أثر التبديع في نشوء الطّائفيّة

أثر التبديع في نشوء الطّائفيّة

 

 

أثر التبديع في نشوء الطّائفيّة

 

أ. عثمان محمّد جاه

مدير المركز الإسلامي للتقريب بين المذاهب - غامبيا

 

بسم الله الرحمن الرحيم



تمهيد:

الحمد لله الواحد الأحد, الفرد الصّمد, الذي لم يلد ولويولد ولم يكن له كفؤا أحد. والصّلاة والسّلام على سيّد البشر وعلى آله وصحبه السّادة الغرر......... أمّا بعد.

فقد كان الدين جسما واحدا, وكان سيّد الخلق محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم قلبه النا بض, وكانت تعليماته عليه السلام عروقه الضامنة لسريان حياته.

وجسم تلك صفاته لايخشى عليه من استسراء الأمراض الفتاكة فيه لقوّة المناعة الفطرية الكامنة فيه.

كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قويّا بمافيه الكفاية, وحاسما يهابه أهل الغواية, ومحبوبا لمن فطرته سليمة, كان يملأ قلوب العباد هيبة وإجلالا, يستوي في ذالك محبّ صدقا ومبغض ظلما, كان هو المرجع الوحيد الذي يتّجه إليه الناس لحلّ معضلات دينهم, وذالك لما كان يتسم به من اتصال دائم بربّ العباد, وكان نبيّا سمحا وقائدا فذا ومربيّا يحب الجمع ويكره الفرق, فهو القائل:" من شذّ شذّ في النار".

على هذا المنهج ربى أصحابه الكرام البررة. ثقافة الوحدة وقوّة وتآزر وتحابب الأخوّة.

وإذا أضيف إلى ما ذكر قوّة الإيمان واليقين كان عاملا قويّا ساعد على تكوين اللبنة الأولى وجعلها قويّة صلبة ومتماسكة في بداية الأمر.

أمّة كان الواحد منها يقهر عشرا ممن سواها لحضور القوّة الإيمانية ورفعة الروح المعنويّة فيها, وذلك أيضا لوجود قائد مقدام حريص على المؤمنين وبهم رؤوف رحيم بين أظهرها, وكانت النتيجة أن غذت قلوب أصحابه شدّة على الكفار ورحمة فيما بينهم.

ألفة ووحدة لم يشهد التاريخ قبله مثلها. إنهزمت جبابرة الفرس والروم آنذاك أمامها, وسقطت تيجان ملوكها, وانهدمت قصور القياصرة فلم يبق في العالم إلاّ جبهتان:

جبهة رجال: وتمثلها الأمّة الإسلامية آنذاك, وأخرى نسوية وتثمثّلها بقية الأمم غير المسلمة.

ولكن سرعان ما دبّت إلى قلب الأمّة داء الأمم من قبلها بعد لحوق قائدها الأول إلى الرفيق الأعلى, وتبعه في ذلك الصلحاء من الأصحاب والآل. دخل الوهن وشقّ صفوف الأمّة وتراجع معدّل اليقين بربّ العباد إلى أدنى من ثلثيه.

كثر الدخلاء فانتشر النفاق وسيطر قلوب كثير من العباد, فتراجعت قوّة الغلبة من عشرة مقابل واحد إلى إثنين مقابل واحد { الآن خففّ الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا}.

دخل الحسد والبغضاء فأحرقا الأخضر واليابس وكسرتا روح معنويات الأمّة, فأصبح مثل الحسد والبغضاء مثل الذئبان الجائعان أرسلا في زريبة غنم تخلّف عنها رعاتها.

لم يعد التمييز بين مؤمن وغيره أمرا سهلا, فاختلط الحابل بالنابل, وبدأ البناء يتصدّع, فتفرقت الأمّة إلى أفراد كلّ ينعزل بنفسه, فلا علاقة أخوية تربطه بغيره, ولم يعد أحد يعترف ما للآخر من فضل عليه, فغلبت ثقافة" نفسي".

هكذا استمرّ الحال ويسوء كلّما تقادمت القرون وتبتعد عن قرنه عليه السلام, إلى أن شابت ثقافة الوحدة ومات الشعور بالغير فاتخذ بعض أفراد الأمّة سياسة " التراشق بالتهم" وتصنيف الأمّة مركبا ناعما لتمزيق الوحدة وتقسيم الأمّة إلى فرق وطوائف لاتكاد تكون علاقة التأصل فيما بينها وجود ولا أثر.

المفكر الإسلامي

الأستاذ/ عثمان محمد جاه

غامبيا. 23/ 1/ 2010م

تعريف التبديع لغة وا صطلاحا

أولا: التبديع لغة:

التبديع من "البدعة" وهي في اللّغة تشير إلى " بدء شيء" أو إنشا ئه " أو " إختراعه " أو " إحداثه " على غير مثال سابق.

والبدء, والإنشاء والإختراع, والإحداث كلّها تحمل معنى واحدا أو متقاربا. وعليه تعني البدعة : إحداث شيء على غير مثال سابق. فيقال "ابتدع" الرّجل أي أتى ببدعة. ويقال" تبدّع" الرجل أي صار مبتدعا.

ويأ تي كلمة " التبديع" من ثلاثيّ مضعّف " بدّع" ومصدره " التبديع" فيقال " بدّعه" أى نسبه إلى البدعة([1])..

فيكون معنى "التبديع" في اللغة نسبة البدعة إلى شخص, فهو مبتدع أى مبتكر ما لم يسبقه أحدإليه.



ثانيا التبديع إصطلاحا:

فبعد صولة وجولة بين صفحات الكتب الشرعية لم نجد معنى" البدعة" يتعدى- حسب مواردها في المسائل- : {إحداث ماليس من الدين فيه}.

واللغز في هذا التعريف يكمن في قوله: ما ليس من الدين. وذالك لسعة وتشعب حد الدين, مما جعل العلماء والباحثين يواجهون صعوبة في توضيح قيوده, وبالتالي في تحديد هوية مفرداته.

ويمكن القول بأ ن مأساة التكفير التي تعاني منها الأمة اليوم ير جع سببها إلى اختلاف العلماء في تعريف البدعة, فمنهم من يعتبر بعض الممارسات التي تنسب إلى الدين محدثة وبدعة, فيصفون ممارسها بمبتدع وضالّ, ويوصف عمل من حكم عليه ب" التبديع", وآخرون لايرون تلك الممارسات بدعة, أوأنها بدعة ولكنها حسنة.

والبدعة بين هذه التجاذبات من أدق المفاهيم الإسلامية ومن أكثرها حساسية. ولأجل دقتها وحساسيتها وتشعب موارد ها, وما تتطلبه النصوص من دقة في الفهم, جعل بعض العلماء يستغلّها عند تصنيفهم الممارسات الدينية, فيخرجون كل ما لم يقع تحت علمهم أوأشكل عليهم أو لاينسجم مع عاداتهم وتقاليدهم من الدين, أو بعكس العبارة.

وقد يصدر الحكم على بدعيّة شىء من شخص ليس له آلة التمييز بين منسوبات الدين, من حيث الصحة والفساد, أو لم يتمكن من تصور المحكوم عليه نتيجة لبعده عن موقع الحدث, أوعدم تعايشه للواقع , فيستغلّ كلمة "البدعة" الشرعية التى تمقتها كل نفس غيورة بالسنة المحمدية صلى الله عليه وآله وسلم لحمل النفوس على كراهية عمل ما من الأعمال المنسوبة إلى الدين, وكل ذالك تحريف في مفهوم البدعة, وعدم إنصاف في الأحكام التي يصدرها, مماجعل عامة الناس ضحيّة لمصائد هم.

لأجل هذا وذاك جعل الخلاف الموجود- أصلا- بين طوائف الأمة ومذاهبها يتعمق يوما بعد يوم. والأغرب من ذالك أ ن يستمرالخلاف في دبيبه ليخرق صفوف مذهب واحد فيخلق طوائف جديدة يتبادل أصحابها تهم التكفير ويتقاتلون لأجلها.



محتويات التعريف الشرعي:

يحتوي التعريف الإصطلاحي على جزأين:

الجزء الأول: كلمة" إحداث" الذي يعني إيجاد, أو إختراع, أو إنشاء شىء لا مثيل له من قبل. ونفي المثلية هنا يشمل الخاص والعام والمطلق والمقيّد, وذالك لعدم اشتراط التخصيص أو التقييد في الدليل على مشروعية الممارسات الشرعية.

الجزء الثاني : " ماليس من الدين فيه" وتشير هذه العبارة إلى ا ختصاص المنفي هنا بالأمور الشرعية التوقيفية.

المعنى الإجمالي : هو أ ن البدعة هي إ حداث شىء في الأمور والعبادات التوقيفية, واعتباره جزءا منها, ولامستند له في الأدلة الكليّة أ و في عموميات التشريع الإسلامي, ويكون التبديع هي نسبة هذا المعنى الممقوة إلى مسلم.

وهذا المفهوم يستفاد من مقتضيات النصوص الواردة في الموضوع, وهو من مستلزمات حكم أي ممارسة أو عمل بالبدعة, لأن كل ما له دليل من الأدلة الشرعية المعتبرة, سواءا اعتمد على الكليّات أوعلى العموميات فلا يمكن وصفه بالبدعة. وهذا المعني يرجي من القارىء العزيز أ ن يصطحبه طوال مراحل هذا البحث المتواضع.



البدعة في المنطق القرآنيّ.

وردت كلمة" البدعة" بمختلف اشتقاقاتها أربع مرات في القرآن الكريم, منها:

1- قوله تعالى:{... ورهبانيّة ابتدعوها ما كتبناها عليهم.... }([2]).

قال في الكشاف: وأحدثوها من عند أنفسهم ونذروها([3]).

2- وقوله تعالى:{ قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولابكم}([4]).

قال الحافظ ابن كثير: أى لست بأوّل رسول طرق العالم. ([5]).

3- وقال تعالى: { بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون}([6]).

قال ابن كثير: أي خالقها على غير مثال سابق.... قال ابن جرير.... مبدعهما.... ومعنى المبدع المنشيء والمحدث ما لايسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد, قال: ولذلك سمي المبتدع في الدين مبتدعا لإحداثه فيه ما لم يسبق إليه غيره, وكذلك كل محدث قولا أوفعلا لم يتقدم فيه متقدم, فإنّ العرب تسميه مبتدعا...} ([7]).

4- وفي قوله تعالى:{ بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد}([8]).

وتحمل هذه الآية نفس المعنى لما سبقتها, وبذلك يكون جميع المعاني في المواضع الثلاثة من الآيات تتمشى مع المعنى الذي أقره أهل اللغة لكلمة" البدعة" وهو: إحداث شىء على غير مثال سابق. ولم تحمل البدعة صفة الذمّ إلا في الآية الأولى وهي التي تمثل المفهوم الشرعي للبدعة, وأمّا في الآيتين الأخيرتين فالبدعة فيهما صفة كمال ومدح للخالق تعالى.



البدعة في التعبير النبويّ

إنّ كتب الأحاديث مملوءة بلفظ" البدعة", وتأتي هذه الكلمة غالبا مفسرة لكلمة" المحدثات" أو مقابلة لكلمة" السنّة" وموصوفة بالضلالة ولايشمّ من أحدها إلاّ رائحة الذمّ, ومن أمثلتها:

1- حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنّ رسول اله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: وفيه.... ألا وإيّاكم ومحدثات الأمور, فإنّ شرّ الأمور محدثاتها وكلّ محدثة بدعة, وكلّ بدعة ضلالة....} ([9]).

2- ماجاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه من خطبة النبيّ صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم وفيه... وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ بدعة ضلالة..} ([10]).



الأدلة على ذم البدعة الدينية مطلقا:

إن المتتبع لنصوص القرآن الكريم والسنّة المطهّرة لايكاد يرى كلمة " البدعة" منها إلا مسبوقة بالحظر المؤكد"إياكم" أو متّصفة بالضلالة أو مقابلة على وجه التضات للسنّة, أو تدخل في سياق المذموم. والأمثلة لذالك كثيرة.

1- القرآن الكريم:

يقول الله تعالى في معرض ذم الفاسقين من أمة النصارى ( ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآ تيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبا نيّة ا بتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حقّ رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون) ([11]).

قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى" فما رعوها حق رعايتها" قال:..... وهذا ذم لهم من وجهين(أحدهما) الابتداع في د ين الله مالم يأ مر به الله.....) ([12]).



2- السنة المطهرة:

أ- أورد الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه . وفيه(..... أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ بدعة ضلالة ثم يقول أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أوضياعا فإليّ وعليّ.) ([13]).

ب- حديث العرباض بن سارية عند الإمام الترمذي, وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(....فإنّه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا. وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة فمن أدرك ذالك منكم فعليكم بسنّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين, عضوا عليها بالنواجذ.) ([14]).

ت- ما أورده الإمام أحمد من مسند جابر بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فحمد الله وأثنى عليه, بما هو له أهل ثم قال:{ أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله, وإن أفضل الهدي هدي محمد, وشر الأمور محدثاتها, وكل بدعة ضلالة....} ([15]).

ث- وجاء وصف البدعة بالضلالة في سنن ابن ماجه بثلاثة طرق:

* فعن العرباض بن سارية{.....وإياكم والأمور المحدثات. فإن كل بدعة ضلالة}([16]).

* وعن جابربن عبد الله {.....وشر الأمور محدثاتها. وكل بدعة ضلالة}([17]).

* وثالثتها رواية عبد الله بن مسعود وفيه{....ألا وإياكم ومحدثات الأمور. فإن شر الأمور محدثاتها. وكل محدثة بدعة. وكل بدعة ضلالة. ........} ([18]).



3- الشيعة:

أ- ما أورده ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكلينى الرازى في أصول الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:{ كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار([19]).

ب- وعن أبي عبد الله عليه السلام أيضا قال: قال علي عليه السلام: ما أحد ابتدع بدعة إلا ترك بها سنة([20]).

