السيد روح الله الموسوي الخميني

السيد روح الله الموسوي الخميني

السيد روح الله الموسوي الخميني
1321 هـ ـ 1410 هـ

 


 

بسم الله الرحمن الرحيم

ولد الإمام الخميني (ره) عام 1321 هـ (1900م) في عائلة علميّة نضاليّة، وصادف يوم مولده، يوم ذكرى ميلاد سيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد، عليهما آلاف التحية والثناء.
وكان والده المغفور له، الشهيد آية الله السيد مصطفى الموسوي، قد أنهى دراسته الدينيّة، في مدينتي النجف وسامراء بالعراق، ورجع إلى بلدته «خمين» في إيران، وهي مسقط رأس الامام الخميني، فتولى هناك القيادة الدينية، إلى أن استشهد في السابعة والأربعين من عمره بِعدّة رصاصات غادرة، عقب اشتباك مسلح مع الجناة غير انّه بقي ذكره عامرا بثلاثة أبناء وثلاث بنات خلفا بعده.
يتمتع الإمام الخميني بذكاء وكفاءات كبيرة، حيث انه بدأ الدراسة منذ السنوات الأولى من طفولته، وكان الميرزا محمود هو أوّل من قام بتعليمه القراءة والكتابة في دار سماحته.
ثم واصل دراسته عند أستاذ آخر يدعى (ملاّ قاسم)، كما تتلمذ بعد ذلك عند الشيخ جعفر والأستاذ حمزة محلاتي الذي تعلّم الخطّ وتدرّب على أنواعه على يده.
بل انّ سماحته فيما يذكر، قد أنهى دراساته الفارسيّة قبل أن يكمل عامه الخامسة عشرة.
ثم بعده شرع في تلقّي العلوم الإسلاميّة، إذ درس في البدء عند أخيه الأكبر، آية الله «بسنديده»، حيث تعلم لديه الصرف والنحو وأنهى المقدمات.
وتوجه بعد ذلك إلى مدينة «اراك» للدراسة على اساتذتها الاجلاّء، اراك التي كانت فيها يومذاك حوزة علمية متألّقة جدا، بزعامة آية الله الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، والتي كانت تحتضن مجموعة من الأساتذة الكبار.
وحينما نقل آية الله الحائري اليزدي، الحوزة العلميّة من هذه المدينة، إلى مدينة (قم) المقدسة غادر الامام الخميني بدوره مدينة اراك، متوجها إلى (قم) المعصومة، واقام في مدرستها (دار الشفاء) الدينيّة.
واستطاع سماحته بيُسر من مواصلة دراساته الفقهية والعلمية إلى بلوغ المستويات العالية، وأن يشترك في المحاضرات العلمية، التي كان يلقيها آية الله الحائري، كما استطاع أن ينُمّي بجد قدراته الفقهيّة والعلميّة لينال درجة الاجتهاد الأمر الذي ـ وبعد وفاة آية الله الحائري ـ مكّن الإمام الخميني لأن يعد في زمرة المجتهدين والعبقريات العلمية المعاصرة له.
فهو بالإضافة إلى ما يمتاز به من مستوى فقهي رفيع، فانّ له إلماما وخبرة تامة في علوم العرفان والحكمة والفلسفة والفلك وغيرها.
وفي الوقت الذي كان يقوم فيه بالدرس والبحث والتفقه في العلوم الإسلاميّة في الوقت نفسه ومنذ أوائل شبابه كان يسعى إلى تهذيب النفس، باحثا عن المثل الكريمة والفضائل النبيلة والأخلاق السامية، حتّى انه كان منذ باكورة شبابه، يقف في صفوف التقاة والصالحين، ويحظى بسمعة ومكانة مرموقة بين شخصياتهم الحوزوية وبقية رجالات المجتمع في مدينة قم.
