مصر وإيران في مواجهة الوهابية

مصر وإيران في مواجهة الوهابية

 

مصر وإيران في مواجهة الوهابية

 

أستاذ دكتور: أحمد راسم النفيس

مصر

 

عندما انطلقت الحركة الوهابية خارج الجزيرة العربية نهاية القرن الثامن عشر في محاولة منها لتوسيع نفوذها وإقامة إمبراطورية تشمل سوريا والعراق لم تتعامل الدولة العثمانية مع هذا التطور الخطير بالجدية اللازمة معولة على دور ولاتها في هذه البلدان وهو دور ثبت بالدليل القاطع أنه لا يغني ولا يسمن من جوع.

تزامنت الهجمة الوهابية على الشام والعراق مع الغزو الفرنسي لمصر مما يضعنا أمام احتمال واقعي أن هذا التزامن لم يكن مجرد مصادفة بل عمل منسق، حيث وجد الوهابيون ألا إشارات حمراء تعترض طريقهم للتمدد شمالا.

الربط بين التمدد الوهابي قديما وحديثا ومدى الاستقرار في دول الإقليم المركزية ربط منطقي تؤكده حقائق التاريخ ومفاده أن غياب الأمن والاستقرار في هذه الدول يعطي الوهابيين وأذرعتهم فرصة الانتشار والتمدد في الإقليم والعكس تماما هو الصحيح.

كما يمكننا القول أن مواجهة الوهابية التخريبية لا ترتبط بالضرورة بموقف فكري أو مذهبي أو عقدي بعينه بل بإعلاء قيم الحضارة والترقي في بلدان المركز الحضاري.

هذه القيمة الحقيقية والدور الحضاري الذي قامت به مصر أغلب فترات تاريخها وهو دور سعى ويسعى الحلف الصهيو وهابي لإلغائه أو لتحييده حيث يبدو واضحا تعثر محاولات ضم مصر بصورة تامة لهذا التحالف الشيطاني.

الآن عاد الدور المصري المعطل والمحبِط للتمدد الوهابي مرة أخرى للظهور رغم كل ما مر على هذا البلد من محن وويلات، إلا أن الشيء المؤكد أنه دور هام وجوهري لا يمكن الاستغناء عنه أو تجاهله، مهما كانت تقلبات السياسة وأدوارها.

أيضا فمن الضروري أن نطرح سؤالا عن جدوى وجود الدولة العثمانية التي زعمت وما تزال تزعم أنها دافعت عن الإسلام والمسلمين وأنها لم تقابل بما تستحقه من الاحترام والتبجيل!!.

تعرضت المراقد المقدسة في العراق الأقرب إلى القلب والجغرافيا الإيرانية لعديد الهجمات البربرية من قبل دواعش آل سعود الذين عاثوا في الأرض فسادا وهي هجمات لا تختلف كثيرا عن هجمات دواعش 2014 التي انطلقت من الشمال أما في السابق فجاءت من الجنوب، أي أنه لم يكن مطلوبا من هؤلاء الهمج سوى عبور الحدود الصحراوية الفاصلة بين جزيرة العرب والعراق ليكونوا على تماس مع النجف الأشرف وكربلاء.

حسب رواية أليكسي فاسيلييف في كتابه (تاريخ آل سعود):