فجميع ما ورد في هذا الباب, تدل دلالة قاطعة على ذمّ البدعة وتوبيخها وتشنيعها. فوصف الشىء بالضلالة, والشر, كما يلاحظ في الأحاد يث الواردة من مصادر أهل السنة, ووصفه بالضلالة, وبيان مصيرتلك الضلالة بأنه النار, بالإضافة إلى مقابلة البدعة بالسنّة مقابلة تضاد في مصادر الشيعة, لا يمكن أ ن نستدل بها إلا التّشديد في التوبيخ والذمّ.

وجاء في رواية أخرى وعيد شديد على المبتدع وردّ روايته وطرده من حظيرة الإسلام ثم إدخاله النّار. والعياذ بالله. ومن تلك النّصوص:

1- ماورد في سنن ابن ماجه من حديث حذيفة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما ولا صلاة, ولا صدقة, ولاحجّا ولاعمرة, ولاجهادا, ولاصرفا ولاعدلا. يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين}([21]).

2- حديث عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته.} ([22]).

3- وجاء في أصول الكلينى عن محمد بن جمهور رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبى الله لصاحب ا لبدعة بالتوبة, قيل: يارسول الله, وكيف؟ قال: إنه قد أشرب قلبه حبّها([23]).

4- وأورد أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أحدث في أ مرنا [هذا] ماليس منه فهو رد}([24]).

إن النطق بطرد المبتدع من حظيرة الإسلام في حديث ابن عباس عند ابن ماجه, ورفض توبته في رواية محمّد بن جمهورعند الكليني, وردّ عمله إليه, عند أبي داود, كل ذالك يندرج تحت أشدّ تهديد ووعيد رأيناهما في هذا الباب.

وهذا الوعيد يكفي ردعا على المبتدعين لترك بدعهم, إذ إنّها تؤدي بهم إلى الخروج من الإسلام, و في النهاية الدخول في النّار والعياذ بالله .

وفي المبحث التالي سأتعرض- بإذن الله تعالى- للأسباب التي حمّل الشارع الحكيم على تشديده وعيده على البدعة والمبتدع.



تنبؤ المصطفى على نشوء الطائفية في الدين:

إ ن الباحث في كتب التّاريخ الإسلامي والسنن يستنتج منه تنبؤا ت من المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. ومن بينها أن سنّته عليه السّلام ستحرّف أوتبدّ ل ببدع يحدثهاالنا س, وأ ن ذالك الحدث المفجع قدلا يكون بعيداً عن موعد التحاقه بالرفيق الأعلى. والنّصوص ذوا ت العلاقة بهذا الموضوع كثيرة ومتواترة , ويمكن تقسيمها إلى ثلاث طوائف:



الأولى: الخطابات المباشرة في الإعلام على وقوع البدعة فور وفاته عليه السلام.

وفي هذه الطائفة تبين النصوص أن الدافع في الابتداع هو الإختلاف ووقوع فتن بين المسلمين, وبالتالي التّخلى عن السنّة. ومن تلك النصوص:

1- حديث العرباض ابن سارية السالف الذكر عند الترمذي, وفيه (....فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا. وإيكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة, فمن أدرك ذالك منكم فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين. عضوا عليها بالنوجذ).

فمنطوق هذا الحديث يدلل على قرب وقوع الابتداع من موعد انتهاء الرّسالة ولحوق صاحبها بالرفيق الأعلى.

2- حديث أسماء الذي أورده البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أنا على حوضى أنتظر من يرد عليّ, فيؤخذ بناس من دوني أقول: أمتي, فيقال: لاتدري, مشوا على القهقرى} وقال الحافظ بن حجر: قال ابن أبي مليكة: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتتن([25]).

3- حديث عبد الله بن مسعود قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنا فرطكم على الحوض, ليرفعن إليّ رجال منكم حتى إذا أهويت لأنا ولهم اختلجوا دوني فأقول: أي ربّ, أصحابي, فيقول: لاتدري ما أحدثوا بعدك}([26]).

4- ما أورده أبو عمرفي التّمهيد من أثر حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ليردن على الحوض أقوام إذاعرفتهم اختلجوا دونى قأقول: ربّ أصحابى. فيقال: إنّك لاتدرى ما أحدثوا بعدك}([27]).

5- أثر أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يرد علي القيامة رهط من أصحابي فيحلؤون عن الحوض[أي فيحبسون عنه] فأ قول: ياربّ أصحابى, فيقال إنّك لاعلم لك بما أحدثوا بعدك, ارتدوا على أدبارهم القهقرى}([28]).

6- حديث أبى سعيد الخدرى عن النبى صلّى الله عليه وسلم أنه قال: يزعمون أن قرابتى ورحمى لاتنفع والله إن رحمى لموصولة فى الدّنيا والآخرة ثم قال: أيّها النّاس أنا فرطكم على الحوض يوم القيامة وليرفعن لى قوم ممن صحبنى وليمرن بهم ذات اليسار فينادى الرجل يا محمد أنا فلان بن فلان ويقول آخر يا محمد أنا فلان بن فلان فأقول: أما النّسب فقد عرفته ولكنّكم أحدثتم بعدى وارتددتم على أعقابكم القهقرى}([29]).

7- وروت أم سلمة رضي الله تعالى عنها عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوله: إن من أصحابى من لايراني بعد أن أفارقه}([30]).

8- رواية أخرى عنها, عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال:{.....أيها الناس, بينما أنا على الحوض جيء بكم زمرا فتفرقت بكم الطرق فناديتكم ألا هلمّوا إلى الطريق فناداني مناد من بعدي فقال: إنّهم قد بدّلوا بعدك فقلت: ألا سحقا, ألا سحقا}([31]).

هذه الطائفة من الأحاديث وغيرها كثيرة, كلّها جاء ت تؤكد على سرعة الإحداث فى الشريعة بعد اكتمالها, وأن الإحداث يبدأ فى عهد الخلفاء الراشدين المهديين من بعده عليه السّلام بسبب خلاف يقع بين المسلمين فيتبادر البعض منهم إلى الإحداث في الدين, وأن الإحداث يقع حتى من أناس لايتوقع منهم ذالك.

وتصنيف علماء الحديث هذه الأحاديث بإيرادها في أبواب ذكر الفتن التى تنبأ النبى صلى الله عليه وآله وسلم على وقوعها بعده, ينبىء أنّ الدافع إلى الابتداع هنا هو وقوع الفتن بين المسلمين, والتّخلي عن بعض التّعاليم النّبويّة.



الطائفة الثانية: الخطاب الإشاري على وقوع البدعة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ويظهر في هذا الخطاب أن من دوافع الإبتداع التقليد الأعمى والإنجراف الشديد في المتابعة والتأسى بأصحاب الحضارات التى سبقت الإسلام. ومن تلك النصوص:

أ- حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: لتتّبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا أوذراعا ذراعا حتّى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم, قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن([32]).

ب- وأورد أبو عمر في التمهيد مثله, قال المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلم: { لتتّبعن سنن الذين كانوا قبلكم حذو النعل بالنعل, حتى إن أحدكم لو دخل جحر ضبّ لدخلتموه}([33]).

ج- وأورد أحمد في مسنده حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: { لتتبعن سنن من كان قبلكم باعا بباع وذراعا بذراع وشبرا بشبر حتى لو دخلوا في جحر ضبّ لدخلتم معهم, قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن إذا}([34]).

د- وأورد أحمد رواية أبي سعيد عند البخاري باختلاف طفيف في الّلفظ, حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: { لتتبعن سنن بني إسرائيل شبرا بشبر, وذراعا بذراع, حتى لو دخل رجل من بني إسرائيل جحر ضبّ لتبعتموهم فيه} وقال مرة: لتبعتموه فيه}([35]).

وهذه الطائفة من المرويات النبويّة تؤكد أن الأمّة ستتبع أصحاب الأديان السابقة من اليهود والنصارى في كل شىء, حتى في ما يضرها, وأن المتابعة تعمّ كل المجالات الحياتية وحتى الروحية, صغيرها وكبيرها في ذالك سواء. ولاشك أن في هذا التعبير إشارة واضحة على الإبتداع, إذ إن متابعة المخالف في الاتجاه تقتضي تغيير المتابِع كل اتجاهه أو على الأقل بعضا منه. أو بعبارة أخرى , لابد أن يغيّرالمتابِِع- بكسر الباء- بعضا من مبادئه تنازلا لمبادىء المتابَع – بفتح الباء- وإلا لايوصف عمله بالمتابعة.

ولقبح البدعة وضخامة ما تحدثه في الدين من دمار شامل, وهدم لبناء الشريعة الإسلامية الغراء بكاملها, حذّر النبي صلّى الله عليه وسلم أمته منها, بل توعدها برد أي عمل محدث لم يجد بين كليات الشريعة مستندا.

فقال عليه السلام: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ}.

وروت ستنا عائشة رضي الله تعالى عنها هذا الحديث بهذه الصيغة. وفي رايتها الثانية { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردٌ}([36]) .

قال النووي: قال أهل العربية: الرّدّ هنا بمعنى المردود. ومعناه فهو باطل غير معتدٍّ به......فإنّه صريح في ردّ كل البدع والمخترعات....وأن في الرواية الثانية" التّصريح بردّ كلّ المحدثات سواء أحدثها الفاعل أو سبق بإحداثها...." .



الطائفة الثالثة: الخطاب الضمنيى من القرآن الكريم على وقوع البدعة.

إن موقف المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلم من مسألة البدعة, ومحاولته الإحتواء علي خطرها قبل استفحالها, إبتداء من التحذير منها, وتوبيخها, والتهديد على من يرتكبها, وإبطال أي عمل بدعي, ورده إلى صاحبه, يمكن فهم دوافعه في آية من القرآن الكريم, وهى قوله تعالى:

{ وما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}([37]).

قال الحافظ ابن كثير في معنى" انقلبتم على أعقابكم" أي رجعتم القهقرى. ثمّ ساق رواية الطبري

عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ عليّا عليه السلام كان يقول في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم" أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم" والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله, والله لإن مات أو قتل لأقاتلنّ على ما قاتل عليه حتى أموت, والله إني لأخوه ووليّه وابن عمّه ووارثه فمن أحق به منّي.} ([38]).

وقال العلامة الصاوى فى معنى قوله تعالى{ إنقلبتم على أعقابكم} رجعتم إلى الكفر([39]).

وقال الأستاذ العلامة الطباطبائى في معنى الآية: فمحصل معنى الآية على مافيها من سياق العتاب والتوبيخ: أن محمّدا صلّى الله عليه وآله وسلّم ليس إلا رسولا من الله مثل سائر الّرسل, ليس شأنه إلاّ التبليغ....... فما معنى اتكاء إيمانكم على حياته حيث يظهر منكم أن لومات أو قتل تركتم القيام بالدين, ورجعتم إلى أعقابكم القهقرى واتخذتم الغواية بعد الهداية؟ }([40]).

مفهوم الآية- إن لم يكن منطوقها - أن بعضا من أصحاب النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يخشى عليهم القيام بتغيير بعض ثوابت الدين بُعيد لحوق المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلم بالرّفيق الأعلى, وأي تغيير في أسس الدين, بزيادة كان أو بنقص, فهوعين الإحداث والإبتداع.

ولعل ذالك التغيير يأتى نتيجة الاختلاف والفتن التى سبق أن تنبأ المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم بوقوعهما فور غيابه.

وقد شهد التاريخ الإسلامي كثيرا من الأحداث التى فسّرت مخاوفه على أمته وجهوده المضنية في الذّبّ عن دينه, وذالك لمعرفته دقائق أمور أصحابه رضوان الله تعالى عنهم وأنهم لم يكونو جميعا على درجة واحدة من الصدق في إيمانهم المعلن, بل منهم من كان يجتهد في حياة النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم فقط لنيل لقب "الصحبة," أو" لحاجة في نفس يعقوب". وكان عليه السّلام يعرفهم بأعيانهم ويلتزم الصّمت مخافة كسرعصا وحدة الأمة.

وتفصيل هذا المعنى نلمسه بوضوح في خطابات النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم, وفي تحذيراته المستمرة عن الوقوع في ما تتمخض من الفتن التى وصفها عمر بأنها " تموج كموج البحر". وأشار إليها المصطفى في قوله: {إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها. قالوا: فما تأمرنا يارسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم, وسلوا الله حقكم}([41]).

هذا الحديث وإن أورده البخاري في باب الحديث عن علاقة الرعاة بالرعية, إلا أنه عام وعلى أساس " العبرة بعموم اللّفظ لابخصوص السبب" كما يقوله الأصوليون.

ويؤيّد هذه الدعوى ما جاء في الباب الذي سبق هذا الباب, وورد فيه قوله عليه السلام: {.... فأقول: أي ربّ, أصحابي, فيقال: لاتدري ما أحدثوا بعدك) ([42]).

وعن ابن عمر أنه سمع النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: لا ترجعون بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض) ([43]).

وورد مثله عن ابن عبّاس بصيغة" لا ترتدّوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) ([44]).

نصوص مخيفة, بعضها تحذيرية والبعض الآخر تقريرية ومفسرة للتحذيرية" إنهم قد بدّلوا بعدك فقلت: ألا سحقا, ألا سحقا" " ولكنّكم أحدثتم بعدي وارتددتم على أعقابكم القهقرى", وغير ذلك من النصوص الصحيحة بالتواتر, وكلّها تؤكد على وقوع ما حذّرنا منه نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلّم.

والأخوف من ذلك كلّه خاتمة الآية حيث دلّ مفهوم المخالفة في قوله تعالى: وسيجزي الله الشاكرين. أنّ غير الشّاكر لايُجزى, والشاكر هنا الذي لم ينقلب على عقبيه, فدلّ على أنّ الذي انقلب على عقبيه فلن يلقى جزاء من الله تعالى.

وعليه فنشوء الفتنة بسبب البدعة في الدين كان أمرا متوقّعا, ومعلوما لدى الشارع تعالى, وأخبر به رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليحتاط لها بالتحذير والتوبيخ والوعيد الشديد, وذلك كلّه لم يردع كثيرين من المسلمين ولم يمنعهم من الإحداث في الدين.



العلماء أمام نصوص البدعة:

ذكرت عند مناقشة التعريف الاصطلاحي للبدعة, أنها من أدقّ المفاهيم الإسلامية وأكثرها حساسية. وهذا الوصف سيدرك الباحث مطابقته للموصوف به خلال مناقشة النصوص التى تتحدث عن خطرالبدعة.

