قلت : لَعَمري معنىً يكاد يُؤكل بالضمير ويُشرب ويُطلب عليه الكأس فيُطرب . وفيها يقول : .
أرى الدهرَ غِمداً وأنتَ الحُسامُ ... فلا زِلتَ تَضرب هامَ النُّوَبِ .
وأنشدني أيضاً قال : أنشدني لنفسه : .
ولو أنَّ المكارم صِرْنَ نَفْساً ... لكنتَ لها الضمائرَ والعيونا .
رأى التوفيقُ رأيكَ غيرَ شَكلٍ ... يُشاكله فصار له قَرينا .
أبو مسعودٍ المظفَّر بن إبراهيم الجُرجاني .
إمام مقدم في فقه أبي حنيفة Bه وصدرٌ في الأدب كبير وبحرٌ في سائر العلوم غزير . لقيَ الصاحب واختصَّ بخدمته ثم أقام عند السيد أبي طالب الهَرَوي مدة بجيلانَ يدعو إليه . ثم انكفأ عنه إلى بلده فأدركه القضاء وهو في جَوف البحر . وممّا بلغني من شعره قوله : .
أأحبابَنا بالرَّيِّ ما بالُ عهدكم ... تغيَّر حتى قيل : ليسَ لكم عَهدُ .
تَبايَنَتِ الأخلاقُ منا ومنكُمُ ... فأخلاقُكم هَزلٌ وأخلاقُنا جِدُّ .
وله أيضاً : .
رحلَ الأحبّةُ للفراق ... فبكيتُهم بدَمِ المآقي .
ما مَتَّعوا إذ ودّعوا ... إلاّ بوَجدٍ واشتياقِ .
هذا فِراقٌ قد أجَمْ ... مَ فهل يكون لنا تَلاقِ .
يا حَسرةً ما تنْقضي ... وجَوىً على الأيام باقِ .
الله يعلمُ ما لقي ... تُ من الفراق وما أُلاقي .
وله أيضاً : .
أسِحرٌ بأجفانه أم خُمارُ ... ومِسكٌ بعارضه أم عِذارُ .
غَزالٌ بخدَّيهِ وَردُ الجَنى ... وطَلُّ الجَمالِ عليه نِثارُ .
فمِن ريقه يُتعاطى الرحيقُ ... ومن خدِّه يُجتنى الجُلَّنارُ .
وله أيضاً : .
دنَوتُ إليها مُستجيراً بعطفةٍ ... وما خِلتُ أنّي شائمٌ برقَ خُلَّبِ .
فلم يَبدُ منها غيرُ إيماء إصبعٍ ... وإيماء لحظٍ خيفةَ المُتَرقِّبِ .
فأيأسَني من وصلها رجعُ طرفها ... وأطعمني ليُّ البَنان المُخضَّب .
وله أيضاً : .
قَلاكَ الغواني أنْ علاكَ مشيبُ ... فما لكَ في وُدِّ الحِسان نَصيبُ .
أتطمعُ أنْ تلقى حبيباً مُساعداً ... وهل بعد شيبِ العارضين حبيبُ .
سقى الجِزعَ جِزعَ الوادِ من جانب الحِمى ... أجشُّ مُسفُّ الطُّرَّتين سَكوب .
مَعاهدُ قَضَّيْنا بها وطَرَ الصِّبا ... إذِ العيشُ غضٌّ والشباب قَشيبُ .
زمانَ رياضُ اللَّهوِ غضٌّ نَباتُها ... وعودُ التَّصابي بينهنَّ رطيب .
أطعْنا الهوى العُذريَّ فيها فلم يَزَلْ ... بنا شَغفٌ عندَ الحسان عَجيبُ .
نرى غَفَلاتِ العينِ ضربةً لازبٍ ... ولم نَدرِ أنّ النائباتِ تَنوب .
أقولُ لصحبٍ كابَدوا عُقَبَ السُّرى ... ببيداءَ فيها للقُلوب وجَيبُ .
تلفُّهمُ وهناً شمالٌ بَليلةٌ ... يعارضُها غِبَّ القطار جَنوبُ .
نَشاوى على الأكوار لكنْ عُقارُهم ... ذَميلٌ بأجواز الفَلا ودَبيبُ .
ألِمّوا برَبْع المُصعبيِّ فإنه ... فتىً لاقتناء المكرُمات طَروب .
كريمٌ فلا دار الإقامة تُجْتوى ... لديه ولا حُسنُ الثناء يَخيب .
يعُمُّ الورى فضلاً فكلُّ مَحَلَّةٍ ... بها من نَداه حائرٌ وقليب .
ويهتزُّ للمعروف حتى كأنّه ... لكلّ غريبٍ يَجْتديه نَسيبُ .
له سَطَواتُ تملأُ الأرضَ هَيبةً ... نكادُ لها صُمُّ الجبالِ تَذوب .
ولّما استقلّتْ للإياب رِكابُه ... عَلمْنا بأنَّ المكرُمات تَنوبُ .
ونادى بأعلى الصوت في رَونقِ الضُّحى ... مُنادٍ وكلٌّ سامعٌ ومُجيب .
أيا جانِبَيْ جُرجان بالله أبشِرا ... فإنّ إيابَ المُصعبيِّ قَريبُ