عن السدي وقال الزجاج : هو الطريق الذي لا نبات فيه وأخرج ابن أبي حاتم أن الجزر الخراب والظاهر أنه ليس معنى حقيقا والمعنى الحقيقي ما ذكرناه وقد ذكره غير واحد من أئمة اللغة وفي البحر يقال جزرت الأرض فهي مجروزة إذا ذهب نباتها بقحط أو جراد وأرضون أجراز لا نبات فيها ويقال سنة جرز وسنون أجراز لا مطر فيها وجرز الأرض الجراد والشاة والابل إذا أكلت ما عليها ورجل جروز أكول أو سريع الأكل وكذا الأنثى قال الشاعر : أن العجوز خبة جروزا تأكل كل ليلة قفيزا وفي القاموس أرض جرز وجرز وجرز لاتنبت أو أكل نباتها أو لم يصبها مطر وفي المثل لا ترضى شائنة إلا بجرزة أي بالإستئصال والمراد ما على الأرض ترابا ساذجا بعد ما كان يتعجب من بهجته النظار وتستلذ بمشاهدته الأبصار وظاهر الآية تصيير ما عليها بجميع أجزائه كذلك وذلك إنما يكون بقلب سائر عناصر المواليد إلى عنصر التراب ولا استحالة فيه لوقوع انقلاب بعض العناصر إلى بعض اليوم وقد يقال إن هذا جار على العرف فإن الناس يقولون صار فلان ترابا إذا اضمحل جسده ولم يبق منه أثر إلا التراب .
وحديث انقلاب العناصر مما لا يكاد يخطر لهم ببال وكذا زعم محققي الفلاسفة بقاء صور العناصر في المواليد ويوشك أن يكون تركب المواليد من العناصر أيضا كذلك وهذا الحديث لا تكاد تسمعه عن السلف الصالح والله تعالى أعلم ووجه ربط هاتين الآيتين بما قبلهما على ما قاله بعض المحققين أن قوله تعالى إنا جعلنا الخ تعليل لما في لعل من معنى الإشفاق وقوله سبحانه إنا لجاعلون الخ تكميل للتعليل وحاصل المعنى لا تحزن بما عاينت من القوم من تكذيب ما أنزلنا عليك من الكتاب فإنا قد جعلنا ما على الأرض من فنون الأشياء زينة لها لنختبر أعمالهم فنجازيهم بحسبها وإنا لمفنون ذلك عن قريب ومجازون بحسب الأعمال وفي معنى ذلك ما قيل إنه تسكين له E كأنه قيل : لا تحزن فإنا ننتقم لك منهم وظاهر كلام بعضهم جعل ما يفهم من أول السورة تعليلا للإشفاق حيث قال المعنى لا يعظم حزنك بسبب كفرهم فإنا بعثناك منذرا ومبشرا وأما تحصيل الإيمان في قلوبهم فلا قدرة لك عليه قيل ولا يضر جعل ما ذكر تعليلا لذلك أيضا لأن العلل غير حقيقية وقيل : في وجه الربط إن ما تقدم تضمن نهيه عن الحزن وهذا تضمن إرشاده إلى التخلق ببعض أخلاقه تعالى كأنه قيل إني خلقت الأرض وزينتها ابتلاء للخلق بالتكاليف ثم إنهم يتمردون ويكفرون ومع ذلك لا أقطع عنهم نعمي فأنت أيضا يا محمد لا تترك الإشتغال بدعوتهم بعد أن لا تأسف عليهم والجملة الثانية لمجرد التزهيد في الميل إلى زينة الأرض ولا يخفى عليك بعد هذا الربط بل لا يكاد ينساق الذهن إليه فتأمل أم حسبت خطاب لسيد المخاطبين والمقصود غيره كما ذهب إليه غير واحد و أم منقطعة مقدرة ببل التي هي للانتقال من كلام إلى آخر لا للإبطال وهمزة الاستفهام عند الجمهور و ببل وحدها عند البعض وقيل : هي هنا بمعنى الهمزة والحق الأول أي بل أحسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في بقائهم على الحياة ونومهم مدة طويلة من الدهر من ءاياتنا أي من بين دلائلنا الدالة على القدرة والألوهية عجبا 9 أي آية ذات عجب وضعا له