إن قضيّة شائكة مثل قضية البدعة التي يراها بعض العلماء مقابلة تماما للسنّة التي وصفها الإمام الشافعي رحمه الله بأنها الإسلام كله,لا يجوز البتّ فيها إلا بعد جهد جهيد في البحث والتنقيب وحصر جميع النصوص ذوات العلاقة بها, لكى يخرج الباحث بنتيجة منصفة وخال عن شبهات القصور أو الإنحياز.

وعلى هذا الأساس, وبعد أن أوردت قدرا لابأس به من النصوص في ذمّ مطلق البدعة وتوبيخ المبتدع, يحسن بي أن أورد لفيفا من النصوص التي تقيّد أو تخصّص ذمّ البدعة أو المبتدع فأجعلهاهي محلّ الإشكال وموطن الخلاف بين الباحثين في تحديد البدعة الشرعية. ومن تلك النصوص:

1- حديث جرير بن عبد الله قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

عليهم الصوف فرأى سوء حالهم قد أصابهم حاجة, فحثّ الناس على الصدقة فأبطأوا عنه حتى رئي ذالك في وجهه قال: ثم إن رجلا من الأنصار جاء بصرة من ورق ثم جاء آخر ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه فقال: رسول الله صلى الله علي وسلم: من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فعُمل بها بعده كُتب له مثل أجر من عمل بها ولاينقص من أجورهم شىء, ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شىء([45]).

2- حديث أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من

الأجر مثل أجور من تبعه لاينقص ذالك من أجورهم شيئا, ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئا) ([46]).

3- حديث عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه

وسلم قال لبلال بن الحرث: وفيه....... ( أنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي, فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا, ومن ابتدع بدعة ضلالة لاترضي الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لاينقص ذالك من أوزارهم شيئا.) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن([47]).

4- ما أورده الترمذي عن جرير بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم: من سن سنة خير فا تبع عليها فله أجره ومثل أجور من تبعه غير منقوص من أجورهم شيئا, من سن سنة شر فاتبع عليها كان عليه وزره ومثل أوزار من اتبعه غير منقوص من أوزارهم شيئا) ([48]).

5- ما أورده البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القارى قال: خرجت مع عمر بن الخطاب

في رمضان إلى المسجد, فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلى الرجل لنفسه, ويصلى الرجل فيصلى بصلاته الرهط, فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل, ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب, ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم, فقال عمر: نعمت البدعة هذه, والتي ينامون عنها أفضل من التى يقومون, يعنى آخر الليل, وكان الناس يقومون أوله([49]).



دراسة وتحليل:

فدراستنا هنا تدور حول تحديد مفهوم " السنة" لكونها مدار جميع الأحاديث الواردة في هذا المبحث, ثم مقابلتها بكلمة " البدعة" و"الإحداث" التى هي مدار النصوص التي قبلها, وبالتالى يمكن معرفة العلاقة بين الكلمتين, وتلك العلاقة تحسم العلاقة بين الطائفتين من النصوص.

قال في المنجد: سنّ الطريقة: سار فيها. , وسنّ السنة: وضعها. والسنّة: السيرة, الطريقة, الطبيعة, الشريعة. وجمعها: السنن.

وقال المعجم الوسيط: السنة الطريقة, والسيرة , حميدة كانت أو ذميمة. قال: وكل من ابتدأ أمرا عمل به قوم من بعده, فهو الذي سنّه. وسنّ فلان السنّة: وضعها.

وعلى هذا الأساس, يمكن تفسير كل ما ورد في هذا الباب بلفظ" من سن سنة" ب " من وضع طريقة" أو" من ابتدأ أمرا عمل به قوم بعده", فيكون المعنيان عند أهل اللّغة متقاربان.



مفهوم " من سن سنة إلخ" في اصطلاح المحدثين:

إن المتابع لشروحات المحدثين للنصوص الواردة بصيغة" من سن سنة إلخ..." والأبواب التى يوردون تحتها تلك الأحاديث, يرى أن تلك العبارة تقابل تماما عبارة " من أحدث بدعة". ومن ذلك قول الحافظ ابن حجر العسقلاني تحت" باب إثم من دعا إلى ضلالة أوسن سنة سيئة". وبعد سرد أحاديث" من سن سنة إلخ.." الواردة في صحيح مسلم, وفي سنن الترمذي, قال: قال المهلب: هذا الباب والذي قبله في معنى التحذير من الضلال, واجتناب البدع ومحدثات الأمور في الدين, والنهي عن مخالفة سبيل المؤمنين انتهى.

ثم قال: ووجه التحذير أن الذي يحدث البدعة قد يتهاون بها....} ([50]).

يفهم من هذا الكلام أنّ المهلّب والحافظ يشتركان معا في فهم أنّ " من سنّ سنّة" يقابل" من أحدث بدعة".

وإذا تقرر ذالك, يمكن جمع أطراف محال الإشكال في مسألة البدعة ومقارنتها, للخروج بنتيجة يرضي الله تعالى ورسوله- إن شاء الله- .

محال الإشكال في الخطابات:

أ- إ طلاق ذم البدعة وتعميمه على كل محدثة. ومن أمثلة ذالك:

1- " شر الأمور محدثاتها" وفيه تعميم الشرعلى جميع المحدثات. ويفهم منه أن الإحداث هنا

حصل في أمر مخالف لأصل من أصول الدين مماأكسبه صفة الشر, وإلا, فليس كل محدثة شرا.

2- " كل بدعة ضلالة"

3- " إياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة"

4- " كل محدثة بدعة"

5- " ما أحد ابتدع بدعة إلا ترك بها سنة"

ب- تقييد ذم البدعة وتخصيصه بالمحدثات المخالفة للشرع, ومن أمثلة ذلك:

1- " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" مفهوم المخالفة أنه, لايرد إذاكان عليه أمرنا

2- " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" " " , " " " " .

3- " من دعا إلى ضلالة" يقابلها" من دعا إلى هدى"

4-" من سن سنة شر" يقابلها" من سن سنة خير"

5-" من سن في الإسلام سنة سيئة" يقابلها" من سن في الإسلام سنة حسنة"

5-" ما من داع يدعو إلى ضلالة" في الموطأ, يقابلها" ما من داع يدعو إلى هدى"

6-"من سن سنة ضلالة" ويقابلها" من سن سنة هدى"

7-" من أحيا سنة من سنتى قد أميتت بعدى" يقابلها" من ابتدع بدعة ضلالة...."

ج- قول عمر بن الخطاب:" نعمت البدعة هذه" يفهم منه أن هنالك بدعة أخرى مذمومة.

فكما يلاحظ القارىء الكريم, أنّ طائفة [ أ ] من النصوص أطلق فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذمّ البدعة, فيدخل تحت الذم جميع المحدثات فى الدين بلا استثناء, ثم لاينظر إلى صفة المحدثة من حيث السلب أو الإيجاب.

وأما في طائفة [ ب ] فكل ذم يقابله مدح في جميع النصوص, على حسب الصفة التى تتحلى بها البدعة من سلب أو إيجاب. ومثل ذالك يفهم من طائفة [ ج ] .هذه من جهة:

ومن جهة ثانية, أن كلمة البدعة لها معنى لغوى, وآخر شرعى. فعند اللغويين تعنى{ إحداث شىء على غير مثال سابق}

وأما عند أهل الشرع فتعنى:{احداث ماليس من الدين فيه} أي في الدين.

ولغزالإشكال يكمن في قوله" ما ليس من الدين", وذالك لصعوبة تحديد هويته, بل لأجل هذه الخاصية اتسعت رقعة الخلاف في تحديد البدعة التى نحن بصدد البحث فيها.

ويفهم من التعريف الشرعى أن المحدثة لا تكون بدعة شرعا ما لم يكن الإحداث حاصلا في مسمى الدين. من هنا نجد واقع الحال يفرض على العلماء معاملتها من وجهين:

الأول: تقسيمها لغة وشرعا.

الثانى: تقسيمها ممدوحة ومذمومة.

فالتقسيم الأول اضطراري ألزمهم عليه الاختلاف بين المجالين: اللغوي, والشرعي. فأهل اللغة يطلقون على كل محدثة بدعة, غير عابئين بصفة البدعة من حيث المدح أو الذم.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بعد بيانه المعنى الشرعي للبدعة{.... بخلاف اللغة فإن كل شىء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموما.... }([51]).

وعليه فلا يمكن تقسيم البدعة في اللغة إلى حسنة وإلى سيئة إلاإذا استعيرت الرؤية الشرعية,لان ذالك تدخل في مجال الغير, وإ ن كان بعض التعريفات اللّغوية يقع في مثل تلك التجاوزات.

وأما أهل الشرع فقد قيّدوا بدعيّة المحدثة في ما تقع في مسمى الدين فقط وليس له أصل في الشرع.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: " المحدثات " بفتح الدال جمع محدثة والمراد بها ما أحدث, وليس له أصل في الشرع ويسمى في عرف الشرع " بدعة" وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة, فالبدعة في عرف الشرع مذمومة....) ([52]).

وقال في مكان آخر: والمراد بقوله" كل بدعة ضلالة" ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولاعام) ([53]).

وعليه, فمتى أطلقوا "البدعة " ينبغى أن تنصرف الأذهان إلى الإحداث في الدين المحرم لدى الشارع الحكيم, باعتبارها تشريعا ممن لاحق له فيه. وذالك يجعل دين الله مهزلة يشرّع فيه من يشاء ما يشاء طبقا لهواه.

ونتيجة لمنطوق النصوص الواردة في هذا الباب يمكن أن يتصور المرء حدوث خلاف بين العلماء في صفة البدعة, هل هي ذات وجه واحد أم وجهين كالمنافق؟.

ولوجود تضارب بين المعنيين, وسعة أفق مسمى الدين, بالإضافة إلى قصور فهم بعض علمائه أوميولهم إلى إشباع رغباتهم النفسية, اضطرالبعض إلى تقسيم البدعة الشرعية إلى ممدوح ومذموم معتمدين في ذالك على أدلة ستتم مناقشتها بإذن الله تعالى وبكل انصاف, خدمة للعلم والدين معا.



أولا : القائلون بالتقسيم:

ومن فريق هذا الرأي :

1 - الإمام الشافعي: حكى الحافظ ابن حجر عن أبي نعيم من طريق إبراهيم بن الجنيد عن الشافعي ما معناه : البدعة بدعتان: محمودة ومذمومة, فما وافق السنّة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم }.

ومن طريق البيهقي في مناقبه قال الشافعي: المحدثات ضربان: ما أحدث يخالف كتابا أوسنة أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضّلال, وما أحدث من الخير لايخالف شيئا من ذالك فهذه محدثة غير مذمومة} انتهى([54]).

2 - عز الدين ابن عبد السلام: حكى الحافظ العسقلا ني أنه قال في أواخر " القواعد " البدعة خمسة أقسام: ذكرمنها الواجبة, والمحرمة,والمندوبة,والمباحة. ثم مثل لكل منها([55]).

3 - الحافظ ابن حجر العسقلا ني: و رأي الحافظ يكتنفه نوع من الغموض, وذالك لما يلاحظ من تضارب بين قوليه في ذات الموضوع:

أ- قوله في معرض شرحه لقول عمربن الخطاب رضي الله عنه: { نعم البدعة هذه} قال الحافظ: في بعض الروايات { نعمت البدعة} بزيادة تاء, والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق, وتطلق في الشرع في مقابل السنّة فتكون مذمومة, التحقيق أنه إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة.} ([56]).

ب- قوله في معرض شرح رواية عبد الله ابن مسعود: ...{ وشر الأمور محدثاتها}, قال الحافظ: {......و"المحدثات" بفتح الدال جمع محدثة والمراد بها ما أحدث, وليس له أصل في الشرع ويسمى في عرف الشرع [ بدعة] وماكان له أصل يدلّ عليه الشرع فليس ببدعة, فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فإن كلّ شىء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموما, وكذا القول في المحدثة وفي الأمر المحدث الذي ورد في حديث عائشة { من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد}([57]).

وهذا يجعل تحرير رأي الحافظ ابن حجرفي المسألة صعبا, فقد صرّح مرتين بإطلاق ذمّ البدعة ضمن شروحه للأحاديث ذوات العلاقة, كما شوهد آنفا, إلا أنه يعزوا عمله هذا إلى العرف الشرعى لا إلى رأي خاص به. ولكن عزوه إلى الشرع, وهو يمثله هنا ولم ينكر, يفهم منه أنه يمنع التقسيم, وإن كان له حق رفض هذه الدعوى.

ثم ياتي الحافظ يقول, وبأسلوب مؤكد: ...التحقيق أنّه إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع....الخ)



تحرير رأي الحافظ:

أرى- والله تعالى أعلم- أنّ الحافظ ابن حجر العسقلانيّ مع فريق التقسيم لما يأتي:

أ‌- وضوح عبارته ودلالتها على التقسيم.

ب‌- تمهيد عبارته بقوله[ التحقيق], ويفهم منه نفي الشائع وتقرير خلافه.

ج - ختم عبارته بقولين:{ وإلا فهي من قسم المباح} { وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة}.

د - وورود هذه العبارة في معرض شرح مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه{نعم البدعة هذه}, حيث إن فريق التقسيم يستندون كثيرا إلى تلك المقولة لتبرير دعوى التقسيم, فكانت قرينة ذات قيمة ترجيحية.

وأمّا قوله{ فالبدعة في عرف الشرع مذمومة}, وقوله { وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة} شأنه شأن قوله قبلهما { والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق} وقوله{ بخلاف اللّغة فإنّ كلّ شىء أحدث على غير مثال يسمّى بدعة سواء كان محمودا أومذموما} .

فالعبارتان الأخيرتان جاءتا لبيان رأي أهل اللّغة لاأقل ولاأكثر, كما أنّ الهدف من الأوليان هو بيان المعنى الإصطلاحي لاغير.

وبيان القول الشائع ليس دليلا على القناعة به, خصوصا وقد زاد- وضوحا- عند ذكر قول أهل اللّغة بقوله{ سواء كان محمودا أو مذموما}.

