لو وحّد المسلمون نصوصهم التاريخية

لو وحّد المسلمون نصوصهم التاريخية

 

لو وحّد المسلمون نصوصهم التاريخية
لما تطاول الغرب على مقدساتهم

 
  
الشيخ حسن بغدادي
عضو المجلس المركزي في حزب الله
م.إحياء تراث علماء الشيعة

 
إن إحدى المشاكل الأساسية التي يعاني منها عالمنا الإسلامي اليوم هي تشتت مصادرهم التاريخية وإختلاف نصوصهم تبعاً لها, وبالأخص تلك المتعلقة بشخص رسول الله(ص), مما فسح بالمجال أمام الكتاب والكوموديين والمسرحيين وأصحاب الكاريكاتوريات في الغرب, من تناول حياة رسول الله(ص) بسهوله وبيبساطة من دون أن ترفّ لهم جفن, أو يحسبوا أدنى حساب لأحد من المسلمين, والأسوأ من كل ذلك نراهم يُبررّونَ عدوانهم على أقدس مقدسات المسلمين بإن ما قاموا به من أفلام وصور وما شاكل إنما أخذوه عما كتبه بعض المسلمين, وأنهم لم يخترعوا شيئاً من أنفسهم, وإذا كان هناك عتب, فعليكم أيها المسلمون أن تعاتبوا أنفسكم, وبالفعل هذا الكلام نشرته شارلي إبدو المجلة الفرنسية في عددها الصادر في عددها 2/كانون الثاني, ونقلت مقتطفاً منه جريدة الديار اللبنانية في 3 /كانون الثاني 2013م, تحت عنوان )قصة مصور( عن سيرة النبي محمد(ص) من شأنها أن تثير جدلاً واسعاً في المجتمع الإسلامي, وقال مدير المجلة ورسام الكريكاتور الذي يدعى "شارب" : إنها سيرة مقبولة إسلامياً بما أن كُتّابها مسلمون, وهي عبارة عن تجميع لما كتبه كُتاب السيرة عن حياة الرسول محمد(ص), ونحن رسمناها فقط, وأعرب عن إعتقاده أن العالم الإسلامي لن يكون بوسعه أن يأخذ علينا شيئاً بشأن الجوهر, مشيراً إلى أن فكرة هذا الموضوع بدأت منذ عام 2006م, مع قضية الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد(ص) في الدنمارك حيث أعتقد أننا في بداية تعاملنا مع الأمر بالعكس, وتناولنا شخصية لم نكن نعرفها وأنا في المقدمة ...قبل أن نتعامل مع شخصية بطريقة غير جيدة, علينا أن نعرفها جيداً, بقدر ما نعرف الكثير عن حياة المسيح(ع) لا نعرف شيئاً عن النبي محمد(ص).
وبشأن الإنتقادات التي يتوقع أن يثيرها تجسيد نبي الإسلام الأمر لا يجوز, أعتبر "شارب": أنه مجرد عرف لم يرد التحريم في القرأت... وبما أن ذلك لا يهدف إلى السخرية من النبي محمد(ص) فلا أرى مبرراً لعدم قراءة هذا الكُتيب كما تقرأ حكايات عن حياة (يسوع) في كتب التربية الدينية المسيحية.
أيها الساده
أردت من نقل ما نشرته هذه المجلة الفرنسية, ليس لأقدّم مبرراً لهؤلاء أو لأضع اللوّم على الأخرين, وبالتالي هم يتحملّون كافة المسؤولية, فسيرة نبينا العظيم الذي إمتدحه القرأن الكريم وتحدّث عن عظمته وأخلاقه مئات الكُتاّب والمؤرخين المعتبرين حتى من غير المسلمين, لا يجوز ولا ينبغي لأحد أن يأخذ شيئاً من سيرته(ص) من بعض الجهلة من المسلمين, وهذا يلزِمُنا أن نضع حداً, لهذه المهزلة من خلال وضع برنامج يُؤسّس لمسار أخر, نُصحّح فيه هذه الأخطاء ونضع حداً لهؤلاء الذين لا يعرفون عن نبييهم شيئاً وكأنهم لم يقرأو القرأن الكريم.
ونحن هنا هل يكفي أن نَتَفرَّج أو نُوَلوِلُ كالنساء أو نستنكر كأضعف الإيمان, على ما يقوم به الغرب وهو يعتدي على الرمز الأول من مقدساتنا الإسلامية النبي الأعظم محمد(ص), وبالتأكيد إنّ ما قام به عالمنا الإسلامي من ردة فعل على الإساءة التي لحقت بنبينا(ص), لم ترقَ إلى حدود هذه الإسائه, ولولا بعض مظاهر الغضب وبالأخص ما قام به حزب الله في لبنان بشخص أمينه العام سماحة السيد حسن نصرالله, الذي لبتّ الجماهير الغفيرة دعوته, وألقى فيها خطاباً ظهر فيه إلى العلن لأول مرة منذ عدة سنوات, ليقول للإسرائيليين وللأمريكيين ولكل من يعنيه الأمر: أن أرواحنا ترخص أمام إهانة رسول الله(ص), وَتلقفَّ عموم الغرب هذه الرسالة القوية انه لو استمر بتماديه, لكانت تداعياتها على أكثر من ساحة.
أيها الساده
المسؤولية كبيرة وتقع على عاتق الجميع كما قال (ص) "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته", وقال تعالى                 Pوَقِفُوَهُمْإِنَّهُم مَّسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ اليَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَOسورة الصافات آية 25-26-27 , إلا أن هذه المهمة تقع أكثر جدية على عاتق المُجمعات التقريبية, والحوزات العلمية في النجف الأشرف, وقم المقدسة, والأزهر الشريف, وجبل عامل, ولابد من القيام بخطوات عملية نحلّ من خلالها مشاكلنا الداخلية, ونفوّت الفرصة على المصطادين بالماء العكر, وأنا هنا أقترح على السادة العلماء والباحثين عدة خطوات.