نعم كان الامام الخميني (ره) يهتم وبشكل مدروس منذ سنوات شبابه بأداء الواجبات الدينيّة والتمسك بالتعاليم والأحكام الإسلاميّة، حيث عرف عن سماحته انّه كان كثيرا ما يبقى ساهرا حتّى منتصف الليل من أجل القيام بعبادة الله تعالى.
انه كان يفرض على كل تصرفاته وأعماله وحركاته انضباطا خاصا، ولعلّه قليلا ما يوجد شخص يستطيع مثل الامام الخميني، أن يؤطر كل شؤون حياته من عباديّة واجتماعيّة وسياسيّة، بإطار نظام ملتزم وأسلوب خاص. طبعا، مع الأخذ بعين الاعتبار، ثقل البيئة التي تربى وتعلم فيها الامام الخميني (ره) ذلك لأن هذه الحياة على أهمية كبيرة، فسماحته قد ولد في عائلة علمية وكل من أبويه تربى وترعرع في عائلة علميّة كما رزق منذ بدء حياته التربية، على روحيّة امرأتين كانتا قدوتين للأخلاق الكريمة في زمانهما، بل وكان أساتذة سماحته، من أجلّ واقدر الأساتذة في أيّامهم.
وعليه، فقد تمكن بما يتحلّى به من ذكاء وفطنة، أن يستفيد استفادة حسنة من بيئته العائليّة النقية، ومن علوم أساتذته الإسلاميّة.
لقد ألف الامام الخميني (ره) كتبا عدّة في مختلف العلوم، علاوة على ما كان يحظى به من مرتبة رفيعة وفريدة أيضاً في ميادين التأليف العلميّة والفقهية والفلسفيّة والشعرية.
فقد ألف كتاب (مصباح الهداية) عندما كان عمره لم يتجاوز السابعة والعشرين عاما فقط، ويعتبر هذا الكتاب فريدا من نوعه في مجال المعارف الإلهية، كما كتب شرحا، وهو في التاسعة والعشرين من عمره لواحد من الأدعية المهمّة من أدعية شهر رمضان المبارك، أريد بذلك: دعاء السحر.
الأمر الذي يدل على مدى تضلعه بالأمور العبادية واللغوية وبقية المعارف الإسلاميّة.
وألف بعد ذلك كتاب (الأربعون حديثا) يحوي 33 حديثا بالأخلاق وسبعة أحاديث أخرى تتعلق بالقضايا العقلية. ومن مؤلفاته الأخرى ما يلي:
1 ـ هامش على نصوص الحكم للقيصري.
2 ـ هامش على مفتاح الغيب.
3 ـ اسرار الصلاة أو معراج السالكين.
4 ـ رسالة في الطب والإرادة.
5 ـ هامش على رسالة حديث ابن الجالوت قاضي سعيد وشرح مستقل لهذا الحديث.
6 ـ كشف الإسراء.
7 ـ شرح لحديث جنود العقل والجهل.
8 ـ آداب الصلاة.
9 ـ رسائل في مجلدين، وتضم قاعدة لا ضرر ولا ضرار، و(الاستصحاب) و(التعادل والتراجيح) و(الاجتهاد) و(التقليد) و(التقية).
10 ـ تحرير الوسيلة (عربية) لسماحته وهي تمثل رسالته العلميّة في مختلف الفروع الفقهيّة التي يلزم على مقلديه، كمرجع مجتهد زعيم فقيه، ان يعملوا بها ويسيروا على ضوئها.
11 ـ البيع، فقد استدلالي، أعى مستوى بحث الخارج، ألقاها سماحته يوم ان كان مبعدا إلى العراق، في مدينة النجف الأشرف، طبع منه أربع مجلدات حتى الآن.
12 ـ كتاب الطهارات ـ في مئة بحث فقهي ـ طبعت منها حتى الآن ثلاثة مجلدات.
13 ـ تهذيب الأصول، وتمثل: (تقريرات في دروس أصول الفقه، التي كتبها العالم الجليل الحاج الشيخ جعفر السبحاني، عند حضوره بحث الخارج للإمام الخميني، وقد طبعت في ثلاثة مجلدات).
