وذلك أن قولَه : لهم إلفٌ تكذيبٌ لدعواهُم أَنَّهم من قريشٍ . فهو إذاً بمنزلةِ أن يقولَ : كذبتُم لهم إلفٌ وليس لكم ذلكَ . ولو قال : زعمتُم أنَّ إخوتَكم قريشٌ ولهم إلفٌ وليس لكم إلافٌ لصارَ بمنزلةِ أن يقولَ : زعمتُم إن إخوتَكم قريشٌ وكذبتُم في أنه كانَ يَخْرجُ عن أن يكونَ موضوعاً على أ نّه جوابُ سائلٍ يقولُ له : فماذا تقولُ في زَعْمِهم ذلك وفي دعواهم فاعرِفْه .
واعلمْ أنه لو أظهرَ " كذَبتْمُ " لكان يجوزُ له أن يَعْطِفَ هذا الكلامِ الذي هو قولُه : " لهم إلفٌ " عليه بالفاء فيقول : " كَذَبْتُم فلهم إلفٌ وليس لكم ذلك " . أما الآنَ فلا مَسَاغَ لدخولِ الفاءِ البتَّةَ لأنَّه يصيرُ حينئذٍ معطوفاً بالفاء على قولِه : زَعَمْتُم أنَّ إخوتَكم قريشٌ وذلك يَخْرجُ إلى المُحالِ مِنْ حيثُ يصير كأَنه يستشهدُ بقوله : لهم إلفٌ . على أنَّ هذا الزعمَ كان منهم كما أنَّك إذا قلتَ : كذَبْتمُ فلهم إلفٌ كنتَ قد استشهدتَ بذلكَ على أنهمْ كذبوا فاعرِفْ ذلك . ومن اللطيفِ في الاستئناف على معنى جعلِ الكلامِ جواباً في التقديرِ قولُ اليزيديِّ - السريع - : .
( مَلَّكْتُهُ حَبْلي ولكنَّهُ ... أَلْقَاهُ من زُهْدٍ عَلى غارِبي ) .
( وقالَ : إِنّي في الهَوى كاذِبٌ ... انْتَقَمَ اللهُ مِنَ الكاذبِ ) .
استأنفَ قولَه : انتقمَ اللهُ من الكاذبِ لأَنه جعلَ نفسَه كأنه يجيبُ سائلاً قالَ له : فما تقولُ فيما اتَّهمكَ به مِن أنَّك كاذبٌ فقال : أقولُ : انتقمَ اللهُ منَ الكاذبِ . ومن النادرِ أيضاً في ذلك قولُ الآخَرِ - الخفيف - : .
( قالَ لي : كيْفَ أَنْتَ قُلْتُ : عَليلٌ ... سَهَرٌ دائمٌ وحُزْنٌ طَوِيْلُ ) .
لِما كانَ في العادةِ إذا قيلَ للرجلِ : كيفَ أنتَ فقالَ : عليلٌ أن يسألَ ثانياً فيقالَ : ما بكَ وما علَّتُك قَدَّر كأنه قد قيلَ له ذلكَ فأَتَى بقولِه : سهرٌ دائمٌ جواباً عَنْ هذا السؤالِ المفهوم مِن فحوى الحالِ فاعرفهْ