آلام حدّ الكارثة.. آمال تذبحها المصالح.. العراق نموذجاً صارخاً
حميد معلّه
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
واضح أيها الاخوة الأعزاء المحترمون إن العراق بلد كبير وذو تاريخ ثر وعميق، وهو من البلاد الكريمة التي يقر القاصي والداني بطيبها وكرم شعبها.
واوضح من ذلك أنه بلد شقيق للعروبيين والاسلاميين بصورة خاصة، كما هو اخ لبلدان المعمورة انطلاقاً من رابطة الانسانية والدور المثمر الذي ينبغي تقديمه في اطارها.
واكثر وضوحاً من ذلك كله، خاصة في العقدين الأخيرين، إن هذا البلد و كوارثه المرعبة، اصبحت المادة الاساسية لمختلف النشرات الخبرية والتحقيقات الاعلامية، بحيث بات معروفاً حتى لغير ذوي الاهتمام والعناية الخاصة.
إلا أنه وبرغم شيوع الواضحات اعلاه فإن هناك اعراض كبير عمّا يحصل فيه من تطوّرات مميتة تدعو الى التحذير أو اعلان الصيحة.
ان في هذا البلد الحاضر في الاخبار، و الغائب عن الاهتمام المثمر، كارثة حقيقية وواقعية، تتفاعل باستمرار تحت تأثير سوء الاداء السياسي للنظام الحاكم فيه، و تأثير الفجائع البيئية والاجتماعية، وبفعل الانهيارات المتتالية لهياكل المؤسسات التي تدعم الحياة في المجتمعات البشرية.
وليس معلوماً بالضبط مدى النتائج التي يمكن أن تسفر عنها التطوّرات القائمة في البلد حالياً.
نعم هناك الكثير من التقارير الرسمية وشبه الرسمية التي حاولت ترسيم الصورة المقبلة اطلقت ما يشبه صفّارة الانذار في هذا الاتجاه، ولفتت النظر الى حتمية حدوث ازمة واسعة النطاق في هذا البلد و على مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والثقافية والصحية.. الخ، مؤكدة بان الكارثة القادمة ستكون من الفضاعة والبشاعة بحيث تبدو معها تقارير اليوم اشبه بالتوافه.
إلا أن ذلك ومع الاسف لم يكسر حدة الصمت والتعتيم المفروض على هذا الوطن المظلوم والمصائب والمحن التي تحدث فيه.
وليس العجب هو الصمت المتعمد أو المفروض سواء بسبب المصالح المتضاربة، أو وفق مقولة دفع الاضرار المحتملة، وانما العجب هو في المساومة المقصودة أو ما شابهها في صناعة ما هو قائم.
ايها السادة ماذا نرى حينما ندقق النظر فيما حولنا:ـ
ـ نرى حولنا عالماً يعاني الكثيرون فيه من الفقر والبؤس والحرمان والاذلال، و نرى ان العراق و شعبه المظلوم قد نال قسطه الاوفر من ذلك كله، و ماذا بعد؟
ـ نرى ان مشاكل العراق مازالت تتفاقم بشدة وآلامه تتسع باستمرار، و احلى الخيارات المطروحة أمامه مرة. فهو إما أن يقبل بالنظام المتسلط عليه و يظل ينزف الى ما لا نهاية.
وأما إن يستمر على جهاده متحملاً تبعات الجميع الاصدقاء والعذال، واما ان يترك حل ازمته لاشقائه فيلاقي منهم الاعراض تارة والتشكيك تارة أخرى.
وقد ينصحه البعض بالتعويل على دور الولايات المتحدة الامريكية ولجانها المتعددة وطائراتها الحربية المتطوّرة كيما تأتي ببديل اقل عدوانية في الداخل واكثر تهذيباً في الخارج.
مع ان لهذا الشعب تجربة مرة مع التردد الامريكي والتريث الاوربي والتخوّف الاقليمي وما شاكل ذلك من تسويقات واغراض مشبوهة.
وماذا بعد؟
تعقد الندوات، و تدار الجلسات، وتفتتح المؤتمرات، بيد أن دعم المشروع الحقيقي للخلاص من هذه المحنة، يظل هو ابعد مواد النقاش، و اقصى فقرات التداول.
ـ ندرك تماماً خطورة الوضع القائم وما يمكن ان يسفر عنه من مفآجات، و ندرك تماماً ان أي نظام عرقي مستقبلي سيعاني الكثير وهو يستقبل هذا الارث المضني ـ لكننا نعتقد ان كل ذلك هو أهون بكثير مما يمكن ان ينتظره العراق من مستقبل داكن يهدد سكان هذا البلد الطيب وتربيته وتاريخيته ودوره.
ـ على أية حال يؤسفني جداً انني قد اوفق في ان استقرأ مستقبل بلادي بالكثير من الوضوح والدلائل، بيد انني لا احرم نفسي لذة استقراء هذا المستقبل عبر بوابة الامل بالناس، بالطيبين، بالأشقاء.
وما تكليفي ازاء عنوان المؤتمر العالمي الثالث عشر للوحدة الاسلامية الموسوم بـ(الامة الاسلامية آلام وآمال) الا ان اعرض امامكم مأساة بلادي تحت عنوان آلام حد الكارثة.. وآمال تذبحها المصالح.. العراق نموذجاً صارخاً.
الفصل الأول
أ ـ العراق الجديد.. ومحطات الألم
مع ان اسم العراق غارق في القدم و قد عُرف جغرافياً وتاريخياً منذ آلاف السنين،. الا انه لم يعرف له مدلول جغرافي محدد وكيان سياسي مشخّص الا بعد الحرب العالمية الثانية حينما اقتسم الحلفاء املاك الرجل المريض (اسم كان يطلق على الامبراطورية العثمانية).
