وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
الاجتهاد الجماعي وأهميته في العصر الحاضر
۱۳۹۷/۰۹/۲۴ ۰۹:۴۲ 292

الاجتهاد الجماعي وأهميته في العصر الحاضر

 

 

الاجتهاد الجماعي وأهميته في العصر الحاضر

 

  

الدكتور فريد بن يعقوب المفتاح
وكيل الشؤون الإسلامية، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
وزارة العدل والشئون الإسلامية - مملكة البحرين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد؛
فإن أمتنا اليوم تعاني جملة من الإشكاليات الفكرية النظرية والحياتية العملية، بالإضافة إلى كثرة ما حدث في هذا العصر من نوازل ووقائع مستجدة تلامس عموم الأمة، ويطال تأثيرها سواد المسلمين، وليس هناك من سبيل سوى اعتماد  الجماعية الاجتهادية القائمة على عمل الخبراء واستنباط الفقهاء، مع الاستئناس بالعلوم والمعارف العصرية، وبذلك يكون الاجتهاد ملبيا لاحتياجات الأمة، وعصمة للفتاوى عن الزلل، وصيانة للفكر عن الزيغ، وتأكيدا على التلازم المتقن بين التخصصات المختلفة.
وهذا هو موضوع هذه الورقة والتي جاءت بعنوان: (الاجتهاد الجماعي وأهميته في العصر الحاضر)، وقد جعلتها في أربعة مباحث وخاتمة:


المبحث الأول
حقيقة الاجتهاد الجماعي
المطلب الأول: تعريف الاجتهاد لغة واصطلاحا

تعريف الاجتهاد لغة:
الجَهْدُ والجُهدُ: الطاقة تقول: اجْهَد جَهْدَك، وقيل الجَهْد: المشقة، والجُهْد: الطاقة. وجَهَد دابته جَهْداً وأجْهَدَها: بلغ جَهْدها وحمل عليها في السير فوق طاقتها([1])
والاجتهاد والتجاهد: بذل الوسع والمجهود([2])
تعريف الاجتهاد اصطلاحاً:
عُرِّف بعدة تعريفات نستعرض بعض هذه التعريفات ثم نختار التعريف الراجح الذي سَلِمَ من كثرة المعارضة فمنها:
عرِّفة الإمام الغزالي بأنه: بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة([3]).
وعرَّفه الرَّازي: استفراغ الوسع في النظر فيما لا يلحقه فيه لوم مع استفراغ الوسع فيه ([4]).
وعرَّفه البيضاوي بقوله: استفراغ الجهد في درك الأحكام الشرعية ([5])
وعرَّفه الآمدي بقوله: استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحسن من النفس العجز عن المزيد فيه ([6]).
وعرَّفه الشوكاني بقوله: (بذل الوسع في نيل حكمٍ شرعي عملي بطريق الاستنباط) ([7]).
ولعل هذا التعريف هو المختار والأقرب إلى الصواب والأسلم من الاعتراض، فإن قوله: (بذل الوسع) أي الطاقة، بأن يأتي الفقيه بتمام طاقته، ويُحس من نفسه العجز عن مزيد طلب.
وقوله: (نيل حكمٍ شرعي عملي)، هذا القيد يُخرج الحكم العلمي الاعتقادي، فهذا لا مجال للاجتهاد فيه، وكذا قواعدها الإسلام الكلية وضرورياته الخمس فهي أمور مسلّمة، لا يتطرق إليها خلاف، ولا يحوم حولها اختلاف.
وقوله: (بطريق الاستنباط) هذا القيد يُخرج نيل الأحكام من النصوص ظاهراً، أو حفظ المسائل عن طريق المفتي، أو كتب العلم، فإن كل ذلك لا يصدق عليه أنه اجتهاد، إذ لابد من الاستنباط وبذل الجهد في استخراج الحكم الشرعي.
فمما سبق يتبيّن أن مجال الاجتهاد هو الأحكام العملية التي لم يأتِ فيها نص قاطع من كتاب أو سنة، فيحتاج الفقيه معها إلى استنباطٍ وبذل جهد للوصول إلى الحكم.
المطلب الثاني: تعريف الاجتهاد الجماعي
هذا المصطلح من المصطلحات المعاصرة فلم يُفرِد له العلماء السابقون بحثاً خاصاً، أو باباً مستقلاً من أبواب أصول الفقه، وإنما جاء الحديث عنه ضمن مسائل متفرقة في أكثر من موضوع، ولذلك فإن كثيراً من المعاصرين حاول أن يوجد له تعريفاً حسب ما يراه مناسباً، وفيما يلي نعرض لبعضها مع اختيار الراجح منها، فمن هذه التعريفات:
التعريف الأول:
(اتفاق أغلب المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على حكم شرعي في مسألة).
وبيان ذلك بأن يجتمع هؤلاء العلماء الأعلام في مجمع فقهي فتعرض عليهم الوقائع والأحداث المستجدة التي تواجه المسلمين اليوم فيبذل كل واحد منهم جهده في استنباط الحكم الشرعي للمسألة المطروحة. وما يتوصل إليه هؤلاء المجتهدون بعد تشاور بينهم يكون هو الحكم الشرعي الذي يجب العمل به، سواء أجمع هؤلاء العلماء على هذا الحكم أم قال به أغلبيتهم([8]).
التعريف الثاني:
(تخصيص مهمة البحث واستنباط الأحكام بمجموعة محدودة من العلماء والخبراء والمتخصصين سواء ما رسوا ذلك بالشورى المرسلة، أم مجلس يتشاورون فيه ويتداولون حتى يصلوا إلى رأي يتفقون عليه، أو ترجحه الأغلبية، ويصدر قرارهم بالشورى ولكنه يكون في صورة فتوى)([9]).
التعريف الثالث:
(استفراغ أغلب الفقهاء الجهد لتحصيل ظنٍ بحكم شرعي بطريق الاستنباط، واتفاقهم جميعاً أو أغلبهم على الحكم بعد التشاور)([10]).
التعريف الرابع:
(اتفاق أغلبية المجتهدين في نطاق مجمع أو هيئة أو مؤسسة شرعية ينظمها ولي الأمر في دولة إسلامية على حكم شرعي عملي،لم يرد به نص قطعي الثبوت والدلالة بعد بذل غاية الجهد فيما بينهم في البحث والتشاور)([11]).
التعريف الخامس:
(العملية العلمية المنهجية المنضبطة التي يقوم بها مجموع الأفراد الحائزين على رتبة الاجتهاد في عصر من العصور من أجل الوصول إلى حكم الله في قضية ذات طابع عام تمس حياة أهل قطر أو إقليم أو عموم الأمة، أو من أجل التوصل إلى حسن تنزيل لمراد الله في تلك القضية ذات الطابع العام على واقع المجتمعات والأقاليم والأمة)([12]).
التعريف المختار للاجتهاد الجماعي:
(بذل فئة من المجتهدين وسعهم في البحث والتشاور لتحصيل حكم شرعي)
وهذا التعريف يشتمل على عدة خصائص وقيود لابد من مراعاتها وهي:
1- (فئة) يحصل بأيٍّ عدد يصدق عليه أنه جماعة.
2-  أن يكون هؤلاء المجتهدون مجتمعين، وهو ما يفيده التعبير بـ (البحث والتشاور)، وانسجاماً مع طبيعة هذا العصر، وآلياته فيقصد بالاجتماع ما كانَ حقيقة في مكانٍ واحد، وما كانَ حكماً كالاتصال عبر الهاتف أو الدوائر التلفزيونية أو شبكة المعلومات.
3-  يهدف الاجتماع إلى تحصيل حكمٍ شرعي سواءٌ كانَ ذلك متعلقاً بقضيةٍ عامًّة أو خاصة.
4-  عدم تحديد كيفية الوسيلة التي يمكن الاستعانة بها في تفعيل النظر الاجتهادي الجماعي، وذلك انطلاقاً من إيماننا بأن تحديد الوسيلة ينبغي أن يترك لظروف الزمان والمكان، ولطبيعة المسائل والنوازل والقضايا، حفاظاً على المرونة والسعة.
5-  إنَّ واقع الاجتهاد الجماعي المعاصر من خلال المجامع الفقهية وهيئات الإفتاء وما شابَه ذلك يشهد بأنَّ هذا الاجتهاد لا يقتصرُ على المسائل المستجدة دون سواها، لتوسع مجال الاجتهاد الجماعي حتى للمسائل القديمة التي وقع فيها اجتهاد مادامت مما تعم بها البلوى 

