والبروج : الحصون . مشيدة مرفعة . وقرئ مشيدة من شاد القصر إذا رفعه أو طلاه بالشيد وهو الجص . وقرأ نعيم بن ميسرة مشيدة بكسر الياء وصفا لها بفعل فاعلها مجازا كما قالوا : قصيدة شاعرة وإنما الشاعر قارضها . السيئة تقع على البلية والمعصية . والحسنة على النعمة والطاعة . قال الله تعالى : " وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون " الأعراف : 198 ، وقال : " إن الحسنات يذهبن السيئات " هود : 114 . والمعنى : وإن تصبهم نعمة من خصب ورخاء نسبوها إلى الله وإن تصبهم بلية من قحط وشدة أضافوها إليك وقالوا : هي من عندك وما كانت إلا بشؤمك كما حكى الله عن قوم موسى : " وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه " الأعراف : 131 ، وعن قوم صالح : " قالوا اطيرنا بك وبمن معك " النمل : 47 ، وروي عن اليهود - لعنت - أنها تشاءمت برسول الله A فقالوا : منذ دخل المدينة نقصت ثمارها وغلت أسعارها فرد الله عليهم " قل كل من عند الله " يبسط الأرزاق ويقبضها على حسب المصالح " لا يكادون يفقهون حديثا " فيعلموا أن الله هو الباسط القابض وكل ذلك صادر عن حكمة وصواب ثم قال " ما أصابك " يا إنسان خطابا عاما " من حسنة " أي من نعمة وإحسان " فمن الله " تفضلا منه وإحسانا وامتنانا وامتحانا " وما أصابك من سيئة " أي من بلية ومصيبة " فمن نفسك " لأنك السبب فيها بما اكتسبت يداك " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " الشورى : 30 ، وعن عائشة Bها : ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب وما يعفو الله أكثر " وأرسلناك للناس رسولا " أي رسولا للناس جميعا لست برسول العرب وحدهم أنت رسول العرب والعجم كقوله : " وما أرسلناك إلا كافة للناس " سبأ : 28 ، " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " الأعراف : 158 ، " وكفى بالله شهيدا " على ذلك فما ينبغي لأحد أن يخرج عن طاعتك واتباعك .
" من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا " " من يطع الرسول فقد أطاع الله " لأنه لا يأمر إلا بما أمر الله به ولا ينهى إلا عما نهى الله عنه فكانت طاعته في امتثال ما أمر به والانتهاء عما نهى عنه طاعة لله وروي أنه قال : " من أحبني فقد أحب الله ومن أطاعني فقد أطاع الله " فقال المنافقون : ألا تسمعون إلى ما يقول هذا الرجل لقد قارف الشرك وهو ينهى أن يعبد غير الله ! .
ما يريد هذا الرجل إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى فنزلت : " ومن تولى " عن الطاعة فأعرض عنه " فما أرسلناك " إلا نذيرا لا حفيظا ومهيمنا عليهم تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها وتعاقبهم كقوله : " وما أنت عليهم بوكيل " الأنعام : 107 .
" ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا " " ويقولون " إذا أمرتهم بشيء " طاعة " بالرفع أي أمرنا وشأننا طاعة . ويجوز النصب بمعنى أطعناك طاعة . وهذا من قول المرتسم : سمعا وطاعة . وسمع وطاعة . ونحوه قول سيبويه : وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقال له : كيف أصبحت ؟ فيقول : حمد الله وثناء عليه كأنه قال أمري وشأني حمد الله . ولو نصب حمد الله وثناء عليه . كان على الفعل والرفع يدل على ثبات الطاعة واستقرارها " بيت طائفة " زورت طائفة وسوت " غير الذي تقول " خلاف ما قلت وما أمرت به . أو خلاف ما قالت وما ضمنت من الطاعة لأنهم أبطلوا الرد لا القبول والعصيان لا الطاعة . وإنما ينافقون بما يقولون ويظهرون . والتبييت : إما من البيتوتة لأنه قضاء الأمر وتدبيره بالليل يقال : هذا أمر بيت بليل . وإما من أبيات الشعر لأن الشاعر يدبرها ويسويها " والله يكتب ما يبيتون " يثبته في صحائف أعمالهم ويجازيهم عليه على سبيل الوعيد . أو يكتبه في جملة ما يوحى إليك فيطعلك على أسرارهم فلا يحسبوا أن إبطانهم يغني عنهم " فأعرض عنهم " ولا تحدث نفسك بالانتقام منهم " وتوكل على الله " في شأنهم فإن الله يكفيك معرتهم وينتقم لك منهم إذا قوي أمر الإسلام وعز أنصاره . وقرئ بيت طائفة بالإدغام وتذكير الفعل لأن تأنيث الطائفة غير حقيقي ولأنها في معنى الفريق والفوج .
" أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا "