أنفِهِ " وما سمعتُها من عربيٍّ قبله . لا شُبهةَ في أن وصفَ اللفظ بالعربي في مثلِ هذا يكون في معنى الوصف بأنه فصيح . وإِذا كان الأمرُ كذلك فانظر هل يقعُ في وَهْمِ متوهِّمٍ أن يكونَ Bه قد جعلَها عربية من أجلِ ألفاظِها وإِذا نظرتَ لم تشكَّ في ذلك .
واعلمْ أنك تجدُ هؤلاءِ الذين يشكُّون فيما قلناه تجري على ألسنتهم ألفاظٌ وعباراتٌ لا يصحُّ لها معنى سوى توخِّي معاني النحو وأحكامِه فيما بين معاني الكَلِم . ثم تراهم لا يعلمون ذلك . فمن ذلك ما يقولُه الناسُ قاطبة من أن العاقلَ يرتِّب في نفسه ما يريدُ أن يتكلَّم به . وإِذا رجعنا إِلى أنفسنا لم نجد لذلك معنًى سوى أنه يقصِدُ إِلى قولِكَ ضربَ فيجعلُه خبراً عن زيد ويجعلُ الضربَ الذي أخبر بوقوعهِ منه واقعاً عل عمرٍو ويجعلُ يومَ الجمعة زمانه الذي وقعَ فيه ويجعلُ التأديبَ غرضَه الذي فعل الضربَ من أجله فيقولُ : ضربَ زيد عمراً يوم الجمعة تأديباً له . وهذا كما ترى هو توخِّي معاني النحو فيما بين معاني هذه الكلم . ولو أنك فرضتَ أن لا تتوخَّى في " ضَرَبَ " : أن تجعله خبراً عن زيدٍ وفي عمرٍو أن تجعَله مفعولاً به لضرب وفي يومِ الجمعة أن تجعَله زماناً لهذا الضرب وفي التأديب أن تجعلَه غرضَ زيدٍ من فعل الضرب ما تُصوِّر في عقلٍ ولا وقع في وَهْم أن تكونَ مرتِّباً لهذه الكلم . وإِذ قد عرفتَ ذلك فهو العبرةُ في الكلام كلِّه فمن ظنَّ ظناّ يؤدِّي إِلى خلافِه ظنَّ ما يخرج به عن المعقول .
ومن ذلك إِثباتُهم التعلقّ والاتصالَ فيما بينَ الكلم وصواحِبها تارة ونفيهم لهما أخرى . ومعلومٌ علمَ الضرورة أن لن يتصوَّرَ أن يكونَ للفظةٍ تعلُّقٌ بلفظةٍ أخرى من غيرِ أن تعتبرَ حالَ معنى هذه مع معنى تلك . ويراعى هناك أمرٌ يصلُ إِحداهما بأخرى كمراعاةِ " نَبْكِ " جواباً للأَمْرِ في قوله : قفا نبك : وكيفَ بالشكِّ في ذلك . ولو كانت الألفاظُ يتعلقّ بعضُها ببعض من حيثُ هي ألفاظٌ ومع اطِّراح النظر في معانيها لأدَّى ذلك إلى أن يكونَ الناس حين ضَحكوا مما يصنعه المُجَّانُ من قرّاءِ أنصافِ الكتب ضَحِكوا عن جهالةٍ وأن يكونَ أبو تمام قد أخطأ حين قال :