مصادر تفسير القرآن من وجهة نظر المذاهب الإسلاميّة
محيي الدين المشعل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على محمّد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتهم بنعمته إخواناً...﴾([1]).
والحمد لله على نعمه العظيمة التي من بها على خلقه، والتي منها هذه الجمهورية الإسلاميّة التي وفقها الله لجمع شمل المسلمين، وتوحيد صفوفهم، ووحدة كلمتهم، وإنه لمن المفاخر في هذه الدولة المباركة مشروع الوحدة المتمثل في مجمع التقريب، وفي مؤتمر الوحدة الإسلاميّة الذي نسأل الله تعالى أن يوفقه، ويوفق الاخوة العاملين فيه لان يؤدوا دورهم، ويقوموا بمسؤوليتهم على أكمل الوجوه والله ولي التوفيق.
المقدمة:
من أهم المباحث الوحدوية التي لها دور كبير جداً في تحقيق الوحدة بين المسلمين
(474)
البحوث التي تدور حول القرآن الكريم الذي لا يختلف أحد من المسلمين على حجيته ومصدريته سواء على مستوى التشريع أم على مستوى المعرفة الدينية العامة التي ترتبط بالعقائد، والأخلاق، والمعارف الأخرى.
ومن هذه البحوث ما يرتبط بالعملية التفسيرية لكتاب الله العزيز، والذي اختلف فيها المسلمون من حيثيات عديدة، وجهات مختلفة.
والذي ينبغي أن يتوجه إليه البحث بالدرجة الأولى هو المصادر الأساسية للعملية التفسيرية، لأن هذه القضية إذا أمكن حلها، وأمكن الوصول من خلال البحث والدراسة فيها إلى مصادر ثابتة الحجية، والدليلية، ومقبولة إسلامياً لدى جميع الفرق الإسلاميّة بمناطات القبول العقلية والعرفية، فإن بقية المسائل لا تمثل أي مشكلة في المقام.
ذلك أننا إذا ثبتنا مصدرية العقل، وحدود هذه المرجعية فإن الاتجاه العقلي لا يمثل أي أزمة بعد أن جعل العقل مصدراً في فهم مراد الله، كما أن المنهج اللغوي لا يؤثر على العملية التفسيرية سلباً إذا قبلت اللغة كمصدر في فهم كتاب الله.
لذلك فإن عنونة البحث بطرق التفسير من وجهة نظر المذاهب الإسلاميّة، أو عنونته بمناهج التفسير ليس قريباً من الدقة، بل الدقة أن نجعل عنوان البحث حول مصادر التفسير من وجهة نظر المذاهب الإسلاميّة، محاولين استقصاء المصادر التي اعتمدها المفسرون قديماً، وحديثاً لندرسها دراسة فاحصة وواعية لنؤسس من ثم المصدر المقبول، والمصدر اللامقبول، وبعدها نقيم العملية التفسيرية من حيث القبول، وعدمه على أساس المصدر وصلاحيته وإن كان المنهج أو الطريقة، أو الاتجاه تؤثر على العملية التفسيرية من حيث النتائج، والصياغة النظرية للمعارف القرآنية.
وهذا البحث يحاول أن يرصد بعض المصادر التي اعتمدت مرجعياً في العملية التفسيرية ليدرس قيمتها العلمية على أساس مقبوليتها وحجيتها أو عدم صلاحيتها
(475)
لذلك، ثم التعرف على المراجع التفسيرية المقبولة لدى جميع المذاهب الإسلاميّة كالقرآن، والسنة المستوعبة لقول المعصوم ـ عليه السلام ـ سوءا كان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أو الأئمة من أهل بيته: واللغة العربية الأصيلة، وكذلك التعرف على المراجع غير المقبولة لدى المسلمين جميعاً كالتفسير بالرأي الذي لا يعتمد أي قاعدة موضوعية وعلمية من قبيل ما يسمى بالتحريف في التفسير كتفاسير بعض الباطنية، وبعض أصحاب العقائد المنحرفة الّذين يريدون أن يجعلوا من القرآن الكريم مطية لتبرير عقائدهم ومختلقاتهم ولنتعرف أيضاً على المراجع التفسيرية التي قد تمثل نسبة من الاختلاف على قبولها بين المذاهب الإسلاميّة كالعقل الذي يراعي الضوابط والشروط التي ذكر للمفسر.
وأخيراً أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للإخوة العاملين في مجمع التقريب المبارك وأخص بالذكر جناب الأستاذ السيد الداماد على جهودهم المشكورة في هذا السبيل الإلهي، وأسأل الله تعالى لهم مزيداً من التوفيق والعمل لرتق الفتق ورأب الصدع، والله ولي التوفيق.
التفسير من وجهة نظر المذاهب الإسلاميّة:
من الواضح جداً أن هذا العنوان يمكنه أن يكون محققاً لمجموعة من النتائج في الناحية العلمية والعملية وأهمها:
أولاً: أن يكون منطلقاً للبحث المقارن في أصول التفسير ومناهجه، لتأسيس دراسة لمناهج التفسير المختلفة لدى مختلف المذاهب الإسلاميّة ومن ثم انتخاب أفضلها كمنهج أمثل أو مثالي ليكون الرائد في التفسير لدى بقية المذاهب الإسلاميّة.
ثانياً: التعرف على المناهج التفسيرية التي تثير روح الخلاف بين المسلمين ومحاولة نقدها وتحليلها، وكذلك التعرف على المناهج التفسيرية المؤكدة لروح الوحدة.
(476)
والبحث عن جذورها، وأصولها، والإفادة منها.
ثالثاً: اكتشاف المصادر المختلفة للتفسير والوقوف على مواصفات المفسر بشكل مفصل لدى مختلف المذاهب الإسلاميّة، ومحاولة مقارنتها بما يحتاجه المفسر في العملية التفسيرية في العصر الحاضر.
رابعاً: اكتشاف المناهج التفسيرية السلطوية التي كانت تنطلق في المنهج التفسيري أو في المصدر التفسيري من خلال خدمة السلطة التي كانت معاصرة لها سواءً كانت سلطة سياسية، أو سلطة فكرية أو ثقافية، أو عقائدية، وما إلى ذلك.
خامساً: الانفتاح على كثير من مباحث علوم القرآن الكريم لمعرفة نشوئها وأسبابه على أساس أنها آلية منهجية لعلم التفسير، ومقدمة له وربما يكون لها الأثر الكبير في اختلاف التفاسير بين المسلمين، وقد يكون لنشوء بعض هذه العلوم علاقة أساساً بقضية المحافظة على تفسير القرآن تفسيراً صحيحاً خشية أن تتلاعب به الأهواء، والآراء إذ إنّ بعض التفاسير التي كانت تخدم جهات معينة أو أغراضاً خاصة لابد لها أن تبحث عن مبرراتها الثقافية فربما اخترعت نظرية، أو أسست مبحثاً، وجعلته من ضمن مباحث التفسير أو علوم القرآن، ومثل هذا البحث المقارن يحقق كثيراً من هذه الأغراض العلمية، والعملية.
طرق التفسير والاختلاف فيها:
من الواضح جداً أن الطريقة التفسيرية كاصطلاح تختلف عن المنهج التفسيري، إذ أن الطريقة تمثل الناحية الشكلية التي يستخدمها المفسر في تفسيره، فربما يفسر القرآن معتمداً على طريقة التفسير الترتيبي(التجزيئي) للقرآن الكريم، وهي التي يبدأ المفسر فيها من بداية المصحف بحسب ترتيبه المعروف من الفاتحة إلى سورة الناس؛ والطريقة
(477)
الثانية التي هي التفسير التوحيدي أو الموضوعي لا تخضع للشكل السابق فهي لا تلتزم البدء من أول آية في أول سورة، كما أنها لا تلتزم حالة التراتب بين الآيات، وإنّما «تحاول القيام بالدراسة القرآنية لموضوع من موضوعات الحياة العقائدية، أو الاجتماعية، أو الكونية فتبين وتبحث وتدرس مثلاً عقيدة التوحيد في القرآن أو تبحث عقيدة النبوة في القرآن، أو عن سنن التاريخ في القرآن، أو عن السماوات والأرض في القرآن الكريم وهكذا»([2]).
فقد تلجأ هذه الطريقة إلى ترتيب آخر للآيات غير ترتيب الطريقة الأولى لتجمع بين آية من سورة وأخرى من سورة أخرى خصوصاً مع عدم وجود وحدة موضوعية في السورة الواحدة إلاّ في سورة يوسف مثلاً، أو في بعض السور القصار.
كما يمكن أن تكون هناك طريقة ثالثة تختلف من الناحية الشكلية، والترتيبية عن الطريقتين المتقدمتين، وهي ترتيب آيات القرآن الكريم، وسوره بحسب تواريخ النزول فتجعل على سبيل المثال سورة العلق في بداية المصحف، وتجعل آية إكمال الدين مثلاً(بناءً على أنها آخر آية نزلت) في آخر المصحف، بخاصة أن ترتيب السور ليس توقيفياً بحسب قول غير المشهور([3]).
فيكون الفرق بين الطريقة الثانية، وبين الطريقتين الأولى والثالثة في أنهما يسبق الترتيب فيهما التفسير فلا بد للمفسر بإحداهما أن يكون فارغاً من قضية ترتيب الآيات إنّ كان ابتداء بالفاتحة وانتهاء بالناس؛ فهو «إنّ كان من العق إلى آية الإكمال فكذلك، ثم يمارس عملية التفسير([4]) بينما يكون الترتيب في الطريقة الثانية متزاناً مع عملية التفسير،
(478)
لأن المفسر الموضوعي في صدد اكتشاف النظرية القرآنية في موضوع معين، فهو يجول بين آيات القرآن من أولها إلى آخرها فكل آية يمكن أن يجد فيها جواباً على سؤاله، وحلاً لاشكالياته يؤلف بينها وبين الأخرى التي تتناسب من حيث موضوعها معها.ففي الوقت الذي يبحث فيه المفسر عن الحقيقة القرآنية تجاه مسألة من المسائل فهو يرتب الآية مع الآية ويؤلف بينها وبين أختها فتقترن عملية الترتيب تقريباً بعملية التفسير.
ومن الطبيعي جداً أن النتائج ستختلف من طريقة إلى أخرى، ولكن مع ذلك فإنها تبقى طريقة في التفسير تحتاج إلى مصادر تفسيرية كاللغة مثلاً والسنة، والقرآن، والعقل، كما تحتاج إلى مناهج تفسيرية كالمنهج العلمي، أو الفلسفي، أو الرمزي، أو غير ذلك مما لابد للمفسر فيه.
وربما توجد في بعض التعابير لفظة الاتجاه التوحيدي، أو المنهج([5])، ولكنها كاصطلاح ينبغي أن تسمى طريقة.
وعندما نريد أن نسلط الضوء على آراء المذاهب المختلفة في طرق التفسير بما هي طرق بغض النظر عن أدواتها ومصادرها، ومناهجها، والنتائج التي توصل إليها، فلا نرى بحسب الظاهر أي اختلاف فيما بين المذاهب من هذه الجهة، فإن جميع المذاهب قد اعتمدت في تفاسيرها على الطريقة التجزيئية باختلاف اتجاهاتها وثقافاتها، كما أنها أيضاً اعتمدت على الطريقة التوحيدية في بعض تفاسيرها، ويتجلى ذلك بوضوح في آيات الأحكام، فلا شك بأنه نوع من التفسير الموضوعي، أو التوحيدي للقرآن الكريم استخدمه أكثر المذاهب الإسلاميّة إنّ لم تكن كلها في بيان آرائها الفقهية.
نعم ربما يعترض على الطريقة الثالثة التي تعتمد ترتيب السور والآيات على أساس تاريخ النزول وذلك من خلال تبني التوقيفية في ترتيب السور والآيات، فلا تجوز
(479)
مخالتفها، ومن ثم سوف تكون مثل هذه الطريقة طريقة منهياً عنها لما فيها من تجاوز لأمر توقيفي([6]).
وهذا المقدار من المنع، والنهي يمكن تجاوزه من خلال أن المفسر بهذه الطريقة لا يرتب القرآن ترتيباً جديداً مغايراً للترتيب المألوف، وإنّما يبقى الترتيب كما هو، غاية الأمر أنّه في عملية التفسير يبدأ بسورة العلق، ثم التي تعقبها نزولاً وهكذا إلى آخر آية نزلت من دون أن يغير شيئاً من ترتيب المصحف المعروف لدى المسلمين عامة.
فالنتيجة أن المذاهب الإسلاميّة على مستوى الطرق التفسيرية إذا حصرناها في الطرق الثلاث المتقدمة لا تعاني من أي مشكلة، وبحسب الظاهر لا يوجد خلاف عليها كما تقدم بما يه طريقة مجردة عن النتائج والمناهج.