واقتضت المصالح والمساومات ان يظهر الى الوجود هذا الكيان الممتد من زاخو شمالاً الى الفاو جنوباً، بكل ما يحمل هذا الكيان من تنوّع في التضاريس الجغرافية والقومية والطائفية ثم ليشكّل هذا التنوّع (مع شرائط اخرى تتصل بضيق الافق السياسي والتخلّف الثقافي للانظمة التي توالت على حكم العراق) أساساً لمشاكل وتعقيدات سياسية واجتماعية وثقافية.
ثم ان هذا الكيان السياسي الجديد (العراق) حكمته عدة انظمة سياسية مختلفة، ملكية وجمهورية، امتد حكمها منذ فترة التأسيس عام 1918م ولحد الآن على مقطع زمني يقدر باكثر من ثمانية عقود.
ويمكن تقسيم هذه العقود الثمانية الى اربعة مراحل وحسب التقسيم التالي:
المرحلة الاولى: وهي مرحلة التأسيس وتمتد من 1918م وهو عام تأسيس المملكة العراقية والى عام 1932م.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة الاستقلال وتبدأ من عام1932م عام دخول العراق عصبة الأمم المتحدة والاعتراف باستقلاله وتنتهي عند عام 1958م. وهو عام انتهاء الحكم الملكي في العراق.
المرحلة الثالثة: وتبدأ من عام 1958م حيث قام مجموعة من ضباط الجيش العراقي بثورة 14 تموز وانهوا الحكم الملكي واستبداله بالحكم الجمهوري ليحصل العراق على إسم الجمهورية العراقية ثم لتنتهي هذه المرحلة عند حدود عام 1968م.
المرحلة الرابعة: وهي الأخيرة والتي مازلنا نعيش فصولها واحداثها فهي تبدأ من 17/تموز/1968م ولحد الآن، بيد اننا سنتوقف هنا عند حدود عام 1998م لتكتمل لدينا مرحلة كاملة من ثلاثة عقود تامة.
لماذا المرحلة الأخيرة دون غيرها؟
سنتقصر في هذا البحث على دراسة المرحلة الأخيرة الممتدة من سنه 1968م ـ 1998م لتكون نموذجاً لعنوان البحث العام (آلام وآمال).
ولابد من ان يتساءل المرء عن مبررات هذا الانتخاب دون غيره، ويمكن ان يقال في هذا الاتجاه ان هناك جملة اسباب تدعو الباحث لدراسة هذه المرحلة دون غيرها.
أ ـ انها فترة الألم والمحن الكارثية التي لم يعرف العراق لها مثيلاً منذ تأسيسه كدولة مستقلة ولحد الآن.
2 ـ انها تجربة نظام سياسي واحد، أو حزب واحد. بل يمكن ان يقال انها تجربة واداء رجل واحد، وهو يتحمل مسؤولية الكوارث والفواجع التي تزخر بها هذه المرحلة، دون ان يشاركه احد فيها بسبب التفرد الفائق والديكتاتورية المتميزة.
3 ـ انها ثلاثة عقود من الزمن الصعب وهي فترة كافية لمن يريد البحث والاستقراء والاستنتاج.
4 ـ اخيراً وليس آخراً فهي المرحلة السوداء في تاريخ العراق المعاصر، وهي التي ادّت به الى ما ادّت. أو ما ستؤدي به من مصير غير محدد الملامح بالنسبة لجغرافية هذا الوطن العزيز وتركيبة شعبه.
ب ـ مشكلة العراق نظامه السياسي
إن اساس المحنة التي يعاني منها شعبنا هي طبيعة السلطة التي تحكمه وممارساتها العدوانية، بل ان طبيعة هذه السلطة تشكّل العامل الرئيس لجميع الازمات والكوارث التي تعرّض لها العراق (شعباً وارضاً ومستقبلاً)، وتعرضت لها المنطقة عموماً.
إن تحديد طبيعة السلطة القائمة في العراق كونها تتجسد في نظام استبدادي يعتمد الاجهزة القمعية والاستخباراتية ويختزل مؤسسات الدولة (الدستورية والقضائية والتنفيذية) في عائلة واحدة وطغمة محدودة (ان هذا التحديد) ينفع كثيراً في معرفة كيفية صياغة القرار في هذا البلد ومن ثم كيفية خروجه الى العالم على شكل حرب أو تجاوزات أو اعتداءات سافرة.
وعلى ضوء ذلك يمكن القول انه منذ تولي الحكّام الحاليون مقاليد السلطة في العراق عبر الانقلاب الليلي المعروف بانقلاب 17/ تموز/1968 والى حد ثلاثين عاما خلت، بل والى حد كتابة هذه السطور، تعرض شعبنا العراقي المظلوم، ومازال يتعرض الى محن وآلام لم يشهد مثلها تاريخ هذا البلد خصوصاً التاريخ المعاصر منه.
فقد دشن انقلابيو 17 تموز فترة تسلطهم على العراق باعمال السيف ضد جميع القوى الثورية والوطنية والاحزاب القومية والدينية دون استثناء. في محاولة لاسكات كل صوت معارض وحبس كل نفس مناهض حتى يتسنى لهم تثبيت الحكم والانفراد بالسلطة.
وقد تم لهم ذلك بمستويات مختلفة.
ثم لم يسلم لاحقاً من هذا السيف، حتى رفقاء الامس من الانقلابيون انفسهم في ابشع صراع على السلطة والانفراد العشائري بها. كما لم يسلم الخارج (المحيط الدولي والاقليمي) من تداعيات واسقاطات هذا النظام فظهرت على خارطة الانواء السياسية اندفاعات قصوى تمثلت بحروب عدوانية مع الجوار وتحالفات غير مشروعة مع محاور غايتها الهدم والتآمر.
حتى أصبح النظام السياسي القائم في العراق مصداقاً دولياً للقمع والارهاب والتجاوز في افضع اداء عدواني (داخلي وخارجي) تقوم به حكومة في المنطقة.
إن سعة جرائم هذا النظام، وطول قائمة انتهاكاته، تجعل الباحث في هذا الاتجاه يقع في حيرة من أمره، ويصاب بالعجز والدهشة فضلاً عن الغثيان والقرف.
