في ظلال تجربة مسيرة التقريب خلال عشرين عاما:من أجل أرضية ثقافية مشتركة بين المذاهب الاسلامية تبني جسورا و تحطم جدرانا
في ظلال تجربة مسيرة التقريب خلال عشرين عاما:من أجل أرضية ثقافية مشتركة بين المذاهب الاسلامية تبني جسورا و تحطم جدرانا
مصطفى محمد حابس
الحمد لله الذي وحد الأمة الإسلامية في أصولها وأنشطتها ومنطلقاتها، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين محمد بن عبدالله الذي صاغ هذه الوحدة صياغة محكمة خالدة، وعلى آله الأكرمين وصحبه المجتبين الذين كانوا أوفى الناس عهداً لمدرسة الوحي الإلهي والنبوة ورضي الله عنهم أجمعين وبعد:
تمثل مسيرة التقريب - التي أشرق نورها في العالم الإسلامي - منذ عهد بعيد، من أهم لبنات البناء المؤسساتي للصحوة في الربع الاخير من القرن المنصرم، تلك المسيرة القائمة على الأصالة والاقتباس من منابع ديننا الحنيف، حيث اتخذت الكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح نهجاً مميزاً وهدفاً سامياً، إلا إنها تبقى جهداً بشرياً يصيبه ما يصيب أي جهد بشري آخر من أحوال وأطوار صحية أو مرضية، الأمر الذي يدعونا إلى مراجعة هذه الأحوال والأطوار ورصدها وتقديم العلاج الناجع والشافي من جهة و دعم الانجاز الطيب منها و الحفاظ على مكتسباته. وهي ظاهرة صحية، و لفتة طيبة تشكر عليها إدارة "المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية "، أن خصتها هذه السنة في المؤتمر الدولي الخامس و العشرين للوحدة الإسلامية، خاصة والعالم الإسلامي اليوم عموما مقبل في القريب العاجل على تحولات جوهرية مصيرية، و كما يقول المثل الفرنسي :" لا يبقى على رأيه القديم إلا الأبله". لهذا كان هذا البحث العابر والخفيف، الذي يسلط الضوء على تحدٍ يواجه الصحوة الإسلامية المعاصرة يتمثل في أزمة الفهمللتقريب بين المذاهب ( فهم النصوص، فهم السياق التاريخ، فهم الواقع، فهم.. )، متناسين قول الأثر:" تألفوا ولا تخالفوا" و"بشروا و لا تنفروا" و هو ذات الشعار الذي رفعته الجالية المسلمة في سويسرا أخيرا، في قضية منع بناء المآذن، حتى مع ملل وديانات أخرى، مذيلا بشعار آخر : "متساوون و مختلفون" (متساوون في الحقوق والواجبات و مختلفون في المذاهب و المعتقدات).
الدعوة "للتقريب" فرض كفاية أم فرض عين؟:
الدعوة "للتقريب بين المذاهب"، بالرغم من أن هذه الوظيفة المحورية للأمة، تُصنف تقليديا ضمن الفروض الكفائية التي إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين، إلا أن التعمق في مفهوم الدعوة ورسالتها في الحياة، والشروط التي تتطلبها إقامة هذه الرسالة في واقع الحياة، كل ذلك يفضي إلى أن الدعوة بشكل عام هي من فروض العين، و"التقريب بين المذاهب" جزء من هذه الدعوة، وفيها مستويات هي من فروض الكفايات، لأنها قد تحتاج إلى إمكانات وشروط ومؤهلات قد لا تتوفر لجميع الناس.
و الدعوة كما يعرفها المفكر الجزائري الطيب برغوث في حوار مطول لنا معه، بقوله:"إن الدعوة في مفهومها الكلي ليست تبليغا نظريا للإسلام فحسب، بل هي أيضا تمثُّل سلوكي ذاتي له، أي إعطاءٌ للقدوة السلوكية عنه، لأنه لا معنى أن تدعو إلى شيء جميل ونافع وحياتك خلو منه ومن آثاره، ولا تقف عند هذا الحد بل تتجاوز ذلك إلى إعطاء قدوة اجتماعية وحضارية عامة عنه، أي أن تتحول الدعوة من حالة أو قدوة سلوكية فردية إلى حالة أو قدوة اجتماعية عامة، تتجسد فيها قيم الإسلام العقدية والفكرية والعبادية والأخلاقية والتشريعية عمليا، في كل مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والحضارية للمجتمع والأمة"([1]).
