قلت : بئس ما جازاها وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان وليس هذا إلا كجزاء ذي الرُّمّة ناقَتَه التي بلّغَتْه " عَرابة " على ما بها من جَولان النِّسع وقلق الوَضين فدعا لها أن تشرق بدمِ الوَتين وهلاّ عرّى ظهرها وشَغلها بالرَّعْي دهرها .
عادَ الشعر : .
تركضُ في الهام وأُمسي بها ... أركض في خَضْل الصِّبا رَكْضا .
ولي من الوَردِ ندامى غَدَوا ... مُقابلاً بعضُهم بعضا .
من راقدِ العينِ ومن ساهرٍ ... مُذْ فتح المُقلةَ ما غضّا .
كأنهم بالبين نودوا فهُم ... من خوفه في صور المَرْضى .
وأيقنوا قلّةَ أعمارهم ... فاستكرموا تضييعها غَمْضا .
تَجاوروا إذ علموا أنه ... عمّا قليلٍ نحبُهم يُقضى .
فهُمْ توافَوا في التصافي فلا ... مَلالَ في البين ولا بُغْضا .
فملتوٍ بالغمِّ أو فاغرٍ ... يطلبُ ذا لَثْما وذا عَضّا .
وله يعاتب بعض أصدقائه : .
طويتُ رِداءَ وُدّي لا كطيٍّ ... يُراد به البقاءُ على النَّقاء .
وما ظَبِّي بأعدائي إذا ما ... يكون كذاك حالُ الأصدقاء .
وأنشدني لنفسه أيضاً : .
شَرِّق وغَرِّبْ واغتربْ تلقَ الذي ... تهوى وتُعزِزْ أيَّ وجهٍ تشخصُ .
وأرى المهانةَ في اللزوم مُخِلَّةً ... إنّ المتاعَ بأرضه يُسترخَصُ .
وأنشدني لنفسه في مملوك له : .
بُليتُ بمملوكٍ إذا ما بعثتُهُ ... لأمرٍ رجلُهُ مِشيةَ النماِ .
بَليدٍ كأنّ اللهَ خالقنا عنى ... به المثلَ المضروبَ في سورة النحلِ .
إشارةً إلى قوله تعالى : " أينما يوجّهه لا يأتِ بخيرٍ " . وله يصفُ أوحال نيسابور : .
كيفَ المسيرُ بنيسابور في الطُّرقِ ... وبينها أبحرٌ تَطْمو من اللثَقِ .
يا حبّذا البحر ينجو فيه صاحبه ... بالعَومِ أو بركوب الفُلْك من غَرقِ .
ترشُّ منه على أثوابنا لُمَعٌ ... حتى يعود جديد الثوب كالخَلقِ .
كأنما رطْبُها فيها ويابسُها ... ما اسودّ وابيضَّ فوق الجلد من بَهَقِ .
وله من قصيدة أولها ومنها : .
أهلاً بزائد لَوْمةِ اللُّوّامِ ... سَمعاً لنصحٍ يُكتنى بمَلامِ .
يا أيها الرشأُ الوسيمُ إذا بدا ... خَلْقاً وما أخلاقُهُ بوِسام .
ما أنتَ بالشمس التي إنْ أمسكتْ ... عمّتْ بلادَ الله بالإظلامِ .
هَبْ أنك الماءُ الذي أحْيا به ... أوَ ليس تكسُدُ سُوقُه بمُدام .
ومنها : .
بَينا تظنُّ الليلَ ما اكتستِ الدجى ... حتى نعاه صباحُهُ بظَلامِ .
ودنا الثُّريّا للمغيب كأنّها ... بَدَدُ اللآلئ نُضِّدتْ لنظام .
في إثرها الجوزاء مُعالجٍ ... قد هَمَّ عندَ الضرب بالإقدام .
أو سالكٍ عند التصبُّر كفَّهُ ... في الكُمِّ أو عندَ ادِّراع اللام .
وكأنها قرطاس رامٍ يَهدفُ ... وكأنما الجوزاء ذاك الرامي .
والصُّبحُ قد صدعَ الظلامَ كرايةٍ ... بيضاءَ في سودٍ من الأعلام .
أو رأيُ مولانا الوزير إذا احتبى ... يَمحو ظلامَ الشكِّ في الأحكام .
ودَّ الهلالُ لو أنه لجوادِهِ ... نعلٌ وحافرُهُ أوانَ تَمام .
بالله لو أصفى هواه مُشرِك ... لأُقيمَ عند الله خير مُقام .
وأنشدني لنفسه أيضاً : .
إنّ الصَّبابةَ والزمانَ تَقاسما ... أنْ يَقْسمانيَ بيم كل مَكارِهِ .
فكأنّهُ من حَرِّها وأُوارِها ... وكأنها من ليله ونَهاره .
ومنها : .
دمعٌ يمجُّ دم الفؤاد كأنه ... يجري بما أجراه من تذكاره .
لو لم يكن ينبوعُهُ من قلبه ... لم يصطحب ما فيه من أسراره .
ومما أنشدنيه لنفسه قوله : .
ما دمتُ أهواها وتهجرني ... قل : كيف يُنظَمُ بيننا الشَّملُ