لذلك سنقصر بحثنا على ابراز أهم مصاديق العدوانية وأشدّها ألماً في موضوع العراق في العناوين التالية:
1 ـ عدوانية النظام الداخلية.
2 ـ عدوانية النظام الخارجية.
الفصل الثاني ـ العدوانية الداخلية
تدمير الانسان العراقي وانتهاك حقوقه السياسية والدينية والثقافية
ابتداءً نقول إن عدوانية النظام الصدامي الداخلية (اعتداءاته على الشعب) لم تحظ بنفس الاعتناء والاهتمام الذي حظيت به شقيقتها الاخرى (العدوانية الخارجية) إذ حظيت الاخيرة بقوانين عالمية صارمة، ومتابعة شديدة من قبل لجان الأمم المتحدة والعالم أجمع، بينما أهملت العدوانية الداخلية بشكل ملفت للنظر، الى درجة جعلت الشعب العراقي وطلائعه الثورية يشككون فيما حولهم ويصفون ما يحصل بالتواطؤ عليهم إذ لم يعثروا على تفسير مقنع يعرض لهم الفرق بين العدوانيتين؟! وهذه اولى خطوات الألم العميق الذي يعانيه شعب العراق المظلوم.
ثم إن النظام في العراق لم يقيّد حريّات المواطنين أو يصادرها تحت مختلف العناوين واللافتات فحسب، وانما قام بتجاوزات كثيرة وفضيعة طالت الوجود الإنساني نفسه، تمثلت بأعمال البطش والإبادة الجماعية ثم الإعدامات وفق محاكم صورية أو بدونها ثم الاغتيالات والتعذيب الوحشي فضلاً عن التمييز العنصري والطائفي بين المواطنين واشعال الحروب فيما بينهم([1]).
ولو طلب احد توثيق هذا الكلام فهناك عشرات الاطنان من الوثائق الرسمية العراقية يحتاج فقط تبويبها وخزنها في اجهزة الكامبيوتر الى ثلاث سنوات من العمل المضني والمستمر، وفيما يلي إشارات سريعة لبيان مدى هذه العدوانية:
أ ـ الإبادة الجماعية
لم يتورع النظام الصدّامي عن ارتكاب المجازر الجماعية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين العراقيين سواء كانوا عرباً أو اكراداً أو تركماناً.
فقد استخدم النظام الاسلحة الكيمياوية في 17/آذار/1998 في حلبچة وبلغ عدد ضحايا هذا العمل الإجرامي اكثر من 5000 مواطن كردي عراقي.
ـ وبرغم الادانة العالمية لهذا العمل الوحشي إلاّ أن النظام استخدم هذا السلاح مرة اخرى في آب/ 1998 (بما يسمى بعمليات الأنفال سيئة الصيت) بعد وقف القتال بين العراق وايران بذريعة القضاء على القوى المعارضة المسلحة في الشمال العراقي وكان من نتائج ذلك أن لاقى أكثر من 000/180 مواطن حتفه سواء من جراء الغاز نفسه أو من جراء هروبه من مواضع سكناه وتعرضه للظروف البيئية الخارجية والأمراض.
ـ في عام 1989 استخدم النظام الصدّامي الاسلحة الكيمياوية مرة ثالثة على مناطق الأهوار ولاقى الآلاف ايضاً حتفهم إثر هذه الجريمة البشعة. هذا غير عمليات التجفيف وإتباع سياسة الأرض المحروقة وتهجير سكانها منها.
ـ وعندما عبّر الشعب العراقي عن رفضه لصدّام ونظامه إثر غزوه للكويت إبّان الإنتفاضة الشعبانية في آذار عام 1991م استخدم النظام الصدّامي ضد الجماهير العزّل مختلف الاسلحة المحرّمة دولياً مثل قنابل النابالم الفسفورية والقصف الجوّي والصاروخي للمدن والاحياء السكنية بل وضرب بعضها بالمدافع الثقيلة والدبابات، وتدمير الأماكن المقدّسة والأضرحة المشرّفة بالخصوص الضريح المقدس للإمام الحسين بن علي(عليهما السلام) وكذلك المستشفيات وغيرها دون تمييز. كما فرض الحصار على سكان المناطق المنتفضة لتجويعهم، ثم الاعتقال العشوائي لآلاف الاطفال والرجال والنساء.
ـ و قد اجبرت هذه الاساليب اكثر من مليوني انسان عراقي على الهروب من ديارهم عبر الحدود الى تركيا وايران والسعودية وادّى ذلك الى هلاك الآلاف منهم بسبب الجوع والبرد والأمراض أو تعرضهم للألغام.
ـ وفي جنوب ووسط العراق مارست قطعات الحرس الجمهوري إعدام المواطنين بالجملة وقامت بعمليات قتل عشوائية يندى لها الجبين لا نريد أن ندخل بتفاصيلها ولكننا نملك الادلة والوثائق المصوّرة عنها.
ـ تجفيف الأهوار وهي الجريمة البشعة التي طالت البشر والطيور والأسماك وغيرت ملامح البيئة السكانية لأناس عاشوا في هذه الامكنة منذ مئآت السنين.
لقد تأكدت هذه الجرائم في العديد من التقارير الرسمية للمنظمات الدولية والانسانية وسجّلها مراسلوا الصحف والإذاعات ووكالات الأنباء ونقلتها وسائل الإعلام المختلفة بيد أن الأغرب من كل ذلك ان اغلب هذه الجرائم وقعت مع وجود صمت رهيب من قبل منظمات العالم، ثم لم تصح هذه المنظمات إلا بعد الغزو المريع الذي حصل للكويت.
وها هي بعد عشرة أعوام على جريمة الإحتلال يعاود بعضها الى الخلود.. الى النوم.
ب ـ عقوبة الإعدام
على العكس من جميع الدول، فإن من اسهل العقوبات في العراق هي عقوبة الإعدام!.