المبحث الثاني
أهمية الاجتهاد الجماعي

للاجتهاد الجماعي أهمية بالغة في التشريع الإسلامي، وتتجلى أهميته من خلال مجموعة الأمور التي يحققها:
1- الاجتهاد الجماعي ضرورة شرعية:
الاجتهاد الجماعي في العصر الحالي ضرورة قصوى، ومقصد جليل في حدِّ ذاته، ليس لكثرة المشكلات والوقائع الجزئية التي ليست لها أحكام فقط، وإنما لوجود الظواهر المعقّدة والأوضاع العامة التي هي فوق جزئيات تلك المشكلات والوقائع، ولضخامة حجم التحديات التي تواجه الأمة، والتي تركت آثارها في بعض أنماط التفكير والسلوك لدى شعوب الإسلام التي هي في أشد الحاجة إلى استفراغ منقطع النظير، ومتابعات قد تُفني أعماراً وأحقاباً لو تركت لأفراد وأعلام معينين، فليس هناك من سبيل سوى اعتماد  الجماعية الاجتهادية القائمة على عمل الخبراء واستنباط الفقهاء.
2- الاجتهاد الجماعي تطبيق لمبدأ الشورى:
يتحقق في الاجتهاد الجماعي مبدأ الشورى الذي حث عليه الإسلام، ودعا إليه في الأمور كلها، وذلك أن أعضاء المجلس الاجتهادي يمارسون الشورى بتبادل الآراء، وتمحيص الأفكار وتقليبها على كل الوجوه، حتى يصلوا إلى رأي يتفقون عليه أو ترجحه الأغلبية.
3- الاجتهاد الجماعي أكثر دقة وإصابة:
إن الاجتهاد الجماعي لما كان يضم أعداداً من العلماء والخبراء المتخصصين جعل له مزية عن الاجتهاد الفردي، بأنه يكون أكثر استيعابًا وإلماماً بالموضوع المطروح للاجتهاد، وأكثر شمولاً في الفهم لكل جوانب وملابسات القضية، كما أن عمق النقاش فيه، ودقة التمحيص للآراء والحجج، يجعل استنباط الحكم أكثر دقة وأحرى إصابة.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي عن أهمية الاجتهاد الجماعي: (فرأي الجماعة أقرب إلى الصواب من رأي الفرد، مهما علا كعبُه في العلم، فقد يلمح شخص جانباً في الموضوع لا ينتبه له آخر، وقد يحفظ شخص ما يغيب عن غيره، وقد تُبرِز المناقشة نقاطاً كانت خافية، أو تجلي أموراً كانت غامضة، أو تذكِّر بأشياء كانت منسية. وهذه من بركات الشورى، ومن ثمار العمل الجماعي دائماً: عمل الفريق، أو عمل المؤسسة، بدل عمل الأفراد)([13])
4- الاجتهاد الجماعي ينظم الاجتهاد ويمنع توقفه:
الاجتهاد أصل من أصول التشريع الإسلامي، وهو الأساس لحيوية التشريع ونمائه، واستمرار عطائه في تعريف الأمة بأحكام الله في كل نازلة، ولهذا فقد بدأ الاجتهاد منذ عهد النبي على يد الصحابة، ثم استمر في عطائه حتى منتصف القرن الرابع الهجري، حيث نادى جمع من العلماء بتوقيف الاجتهاد وإغلاق بابه.
وكان من أبرز الأسباب لهذه الدعوة هي تلك الفوضى والأخطاء والاختراقات، التي جاءت نتيجة الأدعياء من أصحاب الاجتهاد الفردي، ولغياب الاجتهاد الجماعي، فدخل في صفوف المجتهدين من ليس منهم.
ولكن هذا المسلك أدى إلى شيوع التقليد وانتشار التعصب، وجمود الاجتهاد، حتى كاد الاجتهاد أن يخلو زمناً طويلاً، باستثناء ما كان يجري بين الحين والآخر من ظهور أئمة مجتهدين.
وإذا كانت الفتوى بإغلاق باب الاجتهاد قد قُصد بها في بداية الأمر منع الاجتهاد الفردي غير المنضبط، لإبعاد من ليسوا أهلا للاجتهاد، فإن الأمر قد أسئ فهمه فيما بعد، ورُوَّج أن المقصود منع الاجتهاد مطلقاً، وكان الواجب أن تعالج الفوضى بالاجتهاد بتنظيمه، وجعله في يد جماعة لا في يد الأفراد، بدلاً من أن يعالج بإغلاق باب الاجتهاد.
يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: (...فالاجتهاد فرض كفاية على الأمة، بمقدار حاجة أقطارها وأحوالها، وقد أثمت الأمة بالتفريط فيه مع الاستطاعة ومكنة الأسباب والآلات... وإن أقل ما يجب على العلماء في هذا العصر أن يبدأوا به ­من هذا الغرض العلمي­ هو أن يسعوا إلى جمع مجمع علمي، يحضره من أكبر علماء كل قطر إسلامي، على اختلاف مذاهب المسلمين في الأقطار، ويبسطوا بينهم حاجات الأمة، ويصدروا فيها عن وفاق فيما يتعين عمل الأمة عليه، ويعلموا أقطار الإسلام بمقرراتهم، فلا أحسب أحدًا ينصرف عن اتباعهم)([14]).
ويقول الدكتور محمد يوسف موسى: (هذا ونعتقد كل الاعتقاد أنه آن الأوان ليكون لنا (مجمع للفقه الإسلامي) بجانب مجمع اللغة العربية، فإن دراسة الفقه على النحو الواجب الذي نريد تحقيق الغاية من هذه الدراسات، أمر لا يمكن أن يتحقق إلا بإنشاء هذا المجمع الذي ندعو إليه جاهدين) ([15])
5- الاجتهاد الجماعي سبيل إلى توحيد الأمة:
الأمة الإسلامية أحوج ما تكون إلى اجتماع كلمتها، واتحاد رؤيتها في ما يحل مشاكلها؛ لتبني على ذلك توحدها في المواقف والتعاملات، ولن يأتي ذلك إلا إذا كانت حلولها لمشاكلها وقضاياها العامة نابعة من رؤية جماعية تسعى إلى جمع الكلمة وتوحيد الصف، بعيدًا عن الرؤى الفردية المتنافرة، التي تأتي على الأمة بالتفرق في الأفكار، والتشتت في الصف والتضارب في الأحكام، مما يجعل الناس في حيرة من أمرهم، وفيما ينبغي أن يعملوا به في القضايا العامة التي تحتاج إلى توحيد في الموقف، واتحاد في الحكم، ولعل الاجتهاد الجماعي هو السبيل إلى إيجاد ذلك.
