قراءة وحاشية في التقريب بين المذاهب الإسلامية
قراءة وحاشية في التقريب بين المذاهب الإسلامية
الأستاذ الدكتور أحمد محمود كريمة
أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف بالقاهرة
كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين القاهرة
رئيس ومؤسس " التآلف بين الناس " الخيرية
بسم الله الرحمن الرحيم
بداية : لست مقلداً – قلباً وقالباً – لمذهب عقائدى إسلامى تراثى أو معاصر مثل : الأشاعرة، المعتزلة، المرجئة، السلفية، الإمامية الأثنا عشرية ... إلى آخر، أو غيرها حاضراً أو مستقبلاً.
ولست منتسباً – صفة وهوية – إلى مذهب فقهى إسلامى مثل : مذاهب أهل السنة والجماعة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية) ولا مذاهب الشيعة (الجعفرية والزيدية) ولا المذهب الإباضى، ولا غير ذلك حاضراً أو مستقبلاً .
ولا تابعاً لطرق سلوكية روحية كالصوفية، حاضراً أو مستقبلاً .
ليست لى انتماءات سياسية مؤيدة أو معارضة إلى أن ألقى الله – عز وجل - .
نسبتى وانتمائى لمسمى (الإسلام) عقيدة وشريعة وسلوكاً، مع الحق حيث كان لقوة دليله أو تحقيقه مصلحة أو دفعه مفسدة .
إذا علم هذا :
· فإن الأزهر الشريف – وأشرف وأعتز بثقافتى الأزهرية – فى مناهجه يدعو إلى التعددية الفكرية والتنوع الفقهى فى المجتمع المسلم، ويواصل حوار الحضارات مع أهل الكتاب خاصة المسيحيين، وهذه محمدة للمرجعية الإسلامية الكبرى المعتمدة المعتبرة – ولله المنة والفضل -، والتقريب بين المذاهب الإسلامية أولى وأهم .
· والحق أن تراثنا التاريخى الإسلامى بحاجة إلى قراءة منصفة دقيقة عميقة عادلة لإعطاء كل ذى حق حقه، بعيداً عن مرويات معظمها كتب فى غير عهده السياسى بل فيما يليه مما يفقده التجرد والموضوعية والواقعية، مما ساهم إلى حد كبير إلى مبادئ تراثية متوارثة صارت مسلمات منها ما يؤجج الصراع الفكرى والعرقى والطائفى، والمشهدين مذاهب (السنة والشيعة) لا يحتاج إلى براهين، وما بين بعض أهل السنة كالحنابلة وبين الإباضية لا يفتقر إلى أدلة .
ومما يبعث على الغرابة والنكارة معاً أن تتسع صدور وتفسح عقول لحوار أديان وملل – والأصوب حوار حضارات أو ثقافات لأن الأديان والملل لا يفيد فيها وبينها حوارات -، وتغلق مساعى التقريب بين مذاهب إسلامية معاصرة : السنة، والشيعة : الإمامية والزيدية، والإباضية، كلها تتفق فى الأصول العامة لمكونات الدين الحق : الإيمانيات والعمليات، والإحسانات، وإن كانت لها رؤى فى أصول وفروع مبادئ أو أدبيات مذهبية .
قد كانت مساع مشكورة للتقريب بين هذه المذاهب الإسلامية فيما يعرف بالتقريب ومن رواد ذلك الإمام الراحل مولانا الشيخ محمود شلتوت – رحمه الله تعالى – بفتوى شهيرة وآراء علمية منها :
1- " إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه إتباع مذهب معين بل نقول: إن لكل مسلم الحق فى أن يقلد بادئ ذى بدء أى مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً، والمدونة أحكامها فى كتبها الخاصة، ولمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره، ولا حرج عليه فى شىء من ذلك، وأن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب، فينبغى للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله، وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله – تعالى – يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم، والعمل بما يقررونه فى فقهم، ولا فرق فى ذلك بين عبادات ومعاملات " أ.هـ ([1]) .