مصادر التفسير، واختلاف المسلمين فيها:
من الواضح أن أي منهج تفسير له مصادره المعرفية التي يعتمد عليها في جميع تفسيره وتأليفه، وأعني بالمصدر التفسيري المرجع الذي يرجع إليه المفسر لحل اشكاليات العملية التفسيرية، وتوضيح مبهماتها وقد يتحول المصدر عند بعض المفسرين إلى منهج، وأعني بالمنهج عملية المشي في التفسير من أوله إلى آخره بأسلوب واحد يمثل الظاهرة البارزة في التفسير.
فعلى سبيل المثال نجد أن المفسرين بشكل عام يعتمدون السنة النبوية مصدراً من مصادر التفسير لكن لا نجدهم جميعاً يقفون عند الروايات فقط ليفسروا القرآن بها فقط، وإنّما قد يعتمدون المنهج الفلسفي في التفسير أو التفسير العلمي، ولكنهم مع ذلك يجعلون السنة النبوية الشريفة مصدراً تفسيرياً أساسياً بينما نجد بعضهم إضافة إلى اعتماده على
(480)
السنة النبوية الشريفة مصدراً من المصادر لا يتجاوز الحديث في تفسيره من أوله إلى آخره كما في الدر المنثور مثلاً للسيوطي أو كما في تفسير القمي فإنها اعتمدت الأثر مصدراً ومنهجاً.
لذلك لابد من التفريق بين المصدر التفسيري، والمنهج، ودراسة كلّ واحدٍ منهما على حدة، والتعرف على آراء المذاهب الإسلاميّة فيهما.
أما المصادر التفسيرية فقد وقع خلاف بين علماء المذاهب الإسلاميّة في الاعتماد عليها والنظر فيها، وعددها، فقد عقد جلال الدين السيوطي في كتابه القيم الإتقان في علوم القرآن فصلاً في أمهات مآخذ التفسير قال فيه ـ نقلاً عن الزركشي في البرهان ـ:
وقال الزركشي في البرهان: للناظر في القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربع:
الأول: «النقل عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، وهذا هو الطراز المعلم...»
الثاني: «الأخذ بقول الصحابي فإن تفسيره عندهم بمنزلة المرفوع إلى النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ...»
الثالث: «الأخذ بمطلق اللغة، فإن القرآن نزل بلسان عربي، وهذا قد ذكره جماعة، ونص عليه أحمد في مواضع...».
الرابع: التفسير بالمقتضى من معنى الكلام، والمقتضب من قوة الشرع، وهذا هو الذي دعا به النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لابن عباس، حيث قال: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل»، والذي عناه علي ـ عليه السلام ـ بقوله «إلاّ فهماً يؤتاه الرجل في القرآن»([7]). فهذه أربعة مصادر ذكرها السيوطي، ونقل خلافا حولها سنتعرض له فيما بعد.
(481)
ومن المصادر التفسيرية الأساسية، والتي وقع الاتفاق عليها من قبل المسلمين كافة بمختلف مشاربهم، ومذاهبهم هو القرآن الكريم نفسه.
يقول ابن تيمية في ذلك:
«ذلك لأن القرآن هو أصدق الطرق في التفسير، ومن أراد أن يفسر القرآن فعليه أن يطلبه أولاً من القرآن»([8]).
وهناك مصدر آخر وهو العقل، أو الرأي، وسوف نحاول بحثه بالتفصيل فيما يأتي.
والذي نستخلصه مما تقدم أن هناك مصدرين أساسيين للعملية التفسيرية:
أحدهما، المصدر النقلي: وهو يعتمد على:
ـ القرآن الكريم.
ـ السنة النبوية المطهرة.
ـ أحاديث وروايات العترة الطاهرة من أهل البيت ـ عليهم السلام ـ.
ـ أقوال الصحابة.
ـ أقوال التابعين، وتابعيهم، ومن جاء بعدهم.
ـ اللغة العربية المستقرأة من أقوال العرب العاربة، وإن كان بعضهم قد جعل اللغة العربية مصدراً مستقلاً عن النقل، وعن العقل، ولكن الأرجح أنها من النقل.
والآخر: المصدر العقلي: وهو يعتمد على:
«الرأي مع مراعاة ضوابط ذكروها كشروط للمفسر».
«الرأي مع عدم مراعاة الضوابط المتقدمة»([9]).
الإشارة والرمز مع عدم نفي المراد الظاهري.
(482)
الإشارة والرمز مع نفي المراد الظاهري([10]) وبشكل كلي فكل مصدر تفسيري لا يندرج تحت النقل فهو من المصدر العقلي وإن تعددت أسماؤه أو أنحاؤه كالتفسير العلمي مثلاً.
أما القرآن الكريم:
فلا يتردد أحد من المسلمين على الإطلاق في مرجعيته، ومصدريته في أكثر الجوانب المعرفية فضلاً عن العملية التفسيرية، والروايات كثيرة في هذا المعنى، ومقدمات كتب التفسير شاهدة على ذلك، بل نفس التفاسير التي هي تطبيق عملي للعملية التفسيرية تتجلى فيها هذه المرجعية والمصدرية.
رأي أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في مصدرية القرآن الكريم:
المنطلق هو حديث الثقلين المتواتر الذي يرويه الفريقان، والذي يقرن بين الكتاب والعترة على نحو لا يمكن أن ينفك أحدهما عن الآخر، بل أنهما سيردان على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ الحوض وهما ملتحمان مقترنان لا يفارق أحدهما الآخر مطلقاً، وهم قد أسسوا مرجعية القرآن.
قال الإمام ـ عليه السلام ـ في نهج البلاغة:
«وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً أنّه ينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض»([11])، وكان الإمام ـ عليه السلام ـ وأهل بيته يستخدمون آيات القرآن مرجعاً في عملية التفسير وهذا اكبر شاهد على مصدريته عندهم ـ عليهم السلام ـ.
فعن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في تفسيره لقوله تعالى: ﴿صراط الّذين انعمت عليهم﴾([12])، قال قولوا اهدنا صراط الّذين انعمت عليهم بالتوفيق لدينك، وطاعتك، لا
(483)
بالمال، والصحة، فإنهم قد يكونون كفاراً، أو فساقاً... وهم الّذين قال الله تعالى:
﴿ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الّذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا﴾([13]).
والروايات عن أهل البيت كثيرة في جعل القرآن مصدراً ومرجعاً للتفسير، كما وانهم قد جعلوه مصدراً لتصحيح ما يروى عنهم وعن جدهم ـ صلى الله عليه وآله ـ([14]).
وقد اتبعهم الشيعة الاثنا عشرية في جعل القرآن مصدراً أساسياً، ورئيساً في التفسير، فهذا شيخ الطائفة الشيخ أبو جعفر الطوسي قدس سره([15]).قد حفل تفسيره العظيم التبيان بجعل القرآن مصدراً أساسياً في التفسير، يقول الأستاذ جعفر خضير:
«حفل(التبيان) بالمزيد من النماذج التفسيرية التي اعتمد فيها الشيخ الطوسي منهج تفسير القرآن بالقرآن، ضمن تبنيه الاتجاه الأثري، والذي يشكل تفسير القرآن بالقرآن أحد دعائمه وقد أطل على المكتبة القرآنية بأقدم محاولة تفسيرية كاملة لدى الشيعة الإمامية، خاصة وأن صاحبها أحد أعلام التشيع، ومؤسس الحوزة العلمية في النجف الأشرف، والتي عقد تاريخها إلى ما يقرب من ألف عام، حيث تخرج منها طوال عمرها المبارك كبار الفقهاء المجتهدين، ومشاهير العلماء، والكتاب والأدباء، والمحققين»([16]).
كما وأن العلامة السيد محمّد حسين الطباطبائي الذي يعد تفسيره من أروع المحاولات التفسيرية لدى الشيعة الإمامية في القرن العشرين قد اعتمد القرآن مصدراً
(484)
أساسياً، ومرجعاً رئيساً في عملية التفسير اعتماداً على ما أسسه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، وأهل بيته الطاهرين في هذا المجال.
يقول الأستاذ جعفر خضير:
«ومن هنا كان لابد من الرجوع إلى القرآن واستنطاقه، وعلى هذا الأساس، ووفق هذه الرؤية بنى العلامة الطباطبائي منهجه التفسيري، فصار القرآن مرجعه، وآياته دليله، وعلى هذا النحو مضى في الميزان يفسر الآية بالآية ما وجد إلى ذلك سبيلاً»([17]).
قال العلامة الطباطبائي في مقدمة تفسير الميزان:
«إنّ نفسر القرآن بالقرآن، ونستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبر المندوب إليه في نفس القرآن، ونشخص المصاديق، ونتعرفها بالخواص التي تعطيها الآيات، كما قال تعالى،﴿... ونزلنا عليك الكتاب تبياناًُ لكل شيء...﴾([18])، وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكل شيء، ولا يكون تبياناً لنفسه»([19]).
وعلى كلّ حال فإن تأكيد النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، وأهل البيت ـ عليه السلام ـ التمسك بالكتاب والعترة جعل من الشيعة الإمامية متمسكين حقيقيين بالكتاب الكريم، الأمر الذي يؤكد مصدرية القرآن، ومرجعيته لديهم في عملية التفسير، وربما توجد بعض النظرات الشاذة في أن القرآن لا يمكن أن يكون مرجعاً لنفسه لحاجة كلّ آية في تفسيرها إلى رواية فهذه غير ملتفت إليها.
(485)
رأي أهل السنة والجماعة في ذلك:
قال الذهبي: «وكانت مصادر الصحابة في التفسير:
القرآن الكريم: لما يشتمل عليه من الإيجاز والإطناب، والإجمال والتبين، والإطلاق، والتقييد، والعموم والخصوص»([20]).
وقال الزركشي في البرهان في مسألة في أحسن طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن:
«والقرآن يفسر بعضه بعضاً»([21]).
قال ابن كثير الدمشقي:
«فإن قال قائل فما أحسن طرق التفسير ؟
فالجواب: إنّ أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر... والغرض من ذلك أنك تطلب تفسير القرآن منه»([22]).
وقال الذهبي عن ابن كثير:
«وهو شديد العناية بهذا النوع من التفسير الذي يسمونه تفسير القرآن بالقرآن، وهذا الكتاب أكثر ما عرف من كتب التفسير سرداً للآيات المتناسبة في المعنى الواحد»([23]).
«هذا وقد أجمع العلماء والمفسرون على أن أعظم، وأفضل ما يفسر به كتاب الله هو القرآن نفسه، باعتباره المصدر الأول للتفسير، وقد برزت فكرة تفسير القرآن بالقرآن في وقت مبكر من عمر الرسالة الإسلاميّة. فإضافة إلى ما ورد في الكتاب العزيز من تفسير
(486)
لبعض آياته، وبشكل جلي وواضح لدى عامة المسلمين، فضلاً عن علمائهم، فإن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ والصحابة من بعده كانوا قد ما رسوا هذا اللون من التفسير، واستخدموه في معرفة معاني بعض الآيات القرآنية الكريمة»([24]).
وبعد هذا فلسنا بحاجة إلى استعراض المصادر التفسيرية لدى فرق المسلمين المختلفة في إثبات مصدرية القرآن الكريم، ومرجعيته في العملية التفسيرية بل لم يختلف أحد من المسلمين مطلقاً في هذه المرجعية. الأمر الذي يكشف لنا أن القرآن الكريم هو المصدر المتفق عليه لدى جميع المسلمين، ومن ثم ننتقل من المصدرية والمرجعية إلى المنهجية،بأن الكتاب الكريم في الوقت الذي يعد مرجعاً أساسياً لتفسير بعضه بعضاً، فإن منهج تفسير القرآن بالقرآن حينئذ سوف يكون من أرقى المناهج التفسيرية وأفضلها على الإطلاق لاجتماع خصائص كثيرة فيه.
أولاً: لأنه المنهج الذي استخدمه القرآن نفسه فقال تعالى: ﴿... ونزلنا عليك الكتاب بياناً لكل شيء...﴾([25]) قال العلامة الطباطبائي: «وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكل شيء ولا يكون تبياناً لنفسه»([26]).
ثانياً: انه المنهج الذي استخدمه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في عملية التفسير، «فقد أخرج ابن جرير، وابن حاتم، عن أبي عمر قال: لما نزلت: ﴿... يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم...﴾([27]) قام: رجل فقال: والشرك يا نبي الله فكره ذلك النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ فقال: ﴿... إنّ
(487)
الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك...﴾([28]).
«مما يعني أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قد فسر الإسراف على النفس بما هو دون الشرك»([29]).
ثالثاً: انه المنهج الذي انتهجه أهل البيت في عملية تفسير القرآن الكريم، ومما لا شك فيه أنهم عدل القرآن بما أثبته لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في حديث الثقلين المتواتر عن جميع المسلمين بل الصحاح الستة شاهدة عليه([30]).
رابعاً: يمثل هذا المنهج منهج الصحابة، وقد تقدم نقل عبارة الذهبي في هذا المعنى، وقال أيضاً « وهو ـ يعني تفسير القرآن بالقرآن ـ ما كان يرجع إليه الصحابة في تعرف بعض معاني القرآن»([31]).
