( عَذَلاً شَبِيْهاً بالجُنونِ كأَنَّما ... قَرأَتْ بِهِ الوَرْهاءُ شَطْرَ كتابِ ) .
لأنَّهم لم يضحَكُوا إِلاَّ من عَدَم التعلُّق ولم يجعلْه أبو تمام جُنوناً إِلاَّ لذلك فانظرْ إِلى ما يلزَمُ هؤلاءِ القوم من طرائِفِ الأمورِ .
فصل وهذا فَنٌّ من الاستدلال لطيف على بُطلان أن تكون الفصاحةُ صفةً لِلَّفْظِ من حيثُ هو لفظ .
لا تخلو الفصاحةُ من أن تكونَ صفةً في اللفظ محسوسةً تُدرَك بالسَّمْع أو تكونَ صفةً فيه معقولةً تُعرف بالقلب . فمحالٌ أن تكونَ صفةُ اللفظ محسوسةً لأنها لو كانت كذلك لكان ينبغي أن يستويَ السامعون للَّفظ الفصيح في العلم بكونه فصيحاً . وإِذا بطَلَ أنْ تكونَ محسوسةً وجبَ الحكمُ ضرورة بأنها صفةٌ معقولة . وإِذا وجَبَ الحكمُ بكونِها صفةً معقولةً فإِنا لا نعرفُ للَّفظِ صفةً يكون طريقُ معرفتها العقلَ دونَ الحسِّ إِلا دلالته على معناهُ . وإِذا كان كذلك لَزِم منه العلم بأنَّ وصفَنا اللفظَ بالفصاحةِ وصفٌ له من جِهَة معناه لا من جهةِ نفسه . وهذا ما لا يبقى لعاقلٍ معه عُذْرٌ في الشكِّ واللهُ الموفِّقُ للصَّوابِ