" كفوا أيديكم " أي كفوها عن القتال وذلك أن المسلمين كانوا مكفوفين عن مقاتلة الكفار ماداموا بمكة وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه " فلما كتب عليهم القتال " بالمدينة كع فريق منهم لا شكا في الدين ولا رغبة عنه ولكن نفورا من الإخطار بالأرواح وخوفا من الموت " كخشية الله " من إضافة المصدر إلى المفعول فإن قلت : ما محل كخشية الله من الإعراب ؟ قلت : محله النصب على الحال من الضمير في يخشون أي يخشون الناس مثل أهل خشية الله أي مشبهين لأهل خشية الله " أو أشد خشية " بمعنى أو أشد خشية من أهل خشية الله وأشد معطوف على الحال . فإن قلت : لم عدلت عن الظاهر وهو كونه صفة للمصدر ولم تقدر يخشون خشية مثل خشية الله بمعنى مثل ما يخشى الله ؟ قلت : أبى ذلك قوله : " أو أشد خشية " لأنه وما عطف عليه في حكم واحد ولو قلت يخشون الناس أشد خشية ؟ لم يكن إلا حال عن ضمير الفريق ولم ينتصب انتصاب المصدر لأنك لا تقول خشي فلان أشد خشية فتنصب خشية وأنت تريد المصدر إإنما تقول أشد خشية فتجرها وإذا نصبتها لم يكن أشد خشية إلا عبارة عن الفاعل حالا منه اللهم إلا أن تجعل مثل خشية الله أو خشية أشد خشية من خشية الله ويجوز على هذا أن يكون محل أشد مجرورا عطفا على خشية الله تريد كخشية الله أو كخشية أشد خشية منها " لولا أخرتنا إلى أجل قريب " استزادة في مدة الكف واستمهال إلى وقت آخر كقوله : " لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق " المنافقون : 15 . " ولا تظلمون فتيلا " ولا تنقصون أدنى شيء من أجوركم على مشاق القتال فلا ترغبوا عنه وقرئ : ولا يظلمون بالياء .
" أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله إن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا " قرئ يدرككم بالرفع وقيل : هو على حذف الفاء كأنه قيل : فيدرككم الموت وشبه بقول القائل : .
من يفعل الحسنات الله يشكرها .
ويجوز أن يقال : حمل على ما يقع موقع " أينما تكونوا " وهو أينما كنتم كما حمل ولا ناعب على ما يقع موقع ليسوا مصلحين وهو ليسوا بمصلحين فرفع كما رفع زهير : .
يقول لا غائب مالي ولا حرم .
وهو قول نحوي سيبوي . ويجوز أن يتصل بقوله : " ولا تظلمون فتيلا " أي ولا تنقصون شيئا مما كتب من آجالكم . أينما تكونوا في ملاحم حروب أو غيرها ثم ابتدأ قوله : " يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة " والوقف على هذا الوجه على أينما تكونوا