خامساً: يمثل هذا المنهج أيضاً طريقة التابعين في تفسيرهم للقرآن الكريم، يقول الأوسي:
«وتابع الصحابة على ذلك ـ أي تفسير القرآن بالقرآن ـ التابعون في تفسيرهم لبعض الآيات، فقد ذكر الطبرسي في بيان معنى الغاشية في قوله تعالى: ﴿هل أتاك حديث الغاشية﴾([32]) عن محمّد بن كعب القرظي، وسعيد بن جبير أن الغاشية هي النار تغشي وجوه الكفار، وهو قوله تعالى: ﴿... تغشى وجوههم النار﴾([33])».
سادساً: إنها تمثل إجماع المسلمين فضلاً عن المفسرين، يقول الزمخشري: «أسد
(488)
المعاني ما دل عليه القرآن»([34])، ويقول ابن تيمية: «إنّ أصح الطرق في ذلك ـ يعني التفسير ـ أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكانه فقد فسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر»([35]).
«وقد اهتم المفسرون بهذه الطريقة في التفسير، وذلك لما تحتله من مكانة وتشريف بين سائر الطرق والمسالك في بيان معاني القرآن، ولا يخلو تفسير منها»([36]).
والخلاصة: أن القرآن الكريم يمثل المصدر والمرجع للعملية التفسيرية كما أن المنهج الأقوم، والأسد في عملية التفسير هو منهج تفسير القرآن بالقرآن، فعندما يعتمد المفسرون هذه الطريقة السليمة من كلّ عيب في تفسير القرآن من أوله لآخره فهذا يعني إ،تاج تفاسير مقبولة لدى جميع المسلمين لأن المنهج الذي اعتمدته هو المنهج المتفق على قبوله لدي المسلمين بشكل عام.
وهنا أحب أن أنوه إلى أن تفسير أهل البيت: للقرآن الكريم يعتمد وبشكل أساسي، وكبير على هذا اللون من التفسير، الأمر الذي يحتم على المسلمين جميعاً الاهتمام بالتراث التفسيري لأئمة أهل البيت وتبنيه، ونشره ومن ثم الانفتاح بشكل أ«سع على تراث أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في المجالات العلمية والمعرفية الأخرى، كالفقهية والأخلاقية، والعقائدية، وسنحاول أن نشير إلى حجية أحاديثهم عندما نتعرض إلى مصدرية أقوالهم ـ عليهم السلام ـ([37]).
وأما السنة النبوية المطهرة:
فهي تمثل المصدر الثاني من المصادر النقلية للعملية التفسيرية، وقد وقع الخلاف
(489)
بين العلماء فيها على أساس أنها مرويات عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قد اشتملت على السليم، والسقيم، والغث والسمين، ومنها ما هو صحيح، ومقبول، ومنها ما هو ضعيف ومردود.
قال السيوطي في الإتقان: «النقل عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، وهذا هو الطراز المعلم لكن يجب الحذر من الضعيف منه والموضوع، فإنه كثير، ولهذا قال أحمد: ثلاثة كتب لا أصل لها المغازي والملاحم والتفسير، قال المحققون من أصحابه: مراده أن الغالب أنّه ليس لها أسانيد صحاح متصلة، وإلا فقد صح... تفسير الظلم بالشرك في آية الأنعام، والحساب اليسير بالعرض، والقوة بالرمي في قوله ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة...﴾
قلت: الذي صح من ذلك قليل جداً، بل أصل المرفوع منه في غاية القلة»([38]).
وقال الخوئي:
«واما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلاّ بأن يسمع من الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ وذلك متعذر إلاّ في آيات قليلة»([39]).
وقال السيوطي في الإتقان:
«من أراد تفسير الكتاب العزيز طلبه من القرى،، فإن أعياه ذلك طلبه من السنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، وبذلك قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ألا واني أوتيت القرآن، ومثله معه» يعني السنة([40]).
ويقول ابن تيمية: «يجب أن يعلم أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بين لأصحابه كلّ ما في القرآن كما بين لهم ألفاظه»([41]).
وقال ابن كثير في تفسيره:
(490)
«والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة»
ويقول ابن تيمية: «يجب أن يعلم أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بين لأصحابه كلّ ما في القرآن كما بين لهم ألفاظه»([42]).
وعن حسان بن عطية، قال: «كان جبريل ـ عليه السلام ـ ينزل على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه كما يعلمه القرآن»([43]).
ونقل عن أحمد بن حنبل قوله: السنة تفسر الكتاب وتبينه، «والسنة عندنا آثار رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ والسنة تفسير القرآن، وهي دلائل القرآن»([44]).
«قال عبد الرحمن بن مهدي: الرجل إلى الحديث أحوج منه إلى الأكل والشرب لأن الحديث يفسر القرآن»([45]).
«وليس الحديث إلاّ مفسراً للقرآن، وشارحاً لمراده»([46]).
«وقد قيل لعمران بن الحصين: «ما هذه الأحاديث التي تحدثوناها، وتركتم القرآن؟! لا تحدثونا إلاّ بالقرآن».
فقال عمران في جوابه: أرأيت لو وكلت ـ أنت وأصحابك ـ إلى القرآن، أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعاً، والمغرب ثلاثاً، أتقرأ في اثنتين؟
أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد الطواف بالبيت سبعاً والطواف بالصفا والمروة؟»([47]).
«وقال ابن حزم: لما بينا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرايع نظرنا فيه فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، ووجدناه عزّوجلّ يقول فيه واصفاً لرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ: ﴿وما ينطق عن الهوى أن هو إلاّ وحي يوحى ﴾([48]) فصح لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله عزّوجلّ إلى رسوله على قسمين:
(491)
أحدهما: وحي، متلو، مؤلف تأليفاً معجز النظام، وهو القرآن.
والثاني: وحي، مروي، ومنقول غير مؤلف، ولا معجز النظام، ولا متلو، ولكنه مقروء هو الخبر الوارد عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وهو المبين عن الله عزّوجلّ مراده»([49]).
«ولا تختلف السنة عن القرآن في الحجية، وقد أجمع على ذلك علماء الإسلام، وعقد أهل الحديث في كتبهم أبواباً تدل تراجمها على ذلك، فقد ترجم الخطيب البغدادي أول أبواب كتابه الكفاية بعنوان: «باب ما جاء في التسوية بين حكم كتاب الله تعالى، وحكم سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في وجوب العمل، ولزوم التكليف»([50]).
وعلى كلّ حال فلا شبهة، ولا خلاف بين المسلمين جميعاً في مصدرية السنة النبوية المطهرة لتفسير القرآن الكريم في الجملة ولتبيين مجملاته، وتفصيل موجزاته إذ بعد قوله تعالى: ﴿.. وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾([51]) وكذلك بعد قوله تعالى: ﴿وما ينطلق عن الهوى إنّ هو إلاّ وحي يوحى﴾ وبعد قوله تعالى: ﴿... ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا...﴾([52]).
وبعد الآيات الكثيرة الموضحة لموقعية رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، ومصدرية أقواله وأفعاله
(492)
في تفسير القرآن، لا مجال لجعل ما ورد عنه في تفسير القرآن بعيداً عن العملية التفسيرية، بل لا يمكن ذلك شرعاً لما فيه من مخالفة للقرآن نفسه.
لكن الذي لا خلاف عليه بين المسلمين هو أنّه ما يفسر القرآن من حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ليس مقوعاً بصدوره منه ـ صلى الله عليه وآله ـ لما أنّه منقول لنا بروايات مسندة بأسانيد مختلفة ن وبروايات أخرى مرسلة لاسند لها.
كما أن ممالا خلاف فيه أن الأحاديث التي وصلت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ليست كلها صحيحة يضاف إلى ذلك حركة الوضع والدس في الأحاديث مع الروايات الإسرائيلية التي تسرب الكثير منها إلى تفاسير المسلمين([53])، وغير ذلك مما يجعل من أحاديث تفسير القرآن والواردة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ محل نظر وبحث وبخاصة أنّه قد روي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ حديث شريف يقول فيه:
«ستكثر علي الكذابة من بعدي»، وقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»([54]).
وهذا الحديث على تقدير صحته فهو يخبر عما سيقع بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وعلى فرض كذبه ووضعه، فقد كذب عليه الصحابة، فعلى كلا التقديرين فقد حصل الكذب على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ.
لذلك، وإن اتفق المسلمون على مصدرية ما يروى عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في العملية التفسيرية، لكنهم مع ذلك متفقون أيضاً على أن النقل ما لم يصح عنه ـ صلى الله عليه وآله ـ فلا قيمة علمية له لذلك تجدهم يسعون في كثير من الروايات إلى البحث عما يصححها أو يضعفها لقبولها
(493)
أو رفضها وهذا ما جعلهم يؤلفون المطولات في الرجال الّذين يروون حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ لمعرفة الثقة منهم من الضعيف، والعدل من الفاسق، والصادق من الكاذب.
«وقد ضعف التفسير بالمأثور بفعل الوضع والإسرائيليات، كما أسهم في ذلك حذف الأسانيد بعد تفسير الطبري»([55]) وهو ما حصل لبعض المفسرين توخياً للإيجاز، كالبغوي(ت 510 هـ)، وابن كثير(ت 774 هـ)، والسيوطي(ت 911 هـ)([56]).
وقال السيوطي في الإتقان:
«ثم ألف في التفسير خلائق، فاختصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال بتراً، فدخل من هنا الدخيل، والتبس الصحيح بالعليل، ثم صار كلّ من يسنح له قول يورده، ومن يخطر بباله شيء يعتمده، ثم ينقل ذلك من يجيء بعده، ظاناً أنّه له أصلاً، غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح، ومن يرجع إليهم في التفسير، حتّى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى ﴿...غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾([57]) نحو عشرة أقوال، وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، وجميع الصحابة، والتابعين وأتباعهم، حتّى قال ابن أبي حاتم: لا أعلم في ذلك اختلافاً بين المفسرين»([58]).
فالقول بأن السنة النبوية المطهرة مصدر أساس لتفسير القرآن الكريم لا خلاف فيه بين المسلمين بخاصة بعد ما ثبت من حجيتها، وأنها كحجية القرى، الكريم، وربما شذ شاذ في ذلك كمن يقول: حسبنا كتاب الله؛ فما قالها إلاّ لأغراض شخصية يريد من خلالها أن يحقق أطماعه، ومصالحه الذاتية ضارباً بحديث رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ عرض الحائط، وهذا حديث طويل ليس هذا البحث مظنة الخوض فيه ودراسته.
(494)
وقد اختلفت المذاهب الإسلاميّة في طرق تصحيح الحديث المروي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، كما اختلفوا في آليات الجرح والتعديل لرواة الحديث، ولهذا مكان غير هذا أيضاً.
رأي الإمامية في طريق ثبوت التفسير بالسنة المطهرة:
يرى الإمامية أن طريق ثبوت السنة بشكل عام والسنة التي تفسر القرآن الكريم بشكل خاص منحصرة فيما يروى عن النبي وأئمة أهل البيت عن طريق صحيح، لأنهم هم الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، ولأنهم هم الّذين جعلهم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في حديث الثقلين المتواتر ـ وسيأتي البحث فيه عند البحث حول مرجعية روايات أهل البيت في التفسير ـ عدلاً للقرآن الكريم، فما صح عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ من طريقهم أو طريق صحيح غير طريقهم أخذ به، قال الشيخ المظفر في أصول الفقه في بحث الحقيقة الشرعية:
«غير أنّه لا أثر لهذا الجهل ـ أي الجهل بوضع الألفاظ للمعنى الشرعي في زمن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ نظراً إلى أن السنة النبوية غير مبتلى بها إلاّ ما نقل لنا من طريق آل البيت ـ عليه السلام ـ على لسانهم»([59]).
وقال السيد أبو القاسم الخوئي في البيان:
«ولابد للمفسر من أن يتبع الظواهر التي يفهمها العربي الصحيح، فقد بينا لك حجية الظواهر أو يتبع ما حكم به العقل الفطري الصحيح، فإنه حجة من الداخل، كما أن النبي حجة من الخارج أو يتبع ما ثبت عن المعصومين فإنهم المراجع في الدين، والذين أوصى النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بوجوب التمسك بهم فقال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي
(495)
أهل بيتي، ما إ، تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً)([60])، ولا شبهة في ثبوت قولهم ـ عليه السلام ـ إذا دل عليه طريق قطعي لا شك فيه»([61]).
وقال الشيخ الطوسي قدس سره في تفسيره التبيان:
«والعم أن الرواية ظاهرة في أخبار أصحابنا بأن تفسير القرآن لا يجوز إلاّ بالأثر الصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وعن الأئمة ـ عليهم السلام ـ الّذين قولهم حجة كقول النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ.
وقد روي عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ رواية لا يدفعها أحد، أنّه قال:(إني مخلف فيكم الثقلين، ما إنّ تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض). وهذا يدل على أنّه موجود في كلّ عصر، لأنه لا يجوز أن يأمر بالتمسك بما لا نقدر على التمسك به، كما أن أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ومن يجب اتباع قوله حاصل في كلّ وقت»([62]).