14 ـ نيل الاوطار في بيان قاعدة لا ضرر ولا ضرار (تقرير في درس الخارج).
15 ـ توضيح المسائل (فارسية) لمساحته وهي تمثل رسالته العملية في مختلف الفروع الفقهية التي يلزم على مقلديه، كمرجع مجتهد زعيم فقه، ان يعملوا بها ويسيروا على ضوئها.
16 ـ الحكومة الإسلامية ـ أو ولاية الفقيه ـ: وهي مجموعة خطب الإمام الخميني حول طبيعة الحكم الإسلامي التي كان يرسلها من منفاه في العراق إلى الشعب الإيراني النبيل.
17 ـ كفاح النفس أو الجهاد الأكبر: وهي مجموعة خطب الإمام خول الأخلاق.
18 ـ المكاسب المحرمة في مجلدين، وهي بحث فقهي استدلالي.
19 ـ رسالة تشتمل على فوائد لبعض القضايا المعقدة.
20 ـ ديوان شعر (فارسي) وكثير من الخطب والبيانات التي طبعت على شكل دورة شاملة باسم (صحيفة نور) فارسية).
وله في مجال التقريب والتوحيد أبحاث ومناظرات هادفة نذكر سطورا منها:
ـ على جميع الاخوة، الشيعة والسنة أن يجتنبوا أي خلاف بينهم.
ـ يجب أن نعي الحقيقة التالية: إننا مسلمون جميعا وإننا اتباع القرآن والتوحيد.
ـ إن اختلافنا ـ اليوم ـ يعود بالفائدة على أولئك الذين لا يعتقدون بمذهب الشيعة، ولا بمذهب السنة ولا بأي مذهب آخر بل يعملون على محو هؤلاء وأولئك معا.
ـ نحن جميعا اتباع القرآن والرسول الأكرم. إننا جميعا اخوة، لنا وجهة واحدة واتجاه واحد، دين واحد وقرآن واحد.
ـ إني لآمل أن تتجاوزوا عوامل التفرقة بقوتكم وبالمدد الإلهي.
ـ إني لأرجو أن يتآخى المسلمون وكل الشعوب الإسلاميّة ـ اتباعا لأوامر الإسلام والقرآن المجيد ـ ويتعاملون مع أعداء الإنسانية بالشدة ومع الأقطار الإسلاميّة بمبدأ الأخوّة.
وهذا لا يتحقق إلاّ برفع اليد عن الخلافات الجزئية القائمة بين الحكومات ويعيشوا كما يعيش الأخوة.
ـ لا يعرف الإسلام شيئا اسمه (العنصر) وليس فيه عربّي وعجميّ وغير ذلك.
ـ يجب أن ينضوي المسلمون والحكومات الإسلاميّة ويجتمعوا تحت لواء الإسلام والقرآن(1).
ومن رسالة الامام الخميني (ره) إلى الحجيج:
ـ ليست الأيدي الملوثة التي توجد الخلاف بين الشيعة والسنة في الأقطار الإسلاميّة بأيد شيعيّة أو سنية وإنّما هي أيدي استعمارية تعمل على أن تسلبنا أقطارنا الإسلاميّة هذه (2).
ـ لقد صببت جلّ اهتمامي ليكون المسلمون جميعا يدا واحدة على الأعداء اتباعا لما يأمر به الإسلام وجماعة واحدة تحقق ما يرمي إليه الإسلام.
ـ إنّنا نمد يد الأخوّة إلى جميع الشعوب الإسلاميّة ونطلب منها العون والتعاضد لتحقيق الأهداف الإسلاميّة.
ـ آمل أن تنهض الشعوب الإسلاميّة وتتّحد بعد أن مزقتها دعايات الأجانب فإذا البعض منها يقف في قبال البعض الآخر. فإذا اتحدت عملت على تشكيل الدولة الإسلاميّة العظمى تحت لواء (لا اله إلاّ الله ) وانتصرت هذه الدولة على جميع قوى الأرض (3).
________________________________
1 ـ نحو الوحدة الإسلاميّة 47 ـ 48.
2 ـ نحو الوحدة الإسلاميّة 49.
3 ـ المصدر السابق: 51.