مكوّنات الـهُويّة الإسلاميّة في القرآن والسنّة

مكوّنات الـهُويّة الإسلاميّة في القرآن والسنّة

 

مكوّنات الـهُويّة الإسلاميّة في القرآن والسنّة

  
 

أ. د. دلال عباس- لبنان

 

تعريف المصطلحات:
الـهُويّة: ميّز الفلاسفة بين الـهُويّة الطبيعيّة الواقعيّة المشتركة بين البشر وبين البهائم، وبين الـهُويّة الأخلاقيّة القائمة على "الوعي الذاتـيّ" أو شعور الأنا الذي يجعل الإنسان قادرًا على الشعور بالثواب والعقاب، والذي يؤسّس خلودَ النفس البشريّة[1]. والـهُويّة متعيّنة وليست مجرّدة، أي أنّها تحتوي على تمايزات كامنة وتناقضات يتمّ حلّها خلال عمليّة التطوّر التي ترجع إلى شروط معيّنة[2]، وقال الفارابـيّ في التعليقات: "هُويّةُ الشيء وعينيّتُه وتشخّصه، وخصوصيّته، ووجوده المنفرد له، كلٌّ واحد"[3].
إذًا هُويّة الشخص هي الصفات الأخلاقيّة والمسلكيّة التي تميّزه من غيره، وهُويّة الجماعة هي الصفات العامّة المشتركة الأخلاقيّة والمسلكيّة، التي تميّزها من غيرها من الجماعات.
أمّا صفة الإسلاميّة: فنسبة إلى الإسلام " إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ"[4]، و "أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ"[5]، "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ"[6]، "وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً"[7]، "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً"[8].
القرآن. هو الاسم الذي غلب استعماله لكتاب الله الذي انزله على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والقرآن في اللغة مصدرٌ مرادف للقراءة ومنه قوله تعالى "إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ" " َإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ"[9].
أمّا تعريفُ "القرآن" المتّفقُ عليه بين الأصوليّين والفقهاء وعلماء العربيّة، فهو أنَّه الكلامُ المعجِز، المنـزّلُ على النبـيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، المكتوبُ في المصاحف، المنقولُ عنه بالتواتر، والمتعبَّدُ بتلاوته. والقرآن أنموذج للكتابة تتداخل فيه مختلِف أنواع الكتابة الأدبيّة سردًا وحوارًا، وقصصًا وتاريخًا، وحكمةً، وأدبًا، وتتداخل فيه مختلِف أنواع المعرفة: فلسفةً وأخلاقًا وسياسةً وتشريعًا، واجتماعًا واقتصادًا، وإجابةً عن أسئلة الوجود والمصير بشكل جمالـيّ فنّـيّ، تجسّد في كتابةٍ فاجأتِ العربَ، بحيث أجمعوا على أنَّها فريدةٌ لم يَرَوْا مثلَها، وأنَّها لا تُضاهى؛ ولم يعرفوا كيف يحدّدونها، استنادًا إلى المعايير التي يعرفونَها، فقالوا إنَّها نثرٌ ليست كمثل النثر، وشعرٌ ليست كمثل الشعر، وإنَّها كتابةٌ لا توصَف، وسرٌّ لا يمكن سبرُه، واتفقوا على أنَّها نقضٌ لعادة العرب في الكتابة[10]. والقرآن كما وصفه الله عزّ وجلّ "هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ"[11]، وهو "القول الفصل وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ"[12]، وقد أُنزل بالحقّ "وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً"[13]، وهو كامل "مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ" وهو الهادي[14]، "إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً"[15]، وفيه الرحمة "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً"[16]،، وهو منـزه عن العيب وعن العوج "قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"[17]، "ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ"[18]، والمفصّلةُ آياتُه "الَركِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ"[19]، و "أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ"[20]، والتام الكامل "الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً"[21]، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، "وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ"[22]،
"لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"[23]،
"وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً"[24]،
"قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى"[25]،
"تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ"[26]،
"طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ"[27]،
"طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ"[28]،
"تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ"[29].
القرآن يفسّر بعضُه بعضًا:
لقد كان المبدأ الذي طرحه المفسّرون، أنَّ الغموض الراجح إلى "الإجمال" يمكن الوصول إلى دلالته بالعودة إلى "النصّ القرآنـيّ" ذاته في مكان آخر، فالمجمل في موضوع له بيان في موضع آخر: فلما نزل قوله تعالى: ولم يَلْبِسوا إيمانهم بظلم" قالوا: أيّنا لم يظلم نفسه؛ ففسّره النبـيّ (صلّى صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالشّرك، واستدلّ عليه بقوله تعالى: "إنَّ الشرك لظلمٌ عظيم". لقد كان تفسير الرسول (صلّى صلّى الله عليه وآله وسلّم) الظلمَ بالشرك، تفسيرًا للنصّ بالنصّ ذاته، فالنصّ من خلالِ نظامِهِ اللغويِّ والدلالـيّ، يؤسِّس مُعجَمَه الخاصّ، ويَضع أساس تفسير بعضِ أجزائه، وقد قال العلماء:
"من أراد تفسير الكتاب العزيز طلبه أوّلاً من القرآن، فما أُجملَ منه في مكان، فُسِّر في موضع آخر، وما اختُصر في مكان بُسِطَ في موضع آخر"[30].
السنّة: هي ما حُكي عن النبـيّ من قول أو فعل أو تقرير[31]، ما يعنينا هنا: أحاديث النبـيّ التي لا يُشك بصحّتها مضمونًا وأسلوبًا، وخطبه، وجدله، وكتبه، ووصاياه لأصحابه، لأنَّ المرويّات المنسوبة إلى النبـيّ بلغ التزيّد فيها حدًّا لا يقبله عقل أو منطق[32]. والكتب الحديثيّة كلّها من دون استثناء لدى السنّة والشيعة لا تخلو من هذه الآفة، "حتى أنَّ أئمّة أهل البيت (ع) أنكروا رواياتٍ كثيرةً مرويّةً عنهم، وعن النبـيّ، وأمروا أصحابَهم وشيعتهم بعرض الأحاديث المنقولة عنهم على القرآن، وأخذِ ما وافقَه، وتركِ ما خالفه"[33]. وبما أنَّ القرآن يتضمّن كلّ ما أراد الله بيانه من كلّيّات الشريعة وهو الحاكم على ما عداه، فإنَّ الحديث النبويّ الصحيح هو الذي فصّل أصولَ الدين وحدودَه، كما صوّرَ المبادىء الأخلاقيّة والاجتماعيّة والإنسانيّة التي جاء بها القرآن، مفصِّلاً المجمل، وموضِّحًا المبهم، ومقيِّدًا المطلق، وشارحًا العامّ، وقد أوجب الله تعالى على النبـيّ (صلّى) أنْ يُبيّن للناس ما أُنزل في القرآن: "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"[34].
