سؤالاً منزلتَه إِذا صرَّحَ بذلك السؤالِ كثيراً . فمن لطيفِ ذلك قولهُ من - الكامل - : .
( زَعَمَ العَواذِلُ أَنَّنِي في غَمْرَةٍ ... صَدَقُوا ولكِنْ غَمْرَتِي لا تَنْجَلِي ! ) .
لمَّا حَكَى عن العواذِلِ أنَّهم قالوا : " هُوَ في غَمْرَةٍ " . وكان ذلك مما يحرِّك السامعَ لأنَّ يسألهَ فيقولَ : فما قولُكَ في ذلكَ وما جوابُك عَنْه أَخْرَجَ الكلامَ مُخْرَجَهُ إِذا كان ذلكَ قَدْ قِيل له وصارَ كأنَّه قال : أقول صَدَقُوا أنَّا كما قالوا ولكنْ لا مَطْمَعَ لهم في فلاحِي . ولو قالَ : زعمَ العواذلُ أنني في غَمْرةٍ وصَدَقُوا لكانَ يكونُ لم يَصِحُّ في نَفْسِهِ أَنَّه مسؤولٌ وأن كلامَه كلامُ مجيبٍ : .
ومثْلُه قولُ الآخَرِ في الحماسة - الكامل - : .
( زَعَمَ العَواذِل أنَّ ناقَةَ جُنْدَبٍ ... بجَنوبِ خَبْتٍ عُرّيَتْ وأُجِمَّتِ ) .
( كَذَبَ العَواذِلُ لو رأَيْنَ مُنَاخَنا ... بالقَادِسيَّةِ قُلْنَ : لَجَّ وذلَّتِ ) .
وقد زادَ هذا أمرَ القطعِ والاستئنافِ وتقديرَ الجواب تأكيداً بأنْ وضَعَ الظاهِرَ موضعَ المُضْمر فقال : كذَب العواذلُ ولم يَقُلْ : " كَذَبْنَ " . وذلك أنَّه لمَا أعادَ ذِكْرَ العواذلِ ظاهراً كان ذلك أَبْيَنَ وأقوىَ لكونِه كلاماً مستأَنفاً مِنْ حَيْثُ وَضَعَه وضْعاً لا يحتاجُ فيه إلى ما قَبْلَه وأتى فيه مأتَى ما لَيْس قبلَه كلامٌ . وممَّا هُوَ على ذلك قولُ الآخر - الوافر - : .
( زَعَمْتُمْ أنَّ إخوتَكُم قُرَيْشٌ ... لَهُمْ إلفٌ ولَيْسَ لَكُمْ إِلافُ )