سبل التخلص من الطائفية

سبل التخلص من الطائفية

 

سبل التخلص من الطائفية

 

الشيخ حسن البغدادي

رئيس جمعية الإمام الصادق(ع)

للبحوث في تراث علماء جبل عامل

 

 

 

عندما نشن هجوما على الطائفية البغيضة لا نقصد بالتأكيد المذاهب الإسلامية التي هي الصلة بين المسلمين وربهم (عز وجل), فالمذاهب الإسلامية لا أحد يدعو إلى إلغائها أو تقييدها أو دمجها ببعضها على الأقل في هذه المرحلة .

فالإنتماء المذهبي شيئ لصيق بعقيدة الإنسان ولا يمكن سلخه عنه, بعكس الطائفية المقيتة شيئ خارج على الإطار الديني وتدعو للإنغلاق والتعصب القائم على إلغاء الاَخر وتعمل تدريجيا على إخراجه من الإسلام وتفكيره وهذا ما يشكل خطراً على دين الشخص نفسه وأيضاً على كيان الأمة الإسلامية .

لذلك ومنذ مئات السنين وإلى اليوم عمل العلماء والمفكرون على التصدي لهذه الذهنية التي لو قدّر لها أن تستشري لأدت إلى تفتيت أواصر كيان هذه الأمة مما سيسهل على العدو اُ ختراقها و النيل من ثرواتها ومن دينها وحتى وجودها , ودفعاً لهذه المخاطر كان لا بدّ من بذل الغالي والنفيس في سبيل منعتها ووحدتها , فبذلوا قصارى جهدهم لأجل توطيد أواصر المحبة واللحمة ونبذ التفرقة ووصل الأمر أن اَستشهد بعضهم في هذا السبيل , وعمدوا إلى طرح عناوين ومناهج مختلفة للتخلّص من هذه الذّهنيّة البغيظة .

اليوم وبعد مضي كل هذه السنين وخصوصاً مع اَختلاف طبيعة المراحل والسياسات العامة للعالم أصبحنا بحاجة إلى دراسة جديدة تنسجم والمرحلة التي نحن فيها من دون إغفال بعض العناوين الأساسية التي تصلح نموذجاً يقتدى به في كل المراحل , ومقالتي اليوم في هذا المؤتمر الكريم لتسليط الضوء على السّبل التي تضع حداً للطائفية البغيضة وبالتالي التخلص منها , وخصوصاً نحن في لبنان نمتلك الذهنية والتجربة والقدرة على ضبط النفس و الذهاب بهذا الإتجاه إلى أقصى الحدود لكي ننتج مجتمعاً يؤمن بالتعددية ونبذ التعصب والعمل على تقوية إيمانه و إبعاده عن الإنتماء الطائفي وهذا نحتاج معه إلى التخلي عن كلّ ما يثير الضغينة والأحقاد وإزاحت ستائر الإسمنت التي تشكّل حاجزاً بين الناس و عقولهم .

الأمر الثاني لا بد من القيام بجملة أمور تساعد على القيام و النهوض بمجتمع موحد قادر على تحمّل المسؤلية ومواجهة الأخطار و الإبتعاد عن الطائفية .



1_ إشاعة ثقافة الحوار

إذ لا يجوز إبقاء الإطار التقريبي محصوراً ضمن أشخاص محدودين من أعيان المذاهب بل يجب أن يتحوّل إلى ثقافةٍ عامة و إلى شعور عام بالمسؤلية إنطلاقاً من الحديث الشريف (كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته) بمعى أن تصبح ذهنية الأمة محكومة لمفهوم التقريب ويتحول سلوكاً لا شعراً نتغنّى به في المؤتمرات والندوات وأن تكون هذه المؤتمرات المقدمة الموصلة لهذا المفهوم , و عندما لا تتمكن هذه المؤتمرات من إشاعة ثقافة الحوار فهذا لا يلغي حسنها بل تبقى منقوصة ,مثل الصلاة التي لا يبتعد صاحبها عن الفحشاء والمنكر فهذا لا يخرج الصلاة عن أصل حسنها ووجودها .

وهنا يمكن أن نستفيد من نموذجين كانا في طليعة من عملوا على مشروع الوحدة الإسلامية هما: الشهيد الأول(الشيخ محمد بن مكي الجزيني) والشهيد الثاني(الشيخ زين الدين الجبعي).

حيث عملا على نشر ثقافة التقريب بعيداً عن المجاملة , فالشهيد الأول الذي رفض الذهاب إلى خراسان ليكون مرجعاً للشيعة بدعوةٍ من حاكم خراسان(علي بن المؤيد) بل عاد إلى بلده(جزين) ليؤسّس جبل عامل العلمي والوحدوي , فزار عواصم البلدان العربية وتردّد كثيراً إلى دمشق حيث المركز في العهد المملوكي ودرس على علماء السّنة واَمتدحهم رغم غزارة علمه , حيث قال في إجازته لاًَبن الخازن الحائري : إنّي قرأت على أربعين شيخاً من علماء العامة .