2- " لسنا حرصين على أن تكون دراستنا فى الأزهر لمجرد العلم والتحصيل، إنما نحن ندرس للاستيعاب والفهم، ثم التطبيق والعمل بكل ما يمكن العمل به، وفقه الشيعة مأخوذ ببعض أحكامه فى كثير من القانون عندنا ([2])، وكثير من علمائنا عمل ببعض أحكام العبادات عندهم، ونحن إنما نرجع إلى الكتاب والسنة، فمتى لم يخالف الرأى أصلاً من الأصول الإسلامية الصحيحة، ولم يتعارض مع نص شرعى فلا بأس من تطبيقه، والأخذ به، وذلك هو التقريب المنشود، والتيسير المرجو " أ.هـ ([3]) .
وقد تباينت ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض دون تخطى حدود اخلاقيات العمل العلمى السليم، من أيدوا أصحاب الفضيلة : د محمد البهى ([4])، الأستاذ محمود الشرقاوى ([5])، الشيخ محمد تقى القمى ([6])، والشيخ محمد محمد المدنى ([7])، والشيخ محمد الغزالى ([8]) – رحمهم الله جميعاً - .
وممن عارضوه : أصحاب الفضيلة : الشيخ عبد اللطيف السبكى ([9])، والشيخ محمد عرفه، والأستاذ محب الدين الخطيب ([10]) – رحمهم الله جميعاً –، والدكتور يوسف القرضاوى، والشيخ العسال ([11]) – حفظهما الله تعالى - .
ومن أبرز الداعين للتقريب بين المذاهب الإسلامية الأفضل : الوزير محمد على علوبة باشا، الشيخ مصطفى عبد الرازق، الشيخ أقا حسين البروجردى، الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوى([12]) .
وجماعة التقريب التى كانت من أعلامها : الإمام الراحل الشيخ عبد المجيد سليم، الذى له جهود كبيرة، والشيخ على الخفيف، والشيخ عبد العزيز عيسى، والشيخ سيد سابق، وغيرهم ([13]) – رحمهم الله – تعالى - .
ومن مدعميها السيد الرئيس محمد أنور السادات، خلال رئاسته للمؤتمر الإسلامى([14]) .
ثم أما بعد ،
فدعوة (التقريب) بين المذاهب الإسلامية دعوة مباركة طيبة، ترسخ الأخوة الإيمانية الإسلامية، والزمالة العلمية، والوحدة الإسلامية، والنصوص الشرعية متوافرة، والشواهد متكاثرة، والاستنباطات متعاضدة .
ينبغى التنبيه والتنويه على أمور مهمة :
1- ليس معنى فتوى الإمام الراحل الشيخ محمود شلتوت، ومن أيدوه تحول المسلم السنى إلى مسلم شيعى، كلا، فليس من المقبول ولا المعقول فى المنهج العلمى السليم، والالتزام العملى الحقيقى اعتناق المسلم السنى لآراء تخص الشيعة مرفوضة من نظرنا كأمور الإمامة التى يرونها أصلاً شرعياً، ولا استحلال نكاح المتعة، ولا تنقيص سادتنا الصحابة – رضى الله عنهم أجمعين، ولا الخوض فى أعراض سادتنا آل البيت – رضى الله عنهم أجمعين -، ولا عصمة سادتنا آل البيت – رضى الله عنهم أجمعين -، وليس مطلوب من الشيعى المسلم اعتناق ما يراه مخالفاً لمبادئ مذهبه كالأولوية فى الخلافة الراشدة، وليس مطلوب من المسلم السنى اعتناق مبادئ الإباضية من تحفظهم على تصرفات الخليفتين الراشدين، سيدتنا عثمان وعلى – رضى الله عنهما – ولا البدء بخطب الجمع والعيدين بالبسملة ولا القول بفساد الصوم بالغيبة أو القول بعدم المسح على الخفين أو الاستنجاء من خروج الريح ... الخ .