فالذي يظهر من هذه الكلمات أن أرقى طريق لنقل رواية رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في تفسير القرآن الكريم هو الواصل إلينا عن طريق العترة الطاهرة. وإن كانت هذه العبارات تؤسس حجية قول أهل البيت ـ عليهم السلام ـ، وسيأتي الحديث عنها مفصلاً.
رأي أهل السنة والجماعة في طريق ثبوت التفسير بالسنة النبوية المطهرة:
فإن الواضح من طرقهم كما في تفسير الطبري(ت 310 هـ) جامع البيان في تفسير القرآن أنّه يكفي نقل تفسير النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بواسطة الصحابة، أو التابعين أو تابعيهم خصوصاً، وأن ابن تيمية يرى أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قد بين للصحابة القرآن كله الفاظه، ومعانيه([63]).
بل إنّ السيوطي في الدر المنثور قد حذف الأسانيد، وقال في مقدمة تفسيره «فلما
(496)
ألفت كتاب ترجمان القرآن، وهو التفسير المسند عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وأصحابه(رض)، وتم بحمد الله في مجلدات، فكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات، رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله، ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله فلخصت منه هذا المختصر مقتصراً فيه على متن الاثر مصدراً بالعزو والتخريج إلى كلّ كتاب معتبر، وسميته الدر المنثور في التفسير بالمأثور»([64]).
فيكفي بحسب ما يظهر من عبارة السيوطي أن تكون الرواية الناقلة لتفسير الكتبا العزيز منقولة في كتاب معتبر ليثبت كونها من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ.
وعلى كلّ حال فإن كثيراً من أهل السنة والجماعة عندما اعتبروا تفسير الصحابي بمنزلة المرفوع عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، فمن باب أولى أن نقل الصحابي لتفسير النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ حجة بلا إشكال، بل حتّى التابعين عند بعضهم([65]).
وإن خالف في ذلك الخوئي ـ كما ينقل عن السيوطي ـ فقال: «وأما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلاّ بأن يسمع من الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ، وذلك متعذر إلاّ في آيات قليلة»([66]).
فكأنه يرى قلة الرواية الصحيحة في تفسير القرآن عنه ـ صلى الله عليه وآله ـ.
وكأن الزركشي يشترط صحة السنة فيقول: «فالأول ـ أي الذي ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ يبحث فيه عن صحة السند»([67]).
وهذا بعض ما يتعلق بمصدرية السنة وطرق إثباتها لدى المذاهب الإسلاميّة.
وهنا قبل أن ننتقل إلى البحث حول جعل السنة النبوية المطهرة منهجاً تفسيرياً لدى المسلمين نحب الإشارة إلى ما يمكن تأسيسه في قبول ما روي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في
(497)
التفسير ليكون مصدراً تفسيرياً يعول عليه جميع المسلمين بلا استثناء، وذلك بما يلي:
أولاً: أن تجمع جميع الروايات التي رويت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ لدى الفريقين من الشيعة والسنة، والخاصة بتفسير القرآن سواء كانت مسندة أو مرسلة مع تصنيفها بحسب الآيات والسور، والمصادر.
ثانياً: تستخدم لها الآليات المتفق عليها بين المسلمين جميعاً لردها أو قبولها كعرضها على القرآن مثلاً، أو عرضها على العقل القطعي أو السنة القطعية لمعرفة موافقتها أو مخالفتها في ذلك.
ثالثاً: دراسة أسناد الروايات المسندة دراسة تفصيلية بعيدة عن كلّ تعصب أو هوي لمعرفة رجالها، ووثاقتهم، وعدالتهم، وصدق ألسنتهم لأنه من المعلوم، والواضح جداً أن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ليسوا كلهم على مستوى واحد من العدالة والوثاقة، والحفظ والضبط، بخاصة، وأن حديث أصحابي كالنجوم لم يثبت، وإنّما هو من وضع الوضاعين كما حقق في محله([68]).
رابعاً: أن تؤخذ أحاديث رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، والتيرويت عن طريق أهل البيت ـ عليهم السلام ـ بعين الاعتبار، بخاصة بعد ثبوت أسانيدها، وصحة طرقها إليهم ـ عليهم السلام ـ لأنهم هم الّذين ثبتت حجية أقوالهم بنص القرآن والسنة النبوية المطهرة.
خامساً: أن يدرس المنهج الذي على أساسه فسر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ القرآن الكريم من خلال وجود ظاهرة متكررة في الروايات المنقولة عنه، كظاهرة تفسير القرآن بالقرآن أو ظاهرة استخدام اللغة أو غيرها من الظواهر المنهجية لتكون أيضاً منهجاً لنا العملية
(498)
التفسيرية.
وأما جعل السنة منهجاً عملياً في التفسير:
فإننا عندما نراجع ما كتبه الإمامية في ذلك نجده كثيراً جداً وفي مراحل تاريخية مختلفة، فهي تحاول ا، تحكم هذا المنهج من أول القرآن لآخره في عملية التفسير مستخدمة طريقة التفسير التجزيئي للقرآن مبتدئة من الفاتحة منتهية إلى سورة الناس أو إلى ما تصل إليه.
وعلى سبيل المثال لا الحصر تفسير فرات الكوفي([69])، والتفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري ـ عليه السلام ـ([70])، وتفسير العياشي([71])، وتفسير ابن الماهيار([72])، وتفسير القمي([73])، وتفسير البرهان للسيد هاشم البحراني([74])، وتفسير الصافي للفيض الكاشاني([75])، وتفسير نور الثقلين للحويزي([76])، وغيرها.
وكذلك عندما تراجع ما كتبه السنة نجد أيضاً هذا المنهج التفسيري الأثري يكثر لديهم، والرائد لهم في ذلك الطبري في تفسيره جامع البيان، وتفسير يزيد بن هارون(ت: 117 هـ)، وتفسير شعبة بن الحجاج(ت 160 هـ)، وتفسير سفيان بن سعيد الثوري، وتفسير ابن ماجه، وتفسير الحاكم بن عبد الله النيسابوري(ت 318 هـ)، وتفسير ابن أبي
(499)
حاتم(ت: 337 هـ)، وتفسير الليث السمرقندي(ت: 383 هـ).
فهذه التفاسير لدى الفريقين كاشفة كشفاً واضحاً أن هذا التفسير كمنهج لا يوجد أي أشكال حوله، بل ربما كان هو الطريقة الأساسية المتبعة في عملية التفسير خاصة مع تظافر الروايات المانعة عن تفسير القرآن بالرأي فقد استفاد منها بعضهم أن التفسير لابد أن يكون بقول رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، فمن ناحية مذهبية لا يوجد أي أشكال في انتهاج هذا المنهج التفسيري.
ولكن ربما يكون هناك إشكال منهجي على هذا النوع من التفسير وهو أنّه غير قادر على مواكبة كلّ ما يستجد من معطيات التجربة الإنسانية المستمرة ذلك أن الروايات لا تتحدث عن القضايا التي لم تكن موجودة في عصر النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بل قضاء لعملية التفسير النبوي لابد من كون تفسيره ـ صلى الله عليه وآله ـ على إشكاليات تلك المرحلة الزمنية ونحن نعلم أن كلّ عصر وكل مرحلة تاريخية لها إشكالياتها، وتعقيداتها، ومتطلباتها، نعلم كذلك من خلال الروايات الكلية التي تشير إلى أن القرآن قادر على مواكبة كلّ عصر وكل ظرف أن كلّ مرحلة تحتاج إلى استنطاق جديد للقرآن الكريم، الأمر الذي يعني تجدد الصياغات للنظرية القرآنية، واستحداث نظريات لم تكن موجودة في المراحل السابقة.
وهذه الإشكالية لا تمس حديث النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ولا تنقضه البتة، وإنّما تحاول الاستفادة منه من أجل استمرارية عطاء القرآن والإسلام، والتجديد فيه، وتأكيد سلطته على كلّ الأصعدة والمستويات. بل أن التفسير بالمأثور، وبسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ من شأنه أن يؤثر أكبر الأثر على عملية التفسير الموضوعي التي تعد من أفضل الطرق في التفسير وأرقاها إذ تقدم للمفسر الذي يريد اكتشاف النظرية القرآنية المواد الأولية لنظريته، وهذا ما يعتمد بالدرجة الأولى على أن تكون السنة النبوية المطهرة التي تفسر القرآن
(500)
الكريم خالية من كلّ شائبة، وكذب، واختلاف، وتكون عاكسة بحق لقول رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ الذي هو قول الله تعالى.
وعلى كلّ حال فإن مصدرية القرآن الكريم، واتخاه منهجاً في العملية التفسيرية وكذلك مصدرية السنة، وجعلها منهجاً في عملية تفسير القرآن الكريم مما لاخلاف فيها بين المسلمين جميعاً، سوى الاختلاف في بعض التفاصيل التي يمكن دراستها والتوصل فيها إلى نتائج مشتركة، ومن ثم يؤلف تفسير إسلامي موسوعي يعتمد هذين المنهجين، ويمثل إنجازاً وحدوياً للفرق الإسلامية وللمذاهب الإسلاميّة كافة، ويكون مفتاحاً للبحث عن مصدرية أشياء أخرى للعملية التفسيرية، وجعلها منهجاً في التفسير.
وبهذا نكون قد بينا بعض ما يتعلق بمصدرية هذين المصدرين الأساسيين في عملية التفسير القرآني.
مصدرية أحاديث وروايات أهل البيت في تفسير القرآن الكريم:
وأتصور أننا لسنا بحاجة إلى الإسهاب في هذا ابحث بعد ثبوت حديث الثقلين لدى جميع المسلمين، وفي مصادرهم الأساسية على اختلافها، وبعد ثبوت تفسير الآية الكريمة، وهي قوله تعالى:
﴿... إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً...﴾([77]).
في العترة الطاهرة، وهم علي ـ عليه السلام ـ ، وبنوه ـ عليهم السلام ـ([78]).
(501)
وبعد ملاحظة المصادر السالفة الذكر بما حوته من مصادر رئيسة مقبولة لدى جميع المسلمين بلا استثناء منهم يجزم الإنسان بحجية أقوال العترة وأحاديثها التي صحت عنها ـ بلا إشكال ـ في المعرفة الدينية، وفي تفسير القرآن العظيم.
لذلك فإن الشيعة الإمامية الاثني عشرية تعتبر السنة مجموع أقوال المعصوم ـ عليه السلام ـ بما في ذلك النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وأهل بيته الأطهار.
يقول السيد الحكيم في كتابه الأصول العامة للفقه المقارن:
«مع ملاحظة أن السنة تعني عند الشيعة الإمامية قول المعصوم وفعله وتقريره ولا فرق بين أن يكون المعصوم النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، أو الأئمة الأثني عشر»([79]).
وقال الشيخ الطوسي في تفسيره التبيان:
«إنّ أصحابنا ـ أي الإمامية ـ ذكروا بأن تفسير القرآن لا يجوز إلاّ بالأثر الصحيح
(502)
عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وعن الأئمة ـ عليهم السلام ـ الّذين قولهم حجة كقول النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ »([80]).
يقول السيد علي الفاني قدس سره.
«ومن يعتقد أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ نص على خلافة علي ـ عليه السلام ـ وأولاده ـ عليهم السلام ـ لأن الإمامة عهد الهي أمرها بيد الله، وليس لأحد من الأمة حق الجعل فيها، يرى أن القرآن حجة في محكماته، وظواهره، ويحتاج إلى التفسير الوارد عن المعصومين(النبي وخلفائه الاثني عشر ) في مجملاته، ومتشابها ته، ولا مجازفة في هذا القول بل هو فرع لهذا الأصل الكلامي ـ وهو الإمامة ـ ولا مجال لتفنيد المترصد للإشكال علينا بأنه لم تقولون: الراسخون في العلم علي وأولاده ؟ إذ الجواب واضح وهو أنا نرى هؤلاء خلفاء للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بالنصوص والأدلة »([81]).
ثم يقول: «والمراد من الأثر الصحيح ما ورد بسند صحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، أو عن أحد أئمتنا الاثني عشر ـ عليهم السلام ـ فالسنة على مذهبنا عبارة عن أقوال النبي والأئمة بشرط كون السند صحيحاً، ونحن نرفض ثباتاً ومن دون وسوسة ما يسمى بالسنة إذا كان الجائي به فاسقاً »([82]).
هذا، وقد توجد بعض الإثارات التي يحاول مثيروها النيل من مقام أهل البيت ـ عليهم السلام ـ، وتجريد أقوالهم ورواياتهم من قيمتها الدلالية والمعرفية، إلاّ أن هذه الأمور لا تعدو عن كونها محاولات فقاعية سرعان ما تتلاشي عندما يكون البحث علمياً وموضوعياً يعتمد الإنصاف والحقيقة، خصوصاً مع ما سردناه من المصادر التي لا تدع مجالاً لأي منصف في أن لا يقبل روايات أهل البيت ـ عليهم السلام ـ.
