ـ(169)ـ
في الوعي الغربي، من خلال التفاصيل التي أوردها "لويس برتران" في كتابه "السراب الشرقي" الذي هو ثمرة رحلته للشرق، الذي أصدره عام (1910م)، حيث يقول: (في الفرن شاهدت ولداً بنام عرياناً على الخبز، بينما الذباب يأكل وجهه ويلتصق على حنايا جفونه الوسخة. ثم رأيت حماراً أرعن يسرق رغيفاً كان يشكل وسادة للولد، ويفر بعدها على وجه السرعة،... الشرق!
إنكم لا تعلمون حقيقته ! إنه القذارة، والسرقة، والانحطاط، والاحتيال، والقساوة، والتعصب، والحماقة ! نعم، إني أكره الشرق ! إني أكره الشرقيين.. أكره أولئك المعتمرين بالطرابيش، والمتلهين بالسبحات!)(1).
وعممت هذه الآراء للمستشرقين على الصحافة والعقل الشعبي، فالعرب ـ مثلا ـ يتصورون راكبي جمال إرهابيين، معقوفي الانوف، شهوانيين، شرهين، تمثل ثروتهم ـ غير المستحقة ـ إهانة للحضارت الحقيقية.
وثمة دائماً ـ افتراض متربص: بأن المستهلك الغربي رغم كونه ينتمي إلى أقلية عددية فإنه ذو حق شرعي: إما في امتلاك معظم الموارد الطبيعية في العالم، أو في استهلاكها (أو في كليهما). لماذا ؟ لأنه بخلاف الشرقي، إنسان حق (2).
ومن الجدير بالذكر: أنّ هذا النص يعكس الاتجاه العام لحركة الاستشراق وإن كنا لا نعدم وجود بعض العلماء المنصفين من المستشرقين، الّذين أسهموا في إحياء التراث الشرقي والتعريف العلمي به وإنصاف أهله، كما يتجلى أوضح نموذج لذلك في من اهتدوا إلى الإسلام منهم، ونذروا حياتهم للدعوة إليه، والتعريف بعطائه الحضاري العظيم، مثل: العلامة المرحوم محمّد أسد (ليبولد فايس)، والعشرات من أمثاله.
_______________________________
1 ـ جبور، د. جان. "المشرق في أدب الرحالة الفرنسيين بين حربي 1914 و 1939 م" الفكر العربي. س 5: ع 32 (1983 م)، ص 71، نقلاً عن:
Lowis Bertrand: Lemirage Oriental, Parrin, 1910,P:60.28.
2 ـ سعيد، مصدر سابق، ص 131.