وفي هذا السياق نذكر كذلك على سبيل المثال قول الرسول (عليه الصلاة والسلام) في الذين يبادرون إلى الخدمة العامة، ويحرصون على نفع الناس عامة، كجهود "رجال و نساء التقريب بين المذاهب"، إذ يقول عليه الصلاة والسلام : ( أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس-كل الناس.. فما بالك بالمسلمين-، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربة ، أو يقضي عنه دينا ، أو تطرد عنه جوعا ، و لأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن اعتكف في هذا المسجد ، يعني مسجد المدينة شهرا ، و من كف غضبه ستر الله عورته ، و من كظم غيظه ، و لو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة ، و من مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام)( السلسلة الصحيحة برقم/176 ).
لا يصلح المسلمون "مسيرة التقريب" حتى يصلح تعليمهم، ولا يصلح تعليمهم حتى يصلح علماؤهم، ولا يصلح علماؤهم إلا إذا عادوا به إلى التربية النبوية:
منذ ما يزيد عن سبعين عاما، أكد الإمام العلامة عبد الحميد بن باديس (ٍحمه الله)على أهمية الأخذ بـما يسميه الدكتور الطيب برغوث ([2]).بـ" نظرية التكاملية الثقافية " في بناء النخبة الرسالية التي يتوقف عليها نهوض المجتمع والأمة، حينما شخص واقع التخلف والغثائية الحضارية التي تعيشها الأمة، وخلص إلى عمق هذا التخلف وهذه الغثائية المستحكمة، وصاغ إشكالية النهضة في شكل نظرية متكاملة، تضمنت التشخيص والتفسير واستراتيجية التغيير في الوقت نفسه، فقال: " لا يصلح المسلمون حتى يصلح تعليمهم، ولا يصلح تعليمهم حتى يصلح علماؤهم، ولا يصلح علماؤهم إلا إذا عادوا به إلى التربية النبوية " .
فكل منظومة ثقافية لا ترتكز على تكاملية الوعي بثوابت المرجعية العقدية والفكرية والحضارية للمجتمع والأمة، وعلى الاستثمار الفعال لرشد ونضج الخبرة البشرية المتاحة، وتقوم على المنافرة بينهما، منظومة ثقافية مؤسِّسة ومفرِّخة للأزمات والصدامات الثقافية والاجتماعية والحضارية لا محالة، "سنة الله في الذين خلو من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا" ([3])..
فالشخص المعلول الغايات، المستور المطامع، الآكل على كل الموائد، يضر بشرف الإسلامية وقدسيتها وسمعتها ضررا كبيرا، كما قال ذلك الإمام حسن البنا رحمة الله عليه بحق، وهو يحذر من استغلال الدعوة لأغراض غير شريفة، ويدعو إلى تنقية صفوفها من هذه الأصناف البشرية، بإقصائهم أو بإعادة الاحتواء التربوي لهم: " وإن كان فيكم مريض القلب، معلول الغاية، مستور المطامع، مجروح الماضي، فأخرجوه من بينكم، فإنه حاجز للرحمة، حائل دون التوفيق ".
فالله سبحانه وتعالى لم يكن ليدع دينه العظيم مطية سهلة، يركبها كل مريض القلب، معلول الغاية، مستور المطامع، نهَّازٍ للفرص، بل اقتضت سننه في خلقه أن يميز الخبيث من الطيب، وأن ينفي عن الدعوة خبثها، ويخلصها من المتسلقين لها، المتطفلين عليها، كما نبه على ذلك في مثل قوله تعالى: ( مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ )( آل عمران : 179 ) ([4]).
