الشيخ عبد المتعال الصعيدي
الشيخ عبد المتعال الصعيدي
الأستاذ المساعد بكلية اللغة العربية في القاهرة
1313 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
من الشيوخ الثائرين في الأزهر، ذوي الآراء الإصلاحية التقدمية، وهو من بينهم يمتاز بميل إلى التجديد وعكوف على البحث والتأليف. ولد في قرية «كفر البخيا» من أعمال مركز اجا بمديرية الدقهلية، ثم انتسب إلى الجامع الأحمدي فدرس على النظام الحديث وألف كتابا سماه «نقد نظام التعليم الحديث للأزهر الشريف»«بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح» أربعة أجزاء «الكميت بن زيد شاعر العصر المرواني»«تجديد علم المنطق في شرح الخبيصي على التهذيب»«شباب قريش في العهد السري للإسلام»«الميراث في الشريعة الإسلاميّة والشرائع السماوية»«لماذا أنا مسلم»«النحو الجديد» «القضايا الكبرى في الإسلام»«السياسة الإسلاميّة في عهد النبوة»«النظم الفني في القرآن» «في ميدان الاجتهاد»«الوسيط في تاريخ الفلسفة الإسلاميّة»«المنطق المنظم في شرح الملوى على السلم» «تعليقات على شرح السراجية في الميراث»«دراسات إسلامية»«المجتهدون في الإسلام»«تاريخ الإصلاح في الأزهر»«الاجرمية العصرية»«زبد العقائد النسفية مع شرحها وحواشيه»«البلاغة العالية في علوم البلاغة»«أبو العتاهية الشاعر العالمي»«الفقه المصور في أحكام العبادات»«زعامة الشعر الجاهلي بين امريء القيس وعدى بن زيد» «روائع النظم والنثر» إلى كتب أخرى مخطوطة لم تقدم للطبع (1).
________________________
1 ـ الأزهر في ألف عام 3: 181.
هذا فضل كبير لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يكون هو أول واضع لأساس التقريب بين المذاهب حتّى لا يكون الاختلاف في الرأي مما يدعو إلى تفريق كلمة الأُمة، وإثارة العداوة بين طوائفها المختلفة بل تبقى لها وحدتها مع الاختلاف في الرأي ويعيش فيها المختلفون في الرأي أخوانا متحابين. يترك كل واحد منهم أخاه ورأيه لأنه إما مصيب مأجور، وإما مخطيء معذور، أو يجادله بالتي هي احسن، فلا يكون في جدالهما تعصب للرأي وإنّما يكون القصد منه الوصول إلى الحق، لا المغالبة والانتصار.
وانه افضل أي فضل لابن عم الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ لا يقل عن فضله في شرف نسبه وقربه من صاحب الرسالة ولا عن فضله في سبقه غيره إلى الإيمان به وهو غلام صغير فكان به أهدى من كل صغير وكبير ولا عن فضله في جمعه بين الجهاد بالرأي والجهاد بالمال والجهاد بالسيف.
كان الخلاف على خلافة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أو خلاف وقع بين المسلمين، فانه لما قبض النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة سيد الخزرج وأرادوا أن يبايعوه بالخلافة فذهب إليهم أبو بكر الصديق في نفر من المهاجرين ودار بين الفريقين جدال في هذا الأمر وكان جدالا عنيفا كاد يصل إثارة الحرب بينهما وأبى سعد بن عبادة أن يبايع أبا بكر وقال: والله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتّى اعرض على ربي، وأعلم حسابي، فتركوه حقنا لدماء المسلمين، حتّى مات في خلافة عمر ولم يبايع له ولا لأبي بكر.