وهذا الكلام, وإن ورد عقيب توضيح رأي أهل اللغة إلا أنه إشارة- عن قريب- إلى ما في ذهن الحافظ من تقسيم.

وهنا يترجح- عندي- القول بأن الحافظ ابن حجر العسقلاني مع فريق تقسيم البدعة إلى ممدوح ومذموم. والله تعالى أعلم .

4- محمد الزرقاني:

قال العلامة سيدي محمد الزرقاني في شرحه على مو طأ الإمام مالك رضي الله تعالى عنه, في معرض شرحه لمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه, : {.............وهو لغة ما أحدث على غير مثال سبق, وتطلق شرعا على مقابل السنة, وهى[السنة] ما لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم, ثم تنقسم إلى الأحكام الخمسة, وحديث كل " بدعة ضلالة" عام مخصوص وقد رغّب فيها عمر بقوله: " نعمت البدعة " وهي كلمة تجمع المحاسن كلها كما أن بئست تجمع المساوىء كلها}([58]).

وسأكتفي بهذا القدر من سرد قائمة فريق التقسيم. وأودّ أن ألفت هنا إنتباه القارىء الكريم إلى أنّ القول بالتّقسيم يأ تي غالبا ضمن شروحات مقولة عمر بن الخطاب, وكأنّها قاعدة عامة في هذا الباب لايقبل النزاع.



أدلة فريق التقسيم:

أولا: الإمام الشافعي:

لم أ جد في القول المنقول عن الإمام الشافعي دليلا توقيفيا, وقد نقل عنه العلامة ابن حجرروايتين عن أبي نعيم من طريق إبراهيم بن الجنيد, وأخرى عن طريق البيهقي في مناقبه, ومفادهما:

أ- : أنه إذاكانت البدعة موافقة للسنة فهي حسنة.

ب- : أنه إذاكانت البدعة مخالفة للسنة فهي سيئة.



ثانيا: عزّ الدين بن عبد السلام.

ويظهرلي أنّ أقوى دليل له في تقسيم البدعة إلى محمودة ومذمومة هو إجتهاد عمر رضي الله تعالى عنه في استحسان بدعة التراويح جماعيا ووصفه لها بنعمت. وقال عزّرحمه الله في عبارة نصها:{ " المباحة" كلّ إحسان لم يعهد عينه في العهد النبويّ كالإجتماع على التراويح}



ثالثا: الحافظ ابن حجر العسقلا ني.

يعتمد الحافظ في تقسيمه البدعةعلى مثل ما اعتمد عليه من قبله, ولكن بزيادة:

أ‌- أنه إذاكانت المستحدثة مما يسحسنه الشرع فتلك بدعة حسنة.

ب‌- وأما إذاكانت مما يستقبحه الشرع فهي مستقبحة.

ت‌- وإن لم تكن هذا ولاذاك فحكمها الإباحة.

ث‌- وقد تكون واجبة, مندوبة, محرمة,مكروحة ومباحة.

وعلى خلفية مورد رأي الحافظ , يتبيّن أنه تبنّى اجتهاد عمربن الخطاب رضي الله عنه حين سنّ الإجتماع على التراويح بقوله: نعمت البدعة هذه". حيث إن تحقيق الحافظ هذا جاء عقيب شرحه لذات المقولة.

وزبدة أدلة الحافظ تكمن في [ أ ] و[ ب ] إذ إن الواجب والمندوب والمباح يندرج تحت [ أ ] في حين يندرج المكروه والحرام تحت [ ب ] . والله تعالى أعلم.



رابعا: الإمام الزرقاني

أما الإمام الزرقاني المالكي فقد اعتمد على امكانية تقسيم البدعة إلى الأحكام الخمسة, على عمل عمربن الخطاب في جمع النّاس في التراويح على قارىء واحد في المسجد, ووصف ذالك العمل بنعمت. ولكن الإمام في نهاية عبارته يوهم أن عمل عمر هذا يعتبر نصّا توقيفيا, حيث قال:{ قال صلى الله عليه وآله وسلم اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. وإذا أجمع الصحابة على ذلك مع عمر زال عنه اسم البدعة}.

وقد ورد هذا القول بعد أن أقرّ متابعة الصحابة لعمل عمر هذا بقوله:{.....لأن البدعة ما ابتدأ بفعلها المبتدع ولم يتقدمه غيره فابتدعه عمر وتابعه الصحابة والناس إلى هلم جرا....} ثم ذكر أن تعميم القول بضلالة البدعة مخصوص, أي بأخرى غير ضالة.



التحقيق في أدلة هذا الفريق:

يمكن القول بأن الأصل في تقسيم هذا الفريق للبدعة إلى حسنة وسيئة هو عمل عمربن الخطاب الذي سنّه ثم وصفه بقوله " نعمت البدعة هذه ". حيث لم يعرف التاريخ الإسلامي أحدا سبق عمررضي الله تعاللى عنه إلى مثل ما فعل.

ولأن أهل هذا الفريق يعتبرون عمل عمرهذا حجة في الدين, وقد فهموا من عبارته التقسيم, قسّموا هم أيضا.

وعليه فأدلتهم إجتهادية, إذ إن عمل عمر ذاته إجتهادي. والله تعالى أعلم.



ثانيا: مانعوا التقسيم

ومن الممانعين:

أ- الشيخ حافظ بن أحمد حكمى:

يقول الشيخ من خلال شروحه للفصل الثالث:[في عظم من أحدث في الدين ما ليس منه] من كتاب {معارج القبول بشرح سلّم الوصول, إلى علم الأصول فى التوحيد}:

{ ثم اعلم أن البدع كلها مردودة ليس منها شىء مقبولا, وكلها قبيحة ليس فيها حسن, وكلها ضلال ليس فيهاهدى, وكلها أوزار ليس فيها أجر, وكلها باطل ليس فيها حق.} ([59]).



ب-آية الله جعفر السبحاني:

قال الشيخ جعفر السبحانى: تقسيم البدعة إلى الحسنة والسيئة بدعة. عبارة جميلة.!!!!!



ثم قال:{ قد سمعت من أن الخليفة سمّى عمله بدعة حسنة, أو سمّى اجتماع الناس على إمامة أبي بن كعب, بدعة حسنة, فإذا كانت البدعة عبارة عن التدخل في أمر الشريعة, فليس له إلا قسم واحد لايثنى ولا يكرر.} ([60]).

ثم وصف البدعة في الدين بأنه من كبائر المعاصي وعظائم المحرمات, لأن المبتدع ينازع سلطان الله تبارك وتعالى في مجال العقيدة والشريعة ويتدخل في دينه فيزيد فيه وينقص منه افتراء على الله سبحانه.} ([61]).



ج- الدكتور الشيخ أحمد حسين أحمد محمد:

قال الدكتور أحمد : وتقسيم بعضهم لها[ البدعة] إلى حسنة وقبيحة أو إلى خمسة أقسام ليس بصحيح بل لا تكون إلا قبيحة. ولابدعة فيما فهم من إطلاق أدلة الشرع أو عمومها أو فحواها أو نحو ذالك وإن لم يكن موجودا في عصر النبي}([62]).



د- الإمام مالك بن أنس:

قال ابن ماجشون: سمعت مالكا يقول : من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلّم خان الرّسالة لأن الله تعالى قال" اليوم أكملت لكم دينكم". فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا}. ونسب مثله إلى الإمام الشاطبي([63]).

ونلا حظ من خلال تعاملنا مع المصادرأنّ منع التقسيم هو مذهب الشيعة الإمامية كما نصّ عليه الشيخ جعفر في الإنصاف:{ اتفقت الشيعة الإمامية تبعا لأئمة أهل البيت عليهم السّلام على أن نوافل شهر رمضان تقام فرادى. وأن إقامتها جماعة بدعةحدثت بعد رسول الله بمقياس ما أنزل الله به من سلطان}([64]).

ثم ساق روايات عن أئمة أهل البيت كلّها تدل على بدعية إجتماع الناس على التراويح, الحادثة التي يستند إليها جلّ القائلين بالتقسيم.

ولكنّ بعضا من أهل السنّة كذالك يشدّدون المنع, كما يلاحظ في قائمة الممانعين, وغيرهم ممن سمعت بأذني إفتاءاتهم على المنع, ولكن جمهور السنّة يقولون بالتّقسيم .

ويظهر في أدلة الفريقين أن الفريق الأول- فريق التقسيم- يستدل بالعقل, وبعمل عمر بن الخطاب الاجتهادي رضي الله تعالى عنه, في وقت يستند فيه فريق الممانعة إلى نصوص توقيفية أطلقت الذمّ على البدعة والمبتدع, وهي نصوص يتفق معهم على اعتبارها الفريق الأول, ولكن برؤية مخالفة من حيث تفسيرها.

ولتسهيل الوصول إلى نتيجة مقنعة, يحسن بي أن أبيّن وجوه الإتفاق والاختلاف بين الفريقين قبل ترجيح أي رأي.



وجوه الإتفاق بين فريق القبول والرفض:

بعد دراسة متأنية, وتحقيق دقيق في الخلاف المحتدم بين الفريقين, والذي أدي في بعض المراحل إلى تفسيق بعضهما البعض, ورد كل ما لدى الفريق المخالف من حجج وبراهين جملة وتفصيلا, خرجت بنتيجة أن الفريقين رغم شدة الخلاف وتباين وجهات النظر بينهما يجتمعان على الوجوه الآتية:

أ‌- تحديد ماهية البدعة الشرعية, في أنها كل محدثة في الدين وليس لها مستند معتبر في كليات الشريعة أو عمومياتها.

ب‌- أن الإحداث المعتبرهو ما وقع بعد توقف النصوص وطيّ ملفّ الرّسالة.

ت‌- أن المحدثة إذاكان لها أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة.

ث‌- أن النّصوص الواردة في إطلاق الذمّ على البدعة, صحيحة ومعتبرة.

ج‌- أنّ البدعة تنقسم إلى لغة وشرع.

ح‌- أن البدعة في العرف الشرعي مذمومة جملة واحدة.

خ‌- أن الإجتهاد في محل النص مرفوض وحرام.

د‌- أن محل الخلاف هو هل يعقل- شرعا- تقسيم مطلق المذموم إلى حسن وسيئ؟

التحليل :

إن المحقق- المتجرد- في مقالات العلماء من كلا الفريقين يخلص إلى نتيجة أن فريق المنع أوضح في استدلا له وأدق في تعبيره من فريق التقسيم. حيث إنهم متمسكون بالأصول المتفق عليها, وهي النصوص المستفيضة والصحيحة في ذم البدعة لدى الطرفين. ولايقبل- لغة وعقلا- ذمّ مطلق الشىء ثم استثناء بعضه. كما لو قيل: البدعة كلها سيّئة إلا بعضها. وذلك يخالف التعبير النبوي صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم:" كل بدعة ضلالة"," كل محدثة بدعة" " شر الأمور محدثاتها" " ما أحد ابتدع بدعة إلا ترك بها سنة".

فهل ينتظر من العاقل المدرك لما للنصوص المتصلة بالنّبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوّة إلزامية واعتبار ربّاني أن يلمّح إلى إمكانية استثناء أفراد من جملة هذه النصوص المتفق على صحتها لدى الطرفين معا؟ الجواب – طبعا – لا.

ثم إن حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أمته وذوده عن بيضة الدين وعن كل ما يكد ّس صفوه, يتناقض تماما مع وصف عمل يعتبرعين التدخل في شأن التشريع الإسلامي بالحسن.

فإن وجد ما يشير إلى ذالك, ينبغي اعتباره إشكالا في الدين, ويجب تأويله بما يتناسب مع الواقع العمليّ.



وأما الفريق الأول القائل بالتقسيم, فلم يتسم رأيهم بالوضوح والدقة في التعبير, إذ إنّهم, كلهم يقرّون بذمّ مطلق البدعة في العرف الشرعي, كما ورد في تعبيراتهم.

" فالبدعة في عرف الشرع مذمومة" عند الحافظ ابن حجر.

" فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم" أو " كل محدثة إذاخالفت كتاب الله أوسنة نبيه...فهي بدعة ضلال, وماأحدث من خير لم يخالف شيئا مما ذكر فهي غير مذمومة" عند الإمام الشافعي.

" وتطلق شرعا على مقابل السنة " عند العلامة الزرقاني.

فالسؤال هو: كيف يكون العمل في عرف الشرع- وهو مجال نقاشنا- مذموما, بعد أن أطلق الفقهاء قاعدة: " المعروف عرفا كالمشروط شرطا" ثم يكون ذالك العمل محمودا في آن واحد؟ إشكال.

وكيف يوافق عملٌ ما السنة ثم يطلق علي ذلك العمل - لأجل الموافقة - بدعة حسنة؟ إشكال.

أو كيف نوفّق بين تعبيرات الإطلاق والتقييد في [ أ ] و[ب] من مبحث " محال الإشكال"؟ إشكال.

وأخيرا كيف نوجه عمل عمر بن الخطاب, ثاني الخلفاء الراشدين المهديين من بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم, ووصفه بدعة الإجتماع على التراويح بنعمم؟ إشكال آخر.

إن هذه الإشكالات مجتمعة جعلت المسألة- فعلا- معقدة, وتتطلب من الباحث المحقق إلى دقّة في الفهم, والتأنّي في الحكم, والتّجرد من تبعات الإنحياز في الموقف, وأخيرا الإخلاص لله تعالى في السريرة.

بذالك- فقط- يصل الباحث إلى نتيجة ترضي الله تعالى حتى في حال الخطأ, وليس من الضروري حصول الرضا أو الرفض من غير الله, لأن غير الله أصلا منقسم على نفسه.

فبقيت المسألة تنحصر في أمور ثلاثة:

الأمرالأول: توجيه وصف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه الإجتماع على التراويح بنعم بعد أن سماه بدعة.

الأمرالثاني: الاستدلال على صورية الخلاف.

الأمر الثالث: بيان مايؤخذ على أحد طرفي النزاع.



أولا: توجيه عمل عمر رضي الله عنه.

إن المتابع لتحديد ماهية البدعة عند فريق التقسيم يستنتج منه أن مشكلتهم تكمن في عمل عمررضي الله عنه واعتبارهم له حجر عثرة أمامهم, لكونه سيد أدلتهم.