مدركين إدراكاً جازماً أن الإسلام دين لا يتجزأ، وأن أصوله وفروعه ومواقعه النظرية والتاريخية والجغرافية والثقافية والتربوية واحدة، وأن منهج الوحدة الفكري والتطبيقي هو الاتجاه السائد والمهيمن على الساحة الإسلامية، وإن وجدت جيوب ونزعات فئوية هزيلة تحاول تغذية الفرقة بين أتباع المذاهب، وإثارة النعرات المذهبية، والتورط في الاقتتال أو الاتهام، أو الانفعال المشوب بالعواطف الهوجاء، والذي قد ينجم عنه إما سفك بعض الدماء العزيزة، أو هدم أو إحراق بعض المواقع أو المساجد الإسلامية، وهذا الاتجاه الوعر المسالك والقاتم المظلم، كما هو الحال ، في بعض دولنا الإسلامية كالعراق و أفغانستان و...وإنه لمع الأسف – كما يقول أستاذنا وهبة الزحيلي - كانت ظاهرة التفرق والتباعد المذهبي والاتهام والمصنفات أو المؤلفات الساقطة أو المسمومة هي الرائجة أو الغالبة على الوسط الإسلامي ما قبل خمسين أو أربعين سنة، فتجد منحى الهبوط في مزلقة التكفير أو الطعن والدس، أو السب والشتم أو الإساءة لنجوم الإسلام في العهود الأولى التي لولا رجالاتها العظام المخلصون أهل التضحية والفداء، لما وجد الإسلام على الساحة الواقعية الكبرى أو الصغرى، ولا في المشرق أو المغرب أو الوسط ([5]).
وفي تقديري – كما يردف قائلا، أستاذنا وهبة الزحيلي - أن هذه الظاهرة قد أفل نجمها وانحسر ظلها، وحل محلها وعي مستنير في رحاب الصحوة الإسلامية في الثلاثين سنة الماضية، وأدرك الخاصة من أهل العلم، وبعض أو أغلب العامة أن هذا الاتجاه خطير، بل وعديم النفع، ويسيء إلى العقيدة والعبادة والأخلاق الإسلامية، ثم إنه يهدد المصلحة الإسلامية العليا، ويجرّ الأمة الإسلامية كلها إلى الدمار والخراب وفقدان الوجود والذات، ويقطع أوصال المسلمين، ويزرع الفرقة والشتات، والتمزق والضياع في كل ما يعملون أو يخططون، وهو ما يطمع إليه الأعداء المجرمون الذين يعملون الآن لتفكيك لبنات الإسلام تباعاً .. والتسلل أيضاً إلى الفئات الإسلامية لإثارة المشكلات والخلافات فيما بينها، عملاً بقاعدة: (فرق تسد) ..
التقريب لا يعني بحال من الأحوال صهر المذاهب الإسلامية المختلفة:
فالتقريب في فهم الأستاذ العلامة الأصولي وهبة الزحيلي ([6])، لا يعني بحال من الأحوال صهر المذاهب الإسلامية المختلفة، وإنما الوصول إلى تقارب وجهات النظر المختلفة في الآراء الدينية، وتوحيد المواقف والأفكار والسلوكيات والمناهج، ليكون المسلمون صفاً واحداً أمام العدوان ...
فمن يجزئ مفهوم الدعوة ويحصره في عملية التبليغ القولي أو النظري، ثم يفصل هذه العملية التبليغية نفسها عن بقية الأبعاد الأخرى لمفهوم الدعوة ولوازمها الوقائية المبكرة والاستدراكية، يكون قدر جرد الدعوة تماما من أقوى لوازم فعاليتها الإنجازية، ويكون كمن يزرع بذرة أو يشرع في تشييد شيء ثم يتركه عرضة للإتلاف والتخريب، فهل يمكن أن يكتمل نمو هذه البذرة أو يسلم ذلك التشييد في مثل هذه الحالة ؟ إنه أمر مخالف لطبائع سنن الله في التغيير والإصلاح والتجديد، بل منطق سنن الله في المدافعة والتجديد والمداولة الحضارية، يقتضي حماية ذلك والمحافظة عليه، عبر تفعيل لوازم الدعة الأساسية وهي التواصي بالحق والتواصي بالصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ([7]).