في عام 1799مـ وصل إلى بغداد ممثل ابن سعود لأجل مصادقة الوالي على الاتفاق بين سعود وعلي باشا قائد الجيش العراقي. يصف ح. بريجيز اللقاء. فاستقبلت رسول الدرعية بطانة سليمان باشا مرتدين أفخر الألبسة وقد ارتسمت إمارات الغضب على وجوههم. وكان الرسول الوهابي في لباس متواضع، وقد أبعد مستقبليه وتوجه رأساً نحو سليمان باشا الذي كان يرتدي لباساً من حرير وفروا مزيناً بأحجار كريمة. وجلس الرسول جنب الباشا وقال له ما فحواه: يا سليمان السلام على من أتبع الهدى. بعثني عبد العزيز لأسلمك هذه الرسالة واستلم منك تصديقاً على الاتفاقية الموقعة بين أبنه سعود وخادمك علي، فليتم ذلك بسرعة وبالشكل الصحيح. ولعنة الله على من يخون. ثم أضاف بلهجة شديدة: إذا كنت تنشد النصح فاستنصح عبد العزيز. ملمحاً إلى أن الوهابيين يعتبرون سليمان من المشركين. ومد  يده إلى الوالي بالاتفاقية المكتوبة على قصاصة من ورق.

كان واضحاً أن حكام الدرعية لا يقيمون ثمناً للاتفاقية مع والي بغداد. وتوجه مبعوث خاص من سليمان باشا إلى الدرعية لأجل التفاوض مع سعود. وحاول أن يحصل على التزامات من الوهابيين بعدم مهاجمة العتبات الإسلامية في الفرات الأوسط لكن سعودا قهقه وقال لرسول الوالي: "جميع غربي الفرات لنا وشرقيه له".

ومما شجع الوهابيين الأنباء التي وردت عن دخول جيش نابليون إلى مصر  في عام 1798 وعجز الباب العالي أمام الغازي الفرنسي.

في عام 1801 خرج الفرنسيون من مصر. وغدت الجزيرة العربية طرفاً بعيداً عن مسرح العمليات الحربية الرئيسي. وهذا ما أطلق أيدي الوهابيين في مواصلة توسعهم.

تدمير كربلاء. اختمرت لدى أمراء الدرعية خطة الاستيلاء على كربلاء وفيها العتبات المقدسة الشيعية التي يكرهونها ويرونها أصناما تعبد من دون الله يتعين محوها، وخصوصاً ضريح الإمام الحسين حفيد النبي محمد. وحقق الوهابيون نواياهم في آذار _ نيسان (مارس _ إبريل) 1802.

وكان نادر شاه قد نقل إلى ضريح الإمام الحسين وضريح الإمام علي بن أبي طالب قسماً كبيراً من الغنائم الوافرة التي جلبها من حملته على الهند وقدم معه ثرواته الشخصية وهي ثروات هائلة أثارت شهية الوهابيين وجشعهم منذ أمد طويل. فقد كانوا دوماً يحلمون بنهب هذه المدينة وكانوا واثقين من نجاحهم لدرجة أن دائنيهم حددوا موعد تسديد الديون في ذلك اليوم الذي تتحقق فيه أحلامهم.

وفي يوم20 نيسان (إبريل) 1802م هجم 12 ألف وهابي فجأة على ضريح الإمام الحسين. وبعد أن استولوا على الغنائم الهائلة التي لم تحمل لهم مثلها أكبر الانتصارات، تركوا كل ما تبقى للنار والسيف… وهلك العجزة والأطفال والنساء جميعاً بسيوف هؤلاء البرابرة. وكانت قساوتهم لا تشبع ولا ترتوي فلم يتوقفوا عن القتل حتى سالت الدماء أنهاراً… وبنتيجة هذه الكارثة الدموية هلك أكثر من أربعة آلاف شخص… ونقل الوهابيون ما نهبوه على  أكثر من أربعة آلاف جمل.

وبعد النهب والقتل دمروا ضريح الإمام وحولوه إلى كومة من الأقذار والدماء وحطموا المنائر والقباب خصوصاً لأنهم يعتقدون بأن الطابق الذي بنيت منه مصبوب من الذهب".

