وبراقع وانصرف مكحولا مدهونا شبعان ريان مرجل اللمة وظل مياد الجرمي يدور بين بيوت القشيريات مرجوما مقصى لا يتقرب إلى بيت إلا استقبلته الولائد بالعمد والجندل فتهالك لهن وظن أنه ارتياد منهن له حتى أخذه ضرب كثير بالجندل ورأى البأس منهن وجهده العطش فانصرف حتى جاء إلى سمرة قريبا إلى نصف النهار فتوسد يده ونام تحتها نويمة حتى أفرجت عنه الظهيرة وفاءت الأظلال وسكن بعض ما به من ألم الضرب وبرد عطشه قليلا ثم قرب إلى الماء حتى ورد على القوم قبل يزيد فوجد أمة تذود غنما في بعض الظعن فأخذ برقعها فقال هذا برقع واحدة من نسائكم فطرحه بين يدي القوم وجاءت الأمة تعدو فتعلقت ببرقعها فرد عليها وخجل مياد خجلا شديدا وجاء يزيد ممسيا وقد كاد القوم أن يتفرقوا فنثر كمه بين ايديهم ملآن براقع وذبلا وفتخا وقد حلف القوم ألا يعرف رجل شيئا إلا رفعه فلما نثر ما معه اسودت وجوه جرم وأمسكوا بأيديهم إمساكة فقالت قشير أنتم تعرفون ما كان بيننا أمس من العهود والمواثيق وتحرج الأموال والأهل فمن شاء أن ينصرف إلى حرام فليمسك يده فبسط كل رجل يده إلى ما عرف فأخذه وتفرقوا عن حرب وقالوا هذه مكيدة يا قشير فقال في ذلك يزيد بن الطثرية .
( فإنْ شئتَ يا مَيَّادُ زُرْنا وزُرْتُمُ ... ولم نَنْفَس الدّنيا على من يُصِيبُها )