(503)
منهج التفسير بروايات العترة من أهل البيت ـ عليهم السلام ـ :
وبعد إثبات حجية أقوالهم فلا يمثل المنهج أية إشكالية تتخذ في عملية التفسير بل سيكون تماماً تفسيرا بالمأثور كالتفسير عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ. ونطبق عليه ما طبقناه هناك من جمع الروايات بأكملها في هذا المجال، ومحاولة تمحيصها، ورفض غير الصحيح منها من خلال البحث عن سند المسند منها، ومتنه، وكذلك البحث في متن المرسل، وما إلى ذلك من ضوابط قبول الرواية وردها.
وبهذا سوف ننفتح على ثروة هائلة من الروايات في تفسير القرآن العظيم تعتمد مناهج متعددة في العملية التفسيرية كمنهج تفسير القرآن بالقرآن، ومنهج تفسيره بالسنة، وباللغة، وبالقصص وما إلى ذلك([83]).
ولنختم هذا الموضوع من البحث بقول بعض كبار أهل السنة، وهو المتكلم والمفسر المعروف الشهرستاني حيث يقول: «فالقرآن هدى للناس عامة، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون خاصة وهدى وذكر للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ولقومه أخص من الأول، والثاني قوله تعالى: ﴿وإنه لذكر لك ولقومك﴾ ولقد كانت الصحابة متفقين على أن عالم القرآن (أو علم القرآن) مخصوص بأهل البيت ـ عليهم السلام ـ إذ كانوا يسألون علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ ، هل خصصتم أهل البيت دوننا بشيء سوى القرآن ؟ وكان يقول: لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إلاّ بما في قراب سيفي ـ هذا هو الخبرـ.
فاستثناء القرآن بالتخصيص دليل على إجماعهم بأن القرآن، وعلمه، وتنزيله،
(504)
وتأويله مخصوص بهم([84]).
وبهذا يتضح جانب من جوانب كثيرة حول مرجعية أهل البيت في عملية تفسير القرآن.
مصدرية أقوال الصحابة في عملية التفسير القرآني:
«أما الصحابة فقد اختلف في حجية تفسيرهم، إلاّ أن تفسير الصحابي عندهم منزلة المرفوع إلى النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ على رأي الحاكم في التفسير»([85]).
وقد نازعه فيه ابن الصلاح، وغيره من المتأخرين بأن ذلك مخصوص ما فيه سبب النزول أو نحوه، بل لقد صرح الحاكم نفسه بذلك فقال: «ومن الموقوفات تفسير الصحابة، وأما من يقول: إنّ تفسير الصحابة مسند، فإنما يقوله فيما فيه سبب النزول»([86]).
«وتفسير القرآن بأقوال الصحابة هو الطريق الثالث لدى الأثريين بعد الكتاب والسنة، فإذا لم يجدوا التفسير فيهما رجعوا إلى أقوال الصحابة باعتبارهم أدرى في ذلك لما شاهدوه من تفسير القرآن، والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم والعلم الصحيح»([87]) على حد تعبير ابن تيمية.
«وفعلاً فإن بعض الصحابة وقفوا على أسباب النزول، وأدركوا قصة الآيات، وأجوائها وفي ذلك سبب لتفسيرهم الكثير من نصوص الكتاب العزيز لكونهم ممن عاش النزول القرآني، وعايشه، الأمر الذي حد ببعض العلماء أن يقول بعدم جواز مخالفة
(505)
أقوالهم باعتبارها روايات لا دخل للرأي فيها، وبهذا فإن تفسير الصحابي الذي شهد الوصي له حكم المرفوع»([88]).
يقول صبحي الصالح: «أما صحابته الكرام فما كانوا يجرؤون على تفسير القرآن، وهو ـ صلى الله عليه وآله ـ بين أظهرهم يتحمل هذا العبء العظيم، ويؤديه حق الأداء، حتّى إذا لحق ـ صلى الله عليه وآله ـ بالرفيق الأعلى لم يكن به للصحابة العلماء بكتاب الله، الواقفين على أسراره، المهتدين بهدى النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ من أن يقوموا بقسطهم في بيان ما علموه، وتوضيح ما فهموه، والمفسرون من الصحابة كثيرون»([89]).
«وكان الصحابة(رض) إذا لم يجدوا التفسير في القرآن، ولم يسمعوه من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، رجعوا في ذلك إلى اجتهاداتهم، لأنهم عاينوا نزول القرآن، ولأنهم كانوا من خلص العرب، يعرفون عاداتهم والألفاظ، ومعانيها، ومناحي العرب في كلامهم، ومعتمدين في ذلك على الشعر الذي هو ديوان العرب»([90]).
وقال ابن كثير: «إذا لم نجد التفسير في القرآن، ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح والعمل الصالح، لا سيما علماءهم، وكبراءهم»([91]).
وهذه الكلمات التي نقلناها، وإن عدت اجتهادات الصحابة تفسيراً عند عدم الحصول على تفسير للآية من القرآن أو من السنة لكنها مع ذلك لا تثبت أي حجية لأقوالهم بل تضع مناطات معينة لقبول أقوالهم، وربما توجد بعض العبارات لكبار الأئمة تنافس في أصل القبول.
(506)
فقد قال الزركشي:«ينظر في تفسير الصحابي فإن فسره من حيث اللغة، وفهم أهل اللسان فلاشك في اعتماده وان فسره بما شاهد من الأسباب، والقرائن فلا شك فيه»([92]).
ويقول مناع القطان: «وهناك روايات منسوبة إلى هؤلاء وغيرهم ـ يقصد الصحابة ـ في مواضع متعددة من تفسير القرآن بالمأثور تتفاوت درجتها من حيث السند صحة وضعفاً»([93]).
ويقول أيضاً: «أما ما يكون ـ أي من تفسير الصحابي ـ للرأي فيه مجال فهو موقوف عليه ما دام لم يسنده إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ »([94]).
وقد وقع الخلاف في قول الصحابي أعم من تفسيره للقرآن وغيره من حيث الحجية فذهب قوم إلى حجيته مطلقاً، وقوم إلى حجية قول الخليفتين الأول والثاني، وغير ذلك من الأقوال التي عدها الغزالي في المستصفي باطله أجمعها حيث قال:
«إنّ من يجوز عليه الغلط، والسهو، ولم تثبت عصمته عنه فلا حجة في قوله، فكيف يحتج بقولهم مع جواز الخطأ، وكيف تدعى عصمتهم من غير حجة متواترة، وكيف يتصور عصمة قوم يجوز عليهم الاختلاف ؟ وكيف يختلف المعصومان ؟ كيف وقد اتفقت الصحابة على جواز مخالفة الصحابة ! فلم ينكر أبو بكر وعمر على من خالفهما بالاجتهاد، بل أو جبوا في مسائل الاجتهاد على كلّ مجتهد أن يتبع اجتهاد نفسه، فانتفاء الدليل على العصمة، ووقوع الاختلاف بينهم، وتصريحهم بجواز مخالفتهم فيه، ثلاثة أدلة قاطعة»([95]).
وإن كان السيوطي يحاول أن يبرر الخلاف بين الخلفاء في قضية التفسير بقوله: «إنه
(507)
قد يرد عن الصحابة تفسيران في الآية الواحدة مختلفان، فيظن اختلافاً وليس باختلاف، وإنّما كلّ تفسير على قراءة»([96]).
«ومهما يكن من أمر فإن هذا المصدر عن الصحابة يجب أن يرصد بكثير من الحيطة والحذر، لما دس عن طريقهم في القرآن من قبل اليهود، والنصارى، وما كثر في ذلك من الإسرائيليات([97])، والانحرافات وما زور من الأحاديث التي وضعت في العصرين الأموي والعباسي ترويجاً لمبدأ، ودعماً لفكرة مما لم تصح نسبته، ولم يثبت صدوره»([98]).
«ولقد كانت حاجة الصحابة إلى معرفة الأحكام تلجئهم إلى الاستعانة بأهل الكتاب أحياناً ممن يثقون به، ويعتمدون حسن سيرته فيسألون فيجاب بما لم ينزل به الله سلطاناً فيحرف الكلم عن مواضعه، ولا يبلغ الحق نصابه، وقد حصل من هذا، وذاك خلط كبير وتضييع لكثير من الحقائق، وصدر قسم منها جهلاً، والقسم الآخر عناداً، وتزويراً حتّى عادت المسألة ذات بالِ عند المسلمين، فتحرج قوم وتجوز آخرون حتّى نقل السيوطي أن ما نقل عن أهل الكتاب ككعب ووهب وقف عن تصديقه وتكذيبه لقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم »([99]).
وعلى ذلك لابد أن يتعامل مع آراء الصحابة التفسيرية على أساس أنها اجتهادات يمكن النقاش فيها، ويمكن قبول ما توفر على الشروط الصحيحة للتفسير منها كأن يعتمد على تفسير القرآن بالقرآن، أو باللغة، أو بالعقل(الرأي) المقبول كما سيأتي البحث عنه.
ورد ما كان مفتقداً لذلك، خصوصاً، وأننا نجد أن التفاسير المختلفة التي فيها تفسير للصحابة قد ملئت بكثير من أهواء أهل الكتاب كقصة الغرانيق، وزواج رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ
(508)
من زينب بنت محسن، وغيرها كثير»([100])، فلابد للمفسر المتعامل معها أن يكون محيطاً بأصول الدين، ومجريات كلام العرب من الحقيقة والمجاز، والتمثيل، والصفات المتعلقة بذات الله تعالى وغير ذلك من الآليات التي تضمن له سلامة تفسيره عن التعامل مع أي قول أو رأي في العملية التفسيرية.
وهنا لابد من التنويه إلى مسألة مهمة في الفرق بين كون المصدر التفسيري مصدراً للتفسير، وبين كونه حجة إضافة إلى مصدريته، فأقوال الصحابة كما قال الغزالي لا دليل على حجيتها، بل إنّ كلّ دليل أورده القوم على حجيتها فهو محل كلام وبحث([101])، وهذا يعني أنها غير لازمة القبول كما في تفسير رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ الذي أسس القرآن حجيته وكما في أقوال أهل البيت ـ عليه السلام ـ الّذين أسس القرآن والرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ حجية كلامهم ـ عليهم السلام ـ فالتفسير عنه ـ صلى الله عليه وآله ـ، وعنهم: لازم القبول، وان كان في كثير من الأحيان لا تنحصر الآية الكريمة من حيث تفسيرها فيه، لأن تفاسيرهم ـ عليهم السلام ـ أحيانا تشير إلى المصداق، وأما أقوال الصحابة فليست كذلك من حيث الحجية، ولكن هذا لا ينبغي مصدريتها كأن يعتمد عليها المفسر أو يستعين بها في الفهم وفي العملية التفسيرية إذا توافرت على مناطات الاعتبار من قبيل موافقته «لسيرة المتشرعة، وظواهر الكتاب والعقل السديد، ومصادر اللغة، وطبيعة الفهم الموضوعي»([102]) وما إلى ذلك.
ومع هذا التحديد الموضوعي والدقيق لقبول أقوال الصحابة، واجتهاداتهم التفسيرية فإن المنهج التفسيري إذا اعتمد أقوالهم لا يمثل أية إشكالية شرعية
(509)
أو موضوعية.
وعلى كلّ حال فإن أقوال الصحابة بحاجة إلى أن توضع على طاولة البحث والدراسة والتحليل والنقد للوصول إلى الحق منها والعمل به، ورد ما ليس بحث وتركه، كيف لا ورسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وأهل بيته الأطهار الّذين ثبتت حجية أقوالهم، «أفعالهم يؤسسون لنا قاعدة كلية آبية عن التخصيص في قبول حديثهم ورفضه، وهي أن نعرضه على كتاب الله تعالى فإن وافقه أخذنا به، وان خالفه ضربنا به عرض الحائط([103]).
ثم انه من الواضح جداً أن هذه النتيجة لا تمثل أي نقص من شخصيات الصحابة أو التجريح فيهم، أو استصغار جهودهم، واجتهاداتهم، ولكن بعد ثبوت عدم عصمتهم لابد من الفحص عما يعد تفسيراً صحيحاً وواقعياً للقرآن الكريم من كلماتهم، وتمييزه عما سواه، خصوصاً أن حركة الكذب قد حصلت حتّى على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ على رغم عظمته ومهابته فكيف لا تقع على الصحابة، والتابعين، وتابعيهم.
مصدرية أقوال التابعين في تفسير القرآن الكريم:
قال ابن كثير في مقدمة تفسير القرآن العظيم:
«فصل: إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة، ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد وابن جبير... وغيرهم من التابعين، وتابعيهم ومن بعدهم فتذكر أقوالهم في الآية، فيقع في عبارتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافاً فيحكيها أقوالاً، وليس كذلك فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في أكثر الأماكن، فليتفطن اللبيب لذلك، والله الهادي.
(510)
وقال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة فكيف تكون حجة في التفسير ؟ يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على قول بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك»([104]).
