجة الغربية. فكلا الفريقين الحكومة والامة مضطرة لأيجاد آلية للإنسجام والتعأيش فيما بينهم وإلاّ سيتعرض كل منهما إلى هزيمة أمام التحديات الخارجيّة، ويتحقق هذا الأمر بالاجراءات التالية:
اولاً: تعيد الحكومات النظر في طريقة تعاملها مع شعوبها، والسعي لكسب ثقتهم وولائهم ويتحقق هذا الأمر:
1- تفعيل القرارات المؤسساتية،: وتجنب الإنفراد في الحكم على كافة المستويات، حكومة الحزب الواحد، العائلة الواحدة، المدينة الواحدة، الطائفة الواحدة..
2- تقديم الخدمات الاضافية والسهر على مصالح المجتمع بشكل مؤثر يشعر به ابناء الأمة.
3- اعطاء الحريات. لأنها أساس الابداع.
4- تجنب الآراء الفردية والإرتجاليّة واستماع الآراء المخالفة والمختلفة واعتماد مجالس ممثلة للشعب تحتوي جميع الاطياف، واحياء ودعم المؤسسات المدنيّة.
5- قطع السبل التي تؤدي إلى الدكتاتورية أو نموها على جميع المستويات وذلك بتشجيع الانضباط القانوني، والسلوك الملتزم، والتخطيط الدقيق للنظام الاداري وتطبيقاته، والسيطرة على الثغرات القانونية وتعدد اشكال الرقابة.
6- تقريب الرؤى بين القيادات والمجتمع عن طريق العمل المشترك والتواصل الدائم.
7- الاعتماد على الشعوب وقدراتها الذاتية، وتجنب الدعم الخارجي.
8- تسوية الخلافات الداخليّة باعتماد قانون أساسي تتعين فيه الحقوق والواجبات والاهداف، يصوّب عليه المجتمع، وتكون إليه المرجعيّة في المسائل الخلافيّة.
9- تقوية وتنشيط مؤسسات المجتمع المدني.
10- نشر الوعي على المستوى الاجتماعي بحقيقة التحديات مهما غلقها البعض بعبارات مثل العولمة، والشرق اوسطيّة، والتنمية، وان يكشف التمأيز بين عالمية الفكر والعلم، وعالمية التحولات والانجازات، وعالميّة الهيمنة والادارة لمصلحة القوى الاستكبارية الغنيّة.
الحكومات الإسلامية
1- تصفية الخلافات القائمة بين البلدان الإسلامية كالمسائل الحدوديّة التي تعتبر من بؤر التوتر التي جعلها الاستعمار عند تقسيمه للبلاد الإسلامية.
2- ان يكون للبلدان الإسلامية برنامج حيوي لنشر مبدأ الاخوّة بين المسلمين في الشعوب الإسلامية، كقاعدة للتعأيش السلمي.
3- أيجاد تكتل سياسي مؤثر فلي المنظمات الدوليّة للدفاع عن منافع المسلمين.
4- احياء مفهوم الأُمة الإسلامية والعمل بلوازمه كقاعدة للدفاع المشترك.
5- تطوير منظمة المؤتمر الإسلامي وتفعيل مؤسساتها وإلتزام الاعضاء بقراراتها وجعلها إلزاميّة.
2- الجانب الثقافي ومواجهته
أ- البناء العقائدي الديني بشكل علمي ونشره على مساحات واسعة من المجتمع ليغطيها.
ب – إغناء الساحة العلميّة. بالبحوث ذات العلاقة بالمعانات الإنسانية المعاصرة.
ج – تطوير المناهج المدرسية لترقى إلى مستوى التحديات والمواجهة والثقة بالنفس.
د – تفعيل ودعم المؤسسات الثقافيّة كالمدارس الدينيّة والمنتديات والمكتبات.
هـ – اقامة المهرجان الثقافيّة ودعوة الشخصيات العلميّة لإلقاء المحاظرات والموضوعات الحساسة.
و- توظيف وسائل الاعلام المسموعة والمرئية لخدمة الوعي وتأكيد الهوية الإسلامية والاعتماد على الذات.
ز- تقديم الدراسات الفكرية المقارنة بين الإسلام والآراء المعاصرة ذات الاتجاه المخالف للرؤى الدينيّة.
ح – تعبئة الجماهير الفاعلة لحمل رأية النهضة الفكرية ومقاومة الافكار الواردة ذات الآثار التخريبيّة.
ط – توظيف الفن في العملية النوعية والتصدي لمقابلة الفن غير الهادف والمبتذل.
3- الجانب الاقتصادي ومواجهته
أ-تظافر الجهود العلميّة لإمتلاك تكنولوجيا الانتاج لمواجهة الاحتكارات العالميّة لإنتاج وتوزيع المعرفة، وتوظيفها لتنهض بمستوى المؤسسات العلمية المعاصرة.
ب – تكثيف حالة التكتلات والتحالفات الاقتصادية، وأيجاد بؤر اقتصادية تضعف وتخفف من النفوذ الغربي وتأثيراته داخل البلدان الإسلامية.
ج – أيجاد أسواق مشتركة بين الدول الإسلامية.
د – منع تسرب الثروة ورؤس الأموال خارج البلدان الإسلامية وتشجيع الاستثمارات لها داخلياً، ومنع وصولها إلى الغرب لتستخدم عوامل ضغط ضد البلدان الإسلامية، وانعاش الاقتصادات الضعيفة والفقيرة.
هـ – تغيير السياسات الاقتصادية الاستهلاكية.
و- الاستخدام الامثل للموارد الطبيعيّة.
الهوامش:
([1]). صحيفة جمهوري اسلامي (الفارسية) بتأريخ 25/2/1369هـ. ش.
([2]). مجلة العربي، العدد: 481، ديسمبر 1998م، ص 144.
([3]). المصدر السابق.
([4]). المصدر نفسه، ص 141.
([5]). لوموند ديبلوماتيك الفرنسيّة، ابريل 1992 كتبها پول ماري دي لاجورس.
([6]). مجلة ocl العدد 1803: 65 مكتب الاستخبارات الأمريكية للمعلومات المتداولة 13 مايو.
([7]). جريدة الأمة، الاول من يونيو عام 1990 مايكل كلير، القوات الأمريكية تواجه الجنوب.
([8]). أيميرمان (Diplomatic History ) صيف عام 1990.
([9]). كاتبة ومفكرة فرنسيّة (1909 – 1943).
([10]). امريكا طليعة الانحطاط، روجيه غارودي، 21، دار الشرف / تعريب عمرو زهيري.
([11]). المصدر السابق، ص 53.
([12]). خطاب الرئيس الامريكي جورج بوش امام الكونغرس، نفلاً عن (قراءات سياسية) العدد 3 – 2، ص 32، 1411هـ – 1991م.
([13]). استاذ العلاقات الدولية ودراسات الشرق الاوسط في جامعتي كولومبيا وساره لورانس في نيويورك.
([14]). مجلة العربي، العدد 481، ص 140 ديسمبر 1998م.
([15]). ريتشارد، صيف عام 1990، عن امريكا طليعة الانحطاط، روجيه غارودي: 82.
([16]). كتبها پول ماري دي لاجورس، مدير مجلة (الدفاع القومي) في (لوموند ديبلوماتيك) الفرنسيّة عام 1992م.
ارسال نظر