ويقول الشيخ عبد الوهاب خلاف: (الذين لهم الاجتهاد بالرأي هم الجماعة التشريعية الذين توافرت في كل فرد واحد منهم المؤهلات الاجتهادية التي قررها علماء الشرع الإسلامي، فلا يسوغ الاجتهاد بالرأي لفردٍ مهما أوتي من المواهب واستكمل من المؤهلات، لأن التاريخ أثبت أن الفوضى التشريعية في الفقه الإسلامي كان من أكبر أسبابها الاجتهاد الفردي)([16]).
6- الاجتهاد الجماعي علاج للمستجدات:‏
 نحن اليوم في عصر تطورت فيه أحوال الأمم تطورًا مذهلاً، نشأ عن ذلك الكثير من المستجدات والقضايا التي لم تكن موجودة من قبل، وليس لها مثيل فيما تضمنته كتب الفقه المعهودة، وهذا يتطلب منا ضرورة الاجتهاد لمعالجتها، ولابد أن يكون هذا الاجتهاد جماعيًا، لما فيه من دقة في البحث، وشمول في النظر، وتمحيص للرأي، يتبلور ذلك من خلال اشتراك جمع من العلماء في النقاش وتبادل الآراء، فيأتي حكمهم أكثر دقة في الاستنباط، وأكثر قربًا للصواب من الاجتهاد الفردي.
 فقد ظهرت في هذا العصر جملة من الصور التي لم تكن معروفة لدى السابقين، كالمعاملات المصرفية الحديثة، والتجارة الإلكترونية، والتأمين بأنواعه، وبرزت في الطب مسائل جديدة، كالتدخل في الجينات، والاستنساخ، والموت الدماغي، ونقل الأعضاء، والقتل الرحيم، وغيرها، بل ظهرت نوازل معقدة تتعلق بالعبادات، كتقدير الوقت للصلاة والصوم في الطائرة، ونحو ذلك.
7- الاجتهاد الجماعي يساهم في تحقيق القيمة العلمية العملية([17]):
مما لا شك فيه الحديث عما شكلته الاجتهادات الجماعية من إسهامات فقهية قيمة، ويكفي في ذلك أن نطلع على الاجتهادات الجماعية على مر العصور الإسلامية والتي شكلت جزأً من التراث الفقهي، وأخذت حيزا من الدراسات.
وإذا نظرنا إلى الدراسات المعاصرة نجد أنها قد شكلت تراثاً جيداً، حيث انتهجت هذه المؤسسات نهج النشر العلمي، وأصبحت لكل مؤسسة من هذه المؤسسات مؤلفات دورية، أو دوريات علمية تتضمن نتائج البحوث العلمية التي قدمها أعضاء تلك المؤسسات، والتي أصبحت مصدراً للباحثين استقاءً وبحثاً ودراسة، فضلاً عن المؤلفات التي ألفت حول الاجتهاد الجماعي من الناحية النظرية والتي أضافت لبنة جيدة إلى مباحث الاجتهاد.
ويمكن تلخيص هذه الإسهامات للاجتهاد الجماعي فيما يلي:
1- ساهم في مواكبة الفقه الإسلامي لمستجدات العصر، وساهم في إيجاد الحلول للنوازل.
2- له فضل كبير في وجود المؤسسات الاجتهادية الجماعية التي أضحت لبنة أساسية ضمن المنظومة الفقهية.
3- ساهم في قيام المؤسسات المتخصصة.
4- ساهم في تكاملية التأهيل للعملية الاجتهادية.
5- ساهم في إثراء المكتبة الإسلامية ببحوث قيمة ونفيسة.
6- ولا يخفى مقدار ما أسداه الاجتهاد الجماعي لمؤسسات المجتمع بشتى أصنافها مالية واجتماعية وصناعية وغيرها من خدمات شرعية.
7- البت والسرعة في حل المستجدات.
8- ساهم مساهمة فاعلة في ذلك الاندماج الجميل بين الخبرات الشرعية والفنية.
9- أن في الاجتهاد الجماعي أثراً بالغاً في تكوين شخصية الفقيه، ونقلة ظاهرة في السمو بعقليته، وجعله مواكباً لكل ما هو جديد، فهو ينمي في شخصية الفقيه الاهتمام بلغة الحوار والنقاش، مما يقود بدوره إلى إثارة النظر، والحض على الاجتهاد.
أهم القضايا التي يتناولها الإجتهاد الجماعي:
إذا كانت مجالات الاجتهاد واسعة ومتعددة، فإن الاجتهاد الجماعي ينبغي أن يركز على مجموعة من القضايا التي تتطلب هذا النوع من الاجتهاد ليتواءم في دقته وقوته مع قوة ودقة تلك القضايا، وأهميتها في حياة الأمة، ولا بأس أن يكون الاجتهاد فرديًا في القضايا ذات الطابع الفردي، إذ أن الخلاف فيها لا يؤدي إلى اختلاف في القوانين العامة التي تنظم أحوال الأمة.

‏والقضايا التي تتطلب اجتهادًا جماعيًا تتبلور في ثلاثة أنواع:‏
1- القضايا المستجدة ذات الطابع العام أو المعقدة أو المتشعبة بين عدة علوم، مثل المعاملات المالية والمصرفية، ووسائل العلاج المتقدِّمة، وأجهزة الإنعاش، وأطفال الأنابيب، وبنوك الحليب، والبنوك المنويِّة، وأيضًا الكثير من القضايا الاقتصادية والعلمية، والأخلاقية، والمدنية، والحربية، والسياسية، وكل ما له صلة بالحياة اليومية.
2- القضايا العامة التي سبق لأسلافنا أن اجتهدوا فيها، ولكن تعددت آراؤهم واختلفت اجتهاداتهم، وصارت حاجة الأمة اليوم إلى انتقاء وترجيح أحد تلك الأقوال، ليكون قاعدة قانونية يلتزم الجميع بها وتنظم علاقاتهم.‏
3-  القضايا التي قامت أحكامها على أساس متغير كالقضايا التي قامت على العُرف أو المصلحة، أو كان لظروف الزمان والمكان دور في حكمها، مما يجعلها قد تتغير لتغير أساسها.‏
تلك هي أهم المجالات التي ينبغي أن يكون الاجتهاد فيها جماعيًا.