وقد تنوعت الافعال التي تجيز هذه العقوبة بشكل ملفت في المرحلة التي هي مورد البحث (مرحلة حكم البعثيين) وقد سجلت المنظمات الانسانية والحقوقية العربية والعالمية ومنها المقرر الخاص للأمم المتحدة السيد فان دير شتويل استغرابها لكثرة عقوبات الإعدام في العراق وباجراءات موجزة وتعسفية، تطال النساء والشيوخ وعلماء الدين دونما تفريق أو رحمة.
ومن الحالات الشاذة إن القانون العراقي ينص على تطبيق الإعدام على المنتمين للاحزاب الإسلامية وبآثار غريبة تطال الاقرباء من الدرجة الثانية والثالثة فضلاً عن الاولى.
أما غير الاحزاب الاسلامية فيحضر نشاطها في المؤسسات العسكرية والمدنية وعقوبة المخالفة لذلك هي الإعدام.
وفيما يلي بعض العّينات والاشارات:
* قرار 840 صادر بتاريخ 14/11/86 يقضي بالسجن مدى الحياة وحتى الإعدام لمن يهين رئيس الدولة أو نائبه أو مجلس قيادة الثورة أو حزب السلطة أو المجلس الوطني الحكومة.
*/ الإعدام لمن يمارس تزوير جواز سفر صادر من دولة اخرى، أو أي وثيقة صادرة من دولة اخرى مختلفة للحصول على منافع مالية تضر بالاقتصاد([2]).
*/ الإعدام لكل من يقوم بجرائم ضد الصالح العام وهي عبارة فضفاضة تستطيع أن تصرع أي شخص وبدون أي محاكمة.
*/ الإعدام لمن انتمى لحزب معارض أو طلب اللجوء السياسي، أو حمل السلاح ضد النظام، أو تعامل مع دولة اخرى عدوّة، أو امتلك آلة طابعة بدون موافقة الدولة! أو افشى اسرار الدولة.
ـ هذا وقد بلغ عدد المواد التي تنص على الإعدام اكثر من 250 مادة قانونية صيغت بطريقة مطاطية بحيث تشمل أي سلوك لاترضاه الدولة.
إن مجرد إعتراض المواطن على واحدة من نواقص الواقع كالغلاء أو شحة المواصلات... الخ يمكن ان يفسر بأنه تعريض بالحكومة. وبالتالي يستوجب واحدة من المواد السالفة. أما تطبيق بند الخيانة والتعامل مع دولة اجنبية فهو يمكن أن يصدق على اغلب الموجودين خارج القطر وليست لهم ميول للتعاون مع النظام. وهو يمكن أن يشمل كل المعارضة التي عاشت في ايران وسوريا والاردن واميركا ولندن وبقية دول العالم.
ولتوسيع دائرة صلاحيات القيادة في العراق و منحها حق تشريع الموت ضد المواطن العراقي وفي أي وقت تراه مناسباًوضد أي عمل تراه مخالفاً فقد صيغت أو فسّرت الفقرة ـ أ ـ من المادة 42 من الدستور بحيث تتيح للرئيس صدّام إصدار قرارات تعديلات على قانون العقوبات دون الاعلان عنها في الجريدة الرسمية.
ـ و برغم شجب المقرر الخاص لحقوق الانسان في الأمم المتحدة وبقية المنظمات الانسانية لسياسة الإعدام الجماعي للسجناء التي تتبعها السلطات العراقية في سجني أبو غريب والرضوانية، إلاّ أن مثل هذه المجازر مازالت ترتكب في مختلف سجون العراق وبشكل واسع النطاق.
ـ واخيراً يظل العراق البلد الذي يضم اكبر عدد من حالات الاختفاء المبلّغ عنها للفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي الذي انشأته لجنة حقوق الانسان([3]).
وفيما يلي مقتطفات من مذكرة الامين العام للأمم المتحدة للجمعية العامة جاءت تحت عنوان الاستنتاجات والتوصيات:
في بداية عام 1992 خلص المقرر الخاص الى أن حالة حقوق الإنسان في العراق تتسم بدرجة من الخطورة يندر أن يوجد لها نظير على الصعيد العالمي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومن دواعي أسف المقرر الخاص أنه لم يجد من ذلك الحين مايدعوه الى أن يغيّر رأيه. فالنظام الحاكم السائد في العراق قد ألغى بصورة فعلية الحقوق المدنية في الحياة والحرية والسلامة الجسدية، وحريات الفكر والتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، ويضرب عرض الحائط بحقوق المشاركة السياسية، في حين لا تستغل جميع الموارد المتاحة لكفالة التمتع بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
والواقع إن المقرر الخاص قد خلص الى أن النظام السياسي القانوني في العراق لا يتوافق مع احترام حقوق الانسان، بل وينطوي على انتهاكات منهجية ونظامية في كافة انحاء البلد، بما يطال جميع السكان تقريباً. وعلى وجه الخصوص:
يجمع الرئيس صدّام حسين بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، مع خضوع القضاة وقضاة التحقيق للمسؤولية أمامه أساساً.
وتعمل القوات المسلحة والشرطة وعناصر حزب البعث تحت إمرة الرئيس; وتخضع المحاكم للسلطة التنفيذية، والاحزاب السياسية محضورة فيما عدا حزب البعث الذي يُعد هو الدولة; ولا توجد حرّية التعبير أو النشاط حيث إن مجرد التلميح الى ان شخصاً ما لا يؤيد الرئيس ينطوي على احتمال توقيع حكم الإعدام على مثل ذلك الشخص، ولا توجد حرية إعلام في الإذاعة والتلفزيون وهما أكثر وسائط الإعلام الجماهيري شيوعاً.