وبهذه الصبغة نفسها تقريباً، يصف منجين تدمير كربلاء ولكنه يقول أن الوهابيين أقدموا على مجزرة في المدينة، ودمروا قبة ضريح الحسين. وحصل الوهابيون على كثير من الغنائم، المرصعة بالأحجار الكريمة، ولؤلؤة هائلة بحجم بيضة الحمام وقد استأثر سعود شخصياً بالسيوف واللؤلؤة. واستولوا كذلك على مزهريات وفوانيس من المعادن النفسية وحلى ذهبية ملبسة على الجدران وسجاجيد فارسية ونحاس ملبّس بالذهب من السطوح. ووقعت في أيدي الوهابيين كذلك احتياطيات فوطات كشمير والأقمشة الهندية وألفان من السيوف العادية وألفان وخمسمائة بندقية وعبيد سود ومبالغ طائلة من النقود المعدنية. واستمر النهب ثماني ساعات. وعند الظهر غادر الوهابيون كربلاء.

في كتابه (عنوان المجد في تاريخ نجد) ج 1 يورد مؤرخ الوهابية عثمان ابن بشر نفس المعلومات بقوله: ثم دخلت سنة 1216هـ الموافقة لعام 1801 مـ وفيها سار سعود بالجيوش المنصورة والخيل العتاق المشهورة من جميع حاضر نجد وباديها والجنوب والحجاز وتهامة وغير ذلك وقصدوا أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين وذلك في ذي القعدة فحشد عليها المسلمون وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في السواق والبيوت وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين وأخذوا ما في القبة وما حولها وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت والجواهر واخذوا جميع ما وجدوا في البلد من الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال وقتل من أهلها قرابة ألفا رجل.

الهجوم على كربلاء مرة أخرى

وفي سنة 1223هـ (1808) مـ  سار سعود في جمادى الأولى متوجها نحو العراق ونازل أهل بلد الحسين فوجدهم محصنين بلدهم بسور عظيم وجنود جمعوها وذلك بعد أخذه لبلادهم عنوة كما ذكرنا سابقا. فحشد المسلمون على السور السلالم ووقع عنده رمي وقتال شديد، فلما علم سعود بإحصان بلدهم وعظم سورها كف المسلمين بعد أن كادوا يتجاوزون السور وينزلوا فيه فرحل عنها ونزل على بلد شثاثا المعروفة في العراق فهرب أهلها في رؤوس الجبال واستولى على بلدهم ثم أرسل إليهم وأعطاهم الأمان ومن عليهم ببلدهم وما فيها وأخذ جميع ما عندهم من الخيل. ثم سار إلى البصرة وسار المسلمون على جنوبها ونهبوا فيه وقتلوا قتلا[1].

الهجوم على النجف الأشرف

وفي سنة 1220هـ 1805مـ  سار سعود بجيوشه من جميع نجد ونواحيها وبواديها وقصد جهة الشمال ونازل بلد المشهد المعروف في العراق وفرق المسلمين عليه من كل جهة وأمرهم أن يتسوروا الجدار على أهله فلما قربوا منه إذا دونه خندق عريض عميق فلم يقدروا على الوصول إليه وجرى بينهم مناوشة ورمي من السور والبروج فقتل من المسلمين عدة قتلى ورجعوا عنه ثم رحل عنه سعود وأغار على الرملات من عربان غزية فأخذ مواشيهم ثم ورد الهندية المعروفة ثم اجتاز بحلل الخزاعل وجرى بينه وبينهم قتال وطراد خيل.

ثم قصد السماوة وحاصر أهلها وأخذ من نواحيها ودمر اشجارها ووقع بينهم رمي وقتال ثم رحل منها وقصد البصرة ونازل أهل بلد الزبير ووقع بينهم وبين أهله مناوشة رمي ورحل منه إلى وطنه. ثم ارتحل منها ابن سعود على الماء المعروف بالأبيض فجمع الغنائم وعزل أخماسها وقسم باقيها على المسلمين غنيمة للراجل سهم وللفارس سهمان ثم ارتحل قافلا إلى وطنه[2].