ومحل الإشكال في النقاط الآتية:

· أنه هو الخليفة الثاني الذي اهتدي بهدي نبيّه وعاشره طول حياته.

· وأنه راشد ومهدي بتزكية النبي صلى الله عليه وسلم.

· دخول عمررضي الله تعالى عنه في عموم:{عليكم بسنتي.... } السالف الذكر.

· سكوت الصحابة رضوان الله تعالى عنهم عن عمله وعدم إنكارهم عليه.

كل هذه الذرائع نجدها منتشرة في صفحات كتب الفقه, وأقوال العلماء, مما جعل عمل عمر يشكل عقبة كعداء على طريق المقسمين.

والإثنان قد لا يختلفان في الأوصاف الواردة هنا ولكن الخلاف يكمن في توجيه عمله وقطعية حجيّته لما نحن فيه وذلك لحساسية الموقف ولمساسه لبّ الدين.

خصوصا وأن حديث { عليكم بسنتي...} لم يسلم من ملاحظات عليه, ومن بين تلك الملاحظات:

أ‌- كونه من قبيل خبر الآحاد, فجميع أسانيده تنتهى إلى راو واحد وهوالعرباض بن سارية.

ب‌- ولأن وصف شخص بأنه راشد ومهدي, حكم نسبي, لادليل على عصمة الموصوف بهما, لثبوت ما يخالف ذلك.

ت‌- ثم إن تخصيص الوصف بالأربعة يحتاج إلى دليل مستقل.

وعلى فرض قبول الحديث كما هو, يبقى الإشكال فيما لو اختلف الموصوفون بالأوصاف الواردة فيه وليس لأحدهم حق الصواب على الآخرإلا بدليل خارجي, لكونهم جميعا راشدين ومهديين؟. كما حدث ذلك في مسائل عدة منها: جمع المصحف, الجد مع الإخوة والعول في الميراث, يوم السقيفة, تضمين الصنّاع, حرب ما نعي الزكاة, وهذه المسألة التي نحن بصدد البحث فيها, حيث إن الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه لم يعمل بها, وغيرها من المسائل كثيرة.

ولنا مثال واحد فقط من المسائل التي وقع فيها خلاف بين أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وهي مسألة الإهلال بالحجّ والعمرة معا أوعدمه, التي اختلف فيها أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام, وتوجد في أكثر من موضع, وبألفاظ مختلفة, منها:

1- ما أورده الإمام النسائي من حديث مروان: أن عثمان نهى عن المتعة, وأن يجمع الرجل

بين الحج والعمرة. فقال علي: لبيك بحجة وعمرة معا. فقال عثمان: أتفعلها وأنا أنهى عنها؟ فقال علي: لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من الناس}. وفي رواية: فقال عثمان: أتفعلها وأنا أنهى عنها؟ قال: بلى ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا, فلم أدع قول رسول الله لقولك([65]).

2- ما أورده مسلم عن قتادة قال: قال عبد الله بن شقيق: كان عثمان ينهى عن المتعة وكان

علي يأمر بهافقال عثمان لعلي كلمةً ثم قال علي: لقد علمتَ أنا قد تمتّعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: أجل. ولكنا كنا خائفين) ([66]).

3- حديث سعيد بن المسيب عند مسلم قال: اجتمع علي وعثمان رضي الله عنهما بعسفان,

فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة فقال علي: ماتريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه, فقال عثمان: دعنا منك. فقال: إني لاأستطيع أن أدعك. فلما أن رأى علي ذلك أهلّ بهما جميعا)([67]).

4- ما أورده البخاري في صحيحه عن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعليا رضي الله

عنهما, وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما, فلما رأى عليٌ,أهل بهما: لبيك بعمرة وحجة, قال: ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد) ([68]).

ولايخفى على أحد لما لهذين الصحابيين من مكانة في قلب الأمة واعتبارهم لآرائهما. وها هما يختلفان في مسألة تمسّ لبّ عبادة محضة, وهما راشدان ومهديان بتزكية نبوية. فبأي من الرأيين ياترى نأخذ؟ أ برأي من يميل إليه هوى النفس؟, أم بمن سانده الدليل؟,علما بأن الخلاف مستمر.

وعليه فأكثر ما يمكن حمل قوله عليه السلام " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين...." هو تغليب جانبهم متى وقع خلاف بينهم وبين غيرهم, لما لهم من فضل ودراية بالهدي النبوي أكثر من غيرهم. وليس يعني ذلك إعطاؤهم حق التشريع . وإنما حقهم الإجتهاد في ما لم يرد فيه نص. فبقي عمل عمر رضي الله تعالى عنه إجتهاديا. وسكوت من سكت عنه من الصحابة بعده, لا يستدل بها إلا على موافقتهم له في الرأي, لاأقل ولاأكثر.

ولأجل ذلك قال الحافظ ابن حجرفي شرح ما ورد عند البخاري {....هذ خلاف علي وأكثر الصحابة على الجواز..... وفيه أن المجتهد لايلزم مجتهدا آخر بتقليده لعدم إنكار عثمان على علي ذلك مع كون عثمان الإمام اذ ذاك والله أعلم.} ([69]).

من هنا تلزم دراسة إجتهاد عمررضي الله تعالى عنه, لننظر هل هو إيقاظ لما نام ونسي, أم إحداث لما لم يسبق له مثيل؟. ثم بعد ذلك نحقق في ما ذا كان عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخصوص مسألة الإجتماع على التراويح؟ . فالنتيجة تكون جوابا لبحثنا عن موقف عمل عمررضي الله عنه من حيث البدعيّة أوالسنيّة.

وأمّا ما يخص إجتهاد عمر رضي الله تعالى عنه فقد وردت روايات كثيرة وصحيحة تتحدّث عنه, ولكن تلك الروايات ذاتها ترد عليها احتمالات ومفاهيم متضاربة,- والله المستعان- ومن تلك الروايات:

1- ما أورده البخاريّ في صحيحه عن عبد الرحمن بن عبد القارىء أنّه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه, ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط, فقال عمر: إني أرى لوجمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل. ثمّ عزم فجمعهم على أبى بن كعب. ثمّ خرجت معه ليلة أخرى والناس

يصلون بصلاة قارئهم, قال عمر: نعم البدعة هذه, والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون- يريد آخر الليل- وكان الناس يقومون أوّله}([70]).

فصلاة التراويح جماعة- حسب هذه الرواية- أدركها عمرمعمولا بها, وأما عمل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قبله فنجده في الروايات التالية:

1- حديث عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج

ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد, وصلى رجال بصلاته, فأصبح الناس فتحدثوا, فا جتمع أكثر منهم, فصلى فصلوا معه, فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصُلِي بصلاته, فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح, فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك([71]).

2- وجاء في الموطإ عن عائشة باختلاف طفيف في اللفظ, وفيه.....فلما أصبح قال: قدرأيت

الذي صنعتم , ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان}([72]).

3- رواية النسائي من حديث أبي ذر قال: صمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في

رمضان فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر . فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل. ثم لم يقم بنا في السادسة, فقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر اللّيل. فقلت: يا رسول الله, لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه؟ قال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة ثم لم يصل بنا ولم يقم حتى بقي ثلاث من الشهر, فقام بنا في الثالثة. وجمع أهله ونساءه حتى تخوفنا أن يفوتنا الفلاح. قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور.) ([73]).

4- حديث زيد بن ثابت( أن النّبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير

فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناس, ثم فقدوا صوته ليلة فظنوا أنه قد نام, فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم فقال: ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم, ولوكتب عليكم ما قمتم به, فصلُوا أيّها النّاس في بيوتكم, فإن أفضل صلاة المرء في بيته, إلا الصلاة المكتوبة) ([74]).



مايستفاد من الأحاديث:

فهذه الأحاديث مجتمعة تفيد ما يلي:

أ‌- أنّ جمع الناس على قارىء واحد في التراويح والحث عليه لم يعرف قبل عمررضي الله تعالى عنه.

حكى العلامة الزرقاني عن ابن عبد البر قوله:{... وهذا تصريح منه بأنّه- عمر- أوّل من جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد لأنّ البدعة ماابتدأ بفعلها المبتدع ولم يتقدمه غيره فابتدعه عمر وتابعه الصحابة والناس إلى هلمّ جرا... لأنّه صلّى الله عليه وسلّم لم يسنّ الإجتماع لها ولاكانت في زمان الصديق...} ([75]).

ب‌- أن عمر رضي الله عنه سمّى عمله الذي هو من العبادات المحضة بدعة, وعمر إذا أطلق

كلمة في المجال الشرعي تنصرف الأذهان لأول الأمر إلى حقيقتها, وحقيقةالبدعة في العرف الشرعي مذمومة, فكان- فعلا- إشكالا تصعب الإجابة عنه.

ت‌- أن ناسا اجتمعوا- فعلا- على التراويح خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, فلم

يمنعهم. كما ثبت ذلك في رواية البخاري عن عبد الرحمن بن القارىء السالف الذكر.

ث‌- تلميح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه لم يكن يفضل الاجتماع على التراويح. وذلك

يظهرجليا في تردده عن الحضور, وعدم حثّه علي الإجتماع. والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من دأبه استنهاض الهمم واختيار الأفضل متى كان لعمل ما درجتان, كما صحّ ذلك عنه عليه السّلام في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:

{ ما خُيِر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما, فإن كان إثما كان أبعد الناس منه, وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه, إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها.} ([76]).

ج‌- أن السبب في رفضه الإجتماع على التراويح هوخوفه من أن تفرض على الأمة, ويفهم

منه أنه لو لاخوفه لخرج لهم. ومفهوم المخالفة معتبر, ويستأنس به في الاستدلال.

ح‌- وأن إمامته عليه السّلام على التراويح كان متقطعا. والتأويل هنا يشبه التأويل في

فقرة[ث].



خ‌- أن صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة, كما في رواية زيد بن ثابت. والتراويح داخلة

في عموم صلاة المرء في بيته, ومن ادعى التخصيص فعليه بالدليل.



والقول بأن حديث زيد لم يرد في التراويح, يندفع بالعموم غير المخصص, وبأن العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب, كما يقول الأصوليون.



النتيجة:

أرى- والله أعلم- أن الإجتماع على التراويح في المساجد بالكيفية التي أمربها عمر رضي الله تعالى عنه- إن سُلّم لها- لاينال من الحكم أعلى من الجواز, وذلك لما يأتي:



1- لما صحّ من أن جماعة صلّوها خلف النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة فسكت

عنه. وإقرارالنبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أي عمل له علاقة بالعبادة يعطي ذلك العمل أقل درجة من درجات الشرعية, وهي الإباحة. وأما الباطل فلن يسكت عنه.

ولو كان الإجتماع على التراويح ينال درجة أعلى من الإباحة, لندب أمته إليه.



2- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علّل امتناعه عن مداومة إمامتةالناس على التراويح

بقوله:{.... لم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم...} وفي راية: {فتعجزوا عنها}.

فيستفاد منه أنّه متى زال الخوف جاز عمله, لأنّ امتناعه أنيط بعلّة, فيزول بزوال العلّة. والعلّة هنا خوفه من أن تشرّع ووقته حياته عليه السلام , فلمّا زال الخوف بوفاته جاز الرجوع إليه, وهو عليه السلام حاسم في قضايا الممنوعات, فهو القائل:" فمن رغب عن سنّتي فليس مني".

وهذا التأويل يؤيده الشيخ علي محفوظ في كتابه الإبداع , حيث وصف عمل الخلفاء الذي لم يكن في زمن النبي بأنه لا يخلو من أمرين:

إما لعدم وجود الداعي إلى عمله, ومثّل له بجمع المصحف الشريف,الذي كان يتعذر جمعه في حياة صاحب الشريعة.

والأمر الثاني يتمثل في قوله:{ أو كان المقتضى موجودا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن كان هناك مانع كصلاة التراويح في جماعة فإن المانع من إقامتها جماعة والمواظبة عليها خوف الفرضية فلما زال المانع بانتهاء زمن الوحي صحّ الرجوع فيها إلى ما رسمه النبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته([77]).

وهذا التأويل يخرج عمل عمرمن دائرة البدعة إلى دائرة الإحياء لسنة لم يتشجّع لها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لعلة ذكرها. ولمّا زالت العلة أحياها عمر.

وهذا الكلام يؤيده السيد أحمد الهادي العلوي الشنقيطي في معرض دفاعه عن عمل عمر, وأنه لا يسمى بدعة قال:{... وأن من استند على قول عمر رضي الله عنه " نعمت البدعة هذه" مدفوع بفعل النبي صلى الله عليه وسلم لها ثم تركها مخافة أن تفرض على الأمة فأحياها عمر بعد انقطاع وقت التشريع وأن مراد عمر منه أنها بدعة في المعنى اللغوي حيث لم تحدث من قبل وإلا فهي على التحقيق سنة, لحديث " عليكم بسنتي"([78])..



توجيه حديثى:{ من سن سنة حسنة..... } و : {من أحدث في أمرنا....}

إن المنهج الذي اتخذته في الجمع بين القولين يفرض علىّ توجيه هذين النصين:



الأول: حديث من سن في الإسلام .....الخ, الذي يمكن أن يستند إليه كل قائل بلزوم التقسيم لدلالة النطق, فصح التقسيم عنده.

والحق فيه أن يقال: "إن معنى من سن سنة حسنة" من اخترع طريقة أوهيئة عمل في الدين ووافقت الشرع فعُمل بها بعده. فانتفى التقسيم, لأنّ اختراعه طريقة أوهيئة هنا بدعة من حيث اللّغة, إلاّ أنه- في الوقت نفسه- سنّة وشرع من حيث المعنى.

فبقي الإختراع الذي لايوافق الشرع فهو السنّة السيّئة المتفق على بدعيتها.

وبهذا يستقيم المعنى. والله تعالى أعلم.



الثاني: حديث من أحدث في أمرنا ...الخ. فإن مفهوم مخالفته هو: أن من أحدث في أمرنا هذا ما هو منه فليس بردٍّ, فصحّ التقسيم عنده, والصحيح خلاف ذلك.