إن هيكل الدولة الراسخ القائم على حزب الدولة ذي النفوذ الطاغي وانعدام اية احتمالات ديمقراطية قصيرة متوسطة أو طويلة الاجل، وعدم وجود مؤسسة قادرة على مكافحة التعسف في استخدام السلطة، كل ذلك يجعل المقرر الخاص يخلص الى أن الشعب العراقي لا يتمتع باحترام حقوق الانسان المكفولة له، ولن يتمتع بهذا الاحترام في المستقبل.. واليوم وبعد زهاء ثماني سنوات من انتهاء ولايته يشير المقرر الخاص الى أن حكومة العراق لم تتبع تقريباً اياً من التوصيات الواردة في تقاريره السابقة، كما تقاعست الحكومة عن التعاون على النحو الواجب مع المقرر الخاص خلال السنوات السبع الماضية، وذلك بعدم ردّها على أي من المراسلات التي بعث بها الى الحكومة، وبرفض السماح له بزيارة البلد منذ عام 1992، وبرفض نشر مراقبين لحقوق الإنسان تابعين للأمم المتحدة»([4]).
ج ـ الوضع الصحي:
فيما يلي ارقام سريعة مقتبسة من تقارير الامم المتحدة ومن الصحف العالمية ومن صحف النظام ودورياته خصوصاً.
* كشفت الدراسات الاستقصائية أنه في جنوب ووسط العراق حيث يعيش 85% من سكان البلد زاد معدل وفيّات الاطفال دون سن الخامسة بأكثر من الضعف، من 56 حالة وفاة لكل 1000 مولود حي في الفترة 1984م ـ 1989م الى (131) حالة وفاة لكل 1000 مولود حي في الفترة 1994 ـ 1999م، وبالمثل، فان معدل وفيات الاطفال الرُّضع، الذي يعني وفاة الاطفال وهم في السنة الاولى من العمر زاد هو الآخر من (47) حالة وفاة لكل 1000 مولود حي الى (108) حالة في نفس الفترة الزمنية.
وقد لاحظ العالم كيف استخدم الاعلام الصدّامي توابيت الاطفال في اكبر كرنفالات الموت الانساني لاستثاره الرأي العام العالمي ولم يدر صدام ان هذه التوابيت البريئة اول ما تدينه من العالم هو نظامه الوحشي باعتباره السبب الاول في كارثة العراق.
* اعنلت دائرة صحة محافظة نينوى ان نسب الاصابات بالاورام السرطانية وخاصة ما يتعلق منها بالجهاز الهضمي والرئتين والغدد اللمفاوية والقولون قد تضاعفت لعدة مرات خصوصاً لدى من هم في عمر الشباب!.
جاء ذلك خلال الاحتفال باليوم الوطني لمكافحة السرطان واضاف الدكتور نزار خضر العاوي أخصائي أورام السرطان إن من بين اسباب تلك الزيادات تعرض المواطنين الى الاسلحة المحرمة خلال العدوان الثلاثيني اضافة الى عطب العديد من الاجهزة الطبية المخصصة للتشخيص والعلاج، ورفض ما تسمى باللجان المختصة ادخال الأدوات الإحتياطية والمضادات الكيمياوية والحيوية المستخدمة في العلاج... (نبض الشباب العدد/95 التاريخ 1/3/1999).
ولا داعي للتعليق حول السبب الأعمق الذي يقف وراء ذلك كله!.
* علمت (صوت الطلبة) ـ وهي اسبوعية عراقية! أنه ونتيجة للظروف الصحية السيئة التي سببها الحصار الظالم المفروض على العراق فقد سجّلت الاجهزة الصحية في بغداد وعدد من محافظات القطر اصابة عدد من المواطنين بمرض (الكوليرا) الوبائي وإن هذه الاجهزة قد اتخذت الاجراءات اللازمة لمعالجة هذه الحالات! واوضح الدكتور عدنان عنوز اختصاصي الامراض الباطنية والقلبية والاستاذ في كلية صدام الطبية إن مرض الكوليرا واحد من اخطر الامراض الوبائية والتي تنتقل عن طريق السوائل والاطعمة الملوثة..
وكشف الدكتور عدنان عن إن الحصار الظالم المفروض على العراق يلعب دوراً كبيراً في انتشار كثير من الاوبئة التي لم يسبق للعراق أن واجهها وذلك بسبب تأثر البنى التحتية فيه وعدم توفر الاجهزة الكافية والملائمة لضخ المياه الصالحة للشرب والمعدّة للاستعمال البشري، واضاف أن المشكلة التي تواجه المؤسسات الصحية العراقية في معركتها مع وباء (الكوليرا) هي عدم توفر العلاجات واللقاحات بكميات كافية، وحتى المتوفر منها ليس من النوعيات الجيدة! (صوت الطلبة ـ العدد(507) التاريخ 3/7/1999).
وتعليقنا على هذا الاعتراف الصحي الصادر من متخصص كبير ومن كلية صدام الطبية أنه:
1) حبذا لو استخدمت عبارة (صدّام الظالم) بدلاً عن (الحصار الظالم) باعتباره المسبب الحقيقي لهذه الامراض.
2) يلاحظ ان هذه الاوبئة جديدة ولم يتعرض لها العراق سابقاً، الامر الذي يجعل امر تصديرها للعراق امراً مقبولاً.
3) ولكي تكتمل القصة فان المستشفيات تعاني من شحة العلاجات! واذا توفر بعض هذه العلاجات فهو من النوع الرديء والفاسد!!.
4) الملاحظ ان انتشار هذه الاوبئة في المناطق الريفية والمحرومة من المدن، ولم تسجّل التقارير اصابات مماثلة في أعوان السلطة أو في المناطق التي تخضع لرعاية السلطة! ويمكن ملاحظة أن مناطق الشمال ومع عدم توفر الامكانات اللازمة فلا يوجد فيها اورام سرطانية ولا اوبئة معدية وسارية!.
