ـ(170)ـ
بيد أنّ الاتجاه العام في حركة الاستشراق اتسم بتكرار استنساخ الصورة التقليدية المزيفة للإسلام والشرق، التي تشكلت أبان الحروب الصليبية في العقل الغربي، وظلت طوال القرون التالية تلهم العقل الاستشراقي، ولم تزل حتّى هذه اللحظة تعمم الموقف السابق للغرب من الإسلام والمسلمين. وليس أدل على ذلك من عمليات الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المسلمون في "البوسنة" على أيدي الصليبين الصرب، بينما يقف الغرب متفرجاً على ذلك، بل داعماً لـه بالمال والسلاح، ولم نر اختلافاً في موقف الغرب الثقافي أو الغرب السياسي أو الغرب العسكري من عمليات إبادة المسلمين في البوسنة.
_ _ _
بقي أنّ نشير إلى وجود طائفة من المثقفين في ديارنا ممن افتتنوا بالغرب، فحاولوا تقليده واستنساخ مواقفه في كلّ شيءٍ حتّى في عدوانيته تجاه أبناء جلدتهم وأهليهم، فتبدو لهم حركات المقاومة للاستعمار والتغريب (جائحة أيديولوجية ووباء نفسياً) (1)، وتغدو دعوة الأصالة واستلهام العناصر الحية الفاعلة في التراث (خطاب ارتداد عن العصر) (2).
وهي لا تعدو إلاّ أنّ تكون (انسحاباً من التاريخ) (3)، (وانبثاق المعتقدات المهجورة)(4). ونموذجاً لـ (الخطاب الهذياني)(5) بحسب تعبيرهم.
لقد انطلق هؤلاء الكتاب من عقدة إزاء مجتمعهم وعقيدتهم، فبات كلّ ما هو آت من الغرب مقدساً لديهم، وكل موروث حضاري وعقائدي (ظلامية)، و(جائحة ايديولوجية)، و(هذياناً) في نظرهم.
____________________________________
1 ـ طرابيشي، جورج. المثقفون العرب والتراث. لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1991 م، ص 11
2 ـ ن. م، ص 11.
3 ـ شايغان، داريوش. النفس المبتورة. لندن: دار الساقي، 1991 م، ص 59.
4 ـ ن. م، ص 49.
5 ـ ن. م، ص 131.