يبدو واضحا أن الدولة العثمانية ورجالها في العراق كانت قد بلغت غاية الضعف والتحلل حيث كشفت هذه الهجمات البربرية مدى هزالها وعجزها عن القيام بالحد الأدنى من واجباتها في مواجهة الخطر الوهابي الداعشي الذي أسفر عن نواياه واضحة من خلال الهجمات التي شنها على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، مما أثار قلق الحكومة الإيرانية آنئذ.

كما بدا واضحا من تبجح ووقاحة ابن سعود وقوله (جميغ غرب الفرات لنا) أنه كان عاقد النية على مهاجمة النجف الأشرف وكربلاء كونها غرب الفرات وهي استراتيجية العقل الباطن الوهابي من يومها وربما حتى الآن.

تنقل الوثائق التي جمعها علي موجان في كتابه (وثائق نجد) حال التخبط والتيه والعجز والغرور الذي عاشته الدولة العثمانية المتهالكة آنئذ وكلها علل مهلكة لأي دولة فما بالك بدولة كانت تدعي لنفسها آنئذ أنها حامية الحرمين الشريفين!!.

تلقي الوثيقة رقم 13 مزيدا من الضوء على حال التخبط الذي عانت منه الدولة العثمانية وعدم رغبتها في الاستعانة بجارتها إيران رغم فداحة الخطر الذي كان يتهدد وقتها المراقد المقدسة والذي ترجم بعد ذلك عدوانا وهابيا عليها لم يسبق له مثيل في أي عصر من العصور الذي تعرض فيه العراق للاحتلال الأجنبي مرورا بالغزو التتري الذي يضرب به المثل في البربرية والتوحش بينما كانت تزعم تلك الدولة قدرتها على القيام بكل ما يلزم وتعتبر العروض الإيرانية عدوان يوازي العدوان الوهابي.

رسالة من سليمان باشا والي بغداد إلى الباب العالي بتاريخ 7 محرم 1216هـ:

نحيطكم علما أن والدة باباخان صاحب السلطة في إيران متوجهة الآن إلى بغداد بغرض زيارة المشاهد المقدسة للإمام علي ع والإمام الحسين ع وسائر الأماكن المباركة، وإذ بالمشار إليها تسمع عند وصولها إلى همدان الشائعة التي انتشرت في إيران بشكل متكرر والتي تفيد أن القبيلة الوهابية  حاصرت بعدد كبير من الأفراد قصبتي الإمام علي والإمام الحسين عليهما السلام وقد كتبت رسالة إلى آقا محمد علي (حاكم كرمانشاه) أنها كتبت بعض التحريرات إلى ابنها بابا خان أن يرسل معها الكثير من الجنود بمعاونة المشار إليه (محمد علي)[3]...

وفي رسالة تالية من والي بغداد إلى الباب العالي (وثيقة 14)...

لقد حدثت بعض الآثار المخيفة بخصوص ملك إيران وابن سعود من المحتمل أن يتسببا في بعض المخاطر.. فقد تذرع ملك إيران بسوء نية ابن سعود المبتدع واتخذ من القضية السابقة ذريعة لنقض العهد وهو على مشارف إظهار العداء. لقد بذلنا جل الهمة للحفاظ على المناطق التي يحتمل وقوع التمرد فيها

وقد تم إرسال رسائل نصح إليه بواسطة معتمد يفهم لسان حاله ولكن كما يقولون (ما بالذات لا يزول) فإن من عادة ملوك إيران منذ القدم أنهم في الأوقات التي يجدون فيها في أنفسهم أثر القوة والاستقلال أو يحسون في هذا الطرف علامات الانشغال والاختلال فإنهم ينسون الصداقة والعهود ويغيرون سلوكهم وأطوارهم ويبادرون ما استطاعوا إلى التسلط والاستيلاء، ولأن ملك إيران الحالي يبدو شخصا صغير السن مغرورا وتابعا لهوى النفس وصادف استيلاؤه وتغلبه على كافة مناطق إيران فتنة الدولة العلية المقضة للمضاجع وسوء نية ابن سعود وسلوكه غير المناسب تجاه هذه المنطقة حيث افترض هذا المناطق سائبة.

