/ صفحه 53/
قال: فلعله بدل غلط: أرادوا أن ينتظروا فتوقعوا غلطاً، كما تقول: اللهم أدخلنى جهنم الجنة. أردت الجنة فقلت جهنم، أو كما يقول النحاة: رأيت زيداً الحمار: أردت الحمار فقلت زيداً.
قلت: هم يفرقون بين بدلى البداء والغلط، فبدل البداء هو ما لا تناسب فيه بين الاثنين، بل هما متباينان لفظاً ومعنى نحو مررت برجل امرأة: أخبرت أولا أنك مررت برجل، ثم بدا لك أن تخبر أنك مررت بامرأة دون ابطال الاول، فكأنهما اخباران، ويمثلون لهذا البدل بحديث أحمد وغيره: ((ان الرجل ليصلى الصلاة وماكتب له نصفها ثلثها)) أخبر أنه يصليها وما كتب له نصفها، ثم أضرب وأخبر أنه يصليها وما كتب له ثلثها.. وأما بدل الغلط فهو ما ذكر فيه الاول دون قصد وانما هو سبق اللسان، وبهذا يفارق بدل البداء الذي يعنى كلا الجزءين فقولنا رأيت رجلا امرأة; صالح لان يكون بدل بداء ان قصدت الخبرين، ولان يكون بدل غلط ان أردت الاخبرا بأنك رأيت امرأة ولكنك غلطت فقلت رجلا.
قال: بخ بخ لك فهذا كلام له مدلول: وهو لعمرى لغة القوم، وما أدراك ما القوم على أن منهم من أنكر بدل البداء وبدل الغلط كليهما، فقالوا في الاول انه مما حذف فيه حرف العطف، وفي الثانى انه لم يوجد قال المبرد: بدل الغلط لايكون مثله في كلام الله ولا في شعر ولا في أثر ولا في كلام مستقيم، وقال خطاب لا يوجد في كلام العرب لا نثرها ولا نظمها وقد عنيت بطلب ذلك في الكلام والشعر فلم أجده، و طلبت غيرى به فلم يعرفه، وادعى محمد بن السيد أنه وجد في قول ذى الرمة:
لمياء في شفتيها حوة لعس * * * وفي اللثات وفي أنيابها شنب
قال: فلعس بدل غلط، لان الحوة السواد بعينه، واللعس سواد مشرب بحمرة، ورد بأنه من باب التقديم والتأخير، وتقديره في شفتيها حوة وفي اللثات لعس، و في أنيابها شنب، وشيخك من هؤلاء الذين لايعرفون بدل الغلط ولا بدل البداء.. على أنه قد يبدو لك، وقد تغلط، فقد شاء الله أن تغلط الناس وأن يبدو لها ما لم يكن قد بدا، ولكن ذلك شىء، والبدل في النحو واللغة شىء آخر.