مكوّنات الـهُويّة الإسلاميّة في القرآن:
إنَّ الإسلامَ كما وصفه النصّ القرآنـيّ مناقضٌ للشرك بالدرجة الأولى، وليتحقّق الإسلامُ، وليكونَ الإنسانُ مسلمًا، وتكونَ الجماعةُ مسلمةً، يجب أنْ تتخلّق بأخلاق القرآن، وتسعى جاهدةً [تكدح] للوصول إلى الكمال: الكمال المسلكيّ الذي يوصِل إلى الكمال المعنويّ.
الـهُويّة الشكليّة: أنْ يُطيل الرجال لِحاهم، ولا يشربون الخمرة، ولا يأكلون لحم الخنزير، والنساء محجبات، حتى في المجتمعات غير المسلمة " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً"[35]، من المؤكّد والمسلّم به أنَّ هذا مطلوب، إنَّما يبقى هذا الظاهر شكلاً أجوفَ إنْ لم يلتزم المسلمون رجالاً ونساءً بأوامر الله ونواهيه ويكونوا متّقين: ممارسة العبادات والالتزام بالظواهر، هي التقوى الفرديّة، لكنَّ هذه التقوى الفرديّة والتي تهدف إلى التزكيَة، لا تكفي وحدها، فهنالك ما يمكن أنْ نسمّيَه "التقوى الاجتماعيّة"، أي علاقة الإنسان بالآخر، ليكون جزءًا من الأمّة المسلمة، وهي ما وصفه القرآن "بالصراط المستقيم"، وقد عرّفه القرآن في عشرات الآيات، وجاءت مجموعةً في الآيات 151- 153 من سورة الأنعام "قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" "وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ". هذه الآيات تبيّن المحرّمات العامّة التي لا تختصّ بشريعة من الشرائع الإلٰهيّة، وهي الشركُ بالله، وعقوقُ الوالدين[36]، واقترافُ الفواحش، وقتلُ النفس المحترمة بغير حق، ويدخلُ فيه قتلُ الأولاد خشية إملاق، وغصبُ مال اليتيم، وعدمُ إيفاء الكيل والميزان بالقسط، والظلمُ في القول، وعدمُ الوفاء بعهد الله، واتّباعُ غير سبيل الله المؤدّي إلى الاختلاف في الدين. ومن شواهد أنَّها شرائع عامّة أنَّا نجدها في ما نقله الله سبحانه من خطابات الأنبياء أُمَمَهم في تبليغاتهم الدينيّة، وقد قال تعالى: "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ"[37]... ثم التعبير في هذه الآيات الثلاث التي تحدّد أصول المحرّمات الإلٰهيّة أيضًا بالتوصية. والتأمّل فيها ينبىء أنَّ الدين الإلٰهيّ لا يتمّ أمره ولا يستقيم حاله من دون التحلّي بها. وقد اختلفت الخواتيم في الآيات الثلاث، فختمت الأولى بقوله: "ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون" والثانية بقوله: "ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكّرون"، والثالثة بقوله: "ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتقون".
ولعلّ الوجه في ذلك أنَّ الأمور المذكورة في الآية الأولى وهي الشرك بالله العظيم، وعقوق الوالدين، وقتل الأولاد من إملاق، ومقاربة الفواحش الشنيعة، وقتل النفس المحترمة مما تُدرِك الفِطرة الإنسانيّة حرمتَها، ولا يجترىء عليها الإنسان إلا إذا اتّبع الأهواء وحُجبَ عقلُه.
وما ذُكر منها في الآية الثانية وهي الاجتناب عن مال اليتيم وإيفاء الكيل والميزان بالقسط، والعدل في القول، والوفاء بالعهد، يحتاج الإنسان العاقل فيها إلى التذكّر حتى يدرك ما فيها من المفاسد الهادمة لبنيان مجتمعه، المودية به، وبسائر بني نوعه إلى التهلكة، فماذا يبقى من الخير في مجتمع إنسانـيّ لا يُرحمُ فيه الصغيرُ الضعيفُ، ويُطفَّفُ فيه الكيلُ والميزان، ولا يُعدَلُ فيه في الحكم والقضاء والشهادات والوصايا والفتاوى والأحكام، ولا يُصغى فيه إلى كلمة الحقّ، هذا فضلاً عن دور الإعلام في بثّ الفرقة بين أبناء الأمّة نفسها، هذا الإعلام الناعق، الذي كان يمثّله في ما مضى فقهاء السلاطين وعملاء السلطة، أضيف إليهم في هذا العصر محطّات التلفاز المأجورة ولذا خُتمت الآية بقوله: "ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكّرون".
والغرض المسوقة له الآية الثالثة هو النهي عن التفرّق والاختلاف في الدين باتّباع سبل غير سبيل الله. وذلك أنَّ التقوى الدينيّة إنّما تحصل بالتبصّر في المناهي الإلٰهيّة والورع عن محارمه بالتعقّل والتذكّر، وبعبارة أخرى بالتزام الفكرة الإنسانيّة التي بُنيَ عليها الدين، وقد قال تعالى: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا"[38]، وقد وعد الله المتقين إنِ اتّقوا أنْ يمدَّهم بما يتّضح به سبيلُهم، ويفرّق بين الحقّ والباطل عندهم فقال: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً"[39]، وقال: " إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً"[40].