الخطوة الأولى :
 أن نعلن رفضنا بشكل واضح وصريح للنصوص التي وردت على لسان بعض الكُتّاب من المسلمين المسيئة إلى شخص رسول الله ( ص ), والتي يتعذّر أصحابها انها موجودة في مصادرنا الإسلامية.
الخطوة الثانية :
 أن نُطّورَ رفضَنا باتجاه مواجهة هؤلاء الكتاب ونعتبرهم شركاء مع الكفار بالإسائة للنبي محمد (ص), وأنهم سبب مباشر, وعلينا مواجهتهم بشكل مباشر وبدون مواربة, وأن يضع علماء المذاهب حداً لهؤلاء.
الخطوة الثالثة :
 أن يكون لدينا معيار واضح هو القرآن الكريم والكتب المعتبرة, وأن هؤلاء بالحد الأدنى لم يتدبّروا القرآن الكريم فقوله تعالى عن نبيه الأعظم محمد(ص):P وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍO سورة القلم آية:(4), وقوله تعالى :Pوَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّوَحْيٌ يُوحَىO" سورة النجم آية:(3-4), تكفي للتفكير الف مرة قبل أن نكتب بجهلنا عننبينا(ص) ما يسيء إليه.
الخطوة الرابعة :
أن نعود إلى الفكرة القديمة الجديدة, من خلال وضع برنامج جمع الأحاديث المشتركة الواردة من طرق السنة والشيعة المعتبرة, ليصار إلى اعتمادها ورفض ما يخرج عنها .
وما أحوجنا اليوم إلى تجربة دار التقريب في القاهرة الذي أُنشِأَ في أواسط القرن الماضي بإشارة من العلامة الكبير السيد عبد الحسين شرف الدين للشيخ محمد تقي القمي, والذي ضم كبار العلماء من إيران والنجف والأزهر وجبل عامل, وقام بإنجازات قل نظيرها, ومنها تكليف آية الله السيد صدر الدين الصدر والد الإمام السيد موسى الصدر مع لجنة علمية, لجمع الأحاديث المشتركة الواردة عن الطرفين عن رسول الله (ص) حيث صدر مجلدان آنذاك.
وهذه الطريقة هي الأجدى والأنفع في عملية تنقية النصوص ورفض ما هو شاذ وما هو من وضع الوضاّع, وفي نفس الوقت نفتح الباب على فهم حقيقي للنص وتقطيع الطريق على الدخلاء الذين يريدون أن يستفيدوا من الخلافات المذهبية, وأنا اليوم أنوه بما قام به مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران, والذي كان يرعاه أمينه العام السابق آية الله الشيخ محمد علي التسخيري بتلك الجهود التقريبية من خلال ترويج الأحاديث المشتركة وطبعها, كما أشدّ على يد الأمين العام لمجمع التقريب الجديد آية الله الشيخ محمد علي الآراكي بالمضي قدماً من دون تردد ولا وجل في جمع الكلمة وتوحيد الصف, وبذل الوسع من أجل اسلامنا العزيز ومقدساتنا الإسلامية وفي مقدمتهم شخص نبينا محمد (ص), وأن نعلن للعالم بأسره بأنه لا يحق لأحد أن يأخذ عنّا إلا من منابعنا, فهناك المرتزقة والخونة والجهلاء والذين أعمى الله أبصارهم, ولا يكفي أيها الأحباء أن نتفرّج حتّى إذا ما حدث شيء لنهبّ للبحث عن طرق مواجهته, بل علينا كمسؤولين أمام هذه الرسالة السماوية وعن تعاليمها وعن احترام رموزها, أن نستبق الأحداث, كي نعيد النظر في بعض ما هو عندنا, كي نقرّه علناً أو نرفضه علناً, ونخطط لمستقبل زاهر يقوم على أساس مصلحة الإسلام والمسلمين, وأن نسير على خطى علمائنا الأبرار الذين لم يكتفوا بالوعظ والإرشاد, بل عملوا على إيجاد خطط إصلاحية تتناسب مع حجم المشكلة, فكانوا يواجهون الكتاب بالكتاب, والمدرسة بالمدرسة, والمجلة بالمجلة, والمؤسسة بالمؤسسة, ففي نهاية الحكم العثماني للمنطقة وقيام الإحتلال البريطاني للعراق وفلسطين, والفرنسي لسوريا ولبنان, نهضت إلى جنبه حركات تبشيرية متصهينة عملت على تحميل الإسلام وعلمائه كل ما حدث من حروب وفتن وأمية وفقر, وعملو على إيجاد المجلات والمدارس والمؤسسات لتقوية موقفهم وتثبيت دعائهم وانهم لن يقدموا كلاماً فقط, وهبّ في تلك المرحلة العلماء المتنورين في إيران والعراق ومصر ولبنان وسوريا إلى مواجهة هؤلاء بمسؤولية ووعي, وأول شيء عملوه توحيد الأمة, من خلال توحيد الجهود المشتركة ولمّ الشمل على قاعدة إثارة حسّ الجهاد والمقاومة, وهذا ما نحتاجه على الدوام مضافاً لإيجاد المجلات والكتب والمدارس والمؤسسات التربوية والجمعيات الخيرية _ شاكراً لكم _ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.