كذلك فعل الشهيد الثاني الذي زار أيضاً عواصم العالم العربي وتباحث مع علمائهم وزار القسطنطينية (عاصمة الدّولة العثمانية) واَلتقى (السّلطان سليمان ) وسكن في بعلبك وأدار المدرسة النورية عدة سنوات , وكان مرجعاً لكلّ المسلمين من أتباع المذاهب , حتى اَستشهدا في سبيل نشر ثقافة التقريب , فالأول قتل في دمشق في العهد المملوكي ( 784 ه) والثاني في إسطنبول في العهد العثماني (966 هـ) .



2_التسامح وعدم الكيديّة

لعلّ هذا العنوان يساهم كثيراً في مشروع التخلّص من الطائفية المقيتة ,فالكيدية هي العنوان الأخطر في سلوك الدعاة و الأعيان , فإذا اِبتلى العلماء والمفكرون بالكيدية فما حال الرعيّة حينئذٍ ؟ وسيعمل هؤلاء بحقدهم وسيدعون الناس بسلوكهم هذا إلى التقاتل والخاسر الأوّل هو الإسلام , لذلك أوّل ما يجب على العلماء والمفكرين التّخلص من الكيديّة و الترفع عن الأحقاد ووضع معيار مصلحة الإسلام والمسلمين نصب أعينهم وأن يقدّموا هذا المعيار على أنانياتهم وسلوكهم الخاص ويترفعوا عن كلّ ما يضر بالمصلحة العامّة .



3_المؤسسات التقريبية

هي إحدى العناوين الكبرى التي تعمل على إبعاد المسلمين عن الطائفية وهذه المؤسسات لم تنشأ صدفةً وإنما تأسّست على أيدي رجالات كبار في هذه الأمة , في الماضي كانت فكرة التقريب تنطلق من شخصيات وتبقى محصورة في إطارهم الخاص إما لعدم تمكنهم من أنشاء مؤسسات تقريبية أو لعدم قناعتهم بهذه الطريقة .

لكن مما لا شك فيه أن المؤسسات التقريبية هي أكثر نفعاً من عمل الأفراد وإن كان هذا لا يلغي دورهم أو يسقط الواجب عنهم ,و يبقى الكلّ مسؤول ضمن نطاقه , نعم تبقى المؤسسة هي العنوان الجامع لكلّ هذه الإمكانيات المختلفة و تبقى أكثر تأثيراً من الأفراد مهما بلغت درجة عطاءاتهم .

من هنا أجد ذلك الرجل الإستسثنائي (السيد عبد الحسين شرف الدين) الذي يعد من أعمدة التقريب ومن أهم رجالاتها في زماننا , فتراه يشير على العلامة الشيخ القمّي في القاهرة بأن ينشئ داراً للتقريب في أوساط القرن الماضي بما تمثّل القاهرة اَنذاك من حضور فعال وخصوصاً مع وجود الأزهر الشريف ووجود رجالات كبار تحمّلوا المسؤلية التاريخية بكل فخر واَعتزاز( كالشيخ محمود شلتون) و(الشيخ مصطفى مراغي) و(الشيخ عبد المجيد سليم) إذ يشكل الشيخ الأزهر الشريف إحدى الروافد الأساسية في المشروع الإسلامي كما النجف الأشرف وقم المقدسة وجبل عامل واَستطاع ذلك الدار أن يضمّ كبار العلماء من الشيعة والسنة أمثال السيد عبد الحسين شرف الدين والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والسيد حسين برجوردي , تلك الدار التي قدّمت إنجازات قلّ نظيرها , أنا أدعو إلى دراسة معمقة حول تجربة تلك الدار كي نقتدي بها ونستفيد من تجاربها .

واليوم نجد في (المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران) صورة طبق الأصل لما كان عليه دار التقريب في القاهرة , وإذا كانت همّة العلاّمة القمّي هي الأساس و الدافع فإنّ الأمين العام لهذا المجمع{ اَية الله التسخيري} , تظهر قيمته ليس في إدارته لهذه المؤسسة وإنما بشخصيته الإستتثناية التي تساهم في مشروع التقريب بفكره وسلوكه .

هذه المؤسسة التي يجب أن نوجه الشكر من خلالها إلى قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي{دام ظله} الذي يرعاها ويعطيها بعضاً من عطفه ومحبته واَهتمامه , ولعلي أجد في بعض المهام التي يرعاها مجمع التقريب يصلح لتكون إحدى المساهمات الكبرى في إبعاد الناس عن الطائفية . وهنا لا بدّ من ذكر بعض هذه المهام :

منها: عقد المؤتمرات والندوات التي تجمع العديد من العلماء والمفكرين حيث يلقى على عاتقهم مسؤلية أساسية وهي نشر ثقافة التقريب والتداول في شؤون الأمة .

منها: تشكيل لجان لمتابعة أوضاع المسلمين واَيصال المخاطرالمحدقة بهم إلى كل الفعاليات المؤثرة من علمانية وثقافية وسياية وحثّهم على تحمّل الأعباء والمسؤلية.