والتوجيه هو: أن المحدث لايخلو:

إمّا أن يكون منه فهو عين السنّة والشرع, وإمّا أن يكون اجتهادا فيما لم يرد فيه نصّ , فما وافق الشرع منه فهو شرع وليس ببدعة وماخالفه فبدعة شرعا يستحيل استحسانه, أو كان اجتهادا فيما فيه نصّ وذالك مهزلة وتشريع ومحرّم. والله تعالى أعلم.



تنبيه: يمكن حمل خشيته عليه السلام على فرض التراويح رفع الحرج لاغير لكونه هو المخاطب في {هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي} , فلا يتوقع بعد ذلك فرض صلاة أخرى.

والنبي صلى الله عليه وسلم- كما يعلم الجميع- كان ميّالا إلى الأيسر متى ما خُير بين أمرين. ومن شيمه الشفقة بأمته, والحث على التيسير, وقد ظهر هذا المعنى في أكثر من مجال, فهو القائل:

{لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة}. والقائل:{ لو قلت نعم لوجب ولما استطعتم}. إجابة عمّن سأله أكلُّ عام ؟ بعد أن أبلغهم فرضية الحج.

ولأجل ذلك أورد البخاري رواية زيد بن ثابت في هذا الباب تحت[ باب ما يكره من كثرة السؤال]. وعلى فرض صحة هذا المحمل فإنه يؤيد دعوى الإباحة... والله تعالى أعلم.

3- أنه لو لم يكن جائزا لبادر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم الأول إلى منع من

يقوم خلفه في التراويح مطلقا, كعادته في ما لا يرضي الله تعالى, ولم يكن ليكتفي بالتلميح إلى ما هو أفضل.

4- أن عدم مداومته, وعدم تشجيع الناس على الإجتماع دليل للإباحة, ولكن في الوقت نفسه

دليل على ترجيح جانب الترك. فلو كان العمل أفضل لداومه النبي, بل ولدعا الناس إلى عمله ومداومته. ثم إن عمر ذاته أمر به ولم يكن يحضره, كما ذكر ذلك ابن عبد البر, ونقله عنه العلامة الزرقاني([79]).

والفرق بين الصورة في قوله:{.. إلا أني خشيت أن تفرض عليكم..} والصورة في قوله:{لولا أن أشق...} أن الأخيرة جاءت في معرض الحث على أمر مندوب إليه في الشرع وهي نظافة الفم.

فلو أن أحدا تحمّل مشقة السواك عند كل صلاة فإنه يشكرعليها.

وأما الأولى فجاءت لحث غير جازم على الترك, فكان الترك أولى من العمل مع بقاء الجواز.

وإذاكان الأمر كذلك, وكان عمل عمر رضي الله عنه إجتهاديا بإقرار من نفسه حيث قال: {إني أرى}. يكون شأنه شأن الإجتهادات جميعا سواء كان في زمن التشريع أو خارجه, فيحتمل الصواب والخطأ.

وهذه القاعدة تطبق على كل مجتهد, ما لم يكن معصوما. ولأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه

وآله وسلّم لعمر رضي الله عنه{..الآن يا عمر}. وغيرها من الأمثلة المنتشرة في كتب التاريخ والسير.

وإذا قال قائل: إن عمل عمر سنّة لحديث {... عليكم بسنتي...}, قلت: ما نوعها؟ إذ إنّ سنّة الخلفاء معطوفة على سنته عليه السلام, والعطف يفيد المغايرة, وإلا لجاز لهم التشريع, ولا قائل به. فلا يمكن أن تكون سنة الخلفاء في مصافّ سنّة المعصوم عليه السلام.

وأما إذاكانت سنتهم هي سنة المصطفى نفسها, فهي إذا سنّة المصطفى عليه السلام.

وأما قول صاحب الإبداع في عرض مفهوم حديث{.. عليكم بسنتي...}, بأنه يفيد أن ما سنه الخلفاء الراشدون لاحق بسنته صلى الله عليه وآله وسلم, لأن ما سنّه الخلفاء لايعدوا أحد أمرين: إما أن يكون مقصودا بدليل شرعي فهو سنة لابدعة, وإما بغير دليل- ومعاذ الله من ذلك- ولكن هذا الحديث دليل على إثباته سنة..} ([80]). ففيه تناقض, إذ إن القضية لها صورتان فقط لاثالثة لهما, وهما:

كونه مقصودا بدليل شرعي فكان سنة كما عبّر عنه- وجزاه الله خيرا-, أو كان عكس ذلك, فيكون بدعة. فكان علي المؤلف دمج العبارة الأخيرة في الأولى فيستقيم المعنى. والله تعالى أعلم.



ثانيا: الاستدلال على لفظية الخلاف.

إن الخلاف بين العلماء في نظرية تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة, وعدمه لفظي, واصطلاحي. وقد قال الأصوليون: لا مشاحة في الاصطلاح .

ودعوى لفظية الخلاف يؤيدها الشيخ علي محفوظ بقوله:{وهذا الخلاف لفظي يرجع إلى تحقيق ما يطلق عليه لفظ البدعة شرعا مما جعل دينا وليس منه مذموم إتفاقا كما أنه يسمى بدعة إتفاقا}([81]).

ومن دقّق في تعبيرات العلماء بتجرّد, يجد أنهم اتفقوا على المقدمات الآتية:

*- أن الشريعة توقيفية. فلا يجوز عبادة الخالق في ما ليس فيه نصّ.

*- أن النصوص توقفت بتوقف الوحي.

*- أن الحوادث مستمرة باستمرار البشرية.

*- أن على العلماء الإجتهاد لإيجاد حكم لأي حادثةلا يوجد لها في الشرع دليل خاص.

*- أن الإجتهاد في محل النصّ مرفوض.

*- أن المجتهد إذا توفرت شروطه يؤجر, أصاب أم أخطأ.

*- أن من اخترع شيئا في الدين ولم يستند إلى كتاب الله تعالى أوإلى سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم, أو إلى كلية من كليات الشريعة, أو عموم من عموماتها, سواء باسم الإجتهاد أو بهوى النفس, كان مبتدعا, وكان ذلك العمل بدعة محرمة.

وعلي هذا يحمل جميع النصوص الواردة في هذا الباب والتى تطلق الذم على البدعة , مثل , " كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة".



محلّ الخلاف

ومحل الخلاف في ما اخترع من الدين أو من غيره عن طريق الإجتهاد أوباسم التقدم ولكن له أصل من كليات أو عموميات الشريعة المستنبطة من الكتاب أو السنة.

وهذا النوع سماه فريق التقسيم البدعة الحسنة. إلتفاتا إلى الجانب اللغوي وهو كونه بكلية شكله أو أو بجزئيته أو بكيفيته لم يعرف له مثيل قبل, وعليه يحمل أحاديث إطلاق الذمّ كلّها.

وسماه فريق المنع شريعة أوسنة, نظرا لوجود أصل له في الشرع. وعليه يحمل حديث { من سنّ في الإسلام سنة حسنة... } السالف الذكر.



ويؤيد هذا المنحى ما أورده العلماء من وجوه:

· الوجه الأول: ما نقله صاحب الإبداع عن العلامة ابن حجر الهيثمي الشافعي قوله:{ومن قسّمها من العلماء إلى حسن وغير حسن فإنّما قسّم البدعة اللّغوية, ومن قال: كل بدعة ضلالة فمعناه البدعة الشرعية}. كما ادعى أيضا بأن عمر رضي الله عنه إنما قصد بالبدعة اللغوية بقوله{...أراد البدعة اللّغوية وهو ما فعل على غير مثال..} ([82]).

· الوجه الثاني: ما نقله صاحب شمس الدليل عن ابن رجب قوله:{والمراد بالبدعة ما أحدث مما لاأصل له في الشريعة يدل عليه, وأما ما له أصل فيه فليس ببدعة شرعا وإن كان بدعة لغة}([83]).

· الوجه الثالث: ما قاله د. أحمد عند توجيه مقولة عمر: {وإن مراد عمر منه أنّها بدعة في المعنى اللغوي حيث لم تحدث قبل....وإلا فهي على التحقيق سنة...} ([84]).



ثالثا: ما يؤخذ على فريق التقسيم.

ذكرت في مبحث التحليل أن فريق المنع أدق في التعبير وأقوى في الحجة, حيث إنهم أكثر موضوعية من غيرهم في مجال هذا البحث.

فالموضوع شرعي, والمتحدثون عنه شرعيون, والمسألة من العبادات المحضة, والإبتداع في الدين مذموم جدا, فكان علي فريق التقسيم ان يتّضحوا أكثر ويتجنّبوااستعمال ألفاظ موهمة عند تناول مسألة البدعة.

فالقول بتقسيم البدعة الدينية إلى حسنة وسيئة يفتح الباب على مصراعيه أمام المبتدعين, فيبتدعون ثم يدّعون شرعية ما يبتدعون من العبادات والشرائع الموقوفة, كما يفسح المجال للمتطرفين والمتعصبين بآرائهم في تبديع أوتفسيق أو تكفير من شاءوا باسم البدعة.

فكان ينبغي وضع القضايا في قالب "مشروع وغير مشروع" لعدم استقامة أن يقال: هذا مشروع حسن, وآخر سىء. أو نقول: هذاغير مشروع سىء وآخر حسن. فذلك مشكل.

وعليه يؤخذ علي القائلين بالتقسيم التساهل في التسمية وعدم وضوح الهدف, إذ إنهم- كلهم وبدون استثناء- مجمعون على ذم البدعة الشرعية, وأنّ ذلك هو العرف الشرعي. وفي ذات الوقت يقسّمون البدعة إلى حسنة وسيئة. فكيف يستسيغ العقل السّليم ذلك التناقض!؟.

فلما ذا لم يكتفوا بتقسيم البدعة إلى لغة وشرع كما يحدث ذلك في جميع المسائل الدينية؟ خصوصا بعد أن أقروا أن عمر رضي الله عنه استند في إجتهاده إلى دليل معتبر كما نقل ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني عن ابن التين وغيره{ استنبط عمر ذلك من تقرير النبي صلى الله عليه وسلم من صلى معه في تلك الليالي([85]).



الترجيح

فبعد صولات وجولات بين صفحات الكتب, وبعد قراءة متأنية لأقوال العلماء الأجلاء وتوجيهاتهم النيرة, خلصت إلى ترجيح القول بعدم إمكانية تقسيم البدعة الشرعية. وذلك للأسباب الآتية:

1- عند الرجوع إلى الحد الشرعي للبدعة نجده لايخرج عن "إدخال أوإخراج ما ليس من

الدين فيه". وهذا المعنى يحمل من القبح والخطورة ما لا يمكن قبو له بأي حال من الأحوال, فإنه يعني- بدون شك-, التدخل السافر في أكبروأهمّ حقّ من حقوق الربوبية, وهو حق التشريع والعبادة.

2- إتفاق العلماء جميعا على أن ذم البدعة هو العرف الشرعي, فكان سؤالي كيف نترك

العرف الشرعي إلى منكره؟ ونحن مأمورون بالعمل طبقا للعرف الشرعي, وقد قعّد العلماء العرف بأنه كالمشروط.

3- الأحاديث المستفيضة الصحيحة, المقبو لة لدى كلا الطرفين , وكلها تذم البدعة مطلقا.

وعلى فرض ورود شىء يوهم إمكانية التقسيم, وفرض صحته, فلا ينهض- كمًا ولاكيفًا- أمام نصوص إطلاق الذم.

4- الحرص الذي أبداه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في ذوده دين الله عز وجل عن أي

دخيل حتى قال{ من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد} وقوله {من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد} وغير ذلك من الأحاديث الدالة على حماية البيضة, بالإضافة إلى ما ورد من وعيد شديد على المبتدعين, كل ذلك لايمكن أن يحدث في أمر ليس على أقصى درجة من الكراهية, مما يمنع استثناء شىء من أفراده.

5- منع التقسيم يتمشى مع قاعدة سدّ الذرائع, وهي قاعدة يستأنس بها- منطقيا- للمنع من

الوقوع في المحظور. والشريعة الإسلامية قبل أن تحرم شيئا تسدّ الباب المؤدي إليه.

ونعيش الآن زمانا ينتشر فيه الجهل, ويغلب فيه هوى النفس, ويقوى فيه التحزب للجماعات, والتعصب للآراء, والكل إمّا يتذرع بالبدعة في حكمه على مخالفه أو تبرئة من يوافقه الرأي من البدعة الممقوتة, فكان لزاما علينا تجلية الغبار العالقة على الشريعة المحمدية الغراء وذلك بردّ الأمور إلى أدلتها المعتبرة .

6- إن منع التقسيم هى الفكرة الوحيدة التي تلزم العلماء والمتحدثين باسم الدين وكل صاحب

دعوى بالدليل.

فإما أن يعرف الدليل فيؤخذ منه, أويسكت فيردّ إليه دعواه.

ينسب إلى الإمام عليّ كرّم الله وجهه وعليه السلام قوله:" لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه"

تنبيه:

إن عدم وجود دليل خاص لمسألة من المسائل لايحوّلها بدعة إلاّ إذا لم يوجد لها أصل معتبر من الأدلة الكليّة أوعمومات التشريع, فبهذا الشرط العدمي- فقط- تخرج المسألة من دائرة الشرعية إلى دائرة البدعية.

وهنا مفترق الطرق, فكم من عاجز- جهلا أو قصورا في العلم- عن استنباط دليل من القواعد الكلية, أو متعصب لرأيه, متحزب لمذهبه أوجماعته أو منهجه في العمل, يبدِّع عملا أو يشرّعه كذبا وجرأة على الله وانتصارا لرأيه الشخصي .

وأمّا ما أشاهده في بلدي وفي كثير من البلدان التي أزورها من ميول يوصف بأنه إسلامي وإحياء للسنّة النبويةلأمر مشجع- إبتداء- لو كان أساسه العلم بالدين, والفهم الدقيق لمقاصد الشريعة والحكمة, وإلا سيكون نقمة وويلا- لا سمح الله- على جيل المستقبل.

والذي يزيد تحفظي أو خوفي من هذا الحماس الشديد والإندفاع الغير المنضبط, هو انتشار الجهل بين أوساط أصحاب هذه الحركة الإحيائية, وتسرّعهم إلى إصدار أحكام قاسية ولأتفه الأسباب, مما يدلّ على جهل عن حقيقة الدين, وجمود فكري,وذالك لعدم اعتبارهم التخصصات العلمية, فيخلطون بين الدين والثقافة, ويصدرون أحكامهم المجحفة.