* تقول جريدة العراق في العدد (6757) المؤرخ 23/3/1999. مانصّه (نظام البطاقه الجديد ـ المقصود البطاقة التموينية ـ الذي انجزته وزارة التجارة خفض عدد مراجعات الفرد الواحد الى المؤسسات الصحية الى (6) مراجعات بدلاً من (36) مراجعة سنوياً اي بمعدل مراجعة واحدة لكل شهرين.. أما اذا مرض الفرد اكثر من ذلك فعليه أن يتوجّه الى العيادات الخاصة للاطباء ومن ثم الى صيدليات القطاع الخاص وعليه في هذه الحالة تدبير الآلاف من الدنانير بدلاً من المئآت...!).
* اكدت نقابة الصيادلة أن وزارة الصناعة تضخ كميّات كبيرة من الادوية التي تنتهي صلاحيتها خلال شهر أو شهرين، ولاتأخذ ـ الصناعة ـ بنظر الاعتبار ما يترتب على ذلك من نتائج سلبية. واوضح مصدر في النقابة فضّل عدم ذكر اسمه أن المذاخر التي تتسلم الادوية من وزارة الصناعة تعمد الى فرض هذه الادوية مع ادوية اخرى مطلوبة من الصيدلي فهي الحصص التجهيزية «وترغم الصيدلي إما على قبول الحصة أو رفضها بالكامل!» (صحيفة الزوراء الاسبوعية العدد /94/ التاريخ 25/3/1999).
* عدد مرضى الصحة الذهنية الذين يتلقون رعاية صحية ارتفع بنسبة157% من عام 1990 ـ 1998، اما العدد الاجمالي للذين يدخلون الى المستشفيات بسبب الاضطراب الذهني ارتفع بنسبة137% من نفس العام([5]).
* تقديرات الدراسات الحكومية تقول بانه في عام 1987 فقط وصل عدد المعوقين الى 275000 معوقاً جسدياً أو عقلياً، وواضح إن هذا الرقم تضاعف حتماً بعد حربين مدمرتين تعرض لهما العراق بعد ذلك التاريخ.
هذا غير تقارير التشوهات الخلقية والامراض النفسية والامراض المزمنة وغير الحالات المستجدّة بسبب تلّوث المياه وتلوث الاطعمة وانقطاع التيار الكهربائي المستمر، وفساد الادوية وقلة التطبيب وما شاكل ذلك.
الفصل الثالث ـ عدوانية النظام الصدّامي الخارجية
غزو ايران واحتلال الكويت
أ ـ الحرب ضد الجمهورية الاسلامية في ايران
بعد تولي صدّام رئاسة الجمهورية العراقية بفترة وجيزة قامت القوات المسلحة العراقية بأوامر صريحة ومباشرة من صدّام في 22/9/1980 باجتياز الحدود الايرانية واحتلال قسماً كبيراً منها، وعلى مسافة تمتد الى 1100 كلم طولاً أما العمق فقد كانت التوغلات فيه مختلفة تبعاً لاختلاف التضاريس الجغرافية للمنطقة.
لقد حدث ذلك بعد اعلان السلطات العراقية من طرف واحد، عبر اجهزتها الاعلامية عن إلغاء معاهدة 1975م المعقودة بين العراق وايران بشأن الحدود. وفي حينها ايضاً اعلن صدّام رفضه قبول أية وساطة لحل النزاع واعتمد الحرب وسيلة لحسم النزاع مع ايران!.
إنّ شن الحرب العدوانية ضد الجمهورية الاسلامية (التي أقامت تواً ثورتها الاسلامية المباركة) وتحت أية ذريعة كان يعد انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة وقوانين تنظيم العلاقات بين الدول الجارة. تلك التي لا تحرم فقط استخدام القوة وانما تحرم التهديد باستعمالها ضد سلامة الاراضي والاستقلال السياسي لأية دولة اخرى.
لقد ألزمت المعاهدة المعقودة بين ايران ـ العراق في عام 1937 البلدين الاستعانة بالوسائل السلمية لحل أية خلاف بينهما([6]).
كما نصّت معاهدة 1975 الموقعة من قبل صدّام نفسه وشاه ايران بتسوية الخلافات الناشئة بين الطرفين عن طريق المفاوضات الثنائية المباشرة. وفي حالة عدم الاتفاق يلجأ الطرفان الى طلب المساعي الحميدة لدولة ثالثة، وفي حالة رفض احد الطرفين اللجوء الى المساعي الحميدة أو فشل اجراءاتها فإن حل الخلاف سيتم عن طريق التحكيم([7]).
بيد أن صدام خالف كل هذه المعاهدات وتجاوزها ليشن حرباً عدوانية استمرت ثماني سنوات كلّفت الشعبين الجارين المسلمين اكثر من مليون من القتلى والجرحى والمعوقين، وألحقت باقتصاد البلدين كوارث تدميرية كبرى، وعرّضت السلم والامن في المنطقة الى خروقات استكبارية كبيرة ومازالت نتائج كل ذلك وتداعياته قائمة لحد الآن. لسنا بحاجة هنا الى توثيق الخسائر المادية والبشرية التي تعرّض لها العراق جرّاء هذه الحرب الاستنزافية،المنسية، كما اطلقت عليها الادبيات الصحفية آنذاك. ولكننا بحاجة فعلاً الى التأكيد على الكارثة المزمنة في العراق والتي هي أصل كل الكوارث والحروب، ألا وهي طبيعة السلطة الحاكمة في العراق! و كيفية اتخاذها القرارات الخطيرة التي تزج الشعب العراقي المظلوم في حروب تعسفية لا ناقه له فيها ولا جمل، ثم تخرجه منها قسراً بعد أن قدم فيها الشيء الكثير والنفيس..
وبسبب الزلاّت والاخفاقات الكبيرة التي ارتكبتها هذه السلطة (صدام حسين بالخصوص) فقد بات العراق يعاني من حالات مختلفة اجتماعية واقتصادية وثقافية، ومن أولى الاخطار التي يمكن أن يتعرض لها هذا البلد هو المساس بسيادته وتقطيع أوصاله وهو ما لا يرضى به كل مسلم شريف وكل عربي أصيل وكل عراقي غيور.