وقد تعاملت مع المذكور (ملك إيران) بالرفق والمداراة لا لشيء إلا لكي لا تتكون حالة تؤدي إلى تهديد الدولة العلية حيث يبدو أن شائعات بلغت مسامعه تفيد بمحاصرة قصبات الإمامين علي والحسين والإحاطة بهما عند وصوله إلى همدان وكتبت لابنها أن يرسل عددا وفيرا من الجند وهو ينتظر خبرنا.

وقد كتبنا في الجواب أننا في ظل الملك ولا نحتاج إلى مساعدة أحد وقد خصصنا للحدود المؤونة والمضيفين بالمقدار الكافي.

وقد أشاع الملك مؤخرا أنه ينوي التوجه للزيارة شخصيا ورغم أن إطفاء شرارة مفسدة ابن سعود سوف يتم بعون الحق ودونما حاجة لعون من الخارج بواسطة الأسباب المتوفرة[4].

ورغم الفشل المزمن للحكومة العثمانية وولاتها في التصدي للتمدد الوهابي نلحظ بوضوح تلك النبرة المتغطرسة والادعاءات الفارغة:

نحن في ظل الملك ولا نحتاج إلى مساعدة أحد...

خصصنا للحدود المؤونة والمضيفين بالمقدار الكافي.

إن إطفاء شرارة مفسدة ابن سعود سوف يتم بعون الحق ودونما حاجة لعون من الخارج...

قبل أن يفيق العالم بعد تلك الطنطنات على هول الفاجعة التي لحقت بضريح الإمام الحسين عليه السلام وهي الفاجعة التي شكلت وصمة عار ليس في جبين الوهابيين فقط بل في جبين دولة الجعجعة الفارغة المسماة بالدولة العثمانية العلية!!.

من الواضح أن هذا الأحمق والي بغداد كان يرى الخطر ألإيراني مساويا للخطر الوهابي ولذا فقد رفض قبول أي مساعدة وهذا شأن البعض من يومها إلى يومنا هذا.

مصر تتصدى للوهابية

يقول موقع (مقاتل من الصحراء) الذي يديره خالد بن سلطان:

وتوقفت حملات الدولة السعودية على جنوبي العراق، لانشغالها بالإعداد لمواجهة خطر الزحف العسكري، القادم من مصر، من طريق واليها، محمد علي باشا، الذي نفذ أوامر السلطان، فأعد الحملات ضد الدرعية.

وعلى الرغم من أن التحركات السعودية ضد العراق، استمرت فترة طويلة، استغرقت حوالي ربع قرن (1202 ـ 1226ه/ 1788 ـ 1811م)، فإن النفوذ السعودي، لم يستطع أن يوطد قدمه في أي جزء من الأراضي العراقية، ولم تستطع الدرعية أن تعين لها عمالاً، في أي بلدة عراقية.

. العلاقة السعودية ـ الإيرانية

لم تكن علاقة الدولة السعودية الأولى بدولة العجم، في إيران، علاقة حسنة وقد ازدادت هذه العلاقة سوءاً، بعد غزو الدولة السعودية الأولى مناطق جنوبي العراق وهدم المزارات الشيعية، في كربلاء والنجف، عام 1216 هـ/1801م.

وبعد هذا الغزو، تحرك الشعور الإيراني تجاه الدولة السعودية، وقرر شاه العجم، أن يتدخل، وأبدى استعداده لغزو السعوديين. وأخبر بذلك الوالي العثماني في العراق، بل هدد بغزو العراق، إذا لم تستجب الدولة العثمانية مطلبه، وهو الانتقام من الدولة السعودية، من طريق إرسال حملة عسكرية عثمانية قوية، من العراق، ضد السعوديين.