المبحث الثالث
مشروعية الاجتهاد الجماعي

أولا: مشروعية الاجتهاد الجماعي من الكتاب: 
1- قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[آل عمران159]، ووجه الدلالة أن الله تعالى أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بمشاورة أصحابه رضي الله عنهم مع كونه مستغنياً عنهم بالوحي، ِلَما علم سبحانه ما في المشورة من الفضل، وما تحققه من مصالح وفوائد كتأليف القلوب, وتطييب النفوس, وتوضيح المكانة العالية لمن شاورهم، حيث سمع منهم واستعان بهم.
2-  قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[سورة الشورى :38]، وهذه الآية امتدح الله المؤمنين ببعض أعمالهم وصفاتهم التي تميزهم عن غيرهم, من ذلك: (أن أمرهم شورى بينهم) فهم لا يبرمون أمراً حتى يجتمعوا ويتشاوروا فيه, ليتساعدوا بآرائهم في كل نازلة تنزل بهم, فذلك أدعى لاتفاقهم, وعدم اختلافهم. فبهذا الاجتماع, وتلك المشاورة يتحقق الاجتهاد الجماعي الذي من خلاله يُتوصل على رأي أو حكم يُتفق عليه غالباً, وهنا تتبين مطابقة الآية للدلالة.
3-  قال تعالى حكاية عن ملكة سبأ: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ}[سورة النمل : 32]أي: أشيروا علي في أمري الذي قد حضرني من أمر صاحب هذا الكتاب الذي ألقي إليَّ فلست قاضية أمراً في ذلك حتى تشهدون وتجتمعون إلي فأشاوركم فيه، وهذا حسن أدب مع قومها إذ أعلمتهم أن ذلك مطرد عندها في كل أمر يعرض لها, وربما كان في استبدادها برأيها وهن في طاعتها, ودخيلة في تقدير أمرهم, وبهذا تتبين مطابقة الآية للدلالة في أن الرأي صدر من جماعة اجتمعت واجتهدت في ذلك.
4-   قال تعالى :{وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}[سورة النساء : 83]، وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى ذم من إذا جاءه أمر من الأمن أو الخوف أنه يذيعه دون تثبت أو معرفة أو تمييز, وحيث أمر سبحانه برد الواقعة إلى من يستنبط الحكم فيها فالأولى بهم أن يردوا ذلك إلى الرسول وإلى أولي الأمر من أهل الاستنباط, الذين يعلمون ما يخفى من ذلك وما يذاع, ويستخرجون الفقه الباطن باجتهادهم وفهمهم, فإن الاستنباط هو استخراج الشيء الثابت الخفي الذي لا يعثر عليه كل أحد ومنه استنباط الماء وهو استخراجه من موضعه, فقوله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)، أي يستخرجون حقيقته وتدبيره بفطنهم وذكائهم وإيمانهم ومعرفتهم بمواطن الأمن والخوف, وهذا دليل على الاجتهاد الذي يتقوَّى بالمناظرة والمباحثة.
فعلم أن هناك أموراً لا يدركها الكثير فلا بد من ردها لأهل الاستنباط والاجتهاد, ففيه إشارة للاجتهاد الجماعي.

ثانيا: مشروعية الاجتهاد الجماعي في السنة النبوية:
1- خبر اجتهاد الصحابة في فهم قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم يوم الخندق- بعد أن ظهرت خيانة يهود بني قريظة بوقوفهم مع الأحزاب، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لنا لما رجع من الأحزاب: (لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ)، فأدرك بعضهم العصر في الطريق, فقال بعضهم: (لاَ نُصَلِّى حَتَّى نَأْتِيَهَا), وقال بعضهم: (نُصَلِّى لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ), فذكر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يعنِّف واحداً منهم ، رواه البخاري (946) ، ومسلم (4624).

 وجه الاستدلال من الحديث:
أن الصحابة رضي الله عنهم اجتهدوا في هذه الواقعة, وانقسموا بذلك إلى طائفتين, طائفة عملت بظاهر النص, والأخرى عملت بالنصوص العامة في الأمر بتأدية الصلاة في وقتها, والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعنف أحداً منهم, بل أقرهم على اجتهادهم وفهمهم, حتى مع وجود الاختلاف, وهذا هو مقتضى الاجتهاد الجماعي، وهذا الحديث من أقوى الأدلة وأصرحها في الدلالة على المطلوب، وإنّ إقراره (صلى الله عليه وآله وسلم) كُلاً من الفريقين على فهمه، وعدم تعنيف واحد منهم؛ يدل ضمناً على إقرار طريقتهم في الاجتهاد. فلم يقل لهم: لماذا اختلفتم على رأيين ولم تجتمعوا على رأي ؟ ولا قال لهم: لماذا لم تسألوا أعلمَكم وتأخذوا برأيه؟ بل أقر كُلاً منهم.
2- عندما أسر المسلمون في غزوة بدر سبعين رجلاً من المشركين استشار النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه بشأنهم، ماذا يصنع بهم؟ فأشار أبو بكر بأخذ الفداء منهم وإطلاق سراحهم، وقدّم تعليله لرأيه، وأشار عمر بن الخطاب بقتلهم، وقدّم تعليله لهذا الرأي، ولكنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مال إلى رأي أبي بكر– ترجيحاً لجانب الرأفة والرحمة- فقبل الفداء منهم، ثم نزل القرآن الكريم مؤيداً للرأي الآخر, ومعاتباً الرسولَ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن كان على رأيه، بعتاب لا يخلو من التهديد بالعذاب، فقال عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:67-68]. رواه مسلم (4609).
فهذا مثال بيّنٌ لاجتهاد جماعة المؤمنين، وفيهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، في قضية لم ينزل فيها وحيٌ، متلوٌّ أو غيرُ متلوّ.
3- عن ابن عمر رضي الله عنه: (كَانَ الْمُسْلِمونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَوَاتِ وَلَيْسَ يُنَادِى بِهَا أَحَدٌ فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَرْنًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلاً يُنَادِى بِالصَّلاَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): يَا بِلاَلُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ) رواه البخاري(604)، ومسلم (766).
وجه الدلالة: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شاور أصحابه رضي الله عنهم في أمر الأذان, والأذان حكم شرعي, وقد أخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمشورتهم, وهذا هو عين الاجتهاد الجماعي.
4- عنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: (لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) إِلَى بَدْرٍ، خَرَجَ فَاسْتَشَارَ النَّاسَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَسَكَتَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنَّمَا يُرِيدُكُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنْ وَاللهِ، لَوْ ضَرَبْتَ أَكْبَادَ الإِبِلِ حَتَّى تَبْلُغَ بَرْكَ الْغِمَادِ، لَكُنَّا مَعَكَ) رواه أحمد 3/105.
وجه الاستدلال من الحديث:  أن هذه الواقعة تمثل اجتهاداً جماعياً في حكم الخروج لمقاتلة الأعداء ، وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) شاور الصحابة في ذلك.
4- عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُسَرِّحَ مُعَاذاً إلى اليمَنِ اسْتَشَارَ نَاسَاً من أَصْحَابهِ فِيهم أَبو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثْمَانُ وعَلِيٌّ وطَلْحَةُ والزُّبَيْرُ وأُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ فَاسْتَشَارَهُم، فقالَ أَبو بَكْرٍ: لَوْلا أنَّك اسْتَشَرْتَنَا مَا تَكَلَّمْنَا، فَقَالَ: إنِّي فِيمَا لَمْ يُبْحْ لِي كأَحَدِكُمْ، قالَ: فَتَكلَّم القَوْمُ فَتَكَلَّم كُلُّ إنْسَانٍ برأْيهِ، فقالَ: مَا تَرَى يَا مُعَاذُ؟ قال: أَرَى مَا قالَ أَبو بَكْرٍ، فقالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَكْرَهُ فَوْقَ سَمَائهِ أَنْ يُخْطِأ أَبو بَكْرٍ)، رواه الطبراني في المعجم الكبير 20/67، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/28: رواه الطبراني. وأبو العطوف لم أعرفه، وبقيَّة رجاله ثقات ، وفي بعضهم خلاف.