ب/ احتلال الكويت
وهي ثاني كارثة رسمية يدخلها العراق بسبب نزوات نظام الحكم القائم فيه.
وهي ثاني مؤشر كبير على عدوانية النظام الصدّامي الخارجية.
وليس من شك ان هذه الحرب التي بدأها صدّام حسين ضد الكويت واحتلاله لها تعد أخطر حرب ذات طابع دولي منذ الحرب العالمية الثانية، بل هي اخطر من حرب الاستنزاف التي مر ذكرها. يتجلّى ذلك في القوى العسكرية التي تجهزت في المنطقة وطبيعة قواها التعبوية والسوقية، والمديات المختلفة للاهداف والمطامح... الخ.
وليس من الخافيات ما جلبه هذا العدوان من مآسي وكوارث وفواجع (وأي كلمة على هذا المنوال) على العراق وشعبه وسيادته ودوره التاريخي المرموق.
واستناداً الى تقارير رسمية فإن أقل ما توصف به هذه الحرب انها كانت تدميرية وتأديبية واستعراضية، الخاسر الوحيد فيها هو الشعب العراقي بعربه وأكراده وتركمانه وبقية أقلياته. والخاسر الوحيد فيها هو العراق بمنشآته وثرواته وقواه العسكرية والتكنولوجية.
أما نفس العدوان على الكويت فقد حقق التجاوزات التالية:
1 ـ استخدام القوة المسلحة ضد شعب جار ومسلم.
2 ـ تدمير ونهب الهياكل والمؤسسات المدنية والعلمية.
3 ـ الإبعاد القسري لأعداد كبيرة، من المواطنين عن أراضيهم.
4 ـ اعتقال وارتهان الابرياء والمدنيين والدبلوماسيين الاجانب والتمرّس ببعضهم واستخدام الجميع في اغراض سياسية خبيثة.
5 ـ القيام بهجمات صاروخية عشوائية تطال المدن الآهلة بالسكان.
6 ـ التدمير المتعمد للبيئة الطبيعية وتلويثها.
7 ـ تلغيم المنطقة عموماً وجعلها مناطق حربية وعسكرية.
وهذه كلها جرائم كبيرة يحاسب عليها القانون الدولي والاسلامي والعروبي والإنساني..
بيد أننا وبعد 10 أعوام تنصرم على العدوان نلحظ أن النظام الذي قام بالعدوان مازال قائماً وهناك الكثير ممن يدعمه مادياً ومعنوياً ولوجستيكياً، بل بدأنا مؤخراً نسمع دعوات من هنا وهناك تدعو الى الاعتراف بالأمر الواقع، والقبول بالشر خوفاً من الأشر منه، وتنادي الى تطبيع العلاقات مع هذا الشر! وترويضه وتلطيف أنيابه للدخول الى الحضيرة الدولية وكأن شيئاً لم يكن!.
الفصل الرابع ـ الحل الامثل
إن الحل الأمثل لما يعانيه الشعب العراقي هو ما قاله العراقيون انفسهم في آذار عام 1990م (الانتفاضة الشعبانية المباركة) واعلنوه صراحة أمام العالم حيث انتفضت اكثر من (14) محافظة عراقية برجالها ونسائها من شمال العراق الى جنوبه، مطالبة بترحيل النظام الذي جلب لها الكوارث والدّمار، وأوصل أحد اغنى بلدان العالم الى حافة البؤس والانهيار.. هذا هو الحل الأمثل!
ولكن ماذا كان الرد؟ وماذا كانت المواجهة؟!
لقد سام صدّام وجيشه البربري (الجمهوري) شعبنا المظلوم الأعزل مختلف الوان العذاب والبطش والتنكيل، واسكت صوت الانتفاضة بالدبابات والصواريخ! وقصف المدن المقدسة والاضرحة الشريفة!
واستباح كل شيء أمامه في جرائم بشعة أقل ما قيل بشأنها انها يندى لها الجبين، وانها ما عرف مثيلها لا في تاريخ العراق، ولا تاريخ المنطق! ولم يكن ليحدث كل ذلك لولا المساعدة الخارجية بالدعم أو بالصمت!!
وماذا فعلت امريكا؟!
لقد زوّدت الطائرات العراقية (الطائرات السمتية) بالوقود من اجل ادامة تحليقها في المنطقة وأداء مهمّة القمع فيها..
وابتداءً سمحت لها بالتحليق فوق مناطق واحياء الانتفاضة متجاوزة المنع الاساسي للطيران الصدّامي من التحليق في كافة الاجواء العراقية فضلاً عن تحليقها في اجواء المنطقة الجنوبية باعتبارها منطقة الحرب الاساسية!.
وماذا بعد؟ لقد صوّر الامريكان ووكالات الانباء العائدة لهم انتفاضة الشعب المظلوم بانها تمرد شيعي يريد ضم العراق الى ايران الاصولية!
ثم الانتقام من الاقلية السنية في العراق!
ثم الاستحواذ على ثروات العراق ووضعها في جيب الشقيقة الشيعية الكبرى ايران!
وهكذا تأججت مخاوف الجميع، العراقيين وغيرهم وعلى مختلف مشاربهم السياسية وانتماءاتهم العقائدية...
لقد خاف العلماني من نظام اسلامي!
وخاف القومي من نظام اصولي!
وخاف الطائفي من نظام شيعي!
وخاف البعثيون والصدّاميون ومختلف الرجعيين من نظام ثوري يعيد الموازين الحقيقية للثورة والعدل والانصاف.
وخاف سلاطين المنطقة من نظام شعبي يعطي الفقراء والمساكين حقوقهم.