وساعد شاه إيران حاكم مسقط، عام 1217 هـ/1802م، ضد آل خليفة في البحرين، الذين كان يدعمهم آل سعود لاسترداد البحرين. واستمرت إيران في تقديم المساعدات العسكرية إلى حاكم مسقط، وتمكنت قوات مسقط من هزيمة آل خليفة وحلفائهم السعوديين.

وعندما بدأت القوات السعودية تغزو عُمان وتهدد سلطان مسقط، أسرعت الحكومة الفارسية بتقديم المساعدات لسلطان مسقط للوقوف في وجه السعوديين. وساءت العلاقة بين الدولة السعودية وبين دولة الفرس، عام 1225هـ/1810م، حينما استعان آل خليفة بالفرس وحكام مسقط، على استرداد البحرين من القوات السعودية.

ويلاحظ أن الخلاف القائم بين السعودية ودولة العجم، كان قد استغله حكام مسقط، وغيرهم في مناطق الخليج العربي، في إقامة نوع من الوفاق بينهم وبين دولة الفرس. وقد عبرت البعثة الدبلوماسية، التي أرسلها السيد سعيد بن سلطان، برئاسة السيد سالم، إلى بلاط الشاه، عام 1226 هـ/1811م، عن هذا الوفاق؛ إذ كان هدفها إقامة معاهدة تحالف، بين مسقط وبين فارس. وقد نجحت هذه البعثة في تحقيق هدفها. وكان من ثمار ذلك، أن ساعدت فارس حكومة مسقط، بقوات عسكرية، بقيادة صادي خان، فحاربت إلى جانب قواتها ضد السعوديين، في عمان، واستردت حصون سمايل ونخل.

وتذكر سجلات حكومة بومباي، أن الإمام سعود بن عبدالعزيز، خشي قيام تعاون فارسي ـ عماني، فأسرع بإرسال مبعوث خاص إلى شاه إيران، لإقامة علاقات ودية بين الدولتَين، الهدف منها تضييع الفرصة على حاكم مسقط. إلا أن هذه البعثة لم تلق قبولاً لدى الشاه. وانحازت فارس إلى مسقط، على الرغم من الخلافات، التي كانت تحدث بينهما، من حين لآخر[5].

تحرك الجيش المصري في العام 1811مـ نحو الجزيرة العربية بقيادة طوسون باشا ابن محمد علي الذي تمكن من تحرير مكة والمدينة من رجس العصابات الوهابية إلا أنه لم يتمكن من القضاء النهائي على وكر الأفاعي في الدرعية ثم تلا بعد ذلك استبدال طوسون باشا بشقيقه إبراهيم باشا الذي نجح في الوضول إلى الدرعية وإنهاء الدولة السعودية الأولى وهو الأمر الذي قوبل بالابتهاج والسرور في إيران.

 

شاه إيران يهنئ محمد علي

ولا زال النقل عن الموقع المذكور

وغلب شاه إيران السرور من نجاح والي مصر، محمد علي باشا، في القضاء على الدولة السعودية الأولى، فأرسل إليه رسالة، يهنئه فيها بجهوده جاء فيها:

"فاطلعت على ما صنعت في قتال العرب، وصبرت في احتمال التعب. واجتهدت في تجهيز الكتائب، وتشمير القواضب، حتى وطئت أرجاء التهامة، بأقدام الشهامة. وخلصت أرض النجد. بالعز والمجد، وفتحت باب الأمنية، بفتح الدرعية. وبالغت في دفع البدع، ونفي الدين المخترع ... إلى آخر الرسالة".

وقد أهداه الشاه عباس سيفاً قديماً، كان قد توارثه ملوك العجم عن أجدادهم، لأن عمل محمد علي، هو في هذا المجال، وعزمه يشبه حدّة هذا السيف. وقد صحب هذا السيف هدية أخرى، هي خاتم من الفيروز[6].