ثالثا: مشروعية الاجتهاد الجماعي في أقوال الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: 
دلت شواهد كثيرة على ما كان من حرص الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين على الاجتهاد الجماعي وخاصة في حل القضايا المهمة والمسائل الكبرى، التي تنزل بالأمة ، ومن تلك الشواهد:
1- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ الله إنْ نزلَ بنا أمرٌ، ليس فيه بيان أمرٍ ولا نهيٍ؛ فما تأمرني؟ قال: شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تُمضوا فيه رأيَ خاصة.( أخرجه الطبراني في الأوسط برقم (1618). وانظر: مجمع الزوائد ج 1 ص 178، ط 3، دار الكتاب العربي).
2 - وروى الطبراني أيضاً عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنْ عُرِضَ عليَّ أمرٌ، ليسَ فيهِ قضاءٌ في أمرِهِ، ولا سنةٌ، كيفَ تأمُرُني ؟ قال: (تجعلونهُ شُورى بينَ أهلِ الفقهِ والعابدينَ منَ المؤمنينَ ولا تقضِ فيهِ برأيكَ خاصّة) (المصدر السابق، المكان نفسه. وانظر إعلام الموقعين، لابن قيّم الجوزية، ج1 ص 65، وهذا الخبر مشهور في كثير من المصادر عن علي أيضاً).
3- عَنْ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: (كَانُوا إِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ قَضِيَّةٌ لَيْسَ فِيهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) أَثَرٌ، اجْتَمَعُوا لَهَا وَأَجْمَعُوا، فَالْحَقُّ فِيمَا رَأَوْا، فَالْحَقُّ فِيمَا رَأَوْا) رواه الدارمي(106).
4- عن مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: (كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ نَظَرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ مَا يَقْضِي بَيْنَهُمْ، قَضَى بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ، وَعَلِمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ سُنَّةً، قَضَى بِهِ، فَإِنْ أَعْيَاهُ، خَرَجَ فَسَأَلَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: أَتَانِي كَذَا وَكَذَا، فَهَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَضَى فِي ذَلِكَ بِقَضَاءٍ؟ فَرُبَّمَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّفَرُ كُلُّهُمْ يَذْكُرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فِيهِ قَضَاءً، فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِينَا مَنْ يَحْفَظُ عَلَى نَبِيِّنَا (صلى الله عليه وآله وسلم) فَإِنْ أَعْيَاهُ أَنْ يَجِدَ فِيهِ سُنَّةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) جَمَعَ رُؤُوسَ النَّاسِ وَخِيَارَهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَإِذَا اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَمْرٍ، قَضَى بِهِ)، رواه الدارمي (161)، والبيهقي في السنن 10/114.
5- عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَيْهِ: (إِنْ جَاءَكَ شَيْءٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَاقْضِ بِهِ وَلَا تَلْفِتْكَ عَنْهُ الرِّجَالُ، فَإِنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَانْظُرْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَاقْضِ بِهَا، فَإِنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَانْظُرْ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَخُذْ بِهِ، فَإِنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ قَبْلَكَ، فَاخْتَرْ أَيَّ الْأَمْرَيْنِ شِئْتَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَجْتَهِدَ بِرَأْيَكَ ثُمَّ تُقَدَّمَ فَتَقَدَّمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَتَأَخَّرَ، فَتَأَخَّرْ، وَلَا أَرَى التَّأَخُّرَ إِلَّا خَيْرًا لَكَ)، رواه الدارمي (167)، والبيهقي في السنن الكبرى 10/115.
6- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ, رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ, حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ, لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ, وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ؛ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ, قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِيَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ, فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ, وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ, فَاخْتَلَفُوا, فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ، وَلاَ نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ, وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ, وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم, وَلاَ نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ, فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي, ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِيَ الأَنْصَارَ, فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي, ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِيَ مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ, مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ, فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ، فَقَالُوا : نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ، وَلاَ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ...) رواه البخاري (5729) ، ومسلم (5837).
7- عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: (أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ بِنَعْلَيْنِ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ أُتِيَ أَبُو بَكْرٍ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَصَنَعَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أُتِيَ عُمَرُ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَاسْتَشَارَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ: أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا أَقَلَّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ ثَمَانِينَ) رواه البخاري (6773) ، ومسلم (4472).
8- عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فِي إِمْلاَصِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: قَضَى النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بِالْغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، فقال: ائْتِ مَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ، فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَضَى بِهِ) رواه البخاري (2105)، ومسلم (1186).
9- عنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: (كَانَ مَجْلِسُ عُمَرَ مُغْتَصًّا مِنَ الْقُرَّاءِ شَبَابًا كَانُوا أَوْ كُهُولا، فَرُبَّمَا اسْتَشَارَهُمْ فَيَقُولُ: لا يَمْنَعُ أَحَدًا مِنْكُمْ حَدَاثَةُ سِنِّهِ أَنْ يُشِيرَ بِرَأْيِهِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ عَلَى حَدَاثَةِ السِّنِّ وَلا قِدَمِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ) رواه عبد الرزاق في المصنف 11/440.
10- عَنْ مَسْلَمَةَ بنِ مَخْلَدٍ: أَنَّهُ قَامَ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَمِّي، أُكْرِهْنَا عَلَى الْقَضَاءِ، فَقَالَ زَيْدٌ: اقْضِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَفِي سُنَّةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَادْعُ أَهْلَ الرَّأْيِ، ثُمَّ اجْتَهِدْ وَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ، وَلا حَرَجَ)، رواه البيهقي في السنن 10/115.
فهذه وقائع مختلفة تدل على حرص الصحابة على الاجتهاد الجماعي والتشاور فيما بينهم في الأحكام الشرعية، وذلك بقصد الوصول إلى مراد الله في المسائل العامَّة.