فالإنسان على صراط التقوى (الصراط المستقيم)، ما دام ملازمًا لطريق التعقّل والتذكر، جاريًا على مجرى الفطرة، وإذا انحرف عن هذا الصراط، واتّبع غير الهدى واغترّ بزينة الحياة الدنيا، جذبته الأهواء إلى الاسترسال والعكوف على مخالفة العقل السليم وترك التقوى الدينيّة... والتقوى الدينيّة لا تحصل بالتفرّق والاختلاف، والورود في أيّ مشرعة شُرِعَت، والسلوك في أيّ وادٍ لاح لسالكه، بل التزام الصراط المستقيم، الذي لا تخلّف فيه ولا اختلاف، فذلك هو الذي يُرجى معه التلبّس بلباس التقوى، ولذلك عقّب الله سبحانه بقوله: "ولا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله" بقوله: "ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون"؛ وذلك ليكونوا خير أمّة أخرجت للناس، إنْ هم ساروا على الصراط المستقيم الذي سنّه لهم الله عزّ وجلّ، وتقيّدوا بالضوابط التي وصفها لهم القرآن، المحكومةِ كلِّها بقِيَمِ "الدعوة إلى الخير"، و "الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر"، وإنْ تخلّقوا بالأخلاق القرآنيّة، ألم يقلِ النبـيّ "إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق"، ساعين إلى الوصول إلى الكمال: الكمال المسلكيّ الموصِل إلى الكمال المعنويّ. لذلك فإنَّ الذين يُطلق عليهم اسمُ المسلمين ليسوا في الواقع وفي الحقيقة على درجة واحدة قربًا أو بعدًا من الإسلام الحقيقيّ، وأنماط السلوك التي فرضها القرآن، والصفات الأخلاقيّة التي طُلِب إليهم التحلّى بها... يبقى هنالك صراع أزلـيّ بين الظاهر والباطن، وبين درجات الالتزام بالأوامر والنواهي الإلٰهيّة؛ واستقراءُ تاريخِ المسلمين وحاضرِهم يبيّن لنا بوضوح لا ريبَ فيه، تحريفَ العقائد، لتسويغ أنماط السلوط المناقضة شكلاً ومضمونًا لما جاء في النصّ القرآنـيّ، والتي يعود بعضُها إلى العادات والتقاليد الجاهليّة لدى العرب أنفسِهم ناقلي الدين إلى البلدان المفتوحة، والعاداتِ والتقاليدِ لدى المسلمين من غير العرب التي تعود جذورها إلى ما قبل الإسلام، وإلى الممارسات التي فرضتها السلطات السياسيّة الجائرة التي قزّمتِ الإسلام، وجعلته إيديولوجيا للحكم، تضيّق بواسطته الخناق على رقاب الأمّة.
لذلك توجّبَ تعريف مكوّنات الـهُويّة الإسلاميّة، لا كما هي في الواقع، وإنّما كما يجب أنْ تكون، من خلال النصّ القرآنـيّ، وتاليًا السنَّة الصحيحة. لأنَّ القرآن الحاكمَ على ما عداه رسم بوضوح سلَّما للقيم الفرديّة المحكومة بالتقوى والقيم الاجتماعيّة المحكومة بالتكافل، والقيم السياسيّة التي تبدأ بإقامة العدل ومحاربة الظلم، فلا يجوز أنْ يغضّ المسلم طَرْفَه عن الظلم اللاحق بأيّ إنسان آخر أو جماعة أخرى أو دولة أخرى، كما هو حاصل في فلسطين وغيرها، والنهي عن البغي والعلوّ، وتنتهي بالحكم على من يُفسد في الأرض، ويختصرها كلّها عنوان الطغيان. من هنا يكتسب القول بالالتزام بمرجعيّة القرآن، أهميّته، أي ضرورة "تنصيب القرآن الكريم في المقام الأرفع للمرجعيّة المعرفيّة"[41]: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"[42]، فالقرآن كما وصف نفسه هو "القول الفصل" "وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ"[43]، والتحلّي بالأخلاق القرآنيّة هو المكوّن الأساسيّ للـهُوية الإسلاميّة، لأنَّ الأخلاق القرآنيّة على تماسّ بالتفاصيل الدقيقة الشخصيّة والروحيّة، والقضايا المتعلّقة بمنهجيّة تحقّق الكمالات الفرديّة من جميع الجوانب، وتاليًا المجتمع (في العلاقة الجدليّة بين الطرفين). فالآيات التي تتطرّق إلى "المسؤوليّة"، و"الحرّيّة" و"الإرادة"، و"العمل الصالح"، و"الإيمان والدوافع" و"العبادة والتقوى"، و"العمل والسعي والمجاهدة" و"الروابط الاجتماعيّة"، و"العدل والعدالة"، و"التكافل الاجتماعيّ" أضعاف آيات الأحكام، وهذا معناه أهمّيّة الجوانب والأبعاد الأخلاقيّة في الدين، وسيطرتها على معظم حقول العلوم الدينيّة الأخرى.
وهُويّة الأمّة الإسلاميّة أنَّها أمّة وسط " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ"[44]، أي أنَّ الله سبحانه جعل هذه الأمّة وسطًا بأنْ جعل لهم دينًا يهدي منتحليه إلى سواء السبيل، أي الصراط المستقيم، الطريق المستقيم، وسط الطرق الأخرى ذات المسالك والمعابر المتعرّجة أو المنحرفة أو المغالية، أو الشكلانيّة المحضّة، أو المادّيّة المحضة، أو الروحانيّة المحضّة. وهذه الأمّة هي الوسط العدل الذي به يُقاس ويوزن كلٌّ من طرفَيْ الإفراط والتفريط، فهي الشهيدة على سائر الناس، والنبـيّ شهيدٌ عليها، فهو المثال الأكمل من هذه الأمّة، والميزان الذي يوزن به حال الآحاد منها، والأمّة ميزان يوزن به حال الناس، والوسطيّةُ معنًى يستتبعُ الشهادةَ والشهداء، وقال قال الله تعالى "وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ"[45]، وقوله "ليكون الرسول عليكم شهيدًا وتكونوا شهداء على الناس"، أي لتتوسّطوا بين الرسول وبين الناس، وعند ذلك يتحقّق مصداق دعاء إبراهيم عليه السلام فيكم وفي الرسول "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ"[46]، لتكونوا أمَّة مسلمة أودع الرسول في قلوبكم علمَي الكتاب والحكمة، مزكَّين بتزكيته، مطهِّرين قلوبَكم من الدنس، ولتكونوا مسلمين خالصين في عبوديّتكم، وللرسول من ذلك القدَم الأوّل والهداية والتربية، فله التقدَّم على الجميع. وقد ألفتَ القرآن إلى مسألةِ التوازن والوسطيّة في ميادين السلوك كافَّة (حتما عدا ضرورة محاربة الظالمين، أيْ أنْ يصبحوا مثلاً وسيطًا بين إسرائيل والفلسطينيّين مثلاً وهذا الصراط غير المستقيم، أو أحد الطرق المنحرفة)، إنَّ القرآن الكريم يهدف إلى بناء حياة متوازنة بنظر العرف والعقلاء، لذلك ألفت على سبيل المثال إلى مسألة التوازن والوسطيّة في الإنفاق "وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً"[47]، فالتوازن بالإنفاق هو حالة وسطيّة تقع بين سلوكَين متطرّفَين: التبذير "إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً"[48]، والهوس المرضي في اكتناز المال وادّخاره "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ"[49]. فالحياة التعقليّة التي يريد الله عزّ وجلّ من الإنسان أنْ يسلكها تقتضي النظر بتدبّر إلى الأمور، فلا تهمل المقصد التكافليّ في علاقة المؤمن بأخيه، والإنسان بالآخر، بمعنى تجسيد التعاضد، ورفع من هو في القعر إلى مستوى الحياة الكريمة من دون منَّةٍ أو أذى، وفي الوقت عينه مراعاة مقتضيات الحياة.