تمثل رسالة التهنئة الموجهة من ملك إيران لمحمد علي ومعها تلك الهدية المحملة بالرمز والإيحاء وما تضمنته رسالة ملك إيران من إشادة بدور الجيش المصري (في دفع البدع، ونفي الدين المخترع) نموذجا ذو دلالة بالغة على طبيعة العلاقة بين البلدين الكبيرين والحضارتين الراسختين في كل من مصر وإيران في مواجهة التهديدات الرامية إلى تخريب الإسلام من داخله عبر تلك التيارات الانحرافية المدعومة من الصهاينة والغرب.

فشلت السلطنة العثمانية في القيام بأهم واجباتها والتزاماتها إزاء واحدة من أخطر الأزمات التي هددت وما زالت تهدد الكيان الإسلامي العالمي الذي لا يمكن اختزاله في مكون واحد من مكوناته مهما كانت عزيزة وغالية.

الكيان الإسلامي العالمي بشر وعقيدة وفكر وتراب وموارد وقبل كل هذا مقدسات ورموز مقدسة وأخرى أكثر قداسة وأعلى مكانا مثل مكة والمدينة.

لم يكن العبء الملقى على عاتق الدولة العثمانية وغيرها من الدول والكيانات قاصرا على حفظ الوحدة الترابية للعالم الإسلامي وقد فشلت هذه الدولة حتى في هذه المهمة حيث تعرض قلبها الحضاري في مصر للغزو الفرنسي دون أن تحرك ساكنا، أما قلبها الروحي في مكة والمدينة فقد تعرض لغارات الوهابية دون أن تفلح هذه التحديات في دفعها للاضطلاع بواجباتها مكتفية بتلك الطنطنات التي أدمنها والي بغداد.

في الآونة الأخيرة دخل المشروع الوهابي التوسعي المتحالف مع الغرب الصهيوصليبي مرحلة جديدة بالغة الخطورة تمثل في حقيقتها امتدادا لتلك الحقبة التاريخية التي بدأت منتصف القرن الثامن عشر، إلا أنها الآن مسلحة ومدعومة من أعدائها السابقين في عاصمة السلطنة العثمانية.

هكذا يمكن للبعض ممن لا يمتلك جذورا حضارية وأخلاقية راسخة أن ينقلب ليس على إخوانه في الدين بل على ذاته ووجوده وأن يذهب للتحالف مع ألد أعدائه ممن ألب الدنيا عليه دون حرج ولا غضاضة.

من ناحية أخرى فإن جذور الحضارة الراسخة واحترام قيمها تلعب دورا جوهريا في صوغ توجهات الشعوب وسياسة الدول ومنعها من الانقلاب على ذاتها ووجودها.

هكذا انقسم العالم لفسطاطين: فسطاط التحضر مقابل فسطاط البداوة والهمجية الذي يحارب الآن آخر حروبه الخاسرة أخلاقيا قبل أن تكون خاسرة من الناحية العسكرية.

دكتور أحمد راسم النفيس

مصر

‏06‏/11‏/2016

‏الأحد‏، 06‏ صفر‏، 1438هـ.



[1] عنوان المجد في تاريخ نجد. عثمان ابن بشر ص 295-296.

[2] عنوان المجد في تاريخ نجد. ص 257-258. عثمان ابن بشر. الطبعة الرابعة الرياض 1982. مطبوعات دارة الملك عبد العزيز.

[3] وثائق نجد. علي موجان. ص 237.

[4] وثائق نجد. ص 240-241، علي موجان دار المحجة البيضاء.

[5] http://www.mokatel.com/openshare/Behoth/Atrikia51/Saudia1/sec06.doc_cvt.htm

[6] http://www.mokatel.com/openshare/Behoth/Atrikia51/Saudia1/sec06.doc_cvt.htm