و من أجل هذه الأهداف السامية النبيلة، التي يسعى المخلصون من أبناء الصحوة لتحقيق أرضيتها الثقافية المشتركة، بمد جسور الأخوة والمحبة مع الناس، وهدم جدران بنتها اساطير وخرافات غذاها الاستكبار اللعين، وجب على صفوة الصحوة، المتشبعة بروح "أمانة التقريب"قصدالتوظيف الأمثل للعقل و اللسان باستعمال المناهج التربويةو الاعلاميةالمنيرة للأجيال قصد خدمة قضايا التقريب بين أبناء الدين الواحد، والسعي للتأخي بين الشعوب عموما، و تنظيم الحملات التربوية المستندة إلى أسس علمية حديثة لصد محاولات الاساءة للآخر و تفنيد الافتراءات و التهم التكفيرية المجانية التي لا أصل ولا فصل لها بين المسلمين. أما مع الغرب فذلك أدهى و أمر، فقبل جيل أو أكثر قليلا، وعلى وجه التحديد مع "ثورة أسعار النفط" في السبعينات من القرن الميلادي العشرين، أضيف إلى الموروث في المناهج المدرسية وسواها من العصور الوسيطة الأوروبية، ما نُشر من صور نمطية جديدة عن المسلمين من عناوينها "بدوي النفط الثري، والحريم، والجهل مع الغباء المفرط". ونشرت حول ذلك كتب عديدة فضلا عمّا كانت تنشره وسائل الإعلام، ومع اندلاع الثورة الإيرانية أضيف إلى ذلك التخويف من "دين يتنشر بالسيف" وبدأ تجديد الذكريات الأوروبية مع العثمانيين على أسوار فيينا، حتى إذا انتشرت الصحوة الإسلامية على أوسع نطاق وشملت أوروبا، بدأ التركيز على "ظاهرة الإرهاب" و"صراع الحضارات"، وارتبط بالهجمة الصهيوأمريكية "الوقائية" الجديدة على المنطقة الإسلامية، فتحوّلت العلاقة مع المسلمين واقعيا إلى "حرب مفتوحة"، ولم يبق ذلك دون أثر حتى على المسلمين في الغرب،
نظرة مستقبلية :
ولما كان تحقيق عملية سير الصحوة الاسلامية بصفة عامة:" ليس مهمة فردية، كما أسلفنا، بل هو مهمة جماعية، لم يبقه القرآن مقتصرا على الجهد الفردي وعبقريته، بل ارتقى به إلى مستواه السنني المطلوب، وهو ضرورة الحركة على خط جهد وعبقرية الجماعة والمجتمع والأمة، لضمان فاعلية وكفاءة الإنجاز من ناحية، ولتحقيق التوازن والأمن والسلام العالمي من ناحية أخرى، في إطار الاستجابة الفعالة لمقتضيات وشروط " قانون المدافعة والتجديد " المهيمن على حركة المداولة الاستخلافية في الأرض- كما يحلو للمفكر الجزائري الطيب برغوث وصفه-، فدعا إلى بناء الأمة الإنسانية الوسط التي تتجسد فيها كل خصائص ومقومات وشروط القدوة والقوة والقدرة على تحقيق ذلك، فجاء في القرآن قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً )( البقرة : 143 ).
إن وجود هذه الأمة الوسط؛ بالخصائص والمواصفات والمهمات والشروط التي حددها لها القرآن والسنة، ضرورة بشرية وكونية، بدونها لا يتحقق التوازن والسلام العالميين، فوجودها يشكل ضمانة أساسية لهذا التوازن والسلام والتكامل الحضاري العالمي والكوني، لما توفر لهذه الأمة من توازن في كل شيء:
· توازن على مستوى المرجعية التي جاءت متضمنة لخلاصات الخبرة الرسالية السننية، ومستوعبة لكل ما تتطلبه الحياة البشرية لكي تحقق أرقى مستويات خلافتها في الأرض .
· وتوازن على مستوى التوزيع الإثني والجغرافي والثقافي، حيث لم يقتصر إطارها البشري والجغرافي والثقافي على جنس بشري معين، أو على رقعة جغرافية محددة، أو على ميراث ثقافي معين، بل اتسع إطارها البشري ليستوعب كل الأجناس البشرية بلا استثناء ضمن مفهوم الأمة الإسلامية، وامتد مجالها الجغرافي ليلامس جل أقطار الأرض، واستوعب إطارها الثقافي خبرات كل الشعوب والمجتمعات والأمم التي انضوت تحت لواء الأمة الإسلامية .