وقد تخلف جماعة من بني هاشم عن بيعة أبي بكر، وانضم إليهم الزبير بن العوام وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب، وأبي ابن كعب، ومالوا مع علي ابن أبي طالب وقال عتبة بن أبي لهب:
مـا كـنـت احـسب أن الأمر منصرف *** عـن هـاشـم ثـم مـنـهم عن أبي حسن
عـن أول النـاس إيـمـانـا وسـابـقـة *** واعـلـم الـنـاس بـالـقـرآن والـسنن
وآخـر النـاس عـهـدا بـالنـبـي ومـن *** جـبـريـل عـون لـه فـي الغسل والكفن
فبعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه. فخرج علي حتّى أتى أبا بكر فبايعه. وقيل انه لم يبايعه حتّى ماتت فاطمة وذلك بعد ستة اشهر لموت النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ فأرسل علي إلى أبي بكر فاتاه في منزله فبايعه، وقال له: ما نفسنا عليك ما ساقه الله إليك من فضل وخير، ولكنا نرى أن لنا في هذا الأمر شيئا فاستبدت به دوننا وما ننكر فضلك، وهذا صريح في أن عليا حين بايع أبا بكر لا يزال على رأيه في انه أحق بهذا الأمر منه، ولكنه رأى أن يجمع الكلمة بمبايعته له، وألاّ يجعل رأيه سببا في الفرقة بين المسلمين، ليضرب بهذا على مثل لهم في التسامح عند الخلاف في الرأي، وفي أيثار المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، إن صح أن نذهب إلى انه كان له في رأيه مصلحة تعود عليه وحده، والحق انه كان يرى هذا لأنه كان يرى انه هو وآله اقدر على مصلحة الناس من غيرهم. لقرب صلتهم بالنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لأنه يقوم بها وازع نفسي يجعلهم اقرب إلى إيثار العدل وايمل إلى إنصاف الناس.
وما أن بايع علي أبا بكر حتّى حبس رأيه في انه أحق منه بالخلافة في نفسه فاخلص له في سره وجهره، ولم يضمر حقدا عليه ولاضغنا، ولم يحاول أن يكيد له أو يتآمر به، بل وقف منه في حرب الردة موقفا يدل على كمال الإخلاص. كذلك كان شأنه مع عمر بن الخطاب حين عهد إليه أبو بكر بالخلافة بعده وكذلك كان شانه مع عثمان بن عفان حين آلت إليه الخلافة بعد عمر في قصة الشورى المعروفة. وكان علي يرى انه تخطى فيها عن مؤامرة وحتى لما أراد الناس أن يبايعوه بعد عثمان لم يسرع إلى قبول بيعتهم ولم ير أن الفرصة قد سنحت له لتحقيق رأيه لأنه لم يكن يراه لمصلحة نفسه بل كان يراه لمصلحة المسلمين، فامتنع ممن عرض عليه البيعة ولم يجبهم إلاّ بعد أن الحوا عليه ورأى لابد أن يقبل ليجمع ما تفرق من كلمة المسلمين.
وقد كان هذا شانه أيضاً مع من خالفه من أصحابه في مسألة التحكيم بينه وبين معاوية. وقد اعتزلوه وحكموا بما حكموا به عليه لقبوله ذلك التحكيم، مع انه لا شيء في قبوله من جهة الدين، ولكنهم كانوا قوما متنطعين متشددين في دينهم فلم يحكم علي عليهم بما حكموا به عليه، بل قال لهم: أن لكم ثلاثا صاحبتموننا: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء مادامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتّى تبدأونا.
وليس بعد هذا تسامح في الرأي، بل هو المثل الأعلى في التسامح ولكنه كان مع قوم متنطعين في دينهم لا يعرفوا فضل التسامح عند الخلاف في الرأي بل يأبون إلاّ أن يجعلوه وسيطة تقاطع وتدابر، فأصروا على نداءهم وتقاطعهم وأبو إلاّ التمادي في غيهم، فسلطوا عليه عبد الرحمن بن ملجم فطعنه غلية وقد جمع علي أولاده قبل أن تفيض روحه، فأمرهم أن يطيبوا طعام قاتله، ويلينوا فراشه فان يعش فهو ولي دمه، عفوا أو قصاصا وان يمت الحقوف به ليخاصمه عند ربه ثم نهاهم أن يعتدوا عليه أو يمثلوا به، وانه ليمضي في ذلك انصاف لمن يخالفه مع طعنه له هذه الطعنة القاتلة، ليكن لنا في حياته ومماته أعلى مثل في الجمع بين الاستمساك بالرأي وانصاف المخالف فرحمه الله إماما للمنصفين في الخلاف وقدوة للمتسامحين في الدين(1).
_______________________
1 ـ راجع رسالة الإسلام 3: 59، 179، 307، 434 و4: 49 ، 193 و5: 307، 418 و6: 97، 296، 382 و 7: 35، 291، 246و 8: 83، 303، 390 و 9: 189، 304 و 10: 83، 316، 406 و 11: 99 و 12: 185. 356 و 13: 185، 322 و 14: 113.