وخافت امريكا واسواقها من اختلال قوى المنطقة وضياع النفط وإعادة صياغة سياسته بشكل آخر بعيداً عن مصالحها وهيمنتها الخ و هكذا. بل لقد وجدنا الخوف قد امتد حتى الى اولئك الذين مازال جرحهم ناكئاً فقالت صحفهم (شر نعرفه خير من شر نجهله) وذلك في اكبر مغالطة يشهدها العصر، وفي أسوأ اكذوبة تلوكها الصحف وترددها الفضائيات! واذن:ـ
ـ حينما لا ترضى اميركا بحكومة الاغلبية العربية الشيعية في العراق، وتصر على ادامة حكومة العراق من قبل عسكري سني!.
- وحينما تظل الدول الاقليمية الشقيقة متعنتة بهواجس طائفية، ومخاوف غير طبيعية!.
ـ وحينما يغض الطرف عن جرائم رجل معتوه ومليء بالعقد والنواقص، بل ويُطالب بإعادة تأهيله وتطبيع العلاقات معه!.
* حينها لابد أن نبحث عن حلول اخرى لا ندري مدى عدالتها وصحتها! وليس لمأساة العراق وشعبه المظلوم وحده، وانما لمأساة جميع الذين أضرّ بهم التوتر، وأضاع الاستقرار فرص تطورهم ومن هذه الحلول مايلي:ـ
1 ـ ترحيل الشعب العراقي من دياره ومسقط رأس اجداده كيما يتناثر هذا الشعب المجيد على شكل لاجئين ومشردين، وايدي عاملة رخيصة على ارض الله الواسعة.. نعم يطرد عشرين مليون انسان من اجل أن يبقى صدّام وحفنة من القتلة، ثم يتم لهم استيراد شعب جديد، تفك به أزمة هنا، وتصنع به أزمة هناك.
2 ـ أن تظل هذه الكارثة قائمة، ويسمح للامراض الوبائية السارية والمعدية بالانتشار والاتساع، (بل وتساهم امريكا والنظام الصدّامي، والأمم المتحدة، ولجنة 661، والاعلام العالمي، وسكوت الاشقاء، والصمت الذي تفرضه المصالح المتضاربة..الخ) كل ذلك يساهم في الفتك بالبقية الباقية من الشعب العراقي، تلك البقية التي نجت بريشها من مخالب صدّام واحواض (التيزاب) في سجونه المرعبة، أو نجت من محارق الحروب العلنية التي شنها في الداخل والخارج.
وعلى الجانب الآخر من لوحة المأساة تستمر طائرات التحالف الاميركية ـ البريطانية بقصف كافة الاهداف النوعية التي لم تستطع تدميرها في عاصفتيها الصحراوية والثعلبية بحيث لا يبقى للعراق (كبلد وتاريخ وشعب ومستقبل) أي مقوّم من مقومات الحياة أو الصمود والاستمرار وارجاعه الى عصور ما قبل التاريخ كيما نصل بالتالي الى ذات الحل اعلاه ولكن بتأني وتهذيب وعصرنة!.
نعم نفس النتيجة وهي إخلاء العراق من شعبه وقدراته ومقوّماته! علماً إن كل التقارير المتابعة لفصول المأساة في العراق والصادرة عن مؤسسات رسمية أو شبه رسمية تشير وبلا تردد الى أن آثام الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية، أضرت بالشعب العراقي وبناه الاقتصادية التحتية وأثّرت في مستواه العلمي والثقافي والصحي دون أن تؤثر بأي نوع من انواع التأثير على رأس السلطة صدّام أو زبانيته!
3 ـ أن يعتذر الجميع من صدّام ويقبّلوا رأسه ويديه ويعترفوا به طاغية للعصر لايمكن تغييره ثم يطبّعوا العلاقات السياحية والاقتصادية معه، على امل أن يموت موتة فجائية أو بسكتة قلبية او دماغية خاصة وقد أخذ العمر بالرجل مأخذه! وانهكت اعصابه لجان التفتيش وتمردات الشعب المتكررة! وصراعات أولاده وابناء عمومته وبقية افراد العصابة! ولا تعجبوا من هذا الحل أو تضحكوا منه فهناك اكثر من دولة دعت الى ذلك وسعت إليه.
كلمة اخيرة
في حكم المؤكد أنه بدون وجود تصميم دولي راسخ لتفهم الجهود المخلصة والرامية لتخليص العراق من محنته الكبرى.
وبدون مثل هذا التصميم على الرد بشكل كامل وجدّي على الانتهاكات الجسيمة والخطيرة للغاية التي يمارسها النظام الصدّامي ضد شعب العراق المظلوم.
* فإن ماهو قائم يستمر ويتفاقم.
* ويستمر تحميل الضحية جزاءات الجلاد، وهو ظلم مضاعف يمكن أن يسفر عن نتائج وخيمة وينفتح على خيارات قد لا تكون من صالح أي أحد.
* واخيراً سيتم وأد الآمال في اعادة فرض حكومة القانون، أو تمهيد السبيل لقيامها، في البلد الذي عرف اول مسلّة للقانون في ادائه السياسي وفي ارض كانت مهبطاً للأنبياء والأولياء والصالحين وكانت أيضاً مهداً لهم.
([1]). يمكن مراجعة مذكرة الامين العام للامم المتحدة حول حقوق الانسان في العراق الدورة الرابعة والخمسون 27/تموز/1999.
([2]). دراسة منشورة في مجلة الثقافة الجديدة.
([3]). من تقرير السيد ماكس فان ديرشتويل المقرر الخاص للجنة حقوق الانسان. 14/اكتوبر/1999.
([4]). المصدر السابق ص12.
([5]). مجلة البلاد 13/10/1999.
([6]). العلاقات الايرانية العراقية خلال خمسة قرون/ حسن الدجيلي/ ص356.
([7]). وقعت معاهدة حل الخلافات بالطرق السلمية بين البلدين ايران والعراق في طهران في 24 تموز سنة 1937م وابرمت في 20 حزيران سنة 1938م وصدّقت بموجب القانون (19) لسنة 1938م وتتألف من 24 مادة. المصدر السابق.
ارسال نظر