أم النظرة الأولى سبتك وكم سبت ... قلوب الرجال الغانيات وكم تسبي ! .
بلى كل ما قد قيل من ذاك كائن ... سوى نظرات الغانيات التي تصبي .
وهل يتصابى من ينادي بقربه ... من العطب الشيب الذي هو كالعطب .
بكائي على ما قد مضى من شبيبتي ... بكاء ولكن كي يخف به كربي .
كما ليس شرب الراح مني خلاعة ... تذم ولكن كي يفلّ الجوى شربي .
فما العيش إلا ساعة أنت مقبل ... على اللهو واللذات فيها مع الصحب .
فأعط دواء الهم هماً يغب به ... حجاه فعيش المرء في غيبة اللب .
مشعشعة صفراء كالحص مثلما ... يقول ابن كلثوم لنا في ألا هبي .
يدور بها ساق مليح كأنما ... سنا وجنتيه قد تناثر في القعب .
على ذكر مولى لو تحلى ببعض ما ... به الشمس لم تطلع علينا من العجب .
سليل كرام كل مجد مؤثل ... وجود ومعروف أخوهم من الصلب .
هم أرشدوا الأقلام للجري سالفاً ... كما أرشدوا السيف المهند للضرب .
مناقب لم ترض الأقاليم مسكناً ... لها فارتقت منها إلى الأنجم الشهب .
فلو وطئ الصخر الأصم تفجرت ... ينابيع ماء منه فاعتم بالعشب .
إذا دعي الأبطال في الحرب باسمه ... تطايرت الأكباد خوفاً من الحجب .
فحسبي من دنياي أن يعلم الورى ... بأني بحبل الشيخ مستمسك حسبي .
الشيخ أبو علي .
الحسين بن عبد الله القلندوشي .
وقلندوش من ناحية سرخس . هو من فحول الشعراء ووجوه الكتّاب والبلغاء . إذا نثر رسالة أو نظم شعراً علمت أن من الشعر حكمةً وأن من البيان سحراً رأيته بسرخس وهو يكتب في ديوان الرسالة للرئيس أبي الحسن علي بن محمد العمراني بقلم حده عضب وخط كأنه عصب ولفظ كله عذب . وكتبت إليه : .
يا من به تحسد الدنيا قلندوشا ... ويبرز الفضل وجه النقص مخدوشا .
ما عض صاحب فضل ناب نائبة ... إلا وقدمت قلباً دونه حوشاً .
سلكت نحوك نهجاً ظلت أحسبه ... من الأزاهير والأنوار منقوشاً .
أزرى على وشي صنعاء الذي صنعوا ... درج بحظك يوشى نعم ما يوشى .
لذاك غادرت طبعي بعد حدته ... كالقطن منتدفاً والعهن منفوشاً .
وقرأت في كتاب قلائد الشرف من تأليف الشيخ أبي عامر الجرجاني قصيدة له نظامية ما رأيت أحسن منها في فنها وهي : .
سقى عهد سعدى حيث كانت خيامها ... بواكر أبكار العهاد غمامها .
وإن عز مرآها وشط مزارها ... وأوحش مغناها وأقوى مقامها .
سلا ربعها أنى استقلت حمولها ... وأين استقرت بالعراء خيامها .
وماذا عليها لو أشارت فسلمت ... وكان شفاء للسليم سلامها .
وما ضرها لو كلمت يوم بينها ... فنفس عن نفس الكليم كلامها .
ألا ليت نفسي يوم زم جمالها ... وغرد حادي البين حمّ حمامها .
تصرم منها العهد إلا تذكراً ... إذا ساور الأحشاء هاج غرامها .
فلا عيش إلا أن يباح وصالها ... ولا وصل إلا أن يتاح لمامها .
وإني وإن جرعت كأس فراقها ... وحان لأسباب الوصال انصرامها .
فلا مقلتي العبرى تجف شؤونها ... ولا مهجتي الحرى يخف سقامها .
وله من قصيدة أخرى : .
بنانك سابق والبحر تال ... ووجهك أول والبدر ثان .
وأنت الغوث من نوب الليالي ... وأنت الغيث من قحم الزمان .
وأنت النار فيك حمىً ونور ... وغيري منك يرضى بالدخان .
سترضى شيمتي غبّ اختباري ... وتحمد سيرتي بعد امتحاني .
القاضي أبو منصور .
محمد بن عبد الجبار السمعاني