· وتوازن على مستوى الانفتاح على خبرات وتجارب الأمم والحضارات الإنسانية الأخرى، حيث دعا الإسلام إلى دراسة الحضارات البشرية واستخلاص ما فيها من حكمة ورشد وخبرة والأخذ بها، في تعزيز خبرة وفاعلية وكفاءة أداء الأمة من ناجية، وتعزيز الوعي الوقائي الإستراتيجي للأمة من ناحية أخرى.
· وتوان على مستوى العلاقات الثقافية والاجتماعية والحضارية الفعلية بين البشر، حيث دعا الإسلام المسلمين إلى الانفتاح على كل البشر وتبادل المصالح والمنافع معهم بالعدل الإحسان، كما سنشير إلى ذلك لاحقا .
فكل هذه الأنواع والمستويات من التوازن، تجعل الأمة فعلا مهيئة ومؤهلة لمهمة القوامة والشهادة العالمية أكثر من غيرها من الأمم الأخرى، التي يقوم بعضها على ديانات خاصة، وبعضها الآخر على كيانات انتقالية وجزئية، وبعضها على أعراق وقوميات بشرية معينة، بخلاف الأمة الإسلامية فإنها تستند إلى مرجعية دينية شاملة، وإلى تنوع شامل في الأعراق والقوميات والثقافات والبيئات.. وهو ما يرشحه دون سواها، إلى هذه المهمة العالمية الكونية الضرورية للحياة البشرية والحضارة الإنسانية ([8]).
وعلى ضوء هذا التعريف الشامل ،من جهة، و المعطيات الراهنة لجهود التقريب من جهة ثانية، يكفي في الختام الإشارة إلى عناوين رئيسية، يُفترض أن تكون في محور الاهتمام لمنطلقات عملية لا غنى عنها، في القريب العاجل، من مسيرة التقريب ، ومن ذلك على سبيل المثال:
1- سن "سنة حميدة"، بالاتفاق علىيوم أوأسبوع "التقريب بين المذاهب"موحدبين الدولكل سنة، ، فإن تعذر لأسباب سياسوية ([9]). فبين الحركات والمراكز الاسلامية في العالم (على شاكلة "الأبواب المفتوحة"لأسبوع الديانات في الغرب )، للانتقال بالجهود المبذولة عموما من مرحلة الارتجال وردود الأفعال إلى التخطيط القائم على المعلومة الموثقة والرؤية الشمولية والجهد المدروس المتواصل والتقويم الدائم لتحقيق تطوير متجدّد..
2- اقترح اعتماد "برلمان سفراء التقريب" يجمع ممثلين من كل دول العالم مطعم بجيل الشبابفي الدرجة الأولى، الذي فجر الثورات العربية مؤخرا، قصد الخروج من مؤثّرات مرحلة سابقة لها إيجابياتها وسلبياتها، والتركيز على متطلّبات المرحلة الراهنة والمستقبلية.
3- التفكير في بعث"قناة تلفزيونية للتقريب"، تكون أداة وصل بين المسلمين في العالم، تنطلق من أرضية مشتركة للوجود الإسلامي على اختلاف مذاهبهم في الغرب والشرق، قصد تفعيل عملية التقريب بينهم، على اعتبار أنه جزء من واجبات المسلمين. مستفيدين من وسائل التواصل الاجتماعي الحالية مثلالفايسبوك، تويتر،.. التي جعلت عملية التواصل في العالم غاية في السهولة و البساطة كأنك في قرية واحدة.
4- تكوين فريق عمل متكون من متخصصين في علوم الاعلام و الاتصال واللغات والعلاقات العامة والشؤون الدينية و ...، لإنجاز "القاموس إلكتروني لتقريب بين المذاهب"، على شاكلة " ويكيبيديا" يتناول المصطلحات وصور نمطية " الكليشيهات" و يغربل الغثمن السمين، يطبع ويوزع في العالم أجمع بعدة لغات، ويكون بمثابة المرجع للأجيال بعد القرآن و السنة ومصادرنا الموثقة.