السيد هبة الدين الشهرستاني
السيد هبة الدين الشهرستاني
من كبار علماء العراق
بسم الله الرحمن الرحيم
امتاز السيد هبة الدين بين جميع اقرانه بأنه كان أفضل من يقوم بتدريس الهيئة (الجغرافية، الرياضية) وان دراسة المواريث في الفقه مما تلزم الفقهاء بأن يدرسوا من الرياضيات مايكفيهم وكان من أشهر الكتب المخصصة هو (خلاصة الحساب) للشيخ البهائي و(الهيئة السماوية) أيضاً للشيخ البهائي، وقد رأى وجوب توسيع الأفكار الحديثة والدعوة إلى الإصلاح اصدر مجلة (العلم) في النجف ولأول مرة يتخذ من هذه المجلة مدرسة سيارة فألف كتاب (الهيئة والإسلام) و(تحريم نقل الجنائز) وكان السيد هبة الدين محدثا بارعا لا تفوته النكتة ولا يمنعه مانع من أن يساوى بينه وبين الآخرين على الرغم من هيبته والإحساس بشخصيته عند من يزوره، وقد استوزر بوزارة الكَيلاني الثانية وقد تولى رياسة مجلس التميز الشرعي الجعفري وعلاقة السيد هبة الدين بالعالم الإسلامي علاقة متينة، فقد عاش الرجل للإسلام كله وللمسلمين كلهم. كانت تصل إليه من مختلف الأقطار الإسلاميّة استفتاءات وأسئلة واسترشادات وكان يرد عليها (1).
وله في مجال التقريب بعنوان (رمضان رمز تقريب القلوب وتأليف الشعوب):
(كم لهذا الشهر الكريم من ـ مزايا في الدين والتاريخ، فيه بدأ نزول القرآن وهو دستور الإسلام، ومنيع علومه، وحارس شريعته وفيه انتصر المسلمون في أول غزوة وهي غزوة بدر الكبرى، فاستقرت دولتهم وقويت شوكتهم، وأمر أمرهم، واصبحوا أمة ذات سلطان وهيبة، بعد أن كانوا قوما مهاجرين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلاّ أن يقولوا ربنا الله، وفيه ليلة القدر التي هي بنص القرآن خير من ألف شهر.
يمتاز شهر رمضان في الدين والتاريخ بهذه الميزات الثلاث وكل واحدة منها ذات معنى خاص وشان خطير. فأما القرآن الكريم فانه افضل الكتب أنزله على افضل رسله فكان آيته الخالدة على الزمان ولم يكن خلود هذا الكتاب وأعجازه لقوى البشرية راجعا فحسب إلى البلاغة وقوة البيان مما
________________________
1 ـ هكذا عرفتهم 2: 195.
أدى إلى سجود العرب البلغاء له، وخضعهم للرؤوس إذعانا واعترافا، وإنّما كان أيضاً لما أودعه الله إياه من علم وإيحاءات وإرشادات ومن تهذيب للنفوس وتقويم للأخلاق وانه لا ينافي علما ثبتت صحته بالدليل والبرهان ولا يعارض صلاحا يمكن للبشر أن يعتمدوا عليه في ترقية شؤونهم وإقرار السلام والأمن بينهم وما تزال مبادئه ومثله وقواعد أحكامه ومناهجه هي النور الذي يهدي الحيران ويرد الشارد ويضيء آفاق الحياة، ولم يزال كذلك في مستقبل الدهور والأزمان حتّى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
وليس القرآن وسيلة الهدى للعرب فقط وان بدأ بهم، بل اهتدى بأنوار معارفه العالية عامة البشر كما انه ليست الاستفادة من القرآن مقصورة على إصلاح العقائد والعادات فقط بل أقام العالم في توجيههم إلى علوم الطب والطبيعة وأسرار الكائنان وكامنات السماء، وأفاد العرب خصوصا في تقويم اللسان وتقوية البيان وتوسيع فنون اللغة والبلاغة والأدب فإذا أهلّ شهر رمضان فانه يذكر المسلمين بهذا ونبههم إليه تنبيها قويا، وكأني بالقرآن الكريم يطل من علياء سمائه على المسلمين في كل بقعة من بقاع الأرض مع هلال رمضان فيناديهم، أنا الهدى فهل من مهتد ؟ أنا النور فهل من مستضيء؟ أنا شعار مجدكم، وعنوان عزكم، ورمز عظمتكم، أنا هدية الله إليكم، أنا رحمة الله فيكم، أنا المنهاج القويم، أنا الصراط المستقيم، بي تعزون، وبمبادئي تسودون، فاعتصموا بي فأنا حبل الله، واستظلوا بلوائي فأنا ظل الله، وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
فإذا أنصت المسلمون إلى هذا النداء، وأجابوا داعي الله فاصلحوا أنفسهم ورجعوا إلى كتاب ربهم فاجدر بهم أن ينالوا مجد الدنيا ومجد الآخرة. أما إذا استقبلوا القرآن على انه كتاب يتلى لمجرد التعبد بتلاوته أو كان تركيمهم إياهم مقصورا على عدم مسه إلاّ على طهارة أو على حمله تفاؤلا باستصحابه أو دفعا لما يتوقع من أخطار أو كتابة بعض آياته في مصاحف منقشة بخط جميل ورسم جميل وتعليقها على حوائط البيوت والمحال أو كانت عنايتهم به في حدود التمرن البلاغي، والتطبيق الأدبي، كما تدرس النصوص الأدبية دراسة لفظية فأهون بهذا كله وما أبعده عما انزل الله له كتابه العزيز، وفيه إشعار المسلمين بأنهم أمة واحدة لا فرق بين قاصيهم ودانيهم ولا بين غنيهم وفقيرهم يصومون معا ويفطرون معا ويشعر بعضهم بشعور بعض (1).
_____________________________
1 ـ رسالة الإسلام 1: 250.