وقال : دخل يوماً دار الإمارة الفيرزان المجوسي في شيء خاطبه به فقال : إنما أنت مجش محش مخش لا تهش ولا تبش ولا تمتش ! .
قال الفيرزان : أيها الصاحب برئت من النار إن كنت أدري ما تقول ! .
إن كان رأيك أن تشتمني فقل ما شئت بعد أن أعلم فإن العرض لك والنفس لك فداء : لست من الزنج ولا من البربر كلمنا على العادة التي عليها العمل ! .
والله ما هذا من لغة آبائك الفرس ولا من أهل دينك من أهل السواد وقد خالطنا الناس فما سمعنا منهم هذا النمط ! .
فقام الصاحب مغضباً . قال : وكان كلفه بالسجع في الكلام والقلم عند الجد والهزل يزيد على كلف كل من رأيناه . قلت لابن المسيب : أين يبلغ ابن عباد في عشقه للسجع ؟ قال : يبلغ به ذلك لو أنه رأى سجعةً ينحل بموقعها عروة الملك ويضطرب بها حبل الدولة ويحتاج من أجلها إلى غرم ثقيل وكلفة صعبة وتجشم أمورٍ وركوب أهوال لكان لا يخف عليه أن يفرج عنها ويخليها بل يأتي بها ويستعملها ولا يعبأ بجميع ما وصفت من عاقبتها . وقال فيه بعض الشعراء من الكامل : .
متلقّب كافي الكفاة وإنّما ... هو في الحقيقة كافر الكفارِ .
السجع سجعُ مهوَّسٍ والخطّ خ ... طُّ منَقْرَسٍ والعقل عقل حمارِ .
قلت : وعلى الجملة من رجالات الوجود وأين آخر مثله ؟ ولكن أبو حيان زاد في التمالئ عليه لنقص حظ ناله منه فتمحل له مثالب وادعى له معايب من الخفيف : .
لو أراد الأديب أن يهجُوَ البد ... ر رماه بالخطّة الشنعاءِ .
ومن تصانيف الصاحب : المحيط باللغة عشر مجلدات رسائله الكافي رسائل كتاب الزيدية الأعياد وفضائل النوروز الإمامة في تفضيل علي بن أبي طالب وتصحيح إمامة من تقدمه الوزراء لطيف عنوان المعارف في التاريخ الكشف عن مساوئ المتنبي . مختصر أسماء الله تعالى وصفاته العروض الكافي جوهرة الجمهرة نهج السبيل في الأصول أخبار أبي العيناء نقض العروض تاريخ الملل واختلاف الدول الزيدين ديوان شعره . ومن شعره من الكامل : .
ومُهَفْهَفٍ حلو الشمائل أهيَفٍ ... يُردي النفوس بفَتْرَتي عَيْنَيْهِ .
ما زال يُبْعِدني ويؤثر هجرتي ... فجذبتُ قلبي من إسار يدَيهِ .
قالوا : تُراجِعه . فقلت بديهةً ... قولاً أقيمَ مع الرَّويّ عليه : .
والله لا راجعتُه ولو آنّه ... كالبدر أو كالشمس أو كبُوَيِه .
هو مأخوذ من شعر ابن المعتز من الكامل : .
واللهِ لا كلّمْتُها ولو أنّها ... كالبدر أو كالشمس أو كالمُكْتَفي .
ومن شعره الصاحب من الرجز : .
وشادنٍ جمالُه ... تقصر عنه صفتي .
أهوى لتقبيلِ يدي ... فقلت : لا بل شفتي ! .
ومنه من الرمل : .
قال لي إنّ رقيبي ... سيءِّ الخُلق فدارِهْ .
قلتُ دعني وجهك ال ... جنّةُ حُفّت بالمكارِهْ .
ومنه من الوافر : .
أقول وقد رأيتُ له سحاباً ... من الهجران مُقبِلةً إلينا .
وقد هطلت عَزاليها بسحٍّ ... حوالينا الصدودُ ولا علينا .
وكتب إلى أبي الحسن الطبيب من الرجز : .
إنّا دعوناك على انبساط ... والجوعُ قد أثَّر في الأخلاط .
فإنْ عسى مِلْتَ إلى التباطي ... صفعتَ بالنعْل قفا بقراط .
وقال لما حضرته الوفاة من الطويل : .
وكم شامتٍ بي عند موتي جهالةً ... بظلم يسُلُّ السيفَ بعد وفاتي .
ولو علم المسكينُ ماذا يناله ... من الذُّلِّ بعدي مات قبل مماتي .
ومنه من البسيط : .
دبَّ العذارُ على ميدان وجنتهِ ... حتى إذا كاد أن يسعى به وَقَفا .
كأنّه كاتبٌ عزّ المِدادُ به ... أراد يكتب لاماً فابتدا ألفاِ .
ومنه من الطويل : .
تُشكِّكُنا في الكَرْم أنَّ انتماءه ... إلى الخمْر أن هاتا إلى الكْرم ينتمي .
تمتَّع ندْمان بها وأحبّةٌ ... وحَظِّيَ منها أن أقول : ألا انْعمي .
لكِ الوصفُ دونَ القصْف مني فخيِّمي ... بغير يدي وارضَيْ بما قاله فمي .
ومنه من الخفيف : .
كنتُ دهراً أقول بالاستطاعه ... وأرى الجبر ضِلّةً وشناعه