منها: الحث على تدريس الفقه المقارن في الكليّات والحوزات العلمية وإيجاد ذهنية فاعلة تمارس هذا الدور بشكلٍ تلقائي .

منها: البحث الجدي في الوسائل التي تجمع المسلمين كموضوع المواقيت كالأعياد والحج...

منها: العمل على تبادل الخطباء في المساجد ,وقد وجدنا لها أثراً مهماً في لبنان, أن يذهب عالم شيعي إلى مسجد أهل السنة ويخطب هناك ثم يأتي عالم سني إلى مسجد الشيعة ويخطب, سوف يترك هذا أثراً فعالاً وكبيراً ومهماً في نفوس المسلمين .

منها: العمل على ترجمة الكتب والمنشورات , فهناك من يعمل على إلحاق الضرر سواء عن إعتقاد و جزم بالمصلحة أو عن جهل بذلك أو قد تكون عملية تجارية محضة كما شاهدنا بعض النماذج , وبالتالي يجب وضع معيارٍ واضح أن تكون ( مصلحة الإسلام والمسلمين) فوق كلّ اَعتبار , كي لا نخضع للمزاجية والمصالح الضيقة وبغضّ النظر عن أصحابها .



4_الإستفادة من عاشوراء

فالمسلمون جميعاً ينتظرون الأول من محرم الحرام , ففي هذا الشهر تم الإعتداء على الله{ عز وجل} من خلال قتل عترة نبيه محمد(ص) والذي أوصى القراَن الكريم بمودتهم{ قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى} , فشهادة الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه وسبي عياله وأطفاله يجب أن تكون عنواناً جامعاً لمشاعر المسلمين من خلال منع حصرها بالشيعة وعدم إعتبار يزيد بن معاوية رجل سنّي قاتل شخصيّة شيعيّة , بل على العكس تماماً , فيزيد خارج عن الإسلام وقاتل إمام معصوم وهاتك لحرم رسول الله وهذه مشؤلية الأمّة جميعاُ لتنهض وتعترض, لذلك أنا أدعو المؤسّسات التقريبية والفاعلةفي محرّم إلى القيام بالعديد من الأنشطة التي يمكن أن تخاطب من خلالها عامّة المسلمين , لأن الجوّ العاطفي القائم لا يمكن من خلاله مخاطبة كل هذه المشاعر , فعقد المؤتمرات والندوات ونشرات ثقافية تتحدث عن تفاصيل ما حدث وتدعو الجميع للمشاركة هي أساس في جعل عاشوراء عنواناً جامعاً لمشاعر المسلمين الغاضبين على هتك حرم الرسول وقتل عترته .



5_تعميم بعض العناوين

أ_ أسبوع الوحدة الإسلامية .

ب_يوم القدس العالمي .

ج_ الأعياد الوطنية والإسلامية .

وهذه العناوين لا يجوز حصرها بمكانٍ خاص وبقوى معيّنة بل يجب تعميمها لتصبح مسؤليّة الأمّة كلّها .

6_تبنّي العمل الجهادي ودعم حركات المقاومة

ولعلّ العمل الجهادي كتحرير فلسطين والدفاع عن الأوطان هذه العناوين تكون أسرع إلى لمّ الشّمل وجمع المشاعر من غيرها .

فالقضايا الوطنية الكبيرة يجتمع عليها الناس وتكون مدعاة لوحدتهم و إلفتهم و هذا ما شاهدناه في لبنان من خلال تبنّي النّاس لمشروع المقاومة الإسلاميّة فلم تجمع السنّة والشّيعة فقط وإنما جمعت حولها بقيّة الطّوائف الخارجة عن الإسلام كالمسيحية .

فإعلان التعبئة العامّة من خلال تبنّي دعم حركات المقاومة المناهضة للإحتلالات المختلفة بكلّ الوسائل المتاحة من الدّعم اللّوجستي إلى المساهمة الماليّة إلى التّأييد بالكلمة والموقف وأضعف الإيمان رفض الإنصياع والإستماع للقوى الشّرّيرة المناهضة للعمل الجهادي المقدّس هو أساس في نشر ثقافة الوعي عند الأمّة وإبعادها عن الطّائفيّة البغيضة .



أيّها السّادة ...

إذا تمكّنا من القيام بهذه العناوين السّتّة مع تفاصيلها نكون قد اَجتزنا مرحلة مهمّة في طريق تحرير الأمّة من الطائفية والنهوض بها باَتجاه الوحدة وتحمّل المسؤليّة , وهذا إن حدث فهو كفيل بقطع يد المستعمر ومنعه من نهب ثرواتنا وخيراتنا والتّدخّل في شؤوننا وبالتّالي تجزئتنا إلى طوائف وكانتونات والمستفيد الأوّل هيى إسرائيل والمستعمر عموماً .



مصادر البحث:

1_ القراَن الكريم
2_ روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات | الخوانساري
3_ أعيان الشيعة | السيد محسن الأمين
4_ الدر المنثور من المأثور وغير المأثور | علي بن محمد الشهيدي
5_ بحار الأنوار | العلامة المجلسي
6_ غاية النهاية في طبقات القراء | اِبن الجزري