والقرآن يحضّ على العمل والسعي والكدح والإنتاج، وينهى عن التواكل والتعطيل للطاقات، ويدعو إلى السعي والانتشار في الأرض " هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"[50] فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"[51] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ"[53].، وصيغة الطلب هنا تفيد الأمر والحثّ والمثابرة، وعندما يربط القرآن الكريم الدنيا بالكدح المتواصل الذي لا ينفكّ مطلقًا عن الحياة، فمعنى ذلك أنَّ السعادة مقرونةٌ بهذا البذل المحبّب والملازم للحياة "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ"[52]، وتتّسق الآيات التي تربط بين الأكل الحلال والجهد، أي أنْ يبذلَ الإنسان ما في وسعه من مال وجاه وسلطان وعلم وفضيلة لإحياء أمر الدين ونشره، وذلك ليس إلاّ دلالة على التلازم بين العمل والسعادة التي هي مقصدٌ من مقاصد الدين " "
الخطاب القرآنـيّ موجّه أساسًا إلى المؤمنين والمتّقين والمهتدين، وهم الدائرة الضيّقة من المسلمين، إذ أنَّ كلّ تقيّ هو مسلم، لكنَّ العكسَ ليس صحيحًا، فليس كلُّ مسلم مؤمنًا أو تقيًّا، وتتّسع دائرة المتّقين لتشمل أهل الكتاب فمنهم " لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ" "يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ" "وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ"[54]، اللافت أنَّ القرآن الكريم لم يتحدّث عن "أمّة إسلاميّة" وإنَّما عن أمَّة مؤمنين "الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ" "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"[55].
والمؤمنون هم: "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ"[56].
والمسلمون ليسوا خيرَ أمّة أخرجت للناس إلاّ إذا كانوا مصداقًا للدعاء الذي أطلقه النبـيّ إبراهيم (ع) "رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"[57]، أو ما ورد بمعنى التسليم لله "وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً"[58]. أو ما أوجبه عليهم من النظر في خلق السماوات والأرض والجبال والإبل والنفس البشريّة وآيات الله، والتفكّر والتدبّر "أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ"[59] والإفادة من الظواهر الكونيّة المسخّرة: هنالك في القرآن إحدى وثلاثون آية تتحدّث صراحةً عن التسخير، وما من صغيرة ولا كبيرة في كتاب الله إلاّ وللخالق عزّ وجلّ فيها مقصدٌ وغاية. هذا يعني وجوب قراءة القرآن الكريم قراءةَ تدبّر وعناية "قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ"[60]، لا تقليد مقولات من سلفَ بقضّها وقضيضها، من دون عرضها على القرآن "وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ"[61].
كما أنَّ القرآن يدعو إلى التعارف والمجادلة ودعوة الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة... هذه الأمّة الإسلاميّة (الأمّة الوسط) مكلّفة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"[62] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ"[74]، والله يأمرهم أنْ يقرنوا القولَ بالفعل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ"[75]. القرآن يعرّفُهم الولـيَّ الذي يجب أنْ يتّبعوه "وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ"[76] ويأمرهم أنْ يكونوا مع الصادقين "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ"[77]، وإنْ ظلّوا موالين للظالمين (لأميركا وإسرائيل) فهم بحكم المرتدّين، لأنَّهم لا يطيعون الله ورسولَه؛ وقد وعد الله المجتمع الإسلاميّ بالإتيان بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين، أعزّة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون في الحقّ لومة لائم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" "وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ"[78]. هذه الأمّة مأمورة بالاعتصام بحبل الله "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ"[79]، والروايات من طرق الفريقين، فسّرت حبلَ الله بالقرآن، كما أنَّ حديث الثقلين أيضًا من المتواترات التي أجمع على روايتها الفريقان.، وعدم الفرقة والبحث عن مواطن التقارب "وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"[63] لا تقبل ولاية أحد من خارج نسيج قيمها "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"[64]، هي أمّة واحدة وليست أممًا: ليست عربيّة ولا فارسيّة ولا هنديّة، ولا شرقيّة ولا غربيّة "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ"[65]. لا فضل لها على غيرها إلاّ بالتقوى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"[66]، وهي أمّة مجاهدة عزيزة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"[67] و "يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ"[68]، أمّة مؤمنين يقاتلون في سبيل الله "إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"[69]، ولا يركنون للظالمين، ولا يحالفون أعداء الدين "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"[70]، ولا الكافرين "الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً"[71] "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً"[72]، والمعضلة الكبرى أنَّ المسلمين المعاصرين لم يحدّدوا حتى الآن العدوّ من الصديق لأنَّهم مسلمون وليسوا مؤمنين "وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ"[73] و "
هذه الأمّة مكلّفةٌ بالإعداد العسكريّ الدائم، [الناتج عن تقدّمها العلميّ وتفوّقها التقنـيّ لا أنْ تكون سوقًا لمصانع أسلحة المستكبرين]، وذلك لتحصين بنيتها من أيّ اختراق "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ"[80]، ومأمورةٌ بالمرابطة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"[81]، ومأمورة بنشر قيم الخير والعدل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"[82]، ومنهيّة عن اتّباع الهوى وطاعة غير أولياء الأمر المؤمنين، وأولياءُ الأمر هم "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ"[83] وهي مأمورة بتوزيع ثورتها بين أفرادها على قاعدة التكافل، وانطلاقًا من هذه الثروة الشاملة، وانسجامًا مع روح الجماعة المؤمنة، كان من المنطقي أنْ تكون القيادة من سنخ الكتلة المؤمنة التي تنتمي إليها، ولا بدّ من أنْ تكون القيادةُ عالمةً بدينِها، وعاملةً به، وعالمةً بأحوال اجتماعها السياسيّ والاقتصاديّ، ومدركةً روحَ المشروعِ الإلٰهيِّ الهادف إلى إشاعة قيمِ الحقِّ والخير، ومحاصرةِ قيمِ الهوى والضلالِ والفسادِ والبغي.