«ثم قال الزركشي: وفي الرجوع إلى قول التابعي روايتان عن أحمد، واختاره ابن عقيل المنع، وحكوه عن شعبة، لكن عمل المفسرين على خلافه، فقد حكوا في كتبهم أقوالهم لأن غالبها تلقوها من الصحابة»([105]).
«وتفسير القرآن بأقوال التابعين طريق رابع سلكه الأثريون عندما لم يجدوا في الكتاب والسنة وأقوال الصحابة شيئاً، فرجعوا في ذلك إلى أقوال التابعين([106]).
والعبارات في مصدرية قول التابعي كما في كتب علوم القرآن الكريم، وكما في مقدمات الموسوعات التفسيرية واحدة تشير إلى حالة من الخلاف بين العلماء في قبول أقوال التابعين من حيث الحجية، وعدمها، وفي الحقيقة أن البحث في أقوال التابعين أقل مؤنة من البحث في أقوال الصحابة، وثالثاً يجري عليها نفس ما يجري على أقوال الصحابة، خصوصاً وأن زمن تسرب الإسرائيليات بشكل واضح وجلي إلى تفاسير المسلمين في زمن التابعين، ومن جاء بعدهم، فإذا اشتمل رأي التابعين على الشروط الموضوعية للتفسير فيؤخذ به، بل يعمل به، وإن لم يكن موافقاً للحق والحقيقة فإن الظن لا يغني من الحق شيئاً
(511)
مصدرية اللغة العربية في العملية التفسيرية:
وبحسب الظاهر القوي جداً جداً من خلال استقراء كلمات الأساطين في هذه المسألة أنّه مما لا ريب فيه أن اللغة العربية الأصيلة المعلومة النقل عن العرب العاربة تمثل مصدراً أساسياً في فهم القرآن، بل لابد منها في فهمه، وإنّما حصل الكلام بينهم في قول اللغوي الذي يستقرأ اللغة، ويضم إليها بعض اجتهاداته وهل أنّه حجة أم لا ؟
والذي يكشف عن هذه المصدرية ويؤسس المنهج في تفسير القرآن تفسيراً لغوياً هو عمل رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، فقد أثر عنه أنّه فسر بعض الآيات تفسيراً لغوياً، وكذلك أهل البيت ـ عليهم السلام ـ والصحابة، والتابعين، وتابعيهم ومن جاء بعدهم، فلم يتردد أحد في جعل اللغة مصدراً، أو اتخاذها منهجاً في العملية التفسيرية كما فعل الراغب الاصفهاني وغيره.
قال السيوطي: «الثالث ـ من مآخذ التفسير ـ الأخذ بمطلق اللغة، فإن القرآن نزل بلسان عربي، وهذا قد ذكره جماعة، ونص عليه أحمد في مواضع، لكن نقل الفضل بن زياد ولهذا قال بعضهم في جواز تفسير القرآن بمقتضى اللغة روايتان عن أحمد».
وقيل الكراهة تحمل على صرف الآية عن ظاهرها إلى معان خارجة محتملة يدل عليها القليل من كلام العرب ولا يوجد غالباً إلاّ في الشعر ونحوه، ويكون المتبادر خلافها.
وروى البيهقي في الشعب عن مالك، قال: «لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب الله إلاّ جعلته نكالاً»([107]).
ومن الأمور الأولية والأساسية التي يحتاجها المفسر، العلم التفصيلي باللغة العربية بمختلف علومها من صرف ونحو واشتقاق، وبيان ومعانٍ وبديع وغيرها الأمر الذي
(512)
يكشف بوضوح عن ضرورة جعل اللغة مصدراً، لا البحث في مصدريتها وعدمه.
«فيجب على المفسر البداءة بالعلوم اللفظية، وأول ما يجب البداءة به منها تحقيق الألفاظ المفردة فيتكلم عليها من حصة اللغة ثم التصريف ثم الاشتقاق ثم يتكلم عليها بحسب التركيب، فيبدأ بالإعراب، ثم بما يتعلق بالمعاني، ثم البيان، ثم البديع، ثم يبين المعنى المراد، ثم الاستنباط، ثم الإشارات»([108]).
ولكي لا أسهب في هذا البحث فإني أرجع القارئ الكريم إلى المصادر التالية ليتعرف على مصدرية اللغة العربية في فهم الكتاب العزيز:
أولاً: تفسير القرآن بالقرآن عند العلامة الطباطبائي، د. جعفر خضير: 61 ـ 63.
تحت عنوان: الاتجاه اللغوي.
ثانياً: الطباطبائي، ومنهجه في تفسير الميزان، د. علي الأوسي: 105 ـ 106 تحت عنوان المنهج اللغوي.
ثالثاً: دراسات قرآنية 2، د. محمّد حسين علي الصغير: 67 ـ 73 تحت عنوان المصدري اللغوي وكذلك ص 97 ـ 103 تحت عنوان المنهج اللغوي، ص 103 ـ 107 تحت عنوان المنهج البياني.
رابعاً: التفسير والمفسرون، محمّد حسين الذهبي.
خامساً: تفسير الكشاف للزمخشري، ج1 مقدمة التفسير. وغيرها من التفاسير.
فالنتيجة المستخلصة في المقام هي أن اللغة العربية مصدر أساسي في العملية التفسيرية، وجعلها منهجاً في عملية التفسير أمر كذلك مقبول بل مطلوب على أساس أن النص القرآني يمثل أرقى نص أدبي على الإطلاق وحيث إنه باللغة العربية فلابد من التوجه لهذا الجانب أو المنهج التفسيري.
(513)
ومن نافلة القول أن نشير إلى ضرورة متابعة تطور اللغات وتأثرها بالعلوم المختلفة والإنسانية منها بالخصوص وما استجد منها محاولين الاستفادة منها في تطوير الجانب اللغوي في العملية التفسيرية، وكيفية معالجة النصوص والتعامل معها، وهذا يتم طبعاً بعد دراسة هذه المحاولات الجديدة، والتحقق من قيمتها العلمية والمعرفية، ومن ثم الإفادة منها في التفسير.
وبهذا نكون قد أعطينا القارئ نبذة حول آراء المسلمين بشكل عام لا تفصيلي حول المصادر النقلية وصلاحيتها للمرجعية في عملية التفسير، وهي القرآن والسنة وأقوال العترة الطاهرة، وأقوال الصحابة، والتابعين، واللغة العربية لنخلص من خلالها إلى الاتفاق العام بين المسلمين على مصدرية القرآن والسنة وأهل البيت واللغة في العملية التفسيرية لتكون هي المنطلق في توحيد التفسير، وهي القرآن والسنة وأقوال العترة الطاهرة، وأقوال الصحابة، والتابعين، واللغة العربية لنخلص من خلالها إلى الاتفاق العام بين المسلمين على مصدرية القرآن والسنة وأهل البيت واللغة في العملية التفسيرية لتكون هي المنطلق في توحيد التفسير، كما واننا قد أشرنا إلى أن المشكلة في توحيد العملية التفسيرية لا تكمن في المناهج والاتجاهات، والطرق، وأنه لابد من تلمسها في المصادر التفسيرية لتحديدها تحديداً موضوعياً والانطلاق نحو التفسير من مقبولها.
مصدرية العقل في عملية تفسير القرآن الكريم:
وهذا المصدر عليه خلاف كبير بين فرق المسلمين، وأساطين علمائهم، والذي يظهر أن منشأ هذا الخلاف من عدم وضوح مدلول العقل، والخلط بينه وبين الرأي وعدم وجود تحديد دقيق لهذه المصطلحات، يضاف إلى ذلك كله وجود الروايات الكثيرة بل المتوارتة في التحذير من تفسير القرآن بالرأي والمقبولة لدى جميع فرق المسلمين وإن وجهها أصحاب المنهج العقلي والفسلفي في التفسير بتوجيهات معينة.
والذي يمكن أن يخلص إليه الباحث في مجال البحث الموضوعي هو: أن التفسير
(514)
العقلي أو ما يصطلح عليه بتفسير القرآن بالرأي ينقسم إلى قسمين: أحدهما مقبول والآخر مرفوض، وهو الذي تحذر منه الروايات، وتنهى عن تعاطيه، وإن كان بعض أرباب الفرق الإسلاميّة يبيحونه مطلقاً، وبعض آخر يمنعه مطلقاً، ونحاول في هذا الاختصار أن نستعرض كلمات بعض أساطين المذاهب الإسلاميّة لنرى رأيهم في ذلك.
يقول شيخ الطائفة الإمامية أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في مقدمة تفسيرة التبيان:
«واعلم أن الرواية ظاهرة في أخبار أصحابنا بأن تفسير القرآن لا يجوز إلاّ بالأثر الصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، وعن الأئمة ـ عليهم السلام ـ الّذين قولهم حجة كقول النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، وأن القول فيه ـ في القرآن ـ بالرأي لا يجوز، وروى العامة ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ انه قال: «من فسر القرآن برأيه وأصاب الحق فقد أخطأ»، وكره جماعة من التابعين، وفقهاء أهل المدينة القول في القرآن بالرأي كسعيد بن المسيب وعبيدة السلماني، ونافع، ومحمد بن القاسم، وسالم بن عبدالله، وغيرهم، وروي عن عائشة أنها قالت: لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ يفسر القرآن إلاّ بعد أن يأتي به جبرائيل ـ عليه السلام ـ»([109]).
وظاهر عبارته قدس سره أنّه يمنع مطلقاً عن التفسير بالرأي: وإن كان دقيقاً في التفريق بينه وبين الاستفادات العقلية إذ إنه يقول في مورد آخر:
«ولا يجوز لأحد أن يقلد أحداً منهم ـ أي المفسرين المتأخرين ـ بل ينبغي أن يرجع إلى الأدلة الصحيحة إما العقلية أو الشرعية»([110]).
وهذا يتضح منه أن العقل حجة لديه، بل لابد من جعله مناطاً في قبول تفسير ما أورده وقد قدمه في العبارة على الأدلة الشرعية.
(515)
وقال ابن كثير: «فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام لما رواه محمّد بن جرير رحمه الله تعالى حيث قال: حدثنا محمّد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد..عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قال: من قال في القرآن برأيه أو مما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار»... وأن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قال: «من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ»...
«من قال في كتاب الله برأيه فأصاب فقد أخطأ»([111]).
وقال السيد الخوئي: «أو يتبع ـ أي في التفسير ـ ما حكم به العقل الفطري الصحيح فإنه حجة من الداخل كما أن النبي حجة من الخارج»([112]).
وقال الطبري في تفسيره «وهذه الأخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا، من أن ما كان من تأويل القرآن الذي لا يدرك علمه إلاّ بنص بيان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أو بنصبه الدلالة عليه، فغير جائز لإحد القيل فيه برأيه، بل القائل في ذلك برأيه وإن أصاب الحق فيه، فمخطئ فيما كان من فعله بقيله فيه برأيه، لأن إصابته ليست إصابة موقن أنّه محق، وإنّما هي إصابة خارجي وظان، والقائل في دين الله بالظن قائل على الله ما لا يعلم، وقد حرم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده، فقال: ﴿قل إنّما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون﴾»([113]).
قال السيوطي في الإتقان: «ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل، قال تعالى: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم...﴾([114])، وقال: ﴿... وأن تقولوا على الله مالا تعلمون﴾([115])، وقال: ﴿... لتبين للناس ما نزل إليهم...﴾([116]). فأضاف البيان إليه،
(516)
وقال ـ صلى الله عليه وآله ـ: «من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» أخرجه أبو داود.
قال البيهقي في الحديث الأول: «هذا الحديث أن صح، فإنما أراد ـ والله أعلم ـ الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه، وأما الذي يسنده برها، فالقول به جائز».
وقال في المدخل: «في هذا الحديث نظر، وإن صح فإنما أراد به ـ والله أعلم فقد الطريق فسبيله أن يرجع في تفسير ألفاظه إلى أهل اللغة...» قال: «وقد يكون المراد به: من قال فيه برأيه من غير معرفة منه بأصول العلم، وفروعه فيكون موافقته للصواب إنّ وافقه من حيث لا يعرف غير محمودة».
وقال الماوردي: «قد حمل بعض المتورعة هذا الحديث على ظاهره، وامتنع من أن يستنبط معاني القرآن باجتهاد، ولو صحبتها الشواهد، ولم يعارض شواهدها نص صريح، وهذا ـ والكلام للماوردي ـ: عدول عما تعبدنا بمعرفته من النظر في القرآن واستنباط الأحكام، كما قال تعالى: ﴿... لعلمه الّذين يستنبطونه منهم...﴾»([117]).
ولو صح ما ذهب إليه لم يعلم شيء إلاّ بالاستنباط، ولما فهم الأكثرون من كتاب الله شيئاً وإن صح الحديث فتأويله أن من تكلم في القرآن بمجرد رأيه لا شاهد له.
وقال ابن الأنباري في الحديث الأول: «حمله بعض أهل العلم على أن الرأي معني به الهوى فمن قال في القرآن قولاً يوافق هواه، فلم يأخذه عن أئمة السلف، وأصاب فقد أخطأ لحكمه على القرآن بما لا يعرف أصله ولا يقف على مذاهب أهل الأثر والنقل فيه».