رابعا: مشروعية الاجتهاد الجماعي من المعنى([18]).
يمكن أن يستدل على مشروعية الاجتهاد الجماعي من المعنى، وذلك من وجهين:
1-القياس على الاجتهاد الفردي: فكما أن الاجتهاد الفردي مشروع، فيقاس عليه الاجتهاد الجماعي, بجامع: توفر شروط الاجتهاد في كليهما، بل إن توفر شروط الاجتهاد في الجماعة آكد، وتحقق الغاية فيها أقرب.
  2-أن الاجتهاد الجماعي داخل في الشورى، فقد دلت الأدلة على مشروعية الشورى والأمر بها –خاصة عند الأزمات والقضايا المهمة- والاجتهاد الجماعي داخل في الشورى، وينبغي أن يكون مشروعاً ومأموراً به, بجامع البحث عن الرأي والصواب في كليهما، كما أن الاجتهاد الجماعي يبحث في الأحكام الشرعية، وهي أولى ما تعقد لها مجالس الشورى.

المبحث الرابع
الاجتهاد الجماعي في العصر الحاضر

مرحلة إحياء الاجتهاد الجماعي والدعوة إليه:
مر الاجتهاد الجماعي في تاريخه بمراحل أربع: الأولى: بدايته على يد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، فكانوا يجمعون رؤوس النــاس من ذوي الرأي في المسجد، فيستشيرونهــم في الأمـــور الخطيــرة، واستمر في بعض عصور الدولة الأموية،  ثم توقفه وهيمنة الاجتهاد الفردي، فكان كل مجتهد يستقل برأيه وفهمه في اجتهاده، ثم الدعوة إلى وقف الاجتهاد عموماً بسبب خوف أتباع المذاهب الأربعة في القرن الرابع وما بعده من دخول من ليس أهلا للاجتهاد والنظر، ثم المرحلة الرابعة، وهي فترة اشتداد الحاجة إِليه في العصر الحديث، واهتمام العلماء بالدعوة إِليه وتنشيطه، ليكون هو سبيل الأمة في معالجتها لقضاياها المعاصرة وتقنين نظمها وتشريعاتها.
وقد أدرك كبار علماء العصر ضرورة الانتقال من الاجتهاد الفردي إلى الاجتهاد الجماعي، لكثرة الحوادث المستجدة التي لم يسبق فيها رأي ولا اجتهاد، ولها أهمية كبرى في حياة الناس، وتحمل في طياتها الكثير من التعقيد والملابسات والتداخل مع قضايا وعلوم أخرى، ولم تعد من البساطة بالشكل الذي كانت عليه من قبل، بل صارت القضية الواحدة موضوعًا لأكثر من تخصص في علوم الاجتماع والاقتصاد والسياسة والقانون والتربية وغير ذلك من العلوم، ولا يمكن النظر فيها من خلال علم واحد، بل لابد من النظر فيها من خلال كل العلوم المتصلة بتلك القضية، وهذا لن يقوم به إلا جماعة، ويصعب ­إن لم يتعذر­ أن يقوم به فرد، لأنه ليس بالإمكان أن يجمع شخص واحد بين المعرفة للعلوم الشرعية بالصورة التي اشترطها الأصوليون وبين المعرفة المتخصصة لمشاكل البيئة والعصر، فكان لابد من أن يكون الاجتهاد في هذه القضايا من خلال مجموعة تتكامل فيها الثقافات بحيث يضم مجلس الاجتهاد العلماء المتخصصين في العلوم العصرية إلى جانب العلماء المجتهدين في العلوم الشرعية فيكمل أعضاء المجلس بعضهم بعضًا، وتحدث الإحاطة بالمسألة من كل جوانبها وملابساتها ومتعلقاتها، وبذلك تتحقق مهمة الاجتهاد على أكمل وجه وأتمه.
ومن هنا فقد دعا إلى ضرورة إحياء الاجتهاد الجماعي ووجود مؤسساته، جماعة من العلماء المعاصرين ومن أبرز المنادين، الطاهر بن عاشور، مصطفى الزرقا، أحمد محمد شاكر، سماحة الشيخ محمد علي التسخيري، ومحمد يوسف موسى، يوسف القرضاوي، وغيرهم كثير...
مرحلة التحقيق والتجسيد: استجابة لدعوات العلماء والباحثين بأهمية الاجتهاد الجماعي، واحتياج الأمة إليه في قضاياها، فلم تمض مدة وجيزة حتى آتت تلك النداءات ثمارها عند علماء هذا العصر وأهله، فخرج إلى الوجود عدد من المجامع والهيئات واللجان الفقهية الشرعية والعملية، منها:
1- مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في مصر:
أنشئ سنة 1381هـ-1961م، بموجب القانون 103 المتعلق بتطوير الأزهر، على أن يرأسه شيخ الأزهر، وأن يكون له أمين عام، ويضم عدة لجان: لجنة القرآن، ولجنة البحوث الفقهية، ولجنة إحياء التراث الإسلامي، ولجنة الدراسات الاجتماعية، وقد انعقد أول مؤتمر له سنة 1964م.
٢−  هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية:
ألفت بموجب أمر ملكي عام ١٣٩١ هـ، ومهمتها إبداء الرأي فيما يحال إليها من ولي الأمر لأجل بحثه وتكوين الرأي المستند إلى الأدلة الشرعية فيه، وتنعقد جلساتها كل ستة أشهر ويرأسها سماحة المفتي العام للمملكة، وتتفرع عنها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
٣−  اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية:
تتفرع عن هيئة كبار العلماء ، ويختار أعضاؤها من بين أعضاء الهيئة بأمر ملكي، ومهمتها إعداد البحوث وتهيئتها للمناقشة من قبل الهيئة وإصدار في الشؤون الفردية بالإجابة عن أسئلة المستفتين دون تقيد بمذهب معين، وقد جمعت فتاوى اللجنة في مجلدات تيسيراً لمن أراد الإطلاع والإفادة.
4- المجمع الفقهي الإسلاميِّ التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة:
أنشئ هذا المجمع عام 1398هـ، ويتكون المجمع من رئيس ونائب وعشرين عضواً من العلماء المتميزين بالنظر الفقهي والأصولي، وله إدارة تقوم على الإعداد للجلسات وتلقي المقترحات، وإعداد البحوث ونشر المقررات التي تصدر عنه، وإصدار مجلة المجمع الفقهي، وهو من الناحية التنظيمية ينتمي إلى رابطة العالم الإسلامي التي تتخذ من مكة المكرمة مقرًا لها.
5- مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي:
تأسس مجمع الفقه الإسلامي الدولي تنفيذا للقرار الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث "دورة فلسطين والقدس" المنعقد في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية في الفترة من 19 – 22 ربيع الأول 1401هـ
وانعقد  المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة فيما بين 26 و 28 شعبان 1403 هـ وبانعقاد المؤتمر التأسيسي أصبح المجمع حقيقة واقعة باعتباره إحدى الهيئات المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي.
ويتألف المجمع من علماء بارزين تعينهم الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي ممثلين لها في مجلسه، وقد قام هذا المجمع وانضم إلى عضويتــه نخبــة من كبــار الفقهــاء، وممثلين للعديــد من المؤسســـات المجمعيـــة الفقهية في الدول الإسلامية وغير الإسلامية.
ويجتمع مجلس المجمع في دورة سنوية، ومقره الرئيس في محافظة جدة، ويقوم بدراسة مشكلات الحياة المعاصرة، والاجتهاد فيها لتقديم الحلول النابعة من الشريعة الإسلامية.
6- المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) في قم:
تم أسيسه بعد الثورة الإسلامية بجمهورية إيران، بقيادة الإمام الخميني رحمه الله، ويهدف إلى التعريف بمدرسة أهل البيت الرسالية ونشر علومهم وثقافتهم الإسلامية هدفاً سامياً على مدى التاريخ.
مستهدفاً ذلك الهدف السامي وتحقيقاً للوحدة الإسلامية على أساس الثقلين: كتاب الله تعالى، وعترة نبيّه (صلى الله عليه وآله) اللذين لن يفترقا إلى يوم لقاء الله.
وتتنوّع نشاطات المجمع بين التأليف والتحقيق للتراث والترجمة للاصدارات الاسلامية النافعة بعدّة لغات عالمية.
7-  مجمع الفقه الإسلامي في الهند:
أنشئ هذا المجمع عام ١٩٨9م ، ويهدف إلى البحث عن الحلول لمستجدات العصر والمشاكل الناجمة عن ذلك وفق الأطر الإسلامية، ويشارك في ندوات المجمع السنوية نخبة من العلماء يزيد عددهم عن ستمائة عالم معظمهم من الهند، وعقدت الندوة الأولى له في نيودلهي عام ١٩٨٩ م، وقد جمعت قراراته وتوصياته في كتاب طبع باسم  (قضايا معاصرة) في العام ١٤٢٠ هـ.
8−  مجمع الفقه الإسلامي بالسودان:
صدر نظام هذا المجمع وتم اعتماده في شهر شعبان عام ١٤١٩ هـ، ويضم مجلسه أربعين عضوًا من الفقهاء والعلماء والخبراء جميعهم من جمهورية السودان، وله هيئة للمستشارين من ممثلي المجامع الفقهية والبحثية من خارج السودان وقد عقد المجمع مؤتمره الأول عام ١٤٢٢ هـ.
وتصدر عن المجمع مجلة حولية تتضمن بحوثًا فقهية وبعض قرارات المجمع، وقد صدر العدد الأول من المجلة عام ١٤٢٢ هـ.
9−  رابطة علماء المغرب:
تعنى ببحث المسائل الفقهية المعاصرة والنوازل، وتجمع معظم علماء المغرب، ومقرها الرباط، وتصدر عنها مجلة باسم مجلة الرباط.
10−  قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية في الكويت:
يتبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت، وقد صدرت عنه مجموعة الفتاوى الشرعية في عدد من المجلدات.
11 ـ الهيئة الشرعية العالمية للزكاة:
ومقر هذه الهيئة الكويت، وقد تم تأسيسها في سنة 1408هـ-1987م، وقد عنيت بإقامة المؤتمرات والندوات المتخصصة بقضايا الزكاة، وتجمع في عضويتها فقهاء شرعيين معنيين، وعلماء الاختصاصات ذات الصلة بها.
12−  المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث:
وهو هيئة علمية متخصصة مستقلة، مقرها في أيرلندا، وقد عقد لقاؤه التأسيسي عام ١٤١٧ هـ، في لندن بدعوة من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، ويهدف المجلس إلى إيجاد التقارب بين علماء الساحة الأوروبية، ويعمل على توحيد الآراء الفقهية فيما بينهم, وإصدار فتاوى جماعية تسد حاجة المسلمين في أوروبا، وإصدار البحوث والدراسات الشرعية في المستجدات على الساحة الأوروبية.
13 − مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا:
وهو مؤسسة علمية تسعى لبيان أحكام الشريعة فيما يعرض للمقيمين في أمريكا من النوازل، وقد عقد الاجتماع التأسيسي للمجمع بمدينة واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية سنة1423هـ 2002 م.
وهذه المؤسسات تحكمها أنظمة ولوائح داخلية تختلف من مؤسسة إلى أخرى لكنها جميعاً تعتمد منهج الاجتهاد الجماعي القائم على التشاور والتذاكر في القضايا التي تكون مطروحة للنقاش وإبداء الرأي، ويتبع هذه المؤسسات- في الغالب- لجان للبحوث الشرعية تمدها بما تحتاج إليه من الدراسات والبحوث المتخصصة، وقد تستكتب في بعض الأحيان أساتذة وأكاديميين متخصصين لتقديم بحوث أو أوراق عمل تتعلق بالمسألة المطروحة، وقد تستعين بذوي الاختصاص والخبراء من اقتصاديين، أو أطباء، أو نحوهم، من أجل إعطاء التصور الدقيق للواقعة أو للمسألة الجديدة.