الـهُويّة الإسلاميّة في السنّة:
سأكتفي في ما يتعلّق بالسنّة النبويّة، بما جاء في خطبة الرسول في حجّة الوداع، يوم الغدير، أو الخطبة الوصيّة[84]:
لعلّ هذه الخطبة[85]، هي خيرُ خطبة تشريعيّة تصوّر كيف كان الرسول يُنظّم هذا المجتمع الروحيّ، ويرسي قواعده[86]: "في السنة العاشرة للهجرة النبويّة، بعد أنْ انتهى الرسول من أداء فريضة الحجّ في مكّة المكرّمة وفي طريق العودة إلى المدينة تتبعه جموع الحجيج، وقبيل وصوله إلى "غدير خمّ"، حيث تتشعّب طرق المدنيّين والبَصريّين والعراقيّين نزلت عليه الآية: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ"[87].
عندئذ أمر الرسولُ، فجمعَ الناس وصلّى صلاةً، وألقى فيهم خطبةً، قال فيها بعد حمدالله": "أيّها الناس، هل تدرون في أيّ يوم أنتُم، وفي أيّ بلدٍ أنتم؟ قالوا:
"في يوم حرام وفي شهر حرام، وفي بلدٍ حرام"، ثم قال: "الحمدلله نحمدُهُ ونستعينُه. ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسِنا، ومن سيّئاتِ أعمالِنا، من يهدِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنَّ لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأنَّ محمّدًا عبدُه ورسوله. أوصيكم، عباد الله، بتقوى الله، وأحثُّكم على طاعَتِه، واستفتِحُ بالذي هو خير. أما بعد، أيّها الناس! اسمعوا مني أبيِّنْ لَكُم، فإنّي لا أدري، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا، وهنا قال للناس، وقد رفع يدَ عليّ: ألستُ أوْلى بالمؤمنين من أنفسِهم، قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللَّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبَّ من أحبَّه، وابغض من أبغَضَهُ وانصرْ من نَصَره، وأعِنْ من أعانَه، واخذل من خذله، وأدِرِ الحقّ معه حيث دار".
أيّها الناسُ إنَّ دماءَكم وأموالَكُم عليكُم حرام، إلى أنْ تلقوا ربَّكم، كحرمَةِ يومِكُم هذا في شهرِكُم هذا، في بلدِكُم هذا، ألا هل بلَّغت؟ اللَّهم أشهد.
فمن كانت عنده أمانةٌ فليؤدِّها إلى الذي ائْتَمَنَهُ عليها، وإنَّ رِبا الجاهليّةِ موضوعٌ[88]، وإنَّ أوَّلَ ربا أبدأ به ربا عمّي العبّاسِ بنِ عبدِ المطّلبِ، وإنَّ مآثرَ الجاهليّةِ موضوعةٌ غير السِّدانة[89] والسِّقاية[90] والعَمْدُ قودٌ[91]، وشبهُ العَمْدِ ما قُتل بالعصا والحجر، وفيه مئةُ بعيرٍ، فمن زادَ فهو من أهلِ الجاهليّة.
أيّها الناسُ! إنَّ الشيطانَ قد يئِسَ أنْ يُعبَدَ في أرضِكُم هذه، ولكنَّه قد رضيَ، أنْ يُطاعَ في ما سوى ذلك مما تحقّرون من أعمالكم.
أيّها الناسُ: "إنّما النسيءٌ[92] زيادةٌ في الكفرِ يَضِلُّ به الذين كفروا، يحلّونه عامًا ويُحرِّمونه عامًا، ليواطئوا عدَّة ما حرَّم الله، إنَّ الزَّمانَ قد استدار كهيئته يوم خلق الله السمواتِ والأرضَ، وإنَّ عدّة الشهورِ عند الله اثنا عَشَر شهرًا في كتاب الله، يومَ خَلَقَ السمواتِ والأرضَ، فيها أربعةٌ حُرُمٌ: ثلاثة متوالياتٌ وواحدٌ فردٌ: ذو القعدة وذو الحجَّة والمحرَّم ورجب، الذي بين جمادى وشعبان، ألا هَلْ بلّغْتُ؟ اللَّهمَ أشْهد.
أيُّها الناس! إنَّ لنسائِكُم عليكم حقًا، ولكم عليهِنَّ حقٌ، لكم عليهنَّ أن لا يوطِئْنَ فرشَكُم غيرَكُم، ولا يُدخِلْنَ أحدًا تكرهونه بيوتَكُم إلاّ بإذنكم، ولا يأتينَ بفاحشةٍ مبيّنة، فإنْ فعَلْنَ فإنَّ اللهَ قد أذِنَ لكُم أنْ تعضِلوهُنَّ، وتهجروهُنَّ في المضاجِع وتضربوهنَّ ضربًا غير مبرّح[93]، فإن انتهَيْنَ وأطعْنَكُم، فعليكُم رزقُهُنَّ وكُسوتُهنَّ بالمعروف، وإنَّما النساءُ عوانٍ لا يملِكنَ لأنفسهنَّ شيئًا، أخذتموهنَّ بأمانةِ الله، واستحَلْتُم فروجَهُنَّ بكلمةِ الله، فاتقوا اللهَ في النساءِ واستوصوا بهنَّ خيرًا، ألا هل بلّغت اللَّهم أشهد.
أيّها الناس! إنَّما المؤمنون أخوةٌ ولا يَحِلُّ لامرىءٍ مُسلمٍ مالُ أخيه إلاّ عن طيبِ نفسٍ، ألا هل بلّغتُ؟ اللَّهُمَّ اشهد.