وقال في الحديث الثاني: «له معنيان: أحدهما من قال في مشكل القرآن بما لا يعرف من مذهب الأوائل من الصحابة والتابعين فهو متعرض لسخط الله تعالى، والآخر ـ وهو
(517)
الأصح من قال في القرآن قولاً يعلم أن الحق غيره فيتبوأ مقعده من النار»([118]).
وفي مباحث في علوم القرآن:
«أما التفسير بالرأي فقد اختلف العلماء حوله، فمن محرم له، ومن مجوز لكن اختلافهم يؤول في الحقيقة إلى أن المحرم منه هو الجزم بأن مراد الله كذا من غير برهان، أو محاولة تفسير الكتاب الكريم مع جهل المفسر بقواعد اللغة، وأصول الشرع، أو تأييد بعض الأهواء بآيات من القرآن زوراً وبهتاناً، أما إذا كانت الشروط المطلوبة متوافرة في المفسر فلا مانع من محاولته التفسير بالرأي، بل لعلنا لا نبعد إنّ قلنا: إنّ القرآن نفسه يدعو إلى هذا الاجتهاد في تدبر آياته وفق تعاليمه، قال تعالى: ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾([119])، وقال: ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته، وليتذكر أولو الألباب﴾»([120]).
والخلاصة في المقام التي يمكن أن تستفاد من كلمات العلماء فيما نقلناه عن السيوطي وغيره هو أن كلّ ما ليس بنقلي في مصادر التفسير فهو عقلي يدخل تحته كلّ أنواع التفسير بالرأي بل بالرمز، والإشارة، وبالباطن، والتفسير العلمي الذي يحاول الاستفادة من العلومل التجربية وكذلك التفسير الفلسفي، وغير ذلك.
فإن كان المصدر في التفسير هو العقل مع مراعاة الضوابط التي ذكرت كشروط للمفسر وللتفسير فإنه من التفسير الجائز شريطة أن لا تكون نتائجه مخالفة لحقائق الشريعة([121]).
وذلك أنّه «يعتمد تحليل الآيات الواردة في المعارف على ضوء الأحكام العقلية القطعية الثابتة لدى العدلية وكالتحسين والتقبيح العقليين وغيرها مما يعترف به جميع العقلاء في
(518)
العالم»([122]) وكذلك يعتمد النظر المجرد الذي يستعين بقواعد اللغة وأساليب البيان من غير أن يخالف تفسيراً عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، أو يتنافي مع أسباب النزول التي صحت طرق اثباتها، ومن ثم فهو اعتماد النظر العقلي في آيات القرآن وألفاظ([123]).
وكما قال ابن تيمية في مقدمة أصول التفسير: «إنّ هذا النوع مما أجازه العلماء شريطة أن لا تعرض فيه بشاعة، ولا استقباح مع ملاحظة الاعتماد على ما نقل عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ مما ينير السبيل للمفسر برأيه على أن يكون ذا معرفة واطلاع بقوانين اللغة وأساليبها، وبصيراً بقانون الشريعة حتّى ينزل كلام الله على المعروف من تشريعه»([124]).
وإن كان المصدر في التفسير هو العقل مع عدم مراعاة الضوابط المتقدمة:
فانه قد عده العلماء من التفسير الحرام استناداً لرواية ابن عباس عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ: «من قال في القرآن بغير علم فليبتوأ مقعده من النار»([125]).
وذلك لأن كثيراً من نتائج هذا التفسير تأتي مناقضة لحقائق الشريعة([126]) بل يعتمد هذا اللون من التفسير على الأراء المسبقة فإنه في غالب حالته يخضع الآيات للعقائد التي اعتنقها المفسر في مدرسته الكلامية كما في تفاسير المعتزلة والأشاعرة والباطنية والمتصوفة: فإن لهؤلاء عقائد خاصة في مجالات مختلفة زعموها حقائق راهنة على ضوء الاستدلال([127]) فعملية التفسير هذه لا تخلو من حمل القرآن على الهوى بدل حمل الهوى على القرآن، ومن ثم تفتح مجالاً واسعاً لأن يقول كلّ في القرآن بما شاء ويطبقه على ما يشاء،
(519)
وهذا ما حصل من قبل كثير من مفسري الفرق الإسلامية، حيث إنهم طبقوا القرآن على آرائهم ولم يفسروا القرآن بحسب الأصول والضوابط الصحيحة للتفسير([128]).
وإن كان المصدر العقلي في التفسير يعتمد على الإشارة والرمز مع عدم نفي المراد الظاهري:
فقد قال السيوطي عنه نقلاً عن التفتازاني في شرحه انه قال: «سميت الملاحدة باطنية لادعائهم أن النصوص ليست على ظاهرها، بل لها معانٍ باطنية لا يعرفها إلاّ المعلم، وقصدهم بذلك نفي الشريعة بالكلية، قال: وأما ما يذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص على ظواهرها، ومع ذلك فيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك يمكن التطبيق بينها، وبين الظواهر المرادة، فهو من كمال الإيمان، ومحض العرفان»([129]).
«وإن كان المصدر العقلي في التفسير يعتمد على الإشارة والرمز مع نفي المراد الظاهري فهو من تفاسير الباطنية الّذين خرجوا بافتراءاتهم على ظواهر الشريعة الحقة، وأرادوا بتأويلاتهم هدم الشريعة القويمة»([130]) وقد قال عنهم الغزالي في كتاب فضائح الباطنية «لما عجزوا عن صرف الخلق عن القرآن والسنة صرفهم هم عن المراد بهما إلى مخاريق زخرفوها واستفادوا إبطال معاني الشرع، وكل ما ورد من الظواهر في التكاليف والحشر، والنشر والأمور الإلهية فكلها أمثلة ورموز إلى بواطن»([131]).
«وعلى كلّ حال فإن التفسير بالرأي الذي يدخل تحته أكثر ما تقدم من التفسير بالعقل الذي أجمع الفريقان على منعه تبعاً للأثر المتظافر عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ حيث قال: «اتقوا
(520)
الحديث إلاّ ما علمتم، فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار»([132]) يحتاج إلى حذر في التعامل معه وعلى ضوء هذا الحديث المتفق عليه يجب على المفسر أن يتجرد من الآراء المسبقة، ويوطن نفسه على قبول ما تفيده الآية وتدل عليه، ولا يخضع القرآن لعقيدته»([133]).
ومن ثم فمن غير المعقول أن يهمل الإسلام العظيم دور العقل ـ على رغم تقديره العظيم له ـ في العملية التفسيرية في الوقت الذي يؤسس الإسلام ورسول الإسلام وأهل بيته ـ عليهم السلام ـ كثيراً من المعارف على ضوء العقل، فلابد لعلماء المسلمين جميعاً من البحث حول مصداقية العقل للعملية التفسيرية من خلال ما يلي:
أولاً: أن تستقرأ الروايات الواردة عن روسل الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، وعن أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في هذا المجال الذي تنهى فيه عن تفسير القرآن بالرأي لتدرس من حيث السند والدلالة، والجهة، وظروف الصدور، وحالات التعارض بينها، ليتوصل إلى ما هو صحيح منها وأخذه وترك ما ليس بصحيح، ونبذه.
ثانياً: النظر في أقوال العلماء في هذا المجال، والمصدر الذي اعتمدوا عليه في إباحة التفسير بالرأي أو تحريمه، مع التفاسير والتأويلات المختلفة لتلك الروايات الواردة عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، ومحاولة دراستها دراسة مستوعبة للتعرف على مناشئها قبولاً ورفضاً.
ثالثاً: البحث حول قضية التأويل، وحدودها، والروايات التي استدل بها عليها، وروايات الباطن، والحد والمطلع للوصول إلى نتائج علمية، وموضوعية مقبولة.
فإذا تمكنا أن نحدد العقلي، والرأي تحديداً دقيقاً جداً، ونفرق بين الرأي الجائز وبين الرأي الممنوع، وأن نتعرف على ماهية التأويل وهل أن يعتمد العقل مصدراً له أو اللغة بما
(521)
تتحمله أو غير ذلك، فإننا نتمكن أن نقيم جميع المناهج في ذلك، والتي يعدها أكثر المفسرين من التفسير بالرأي كالتفسير العلم، والباطني، والرمزي، والفلسفي، والكلامي والعقيدي، وغيرها، فإن هذه المناهج إما أن يكون مصدرها الرأي الجائز فهي مقبولة.
وإما أن يكون مصدرها الرأي الممنوع المعتمد على الذوق الخاص، أو الهوى أو ما إلى ذلك فهي مرفوضة.
فالخلاصة في هذا البحث أن يكون منطلقة البحث حول المصادر التفسيرية من حيث الحجية، المرجعية لتطبيق على مصادر تفسيرية مجمع عليها أو على أقل تقدير حصول الاتفاق الأكثر عليها لا على أساس الاتفاق المهم، وإنّما على أساس توفرها على ضوابط الموضوعية والعلمية.
وبهذا تكون الطرق التفسيرية أو المناهج طبعة للباحث في التفسير لأنه أس المصادر وفرع من حدودها ودلالتها.
وأخيراً أسأل الله تعالى أن يجمع كلمة المسلمين، وأن يوحد شملهم إنه سميع الدعاء قريب مجيب.
([1]) ـ آل عمران: 103.
([2]) ـ مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن، الشهيد الصدر: 13.
([3]) ـ يراجع في ذلك بحوث في تاريخ القرآن وعلومه، أبو الفضل مير محمدي: 93 وما بعدها.
([4]) ـ هذا التفريق يلاحظ اصطلاحاً على الطريقة التفسيرية بأنها الناحية الشكلية.
([5]) ـ المصدر السابق: 10.
([6]) ـ يراجع كتاب دراسات قرآنية، محمّد حسين الصغير: 26 وما قبلها وبعدها.
([7]) ـ الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي، تحقيق محمّد(أبو) الفضل إبراهيم: 207، طبعة إيران، منشورات الرضي ويراجع أيضاً البيان، الخوئي، مدارك التفسير: 421، المطبعة العلمية، قم.
([8]) ـ مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية: 32.
([9]) ـ الطباطبائي ومنهجه في تفسيره الميزان، علي الأوسي: 105.
([10]) ـ مجلة رسالة القرآن، العدد الأول: 17، المناهج التفسيرية، الشيخ جعفر السبحاني.
([11]) ـ نهج البلاغة، صبحي الصالح، خطبة 18.
([12]) ـ الفاتحة: 7.
([13]) ـ الميزان، الطباطبائي 1: 29 وانظر كذلك الميزان 11: 203 والدر المنثور 1: 40(النساء: 69).
([14]) ـ راجع في ذلك مجلة رسالة القرآن، العدد التاسع: 113. تحت عنوان: تفسير القرآن بالقرآن عند أهل البيت: للأستاذ جعفر خضير.
([15]) ـ انظر مقدم تفسير التبيان، تحقيق احمد قصير العاملي.
([16]) ـ انظر مجلة رسالة القرآن، العدد الثالث: 26، تحت عنوان تفسير القرآن بالقرآن عند الشيخ الطوسي الدكتور جعفر خضير.
([17]) ـ المصدر السابق، العدد الأول: 38. ويراجع أيضاً كتاب علي الأوسي: الطباطبائي ومنهجه في تفسيره الميزان. وكذلك: كتاب الدكتور جعفر خضير: العلامة الطباطبائي تفسير القرآن بالقرآن عنه.
([18]) ـ النحل: 89.
([19]) ـ الميزان 1: 11.
([20]) ـ التفسير والمفسرون، محمّد حسين الزهير 1: 37 ط 2.
([21]) ـ البرهان 3: 175 نقلاً عن صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن: 299.
([22]) ـ تفسير القرآن العظيم، ابن كثير الدمشقي، مقدمة التفسير: 4، ط 1، دار المعرفة بيروت.
([23]) ـ التفسير والمفسرون 1: 244 محمّد حسين الذهبي.
([24]) ـ انظر كتاب تفسير القرآن بالقرآن عن العلامة الطباطبائي، جعفر خضير: 66 ـ 94 تحت عنوان نشأة تفسير القرآن بالقرآن.
وانظر كذلك كتاب الطباطبائي، ومنهجه في تفسيره الميزان، على الأوسي: 125 وما بعدها تحت عنوان تفسير القرآن بالقرآن.
([25]) ـ النحل: 89.
([26]) ـ الميزان 1: 11.
([27]) ـ الزمر: 53.
([28]) ـ تفسير القرآن بالقرآن عن العلامة الطباطبائي: 72، نقلاً عن الدر المنثور 2: 169،(النساء: 48).
([29]) ـ المصدر نفسه: 73، وما بعدها.
([30]) ـ انظر ـ رسالة الثقلين، العدد الرابع: 112 تحت عنوان نصوص مختارة من حديث الثقلين، عبد الكريم رؤوف.
([31]) ـ الذهبي التفسير والمفسرون نقلاً عن الأوسي في الطباطبائي ومنهجه في تفسير الميزان.
([32]) ـ الغاشية: 1.