الخـاتمـة
 وفي خاتمة هذا البحث أسجل أهم النتائج التي توصلت إليها وفيها بعض التوصيات، وذلك من خلال النقـاط التاليـة:
1- الاجتهاد ضرورة حتمية في التفاصيل والجزئيات، والأحداث والوقائع اللامتناهية، حتى لا تقف الشريعة عند أداء مهمتها في التشريع والتقنين، وحتى تكون صالحة لاستيعاب مستجدات الأحداث.
2-  إن نظام الاجتهاد الجماعي ضرورة من ضرورات العصر بسبب التخصص الدقيق وبسبب تنوع القضايا المتعددة التي يستلزم النظر فيها، إلماماً بكافة وجوه المسألة، ولتفادي الوقوع في الخطأ والزلل في حالة الاجتهاد الفردي.
3- إن الاجتهاد الجماعي كان معمولاً به في عصور الصحابة الكرام ومن بعدهم من خلال مبدأ المشاورة، وتبادل الرأي.
4- إن مؤسسات المجامع الفقهية هي وجه من وجوه الاجتهاد الجماعي ملائم لزماننا وفيها كثير من الفقه الحي المتطور.
5- المطلوب من العلماء في المجامع الفقهية أن يتحلوا بروح التجديد والمواكبة والمعاصرة المنضبطة بقواعد الشرع ومقاصده، فيحملوا لواء التجديد لا في تغيير النصوص ، بل في طريقة فهمها بما يناسب الحال المعاصر للمسلمين.
6- التنسيق بين المجامع الفقهية المنتشرة يقوي عملها، ويزيدها حيوية ويعين على التقريب بين مذاهب المسلمين واجتهادات علمائهم، ويمنع من تضارب الفتاوى أو القرارات الصادرة عن أبي مجمع أو مركز فقهي.
هذه هي أهم النتائج والتوصيات التي توصلت لها من خلال هذا الموضوع المهم ، وأسأل الله أن يُوفّق الجميع لخدمة دينه القويم، وأن ينفع بهذا البحث، وأن يغفر لي ما فيه من خلل أو تقصير إنه حسبي ونعم الوكيل، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قـائمة بأهم المصادر والمـراجع
1- الاجتهاد الجماعي في تونس والمغرب والأندلس، تأليف الأستاذ الدكتور: محمد بن الهادي أبو الأجفان (منشور ضمن أبحاث ندوة الاجتهاد الجماعي في العالم الإسلامي- مجلة كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة، العدد الخاص بأبحاث الندوة).
2- الاجتهاد الجماعي في مصر (مجمع البحوث الإسلامية)، تأليف الأستاذ الدكتور: عبد الفتاح بركة (منشور ضمن أبحاث ندوة الاجتهاد الجماعي في العالم الإسلامي – مجلة كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات- العدد الخاص بأبحاث الندوة).
3- الاجتهاد الجماعي في هيئة كبار العلماء ولجنة الإفتاء في المملكة العربية السعودية، تأليف الأستاذ الدكتور: عبد الله المطلق (منشور ضمن أبحاث ندوة الاجتهاد الجماعي في العالم الإسلامي – مجلة كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات – العدد الخاص بأبحاث الندوة).
4- الاجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية في تطبيقه، تأليف الأستاذ الدكتور شعبان محمد إسماعيل، دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1418هـ.
5- الاجتهاد في الشريعة الإسلامية ( الكتاب ضمن موقع الشيخ القرضاوي على شبكة الإنترنت ).
6- الاجتهاد الجماعي المنشود ، تأليف الأستاذ عبد المجيد السوسوة الشرفي، كتاب الأمة العدد 62 ذي القعدة السنة الرابعة عشرة.
7- الاجتهاد الجماعي - واقعه ، آفاقه، تأليف نايف بن عمار آل وقيان (البحث منشور على شبكة الإنترنت ).
8- الاجتهاد الجماعي وأهميته في نوازل العصر، تأليف الأستاذ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد ،  قدم في مؤتمر الفتوى وضوابطها المنعقد في المجمع الفقهي الإسلامي سنة 1429  وهو منشور على شبكة الانترنت.
9- الإحكام في أصول الأحكام، للإمام الآمدي، تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى، 1424هـ.
10- إرشاد الفحول، للإمام محمد بن علي الشوكاني، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، بيروت، 1419هـ
11- تاريخ التشريع الإسلامي، تأليف الأستاذ مناع القطان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض.
12- التشريع والفقه الإسلامي، تأليف الأستاذ مناع القطان، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الخامسة، 1422هـ.
13- في فكرة الاجتهاد الجماعي، تاريخاً وواقعاً ، تأليف الأستاذ الدكتور قطب سانو من موقع:
www.drsano.net/papers/aa                      
14- مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة نموذج للاجتهاد الجماعي، تأليف الأستاذ الدكتور: عبد الله إدريس ميغا (منشور ضمن أبحاث ندوة الاجتهاد الجماعي في العالم الإسلامي، مجلة كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة-العدد الخاص بأبحاث الندوة).
15- المدخل إلى الشريعة والفقه الإسلامي ، تأليف الأستاذ الدكتور عمر الأشقر، ط الأولى 1425-2005 هـ، دار النفائس، الأردن.
16- المستصفى للغزالي مع فواتح الرحموت، دار الأرقم، بيروت.
17- النوازل الأصولية، تأليف الأستاذ الدكتور أحمد بن عبد الله بن محمد الضويحي، منشور على شبكة الانترنت.

 

-----------------------------------------

([1])  لسان العرب لابن منظور 2/395 .

([2]) الصحاح للجوهري 2/461 .

([3]) المستصفى للغزالي 2/382 .   

([4]) المحصول في علم الأصول للرازي 6/6 .    

([5])  نهاية السول في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول للأسنوي 2/1-25 .

([6])  الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 2/197-198 .

([7]) إرشاد الفحول للشوكاني 2/205 .

([8]) مجلة دراسات العلوم الإنسانية ص 14/215 العدد العاشر 1987م ، بحث للعيد خليل مدرس في قسم الفقه بكلية الشريعة ، جامعة الأزهر .

([9]) فقه الشورى والاستشارة لتوفيق الشاوي ص 242 . نقلاً من كتاب: في الاجتهاد الجماعي المنشود ، نقلا من موقع قطب سانو .

([10]) الاجتهاد الجماعي لعبد المجيد السوسوة الشرفي ص 46 . نقلاً من موقع: www.islamweb.net/umma/62/uma-62-cno-htm 

([11]) هذا التعريف عرفه به المشاركون في ندوة الاجتهاد الجماعي في العالم الإسلامي نظمته كلية الشريعة ، جامعة الإمارات العربية المتحدة في الفترة من  21-23 ديسمبر 1996م . نقلاً من الاجتهاد الجماعي المنشور ص5 ، د. قطب سانو .

([12]) في الاجتهاد الجماعي المنشود نقلاً من موقع: www.drsano.net/papers/mari.html

([13]) الاجتهاد في الشريعة الإسلامية (الكتاب ضمن موقع الشيخ القرضاوي على شبكة الإنترنت ).

([14]) مقاصد الشريعة الإسلامية ، للعلامة محمد الطاهر بن عاشور ص408 ، دار النفائس ، الأردن .

([15]) تاريخ الفقه الإسلامي ، للدكتور محمد يوسف موسى ، ص18 ، دار الكتب الحديثة بالقاهرة .

([16]) الاجتهاد الجماعي لعبد المجيد السوسوة الشرفي نقلاً من موقع:( www.islamweb.net).

([17]) نقلا من بحث للدكتور صالح بن حميد بعنوان: (الاجتهاد الجماعي وأهميته في نوازل العصر) قدم في مؤتمر الفتوى وضوابطها المنعقد في المجمع الفقهي الإسلامي سنة 1429 ، وهو منشور على شبكة الانترنت .     

([18]) نقلا من بحث للدكتور صالح بن حميد بعنوان: (الاجتهاد الجماعي وأهميته في نوازل العصر) قدم في مؤتمر الفتوى وضوابطها المنعقد في المجمع الفقهي الإسلامي سنة 1429 ، وهو منشور على شبكة الانترنت .

ارسال نظر