فلا ترجِعُنَّ بعدي كُفّارًا يضرِبُ بعضُكُم رقابَ بعضٍ، فإنّي قد تركتُ فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله طرفٌ بيد الله عزّ وجلّ، وطرفٌ بأيديكم وعِترتي أهل بيتي، فتمسّكوا بهم، ولا تضلّوا، ألا هل بلَّغتُ اللَّهُمَّ اشهد.
أيّها الناسُ إنَّ ربّكم واحدٌ وإنَّ أباكم واحدٌ، كلُّكُم لآدمَ وآدمُ من تراب، إنَّ أكرَمَكُم عندَ الله أتقاكُم، إنَّ اللهَ عليمٌ خبير، وليس لعربـيٍّ على عجميٍّ فضلٌ إلاّ بالتقوى، ألا هل بلغت؟ اللَّهُمَّ اشهد. قالوا: نعم، قال: فلْيُبلِّغِ الشاهدُ الغائبَ.
أيُّها الناس! إنَّ الله قسَم لكلٍّ وارثٍ نصيبَه من الميراث فلا تجوزُ وصيَّةٌ لوارثٍ في أكثر من الثلث، والولَدُ للفراشِ، وللعاهر الـحَجْرُ. من ادّعى لغير أبيه أو تولّى غيرَ مواليه، فعليه لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجمعين، لا يُقبل منه صَرْفٌ ولا عدلٌ. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
كانت هذه الخطبة آخرَ خطبةٍ للرسولِ، لذلك أراد أنْ يُعيد على مسامع المسلمين (وقد أحسَّ بقرب الأجلِ)، بعضَ الوصايا وبعضَ ما حرّمَ الله عزّ وجلّ في كتابِهِ العزيز. ومن المسلّم به أنَّ هذه المواضيعَ الواردةَ كلَّها في النصّ القرآنـيّ، كان الرسولُ قد شَرَحها وفصَّلها حين نزولِ الآيات المتعلّقة بها.
إذًا لماذا التركيز على هذه المواضيع دون غيرها؟
(التحذير من البغي والعدوان، والعودة إلى سنن الجاهليّة)؟
ألا يحق لنا أنْ نتساءل هنا عن ذلك؟ أكان الرسولُ يحدِسُ أنَّ العرَبَ، لن يتخلَّوْا بسرعةٍ عن عاداتهم التي نشأوا عليها، وأنَّهم سيعودون بعد وفاتِهِ إلى سيرتهم الأولى؛ فأراد أنْ تكونَ خطبتُهُ الأخيرةُ تحذيرًا لهم، ودستورًا يسيرون على نهجة في الآتي من الأيّام؟
لا شك أنَّ النبـيّ قد عانى من نِفاق القوم ما عانى، وعانى من قلَّةِ فهمهم وانقيادهم لتعاليم الدين الحنيف، وبساطة تفكيرهم، على الرَّغم من تحذير القرآن من اتباع الطرق، التي تضلّ بهم عن الطريق المستقيم، لذلك جاء تركيز الرسول في خطبته على المواضيع المرتبطة بعادات القوم، التي يخشى من أنْ يعودوا إليها بعد وفاته:
- التوحيد الخالص والإيمان الكامل، لا يكتمل إلاّ بالإيمان بما جاء في كتاب الله العزيز، وما أوصى به رسولُه الكريمُ:
فدماءُ المسلمين حرامٌ كأموالهم، فلا قتلَ ولا نهبَ ولا سلبَ، لقد انتهى قتلُ النفسِ المحرّمَةِ وانتهى قطعُ الطرق، وانتهتِ الخياناتُ بجميع ضُروبِها، فمن كان عندَهُ أمانةٌ فليؤَدِّها وليتخلَّ المؤمنُ عن عاداتِهِ وتقاليدِهِ الجاهليّة.
العادة الأولى: التي حرّمها الدين ويذكّرُهُم الرسولُ للمرّة الأخيرة بحرمتها، هي عادةُ الثأر إذ جعل حقّ الدمّ للدولة، فالقاتلُ المتعمِّدُ تقتلُهُ الدولةُ بصاحبِهِ، أما من قُتلَ خطأً فديّته ناقة لا تزيد... (مع ذلك مضى على تحريم عادة الثأر تحريمًا قاطعًا ما يزيد على أربعة عشر قرنًا؛ ولا تزال سارية ومستحكمة في كثير من المناطق، التي تتبع عاداتها البدوية أكثر مما تتبع تعاليم القرآن، وتعاليم الرسول).
العادة الثانية: المرتبطة بتنظيم المجتمع اقتصاديًّا هي عادة الرّبا التي حرّمها القرآن تحريمًا قاطعًا وها الرسول يعيد على مسامع الناس أنّها محرّمة.
العادة الثالثة: التي تخالف العقل والمنطق وتشبه (لعب الأطفال)، هي عادة النسيء، وتأجيل شهر أو تقديمه.
رابعًا: على الرغم من الحقوق التي أعطاها الإسلام للمرأة، ولكنَّ نظرة العرب الدونية إلى المرأة، ما كان من الممكن أنْ تتغيّر بين ليلة وضحاها، لذلك كان تركيز الرسول في الخطبة، الوصيةِ هذه، على الحقوق التي أعطاها الله للنِّساء، ويوصيهم بهن خيرًا: ليس للرجل من حقّ على المرأة سوى حقّ واحد هو أنْ لا تخونه: وفي ما عدا ذلك فإنَّ من واجب الرجل حمايَتَها ورعايتَها والإنفاقَ عليها...
خامسًا: يدعو إلى صيانةِ الرّوابطِ الدينيّةِ والأخويَّةِ بين المؤمنين.
سادسًا: يُعلِنَ المساواةَ التاَّمَّة بين المسلمين، وبينَ الناس عامَّةً، بِغَضِّ النَّظَرِ عن الجِنْسِ واللَّونِ، (وهذا ما سينساه المسلمون بعد قليل، حين سيعمد الأمويّين إلى تحكيم العرب في رقاب الناس، ويمارسون تمييزًا عنصريًّا بحقِّ المسلمين من غير العرب). وإلاّ، من أين أتت هذه العصبيّات القوميّة والعرقيّة، ومن ثمَّ المذهبيّة التي فرّقتهم ولا تزال؟
سابعًا: من المواضيع التي حدّدها القرآن موضوع الإرث، ولكنَّ النبـيَّ أيضًا (لأنَّه يعرف تعلّق بني آدم بالمال)، يذّكرهم أنَّ الله، قد قسّم لكل وارثٍ نصيبَهُ من الميراث، وأنَّه لا يجوز لوارثٍ وصيّة، ولا يجوز وصيّة في أكثر من الثلث: كي لا يُحْرَمَ أصحابُ الحقوقِ من حقوقهم.