وقد يحتج البعض عند تبد يع شيء من الممارسات الدينية أو دعوى شرعيتها, يحتج بعمل السلف, أو بعدمه.

فتسمع من يفتي منهم يقول: هذا لم يعمله السلف فهو بدعة. أو هذا مشروع لأن فلانا من السلف عمله.!



مفهوم السلف الصالح

وسؤالي هو من هم السلف الصالح؟. وما هو حدودهم الزماني والمكاني؟.

إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطانا معيارا لتفاضل القرون بعده, فبالأ قرب فالأقرب من قرنه عليه السلام. ولكن هل هذا الحكم مطلق أم نسبي؟. وهل هو جماعي أم فردي؟. وهل سلفك سلف غيرك؟.

إن كلمة [السلف] أصبحت من الكلمات التي يتذرع بها السذج من العلماء المتشدّدين من دعاة التفرقة والتفسيق والتكفير لأتفه الأسباب. والسلف لم يتم حتى الآن تحديد معناه ولا حدوده الزمني فمن يراه أحدهم سلفا لم يره غيره كذلك.

وعلى فرض تحديد من هم, فلا دليل علي حجيّة ماعملوا أوتركوا, لأنهم ليسوا مشرّعين وإنما هم مجتهدون.

ومما يدلل على استقامة هذه الدعوى هو أن ناسا عاشوا في العهد النبوي صلى الله عليه وآله وسلم , بل صحبوه, ومع ذلك فليسوا سلفا صالحا. فالصلاح صفة خير دعا إليها الإسلام, وكل ما دعا إليه الإسلام فهو الحق, فكان السلف الصالح بهذا الاعتبار هو كل صاحب حق, بصرف النظر عن الحدود الزمني الذي عاشه أو المكاني الذي عاش فيه.

وتجنبا من الوقوع في كثير من المتاهات والأحلام التي يعيش فيها كثير من المسلمين اليوم, ينبغي ردّ الأمور إلى أصولها.

فالدين من الله تعالى, والرسول صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم هو المبيّن والمبلّغ, وقد ترك لنا محجة بيضاء ليلها كنهارها, من تمسك بها لن يضل ولن يشقى, كتابه وسنته, أوعترته, كما ورد عنه عليه السلام في حديث رواه الإمام الترمذي في سننه عن جابر بن عبد الله, وعن زيد بن أرقم رضي الله عنهما , وقال جابر: { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهوعلى ناقته القصواء يخطب, فسمعته يقول: ياأيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله, وعترتي: أهل بيتي .} ([86]).

وقال في رواية زيد بن أرقم رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: {إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض, وعترتي: أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض, فانظروا كيف تخلفوني فيهما}([87]).

وأورد أحمد حديث زيد بلفظ:{ أما بعد ألا يا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي عز وجل فأجيب, وإنّي تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله عز وجلّ فيه الهدى والنور, فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به) وقال:{وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي, أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي} وجاء في روايات أخرى: كتاب الله وسنّتي}.

فمن كان له من العلماء آلة الإستنباط لحكم الحوادث الجديدة استنبط لها, ومن لم يكن قلّد وسكت, فكان خيرا له.

أما ويقوم كل من يستطيع تركيب جملة عربية واحدة سواء أصاب أم أخطأ فيها, يتصدى لأخطر المسائل الفقهية أو العقدية, ويصدر فتاوى عليها, فذلك خطأ جسيم, ومن أهم أسباب الخلاف الذي يلعب بعقول كثير من أفراد هذه الأمة عا مة , ومجتمعنا خا صة.

ثم إن هنالك خطأ آخر يرتكب, وهو نصب أو إنتصاب كل حامل على شهادة الليسانس وفي أيّ تخصص مفتيا في الشريعة الإسلامية, وتضرب التخصصات الفقهية عرض الحائط.

فالمتخصص في التاريخ أو في اللغة, أو في الدعوة أوفي غيرها يجعل نفسه في مستوى واحد مع المتخصص في الفقه عند ما يتعرضون لمسألة فقهية.

ما هذا الهبوض العلمي والتخلف الفكري؟! حيث يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون, عكس القرآن تماما!.

كل ذلك ساهم كثيرا في تضارب الإفتاءات التي تصدر هنا وهناك, فأصبح التشدّق, وحلاوة الّلسان, والجرأة على الله, وكثرة جمهور المستمعين من أكبر المعاييرلقياس علم الإنسان عندنا. والله المستعان .



خلفية تاريخية عن حدوث التبديع

إنّ المتتبع لمنعرجات بحثي هذا يدرك ما للبدعة من خطورة في الدين الذي جاء به محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم, فقداكتمل الدين قبل لحوقه بالرفيق الأعلى وخلّف وراءه كتاب الله وسنته عليه السلام, وطبقا للنصوص التي أوردناها في هذا البحث, فقد أبدى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم تخوفه من أن ينقلب البعض من أمته بعده على الدين فيحدثوا فيه- بزيادة أونقصان- شيئا مما جعله يفني حياته كلّه في الذود عن دينه وتحذير الناس من الإبتداع, ولكن سرعان ما وقع البعض في مخاوفه فابتدعوا وبدّعوابعضهم البعض, فانسعرت نار الفتنة وتأججت واتسعت رقعتها فحرّقت الأخضر واليابس, ومن بين تلك الفتن حدوث أوّل فرقة طافت حول فكرة غريبة لم يعرفها الدين قبلهم فشقّت عصا الطاعة وصدّعت اللبنة الأولى التي أسّس النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بناءه الصلب بسبب فتنة وقعت بين المسلمين, انعزلوا بأنفسهم واعتبروا أنفسهم أصحاب الحق والصواب, فزكّوا بذلك أنفسهم واحتقروا كلّ مخالفيهم فبدّ عوهم ونبذ وهم بتهم شنيعة وصلت إلى حدّ التفسيق والتكفير- والعياذ بالله تعالى. أ ولئك هم الخوارج.

ولسنا هنا نسرد تاريخ نشوء هذه الفرقة المارقة والطائفة الضالّة المضلة لشيوع أخبار القوم لدى جميع المنتسبين إلى هذا الدين, ولذوق المسلمين جميعا مرارة انحرافهم وتشددهم, وإنّ ما الذي يهمّني هنا هو ذكر بعض مواقفهم المعادية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ليستدلّ بها على قلّة فهمهم وتطرفهم وتعديهم على شخصية الإمام علي عليه وعلى آل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم السلام.

يوصف الإمام عليّ عليه السلام بباب العلم الذي وصف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم نفسه بيته, ولا أحد يماري بعدئذ في فقهه, استنبط الإمام من آية الشقاق{ وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما}([88]). الواردة في أمر الزوجين شرعية تعيين حكمين بينه وبين معاوية, بحجة أنه لوكان إهتمام الشرع على الزوجين بهذا الحجم فلأن يهتم بأمة محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم بأسرها من باب أولى.

استنباط يؤيّده الشرع والعقل معا من شخصية وصفها النبيّ بأنّه باب العلم ورابع خليفة وصفه النبيّ بأنه راشد, ومع ضخامة هذه التزكية وأهمّيتها لم يمنع الفرقة المارقة أن رمت سيّدنا عليّا كرّم الله وجهه بتهم شنيعة منها قولهم له: إنسلخت من قميص ألبسكه الله, واسم سمّاك به الله ثمّ انطلقت فحكمت في دين الله ولاحكم إلاّ لله..} ([89]).

قال ابن كثير: إنّ الخوارج اشتدوا على عليّ وبالغوا في النكير عليه وصرّحوا بكفره.

قال له حرقوص بن زهير السعدي أحد الخوارج: تب من خطيئتك.. ووصف قبوله التحكيم بذنب عظيم يجب أن يتوب منه.

وقال له زرعة بن البرج الطائي: أمّا والله يا عليّ لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله لأقاتلنّك أطلب بذلك رحمة الله ورضوانه.

وهذان استطاعا من بثّ سمومهما بين أوساط كثير من النّاس وحثاهم على لزوم معادات سيّدنا عليّ عليه السلام فبدأ الناس يتعرّضون له في خطبهم, بل ويسمّعونه السبّ والشتم والتعريض بآيات من القرآن. وقد وردت في شأن الخوارج وأمثالهم أحاديث كثيرة وصحيحة, منها:

أ‌- ما أورده الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمر بن الخطّاب

رضي الله عنهما أنّه سمع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول:{ يخرج من أمّتي قوم يسيئون الأعمال, ويقرأون القرآن لايجاوز حناجرهم", قال يزيد: لاأعلمه إلاّ قال:{يحقر أحدكم عمله مع عملهم, يقتلون أهل الإسلام, فإذا خرجوا فاقتلوهم, ثمّ إذا خرجوا فاقتلوهم, ثمّ إذا خرجوا فاقتلوهم, فطوبى لمن قتلهم, وطوبى لمن قتلوه, كلما طلع منهم قرن قطعه الله- عز وجلّ- }, فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عشرين مرة أو أكثر, وأنا أسمع([90]).

ب‌- وعند الصحيحين من طرق عن الأعمش أنّ عليّا عليه السلام قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول:{ يخرج قوم من أمّتي في آخر الزمان أحداث الأسنان, سفهاء الأحلام, يقولون من قول خير البرية يقرأون القرآن لايجاوز حناجرهم- قال عبد الرحمن: لايجاوز إيمانهم حناجرهم – يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة, فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإنّ في قتلهم أجر لمن قتلهم عند الله يوم القيامة}([91]).

ت‌- وأورد أحمد عن أنس رضي الله تعالى عنه أنّ النبي صلّى الله

تعالى عليه وآله وسلّم قال:{ سيكون في أمّتي اختلاف وفرقة قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل, يقرؤون القرآن لايجاوز تراقيهم, يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم, وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة, ثمّ لايرجعون حتّى يرتدّ السهم على فوقه, هم شر الخلق والخليقة, طوبى لمن قتلهم أو قتلوه, يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شىء, من قاتلهم كان أولى بالله منهم, قالوا يارسول الله ما سيماهم؟ قال: التحليق.} ([92]). وفي رواية " أو التسبيد" أي ترك الأدهان.

وفي رواية" سيماهم الحلق والتسبيب فإذا رأيتموهم فأنيموهم" التسبيب: استئصال الشعر القصير

وفي رواية أخرى" إنّ فيكم قوما يعبدون ويدأبون حتى يعجب بهم الناس, وتعجبهم نفوسهم, يمرقون من الدين مروق السهم من الرميّة"([93]).

وهكذا نشأت تلك الفرقة والطائفة الضالة, فهم- باختصار- يجمعون جميع أوصاف المنافقين والمتطرفين المتشددين رماة الفسق والبدعة والكفر إلى المسلمين, ويمثلهم اليوم دعاة التفرقة بين المسلمين وتشتيت شمل الأمّة وتمزيقها شذر مذر وإباحة قتالها باسم الجهاد وبحجج تتراوح بين طول الثوب وقصر اللّحية وعدم وضع سواك عند كلّ صلاة, في وقت يتحالفون فيه إقتصاديا وعسكريا وسياسيا مع الكفرة أعداء الدين, يرهبون إخوتهم المسلمين ويؤمّنون أعداء الوحدة, فهم بذلك يعكسون منطوق قوله تعالى "أشداء على الكفار رحماء بينهم", فهم أشداء على المؤمنين رحماء بالكافرين!!!



إنعكاسات نشوء التبديع في هذا العصر

كان خروج الخوارج وتمردهم على أمير المؤمنين سيّدنا عليّ عليه السلام النواة الأولى والإمتداد الأوّل للتطرف الإسلامي العصري, كان قلّة العلم والوعي والإدراك من أهم مظاهر تلك الفرقة المارقة, وتلك الصفة أورثت فيهم خصلة من خصال النفاق والتشدد, فكانت النتيجة أ ن نشبت بين المؤمنين حروب دامية خلّفت قتلى وجرحى وشهداء ترك في نفوس المسلمين آثارا سلبية لايتوقع استئصالها في القريب العاجل.

ظهرت في الآونة الأخيرة جماعات إن لم تتبادرالحكومات بكبح جماحها وكسر شوكتها فستقود أممها إلى مثل ماقاد إليه الخوارج النواة الأولى لهذه الأمّة, وتلك الجماعات تتصدّع وتنقسم على نفسها بعد كلّ حين فتتراشق تهم الإنحراف في السلوك- التشددي- مما يجعل أشدها تطرفا تميل إلى الإنقسام وتكوين خلية جديدة, وهكذا دواليك.

كانت أغلب دول غرب أفريقيا معروفة بمذهبها المالكي الوسطي في الفقه, وبأشعريتها في العقيدة وتصوفها في السلوك الجنيدي, وكان منهجها هادئا ومسالما, فكان الناس يتآلفون وييبادلون المحبّة والإحترام, أسست مدارس فقهية على هذا المنهج المسالم, وخرّجت مجموعات كبيرة توزعوا في جميع مناطق الدول لنشر الدعوة المحمّية الصافية, وانبثقت من تلك المدارس شعاع الهدى والأمن والخير والبركة والإحترام.

وقدّر الله تعالى أن انفصل من تلك المدارس وفود إلى العالم الخارجي- جزاهم الله خيرا- لتلقي العلم الشرعي, فتخرج من مدارسهم مجموعات كبيرة- وبارك الله تعالى فيها- وقد تزودت بأفكار وثقافات وأيديولوجيات ومناهج وعقائد تختلف اختلافا عميقا- في بعض الأحيان- وخفيفا – في البعض الآخر- مع منهج أوطانهم, هذا بالإضافة إلى الإختلاف الجبلي بين الناس عامة, واختلاف مناهج الجامعات الإسلامية وطريقة تكوينها للشخص.

