الأخفش وأمثالهم ولو أن الخليل ألَّف الكتاب لَحَمَله هؤلاء عنه وكانوا أَوْلَى بذلك من رجلٍ مجهول الحال غير مشهور في العلم انفرَدَ به وتوحَّدَ بالنقل له .
ثم دَرَجَ أصحابُ الخليل فتوفي النّضر بن شُمَيل سنة ثلاث ومائتين والأخفش سنة خمس عشرة ومائتين ومؤَرّج سنة خمس وتسعين ومضت بعدُ مدة طويلة ثم ظهر الكتابُ بأخَرَةٍ في زمان أبي حاتم وفي حال رياسته وذلك فيما قارب الخمسين والمائتين لأن أبا حاتم تُوُفّي سنة خمس وخمسين ومائتين فلم يلتفت أحدٌ من العلماء إليه يومئذ ولا استجازوا روايةَ حرفٍ منه ولو صحَّ الكتابُ عن الخليل لبَدر الأصمعي واليَزيديّ وابنُ الأعرابي وأشباههم إلى تزيين كُتُبهم وتَحْليته علمهم بالحكاية عن الخليل والنَّقْل لعلْمه وكذلك مَنْ بعدهم كأبي حاتم وأبي عُبيد ويعقوب وغيرهم من المصنّفين فما عَلمنا أحداً منهم نَقَلَ في كتابه عن الخليل من اللغة حَرْفاً .
ومن الدّليل على صحّة ما ذكرناه أن جميعَ ما وَقَع فيه من معاني النّحو إنما هو على مذهب الكوفيين وبخلاف مذهب البصريين فمن ذلك ما بُدىءَ الكتابُ به وبُني عليه من ذكر مَخارج الحروف في تقديمها وتأخيرها وهو على خلاف ما ذكره سيبويه عن الخليل في كتابه وسيبويه حاملٌ علمَ الخليل وأوْثَقُ الناس في الحكاية عنه ولم يكن ليَخْتَلف قولُه ولا ليتناقَض مذهبُه ولسنا نريدُ تقديم حرف العين خاصّة للوَجْه الذي اعتلَّ به ولكن تقديمَ غير ذلك من الحروف وتأخيرها .
وكذلك ما مضى عليه الكتابُ كلُّه من إدْخال الرُّباعي المضاعف في باب الثلاثي المضاعف وهو مذهبُ الكوفيين خاصة .
وعلى ذلك استَّمر الكتابُ من أوّله إلى آخره .
إلى ما سنذكره من نحو هذا .
ولو أن الكتاب للخليل لما أَعْجَزَه ولا أشْكل عليه تثقيفُ الثنائيّ الخفيف من الصحيح والمعتل والثنائي المضاعف من المعتل والثلاثي المعتل بعلّتين ولما جعل ذلك كله في باب سمَّاه : ( اللفيف ) فأدْخَلَ بعضَه في بعض وخَلَط فيه خَلْطاً لا ينفصلُ منه شيءٌ عما هو بخلافه ولوَضع الثُّلاثي المعتل على أقسامه الثلاثة ليسْتَبينَ معتلُّ الياء من معتل الواو والهمزة ولما خلَط الرباعيّ والخماسي من أولهما إلى آخرهما