ثامنًا: يوصي أنَّ الولد للفراش، ويذكر بحرمة الانتساب إلى غير الآباء (كأنْ لم يسمع الجميع هذه الوصيّة، وإلاّ فلماذا خالفها معاوية ونَسَبَ زيادَ بنَ سميّةَ إلى أبي سفيان؟).
لقد بدأ الرسول الخطبةَ بأسلوبِ الاستفهامِ الإنكاريِّ، الذي ينبّه الأذهانَ الغافلة، ويحرّكُ العقولَ الراكدة، ويقيم جسرًا من التواصل بين الخطيب وبين المستعين، فالخطيب هنا، يريد التعليم، وهذا الأسلوبُ التعليميُّ واضحٌ في طريقة العرض، وفي التدرّجِ من العام إلى الخاص.
الأسلوبُ التعليميُّ في الاستفهام: ثم في الإجابة عن الأسئلة المطروحة وبالتدرج من العام: "أوصيكم بتقوى الله، وأحثكم على طاعته" إلى الخاص تقوى الله تتمثّل في اتّباع التعاليم التالية... أيضًا تتابعت التعاليم بحسب أهمّيّتها، أو بحسب استحكام العادات التي يريدهم أنْ يتخلّصوا منها في نفوسهم.
إنَّ تكرار يا أيّها الناس: تأكيد على أنَّ الوصية عامة، وغير متعلّقة بالمسلمين المعاصرين للدعوة، أو بالعرب وحدهم، وإنَّما هي للناس في كلّ زمان ومكان. أمّا تكرار ألا هل بلغت: اللَّهم أشهد؟ فتأكيد على أنَّ الرسول يُذَكِّرُهُم بأنَّه رسولُ الله وبأنَّ عليه إبلاغهم، وقد أبلغهم قبل هذه الخطبة- وعلى مدى ثلاثين وعشرين سنة من قبل- كلامَ ربّه، وإنَّما يريد هنا أنْ يضع عليهم الحجّة، فمن تناسى ما في كتاب الله، ها هو يُذَكِّرُهُم به للمرَّةِ الأخيرة: كما أنَّه يريد أنْ يبلّغهم شيئًا آخر، ولكنَّه غير واثق منهم!! وهو ما أمره الله عزّ وجلّ بتبليغه:
"يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ"[94]:
ما هو الأمر الذي يجب أنْ يبلّغ به الرسولُ الناسَ؟ إنَّه من دون أدنى ريب موضوع الولاية، وعلى هذا الأساس بعد أنْ أنهى النبـيُّ خطبتَه: نزل عليه الوحي للمرّة الأخيرة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً"[95].
أنهي كلامي على الـهُويّة الإسلاميّة في القرآن والسنّة، بدعوة المسلمين ليكونوا مصداق ما أمرهم به الله عزّ وجلّ، وأنْ يُعيدوا النظر في أقوالهم وأفعالهم، ويتخلّوا عن موروثاتهم المنافضة للكتاب وللسنّة الصحيحة، بأنْ يزِنوها بميزان القرآن، ويكدحوا لتنقية دينهم مـمّا علِق به من غبار التاريخ... أمّا بالنسبة إلى نظام الحكم الذي يجب أنْ يُتّبع، فأنصحهم بإعادة قراءة وصيّة الخليفة الرابع الإمام عليّ عليه السلام إلى واليه على مصر (مالك الأشتر)[96]، والذي يحدّد فيه دور الوالي (الحاكم) الاقتصاديّ والعسكريّ والرِّعائيّ والدنيويّ، ويدعو فيه إلى ممارسة الحكم كما يجب أنْ يكون، لا كما هو في الواقع، متجاوزًا فيه عصرَه وناسَ عصره، ليكون معيارًا للحكم في كلِّ عصرٍ ومِصر. 
المصادر والمراجع:
فضلاً عن القرآن الكريم:
1- بهاء الدين العامليّ، أدبيًا وفقيهًا وعالـمًا. د. دلال عباس، دار الحوار، بيروت، سنة 1995م. دار المؤرّخ العربـيّ، 2010م.
2- البيان والتبيين للجاحظ، دار الفكر، بيروت، لا. ت.
3- التصوير الفنّيّ في القرآن. سيد قطب. دار الشروق سنة 1992م.
4- التفسير الكاشف لمحمّد جواد مغنية، دار العلم للملايين، بيروت، سنة 1981م.
5- تفسير الميزان، للطباطبائيّ، مؤسّسة الأعلميّ، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1972م.
6- جمهرة خطب العرب، أحمد زكي صفوت، ط. الحلبـيّ، مصر، سنة 1933م.
7- دلائل الإعجاز: عبد القاهر الجرجانـيّ، مكتبة القاهرة، الطبعة الأولى، 1389ﻫ، سنة 1969م.
8- السيرة النبويّة لابن هشام، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، لبنان 1975م.
9- علوم الحديث ومصطلحه، د. صبحي الصالح، دار العلم للملايين، بيروت، سنة 1965م.
10- في ظلال القرآن، سيد قطب، القاهرة، دار إحياء الكتب العربيّة، لا. ت.
11- القرآن والشعر، د. دلال عباس، دار المواسم، بيروت، ط4، 2009م.
12- مباحث في علوم القرآن، د. صبحي الصالح، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة، سنة 1965م.
13- نهج البلاغة، شرح ابن أبي الحديد، دار الأندلس، بيروت، لا. ت.
14- نهج البلاغة، شرح الشيخ محمّد عبده، دار البلاغة، الطبعة الأولى، سنة 1989م.


[1]- موسوعة لالاند الفلسفيّة- دار عويدات، بيروت 2008م، مادّة Identité.
[2]- الموسوعة الفلسفيّة، م. روزنتال، ب. يورين، ترجمة سمير كرم، دار الطليعة، بيروت 1997م، مادّة "الـهُويّة".
