والثاني : أن يكونَ المعطوفُ شيئاً لا يكونُ حتى يكونَ المعطوفُ عليه . ويكونَ الشرطُ لذلك سبباً فيه بوساطةِ كونِهِ سبباً لأَوَّل ومثالُه قولُك : إذا رجَع الأَميرُ إلى الدار استأذنتهُ وخرجتُ فالخروجُ لا يكونُ حتى يكون الاستئذانُ وقد صارَ الرجوعُ سَبباً في الخروج من أجلِ كونِه سبباً في الاستئذان . فيكونُ المعنى في مثلِ هذا على كلامين نحوُ : إذا رجَع الأميرُ استأذنتُ وإذا استأذنت خرجتُ .
وإِذْ قد عرفْتُ ذلك فإِنه لو عُطِفَ قولُه تعالى : ( اللهُ يستهزئُ بِهِم ) على " قالوا " كما زعمتَ كان الذي يتصوَّرُ فيه أن يكونَ من هذا الضربِ الثاني وأن يكونَ المعنى ( وإذا خَلَوا إلى شياطِينهم قالُوا إنَّا معكم إنما نحن مستهزئون ) . فإِذا قالوا ذلك استهزأَ اللهُ بهم ومدَّهم في طُغْيانِهم يَعْمَهون . وهذا وإن كان يُرَى أنه يَسْتَقيمُ فليس هو بمستقيمٍ وذلك أنَّ الجزاءَ إنَّما هو على نَفْس الاستهزاءِ وفِعْلِهم له وإرادتهم إيَّاه في قولهم إنّا آمنا لا على أنَّهم حَدَّثُوا عَنْ أنفسِهم بأنَّهم مستهزئون والعَطْفُ على " قالوا " يَقْتضي أَنْ يكونَ الجزاءُ على حديثهم عَنْ أنفسِهم بالاستهزاء لا عليه نفسِه . ويبيِّنُ ما ذكرناه مِنْ أنَّ الجزاءَ يَنْبغي أن يكونَ على قَصْدِهم الاستهزاءَ وفِعلهم له لا على حديثهم عن أنفسِهم بإِنّا مستهزئون أنَّهم لو كانوا قالوا لكُبرائهم : ( إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئونَ ) : وهُم يريدونَ بذلكَ دَفْعَهم عَن أنفسِهم بهذا الكلامِ وأن يَسْلَموا من شَرِّهم وأنْ يوهموهُم أَنَّهم مِنْهم وإنْ لم يكونوا كذلك لكان لا يكونُ عليهم مؤاخذةٌ فيما قالوه من حَيْثُ كانت المؤاخذةُ تكونُ على اعتقادِ الاستهزاءِ والخديعةِ في إظهار الإِيمانِ لا في القولِ : إنَّا استهزأنا من غيرِ أن يقترنَ بذلك القولِ اعتقادٌ ونيَّةٌ .
هَذا وهاهُنا أمرٌ سِوَى ما مضَىَ يوجِبُ الاستئنافَ وتركَ العطفِ وهو أنَّ الحكايةَ عنهم بأنهم قالوا : كيتَ وكيتَ تحرِّكُ السامعين لأن يعلموا مصيرَ أمرِهم وما يُصْنَعُ بهم وأَتَنْزِلُ بِهِمُ النِّقْمةُ عاجلاً أم لا تنزلُ ويُمْهلَونَ وتُوقِعُ في أنفسِهم التَّمنٍِّي لأنْ يتبيَّنَ لهم ذلك . وإِذا كان كذلك كانَ هذا الكلامُ الذي هو قولُه : ( اللهُ يستهزىءُ بهم ) في معنى ما صَدَر جواباً عن هذا المقدَّرِ وقوعُه في أَنْفُسِ السامعينَ . وإذا كان مصدرُه كذلك كان حَقُّه أن يؤتَى به مبتدأ غيرَ معطوف ليكونَ في صورتِهِ إذا قيل : فإِنْ سألتم قِيلَ لكم : ( الله يَسْتَهزِىءُ بهم ويَمُدُّهمُ فِي طُغيانِهم يَعْمَهُون ) .
وإذا استقريتَ وجدتَ هذا الذي ذكرتُ لك من تنزيلِهم الكلامَ إِذا جاء بعقبِ ما يَقتضي