المطلوب : التعاون فى الأصول العامة، والأعذار للمخالف فى الفروعيات، وإعادة النظر وفق فقه (المراجعات) وفقه (الموازنات) فى الأمور الخلافية كأعمال بحثية بوسائل وسياسية شرعية وبآليات البحث العلمى والمتعمدة، وضبط الاصطلاحات التاريخية ضبطاً بتأصيل وتنظير وتجرد مثل (أهل السنة والجماعة)، (الخوارج)، (الشيعة)، (الإمامة، الولاية، الخلافة) .
وحصر وقصر ذلك فى التراث غير الموروث الآن لعدم جدواه أى حقبة تاريخية بإيجابياتها وسلبياتها تكون ذكريات الماضي، وليست عدة الحاضر ولا أملاً المستقبل، والبعد التام عن قذائف : التكفير والتنابز بألقاب مسيئة، ونعوت رديئة كالبدعة والفسق.
وتنحية عوادى السياسة من إشعال حرائق العصبيات المذهبية بين المسلمين لمزيد من الهاء وإضعاف وإنهاك وكراهية وبغضاء وختاماً ([15]) : (يا ليت قومى يعلمون)
[1]- مجلة " رسالة الإسلام " الفصلية : العدد 3، السنة الحادية عشرة فى المحرم 1379هـ - يوليو 1959م، ص 227، 228 ، مجلة " المجتمع العربى " العدد 32، أغسطس 1959م .، مشيخة الأزهر ج 2 سنة 139هـ - 1979م . طـ الأميرية، تأليف الفاضل على عبد العظيم، ص 188 .
[2]- لعل مراده : الإشهاد على الطلاق فى المحررات والوثائق الرسمية بوزارة العدل .
[3]- مجلة الأزهر العدد 3، المجلد 31، فى ربيع الأول عام 1379 هـ - سبتمبر عام 1959م، م ص 362 .
[4]- مجلة الأزهر العدد 2، المجلد 31، صفر عام 1379هـ - أغسطس عام 1959م، ص 137 وما بعدها .
[5]- المرجع السابق : ص 142 وما بعدها .
[6]- مجلة " رسالة الإسلام " العدد 4، السنة 11، جمادى الأولى 1379هـ، سبتمبر عام 1959م، ص 348 وما بعدها
[7]- المرجع السابق : العدد 4، السنة 11، جمادى الأولى عام 1379هـ - سبتمبر عام 1959م . م ص 373 وما بعدها، مجلة الأزهر : العدد 6، المجلد 31، جمادى الأخرة 1379هـ - ديسمبر عام 1959م، ص : 526 وما بعدها .
[8]- مجلة " رسالة الإسلام " العدد 4، السنة 11، جمادى الأولى عام 1379هـ - سبتمبر عام 1959 م، ص : 412 وما بعدها .
[9]- مجلة الأزهر العدد 3، السنة 24 .
[10]- كتاب الخطوط العريضة للأستاذ محب الدين الخطيب .
[11]- موقع (إسلام أون لاين) مقالة الباحث عصام تليمة، تقرير شبكة راصد الإخبارية .
[12]- مشيخة الأزهر – مرجع سابق، ص 189 .
[13]- المرجع السابق، ص 118 وما بعدها .
[14]- المرجع السابق، ص 119 .
[15]- هلا قرأ المسلمون مصنفات نفيسة فى هذا الصدد منها : اختلاف المذاهب للحافظ جلال الدين السيوطى، طبع ونشر دار الاعتصام بالقاهرة . " رفع الملام عن الآئمة الأعلام للإمام ابن تيمية، كتاب تاريخ التشريع، والمدخل إلى الفقه الإسلامى بجامعة الأزهر الشريف.