[3]- المعجم الفلسفيّ، د. جميل صليبا، مج2، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1982م، مادّة "الـهُويّة".
[4]- س. آل عمران، ي 19.
[5]- س الزّمر/ي 22.
[6]- س آل عمران، ي 85.
[7]- س النساء/ي 125.
[8]- س آل عمران/ي 67.
[9]- س القيامة، ي 17- 18.
[10]- دلال عباس، القرآن والشعر، ص 73 وما بعدها.
[11]- س. آل عمران، ي 7.
[12]- س. الطارق، ي 14.
[13]- س. الإسراء، ي 105.
[14]- س. الأنعام، ي 38.
[15]- س. الإسراء، ي 9.
[16]- س. الإسراء، ي 82.
[17]- س الزمر/ي 28.
[18]- س البقرة/ي 2.
[19]- س هود/ي 1.
[20]- س الأنعام/ي 114.
[21]- س المائدة/ي 3.
[22]- س يونس/ي 37.
[23]- س يوسف/ي111.
[24]- س الكهف/ي49.
[25]- س طه/ي52.
[26]- س الشعراء/ي2.
[27]- س النمل/ي1.
[28]- س القصص/ي 1- 2.
[29]- س السجدة/ي2.
[30]- السيوطيّ: الإتقان في علوم القرآن: ج2، ص 175.
[31]- أنظر، صبحي الصالح، علوم الحديث ومصطلحه، ص4، نقلاً عن أبي البقاء: هديّة العارفين، مج1، ص 229.
[32]- أنظر دلال عباس "بهاء الدين العامليّ أديبًا وفقيهًا وعالمًا"، فصل الكتب المنسوبة إلى البهائيّ (الخرافات المنسوبة إلى النبـيّ في كتاب المخلاة المطبوع، الذي أثبتنا أنّه ليس لبهاء الدين العامليّ). وكذلك مصادر اللغة لعبد الحميد الشلقاني، ص 158- 160.
[33]- الطباطبائيّ، الميزان، ذيل تفسير الآيات 15- 19 من سورة المائدة، مج9، ص 275.
[34]- س. النحل، ي 44.
[35]- س الأحزاب/ي 59.
[36]- أقرّت الصين قانونًا جديدًا يصبح ساريَ المفعول في مطلع تموز من العام 2013 يلزم الأبناء بزيارة أهاليهم تحت طائلة مقاضاتهم أمام المحاكم في حال المخالفة. وذلك كما يقول القانون (للمحافظة على بناء وشكل الأسرة الصينيّة).
[37]- س الشورى/ي 13.
[38]- س الشمس/ي 8.
[39]- س. الطلاق، ي 2.
[40]- س. الأنفال، ي 29.
[41]- الميزان، ج6، ص 276.
[42]- س محمّد/ي 24.
[43]- س الطارق/ي14.
[44]- س البقرة/ي 143.
[45]- س الحج/ي78.
[46]- س البقرة/ي129.
[47]- س الإسراء/ي 29.
[48]- س الإسراء/ي 27.
[49]- س التوبة/ي 34.
[50]- س الملك/ي 15.
[51]- س الجمعة/ي 10.
[52]- س الانشقاق/ي 6.
[53]- س البقرة/ي 267.
[54]- س آل عمران/ي 113- 114- 115.
[55]- س آل عمران/ي 17- 104.
[56]- س التوبة/ي 112.
[57]- س البقرة/ي 128
[58]- س النساء/ي 125.
[59]- س الغاشية/ي 17.
[60]- س سبأ/ي 26.
[61]- س الزخرف/ي 23.
[62]- س آل عمران/ي 104.
[63]- س آل عمران/ي 105.
[64]- س التوبة/ي 71.
[65]- س الأنبياء/ي 92.
[66]- س الحجرات/ي 13.
[67]- س المائدة/ي 54.
[68]- س المنافقون/ي 8.
[69]- س التوبة/ي 111.
[70]- س المائدة/ي 51.
[71]- س النساء/ي 139.
[72]- س النساء/ي 144.
[73]- س المائدة/ي 81.
[74]- س الممتحنة/ي 1.
[75]- س الصف/ي 2-4.
[76]- س المائدة/ي 56.
[77]- س التوبة/ي 119.
[78]- س المائدة/ي 54- 55- 56.
[79]- س آل عمران/ي102.
[80]- س الأنفال/ي 60.
[81]- س آل عمران/ي200.
[82]- س المائدة/ي 2.
[83]- س المائدة/ي 55.
[84]- السيرة النبويّة لابن هشام، مج2، حوادث السنة العاشرة من الهجرة. "البيان والتبيين" للجاحظ، مج2، ص 31؛ والغدير في الكتاب والسنّة والأدب" لعبد الحسين الأمينـيّ، مج1، ص 10؛ وأحمد زكي صفوت: جمهرة خطب العرب، الخطبو 53، ص 57.
[85]- راجع دراسة الخطية تفصيليًّا في دلال عباس، القرآن والشعر، م. س، ص 215 وما بعدها.
[86]- س المائدة/ي67.
[87]- "البيان والتبيين" للجاحظ ج2 ص 31 و"الغدير في الكتاب والسنّة والأدب" للأمينـيّ (عبد الحسين) ج1، ص 10، وأحمد زكي صفوت: "جمهرة خطب العرب" الخطبة/53 ص 57.
[88]- موضوعٌ: ساقط ومحرَّم.
[89]- السدانة: خدمة الكعبة.
[90]- السقاية: ساقية قريش للحجاج.
[91]- العمد: القتل المتعمّد، والقود: قتل القاتل بقاتله.
[92]- النسيء: شهر المحرم، كانوا يحرمونه عامًا، وعامًا يحلّونه إذا أرادوا الإغارة، فيقولون إنّه بعد صفر ويؤجّلونه.
[93]- تعضلوهنَّ: تضيّقوا عليهن- الضرب غير المبرّح: الضرب الخفيف.
[94]- س. المائدة، ي 67.
[95]- س. المائدة، ي 3.
[96]- ورد نصّ الخطبة كاملاً في نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، ص 604- 630 ونهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد، الجزء الرابع- دار الأندلس- لا. ت من ص 119- 130. ودراسة الخطبة كاملةً في كتاب القرآن والشعر، د. دلال عباس، م. س، ص 231 وما بعدها.