([33]) ـ الذهبي التفسير والمفسرون: 126.(إبراهيم: 50).
([34]) ـ المصدر نفسه 126، نقلاً عن الكشاف للزمخشري.
([35]) ـ المصدر نفسه نقلاً عن مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية.
([36]) ـ المصدر نفسه: 126.
([37]) ـ تراجع ص 20 من هذا البحث عن عنوان: مصدر روايات أهل البيت في تفسير القرآن.
([38]) ـ الإتقان 4: 208.(الأنفال: 60).
([39]) ـ دراسات قرآنية، الصغير، 2: 57 عن الإتقان للسيوطي.
([40]) ـ الإتقان 4: 200.
([41]) ـ تفسير القرآن العظيم ابن كثير 1، المقدمة: 4.
([42]) ـ المصدر نفسه 4: 202.
([43]) ـ تدوين السنة الشريفة، بدايته المبكرة في عصر الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ ومصيره في عهود الخلفاء، إلى نهاية القرن الأول ـ السيد محمّد رضا الحسيني الجلالي ـ ط 1 ـ دار الهادي ـ لبنان: 347 وما بعدها.
([44]) ـ المصدر نفسه.
([45]) ـ المصدر نفسه.
([46]) ـ المصدر نفسه.
([47]) ـ المصدر نفسه.
([48]) ـ النجم: 3،4.
([49]) ـ تدوين السنة الشريفة، السيد محمّد رضا الحسيني الجلالي: 347.
([50]) ـ المصدر السابق، وقد نقل جميع ما نقلناه عنه عن المصادر التالية:
1 ـ المراسيل لأبي داود السجستاني 2: 249.
2 ـ حجية السنة: 332.
3 ـ حجية السنة.
4 ـ مقدمة الحافظ أحمد التيجاني لكتاب الكفاية: 15، ط: مصر.
5 ـ البرهان في علوم القرآن للزركشي 2: 128.
6 ـ الإحكام في أصول الأحكام 1: 93.
7 ـ الكفاية للخطيب.
([51]) ـ الحشر: 7.
([52]) ـ النحل: 44.
([53]) ـ يراجع في ذلك كتاب الإسرائيليات في التفسير والحديث، الذهبي، وكذلك مقدمة تفسير القرآن العظيم لابن كثير، وكذلك التفسير والمفسرون، محمّد حسن الذهبي، فصل التفسير بالمأثور.
([54]) ـ الكامل لابن عدي:361، وتقييد العلم: 98 عن عبد الله بن عمر ونقلاً عن تدوين السنة الجلالي:50.
([55]) ـ التفسير والمفسرون، الذهبي، 1: 157.
([56]) ـ الطباطبائي ومنهجه في تفسيره الميزان، الاوسي: 104.
([57]) ـ الفاتحة: 7.
([58]) ـ السيوطي، الإتقان 6: 242.
([59]) ـ أصول الفقه، الشيخ محمّد رضا المظفر 1: 37، ط 1 قم، اسماعيليان.
([60]) ـ كنزل العمال، باب الاعتصام بالكتاب والسنة، 1: 153، 332، طبعة دائرة المعارف العثمانية.
([61]) ـ البيان، الخوئي: 421 تحت عنوان مدارك التفسير.
([62]) ـ المقدمة تفسير البيان للشيخ الطوسي: 4.
([63]) ـ مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية: 35.
([64]) ـ الدر المنثور، المقدمة 1.
([65]) ـ الزركشي، البرهان: 157.
([66]) ـ السيوطي، الإتقان 4: 171.
([67]) ـ الزركشي، البرهان 2: 175.
([68]) ـ انظر في ذلك كتاب الأصول العامة للفقه المقارن، الحكيم: 138. وقد نقل أقوال كبار العلماء حول هذا الحديث مثل ما ذكره ابن حزم عن حديث أصحابي كالنجوم من انه حديث موضوع مكذوب باطل، وقال احمد حديث لا يصح، وقال البزار، لا يصح هذا الكلام عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ.
وفي الحاشية: قال: اقرأ ما كتبه الشيخ عبدالله دراء في تعليقته على هذا الحديث في كتاب الموافقات.
([69]) ـ جعفر خضير، نقلاً عن تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، السيد حسن الصدر: 32.
([70]) ـ تراجع مقدمة التفسير نفسه.
([71]) ـ جعفر خضير، نقلا عن الفهرست لابن النديم: 275، والفهرست للطوسي: 165.
([72]) ـ مجلة رسالة القرآن الكريم، العدد الأول: 59 ـ تحت عنوان ابن الماهيار وتفسيره، للشيخ رضا استادى.
([73]) ـ جعفر خضير، نقلاً عن الذريعة إلى تصانيف الشيعة الطهراني 4: 302.
([74]) ـ رسالة القرآن، العدد السادس، تحت عنوان نظرة في تفسير البرهان، السيد محمّد الدين المشعل.
([75]) ـ تراجع مقدمة التفسير المذكور.
([76]) ـ المصدر نفسه.
([77]) ـ الأحزاب: 33.
([78]) ـ يراجع في ذلك تحت عنوان مصادر حديث الثقلين كتاب البيان للسيد الخوئي، التعليقة رقم 1: 533.
ويراجع أيضاً كتاب تدوين السنة، السيد محمّد رضا الحسيني الجلالي: 114 حاشية رقم 1، تحت عنوان مصادر حديث الثقلين.
ويراجع المصدر السابق أيضاً: 122 في تفسير الروايات التي استبدلت لفظ العترة بالسنة وتراجع مجلة رسالة الثقلين، العدد الرابع: 112 تحت عنوان: من نصوص حديث الثقلين عبد الكريم رؤوف.
وتراجع مجلة رسالة القرآن، العدد التاسع، عدد خاص حول المؤتمر السنوي الرابع لعلوم القرآن ومفاهيمه، وعنوان: «القرآن وأهل البيت، ويراجع تحت العناوين التالية:
دور أهل البيت في القرآن، الشيخ محمّد هادي معرفة: 71.
أهل البيت في القرآن الكريم، الدكتور محمّد ناصر: 85.
مناهج أهل البيت في تفسير القرآن الكريم، مؤسسة باقر العلوم، تعريب على جمال الحسيني: 91.
تفسير القرآن بالقرآن عند أهل البيت ـ عليهم السلام ـ جعفر خضير: 113، وبقية الموضوعات الأخرى وتراجع مجلة رسالة الثقلين، العدد الأول، تحت عنوان أهل البيت في القرآن الكريم، السيد جعفر مرتضى: 10، وكذلك العدد الثاني من المجلة: 13.
ويراجع كتاب: الأصول العامة للفقه المقارن، السيد محمّد تقي الحكيم: 147 تحت عنوان سنة أهل البيت.
ملاحظة: المصادر المذكورة أعلاه قد حشدت كما هائلاً من المصادر الإسلاميّة المعتبرة لدى مختلف المذاهب الإسلاميّة في توثيق حديث الثقلين، وتفسير البحث فيهم ـ عليهم السلام ـ الأمر الذي يعني حجية سنتهم وجعلها مصدراً معرفياً اساسياً كسنة جدهم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ.
([79]) ـ الأصول العامة للفقه المقارن، السيد محمّد تقي الحكيم: 147.
([80]) ـ التبيان في تفسير القرآن 1: 3 ـ 4.
([81]) ـ آراء حول القرآن، السيد علي الاصفهاني الفاني: 3.
([82]) ـ المصدر نفسه. اعتماداً على قوله تعالى: ﴿...إنّ جاءكم فاسق بنبا فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة﴾.
([83]) ـ مجلة رسالة القرآن الكريم، العدد التاسع: 91، تحت عنوان مناهج أهل البيت في تفسير القرآن الكريم مؤسسة باقر العلوم.
([84]) ـ المصدر نفسه نقلاً عن تفسير مفاتيح الأسرار، ومصابيح الأنوار للشهرستاني(مخطوط).
([85]) ـ الزركشي، البرهان 2: 157 ـ نقلا عن دراسات قرآنية، د. محمّد حسين علي الصغير 2: 56.
([86]) ـ السيوطي، الإتقان 4: 171 ـ نقلا عن المصدر نفسه.
([87]) ـ مقدمة في تفسير القرآن لابن تيمية: 32 ـ نقلاً عن تفسير القرآن بالقرآن عند العلامة الطباطبائي، جعفر خضير: 54.
([88]) ـ تفسير القرآن بالقرآن عند العلامة الطباطبائي، د. جعفر خضير: 54 ـ ينقله عن السيوطي في الإتقان.
([89]) ـ مباحث في علوم القرآن، د. صبحي الصالح: 289 ط: 5، بيروت: دار العلم للملايين.
([90]) ـ مقدمة تفسير القرآن العظيم لابن كثير، وهي مأخوذة من التفسير والمفسرون للذهبي: 16.
([91]) ـ تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، المقدمة: 4، ط: بيروت دار المعرفة.
([92]) ـ دراسات قرآنية، محمّد حسين علي الصغير 2: 58 نقلاً عن البرهان للزركشي 2: 137.
([93]) ـ مباحث في علوم القرآن، مناع القطان: 336.
([94]) ـ الأصول العامة للفقه المقارن، الحكيم: 440، مؤسسة آل البيت للطباعة والنشر.
([95]) ـ المصدر نفسه: 337.
([96]) ـ دراسات قرآنية، محمّد حسين علي الصغير 2: 61، نقلا عن الإتقان للسيوطي 4: 193.
([97]) ـ يراجع في ذلك الإسرائيليات في التفسير والحديث، الذهبي.
([98]) ـ دراسات قرآنية، الصغير 2: 61.
([99]) ـ المصدر نفسه.
([100]) ـ انظر كتاب الإسرائيليات في التفسير والحديث ص 20 وما بعدها، و: 119 وما بعدها في بيان التفاسير التي ملئت بالإسرائيليات. ويراجع في ذلك أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية: 125 ـ 126، 172 ـ 173.
([101]) ـ الأصول العامة للفقه المقارن، الحكيم، 133 وما بعدها بحث حول سنة الصحابي.
([102]) ـ دراسات قرآنية، الصغير 2: 62.
([103]) ـ دراسات قرآنية، الصغير 2: 61.
([104]) ـ تفسير القرآن العظيم، الحافظ ابن كثير، المقدمة: 5 ـ 6.
([105]) ـ الإتقان في علوم القرآن، السيوطي 4: 208(منشورات بيدار) قم ـ إيران.
([106]) ـ تفسير القرآن بالقرآن عند العلامة الطباطبائي، جعفر خضير: 55 نقلا عن مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية.
([107]) ـ الإتقان في علوم القرآن 4: 209.
([108]) ـ الإتقان في علوم القرآن 4: 227.
([109]) ـ التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي، تحقيق أحمد قصير العاملي: 4 من المقدمة، مكتب الأعلام الإسلامي.
([110]) ـ م. ن: 6.
([111]) ـ تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، المقدمة: 8، دار المعرفة ـ بيروت.
([112]) ـ البيان، السيد الخوئي: 422، المطبعة العلمية، قم.
([113]) ـ تفسير الطبري 1: 78 ـ 79 نقلاً عن مباحث في علوم القرآن، مناع القطان: 353،(الأعراف: 33).
([114]) ـ الإسراء: 36.
([115]) ـ البقرة: 169.
([116]) ـ النحل: 44.
([117]) ـ النساء: 83.
([118]) ـ الإتقان، السيوطي 4: 210 ـ 212 نقلناها على رغم طولها لما فيها من تعدد الآراء والافهام.
([119]) ـ محمّد: 24.
([120]) ـ مباحث في علوم القرآن، صبحي الصالح: 292، ط 51: 29.
([121]) ـ الطباطبائي ومنهجه في تفسيره الميزان، د. على الأوسي: 105.
([122]) ـ رسالة القرآن، العدد الأول: 19 تحت عنوان المناهج التفسيرية، الشيخ جعفر سبحاني.
([123]) ـ تفسير القرآن بالقرآن عن العلامة الطباطبائي، د. جعفر خضير: 55، عن بحوث إسلامية للدكتور بلتاجي: 70.
([124]) ـ م. ن عن البرهان 1: 178.
([125]) ـ م. ن: 56.
([126]) ـ الطباطبائي ومنهجه في تفسيره الميزان، د. علي الأوسي: 105.
([127]) ـ رسالة القرآن، العدد الأول: 23، تحت عنوان المناهج التفسيرية، الشيخ جعفر سبحاني.
([128]) ـ تراجع مقدمة تفسير الميزان، العلامة الطباطبائي 1.
([129]) ـ الإتقان، السيوطي 4: 224.
([130]) ـ الطباطبائي ومنهجه علي الأوسي: 109.
([131]) ـ م. ن نقلا عن فضائح الباطنية، تحقيق عبد الرحمن بدوي: 55، الدار القويمة.
([132]) ـ سنن الترمذي، أبواب التفسير 2: 157.
([133]) ـ رسالة القرآن، العدد الأول: 38 تحت عنوان المناهج التفسيرية، الشيخ جعفر سبحاني
ارسال نظر