فكان أوّل صدام وقع بين المتعصبين من الخريجين وبين العلماء المحليين في مسألة



أ‌- " القبض المستورد والسدل المستعمل محليّا

نتج عن هذا الخلاف الذي كان تجار القبض يروِّجونها ويرون في مخالفيهم نقصا كبيرا يؤدي إلى عدم صحّة صلاة المسدل خصومات وفتن أدّى في بعض الأحيان إلى هدم مسجد من قبل بعض السلطات خوفا من استسراء المرض الذي سببه الجهل والتطرف لاغيرهما.



ب‌- الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم.

إعتاد كثيرون من المسلمين في غرب أفريقيا الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عقب الصلوات الخمسة, فقام بعض الخريجين بحملة شعواء ضد كلّ من يمارس هذا العمل بدعوى بدعيته وأنّ كلّ بدعة ضلالة وفي النار, استخدت المنابر والمجلات والإذاعات فأقيمت الدنيا وأقعدت وانقطعت علاقات أخوية, كلّها بسبب الصلاة على النبيّ جماعيا بعد الصلوات وعند اللقاءات.



ت‌- دعاء الإفتتاح والإختتام.

إعتاد أغلب المسلمين في بعض دول غرب أفريقيا أن يفتتحوا لقاءاتهم الدينية بالصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والدعاء تبركا بجاه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم,

فاعتبر المتشددون من الخريجين هذا العمل بدعة محرمة وفي النار- والعياذ بالله تعالى-.

فهذه وغيرها ممّا يعتبرها المتعصبون مسائل عميقة من ثوابت الدين أحدثت ضجّة كبيرة بين أوساط العلماء, وخللا في العلاقات الفردية والجماعية, ووضعت بين الجماعات معالم ومميزات تنفرد بها كلّ جماعة على حدة, فأصبحت الطائفية فكرة ساكنة يحسّها كلّ مسلم أو عالم مخضرم وتحرّها النعرات الجاهلية, ولم تعد وحدة الثقافة الإسلامية قادرة على جمع المثقفين بها تحت منبر واحد, وإنّما تجمعهم الزّمالة في الدّراسة وثقافة بيئة الدولة التي خرّجتهم.

أ صبحت كلّ جماعة تتبنى فكرة وثقافة الدولة أ و الجامعة التي كوّنتها وتعتزبإ نتمائها إليها, فبدأ بعضهم- وهم المتشددون منهم- يتعصب للدولة أو الجامعة التي ينتمي إليها, وتعتقد جازمة أنّ منهجها التعليمي, بل وعقيدتها أفضل من عقيدة غيرها, فتكوّنّت كتلة بنفسها. هذه صورة حيّة يحسّ بها أغلب العاملين في حقل الدعوة في غرب أفريقيا.

وكانت كتلةالمتشددين واحدة متماسكة ومتّحدة في الآراء والمواقف, ولكن سرعان ما هبّت رياح المصالح الشخصيّة فانجرف المَصلحيون منهم وراءها تاركين زملاءهم على عمق غوغائهم فتكوّنت كتلة أخرى.

وأقرب مثال حيّ يمكن ضربه في هذا الصدد هوما حدث ويحدث حاليا في جمهورية الصّومال الأفريقي, مجموعة تكوّنت واتّحدت في مبادئها وأهدافها وتحت شعار واحد, شعار الجهاد في سبيل الله وإنقاذ الصّومال. وتحت هذه المظلّة تمكّنت من تحقيق نصر وتحرير الصومال, ولكن سرعان ماحرّكت بهجة الإنتصار قلوب الضعاف منهم فانفصلوا وشكّلوا جبهة أخرى لمقاتلة أصحاب الكراسي, إمّا لأنّ أصحاب السلطة انحرفوا عن مسارهم الصحيح فانقلبوا عليهم, أو أن غيرة ولجت وتغلغلت في عمق قلوب الآخرين وحسدوا على أصحاب الكراسي فبدأت الكتلتان تتراشقان بتهم سبّبت في حدوث مناوشات بين الفريقين مما أدّى في النهاية إلى نشوب حرب أخرى أشدّ ضراوة من الأولى.

وتلك العناصرالجهادية الصومالية مندسّة في جميع بلدان العالم بدون استثناء, وهي معروفة بعنصريتها وشدّتها في رفض رأي الآخرالذي أكّدت على أهميتها واعتبارها الشريعة الإسلامية, وأهم أسلوب يستخدمونها لتحقيق أهافهم التشددية هي تبديع المخالف وتفسيقه أو تكفيره أوإتهامه بالخروج عن الجماعة والفرقة الناجية والسنّة.

ولايغترّ أحد بهذه المصطلاحات التي يتشبثون بها ولايعنون حقيقتها, فقد فسّرها لنا باب العلم وأمير المؤمنين سيّدنا عليّ عليه السّلام حيث قال: أما السنّة فسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم, وأمّا البدعة فماخالفها وأمّا الفرقة فأهل الباطل وإن كثروا وأمّا الجماعة فأهل الحق وإن قلّوا}

أمّا التبد يع والتفسيق والتكفير فسلاح يلجأ إليه الضعفاء من المتشددين, وأمّا " الجماعة" فقد أغنانا سيّدنا علي عليه السلام عنها, وأمّا "الفرقة الناجية" فليست مجموعة, نظرية اسمية, شعارية. وإنّما المراد منها أفراد متفرقون تحت المسمّيات والشعارات, ومتّحدون في الحق والحقيقة لاغيرُ, فالحق واحد, وهو حكمة ضالّة تقع على يد أيّ محبّ لها, وأهل الحق موزّعون دا خل مختلف التجمعات والتكتلات والمسميات الدعائيّة, وذالك هو أصل الدين الصحيح, ولايغترّ احد بالشعارات البرّاقة التي عمّت بها البلوى, وعند التطبيق نجد أنّ بعضها لا يعدوا ثعبانا في ثوب وزع.

ويفهم من تفسير سيّدنا عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه للبدعة خطورتها, ولكن في الوقت ذاته يؤكّد ضرورة تجديد الفهم في معنى "السنّة" التي فسّرها بقوله: أمّا السنّة فسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم".

فيبدوا من ظاهر كلامه أنّه لم يأت بجديد, وكأنه فسّر "الماء بعد الجهد بالماء"

لا, وكلاّ, فإنّ هذا الكلام أوجد في نفسي منعطفا جديدا لمفهوم" السنّة" التي تتداولها الألسن, أفهم من كلامه التفريق بين سنيّة "الدعوى" المتمثلة في جمعيات ومؤسسات لا تصدق نسبة مسلم إليها إلاّ بحمل بطاقة عضويتها, وبين السنيّة "الحقيقية الأصيلة" التي تتمثّل في المنهج والسلوك والسيرة النبويّ المصطفويّ المشاع بين المسلمين جميعا, ولايُحتاج في عضويتها إلى تسجيل أو حمل بطاقة عضويتها.

تلك هي السنّة التي دعا إليها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم, وحثّ أمته على الإقتفاء بآثارها في الأحاديث الصحيحة عنه عليه السلام.

وعليه فالمخالف لها مبتدع ومذموم, وأمّا مخالفة السّنّة" المؤسسيّة" فليس ببدعة, بل قد تكون هي السنّة الصحيحة, فلاحظ بين المسمّيين.

إنّ طبيعة الإسلام تقتضي المذهبيّة لامحالة, فالخطاب فيه موجه- إبتداء- إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعبره إلى الأمة, فالنبيّ هوالمتلقي المباشر من المشرّع بواسطة جبريل عليه السلام, وهو المبيّن للخطاب القرآني محكمه ومتشابهه{وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم}. {وما أنزلنا عليك الكتاب إلاّ لتبيّن لهم الذي اختلفوا فيه}.

ولمّا توقّف التنزيل بغياب المبيّن, واستمّرت الأحداث الجديدة تتوارد على الأمّة, مع اشتمال نص القرآن على متشاهات, إقتضت هذه الحال إختلاف الرآى حول المستجدات, وهذه من جهة.

ومن جهة ثانية فإنّ الطبيعة البشرية هي أيضا تستدعي الإختلاف. خلقهم الله تعالى بتفاوت وتفاضل في المواهب والإدراك, فمنهم سطحيّ في الفهم ومتعمّق, وبينهما درجات مختلفة في الفهم والإدراك. كلّ ذلك يبرهن ضرورة نشوء مذاهب فقهية يتوزع عليه المسلمون كلّ بما يقتنع به من نتائج حلول الخلافات الفقهية, وكان رؤوس هذه المذاهب معروفين بتجردهم عن التأثيرات السياسية والثقافية والعصبية, وكانوا متسامحين في ما بينهم ومتعاونين كما شهد بذالك كتب التاريخ.

ولمّا دخل داء التّعصب والتشدد والأنانية, بدأت المذاهب الفقهية تتصدع وتنقسم على نفسها إلى طوائف وحركات تتبنّى فلسفة جديدة تميل إلى التحيّز والإعجاب بالنفس ورفض رأي الآخر والأفضلية, وفي النهاية إلى عنف طائفي يهدم كلّ مابناه السابقون الأوّلون.

ويسجل على أصحاب هذه الفلسفة مايلي:

أ‌- عدم إعطاء "التفقه في الدين" أهية قصوى, علما بأنّ هذا الدين مبنيّ على الفقه الصحيح,

وعليه فلاخير في أيّة جماعة لاتوليه الإهتمام{ من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين}. فالدين مبناه العلم, وبالعلم بدأ الوحي.

ب‌- التشبث بمسائل الثوب واللّحية والسواك قبيل تكبيرة الإحرام والقبض " صدق الله

العظيم" بعد التلاوة, والصلاة على الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلّم جماعيا عقيب الصلوات, وعمامة الشماغ, و" ما شاء الله" في الكلام. فكم من قضيّة من هذه القضايا التي لاتمتّ ثوابت التنزيل والدين بصلة عن قريب أو عن بعيد تثير فتنا وتفرق بين المنتمين إلى أمّة واحدة غير عابئين بالقضايا المسيرية كقضية فلسطين, والعراق, والصومال, والتهديد الموجّه إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية بسبب عزمها على الإحتفاظ بحقها في برنامجها النوويّ- حتّى ولو كان لغرض عسكريّ- لأنّ بهذا البرنامج فقط تُفرض الأمّة الإسلامية وجودها وثقلها في المحافل الدولية, وتحتلّ مكانتها المحترمة, ويعتبر صوتها عند إصدار القرارات التي قد تنال كرامة الأمّة, وبذلك فقط تسترجع هذه الأمة عزتها وكرامتها كما بناها لها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم, في بداية الأمر.

ت‌- عدم اعتبار كلّ من لم ينخرط في سلوكهم الحياتية ومنهجيتهم في الدعوة, وذلك هوعين

التطرف. فأغلب المناوشات والحروب الدامية بين أبناء هذه الأمّة من هؤلاء الناس, فكلّما وجدوا أرضا خصبة ذرعوا فيها بذور الخلافات والفتن فتنشب حروب بين سكانها.

ث‌- حبّ السلطة والتزلّف إلى بلاط الحكم. يتظاهرون بعدم الرغبة في الحكم والدّنيا,

والحقيقة أنّهم أميل إلى ما يبدون الرغبة عنها, تجدهم يؤنبون بعض الحكام وإذا وُلّوا سكتوا وانصهروا, وذلك عين النفاق.

ج‌- وأخيرا عدم وضوح الهدف وقلّة الحكمة. من الصعب جدا معرفة أهدافهم قبل بلوغ

غاياتهم, وهم مستعدون باتخاذ أيّة وسيلة للوصول إلى غاية معيّنة, وأنّ الغاية عندهم تبرر الوسيلة. وتنقصهم الحكمة, في الدعوة إلى الله تعالى مما يجعل كلّ منصف لايقبل دعوتهم.

هذه وغيرها تسجلّ عليهم, وهي من مظاهر سلوكهم العمليّ, وهي مظاهر- كما يراه كلّ منصف- لاتخدم الوحدة الإسلامية التي بها فقط تستطيع الأمّة أن تنهض وتلحق ركب التقدم العلمي والتفكيري والحضاري, وتكون في مصافّ الدول المتقدمة تقدّما لايخرجها عن إسلاميتها.

أسأل الله تعالى أن يلهم قادة الأمّة الإسلامية رشدها, وأن يقي الأمّة بكاملها شرّ التطرف المذهبي.

إنه جواد كريم.







--------------------------------------------------------------------------------

[1] - المعجم الوسيط والمنجد في اللغة والأعلام.

[2] - سورة الحديد آية 27.

[3] - تفسير الكشاف لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ج:4 ص: 480.

[4] - سورة الأحقاف آية 9.

[5] - تفسير ابن كثير للإمام أبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي ج:4, ص: 188.

[6] - سورة البقرة آية 117.

[7] - تفسير ابن كثير ج1, ص 202.

[8] - سورة الأنعام 101.

[9] - سنن ابن ماجه للحافظ أبي عبد الله محمّد بن يزيد القزويني في" المقدّمة" باب7 ج: 1.

[10] - رواه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الجمعة ج6, ص1.

[11] - سورة الحديد آية 27.

[12] - تفسير ابن كثير ج4, ص380.

[13] - رواه مسلم في صحيحه كتاب الجمعة ج6, ص 153.

[14] - رواه الترمذي باب ما جاء في الأخذ بالسنّة واجتناب البدع حديث رقم 2676 ج:5, ص44.

[15] - رواه أحمد حديث رقم 14340 ج:5 ص: 44.

[16] - سنن ابن ماجه باب 6 اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين حديث رقم 42 المجلد الأول.

[17] - آخر مصدر باب 7 اجتناب البدع والجدل حر: 45 المجلد الأول.

[18] - آخر مصدر وآخر باب حر: 46 المجلد الأول.

[19] - أصول الكافي للمحدث الخبير ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني الرازي المجلد الأول باب البدع والرأي والمقاييس حر: 168 المجلد الأول.

[20] - آخر مصدر حر: 175 المجلد الأول.

[21] - سنن ابن ماجه باب إجتناب البدع والجدل حر 49 المجلّد الأوّل, وهذا الحديث ضعّفه العلاّمة الألباني. والله تعالى أعلم.

[22] - آخر مصدر والباب نفسه ج5, ص 19.

[23] - أصول الكافي باب البدع والرأي والمقاييس حر: 160 المجلّد الأول ص: 75.

[24] - سنن أبي داوود للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي باب 6 في لزوم السنّة حر: 4606 المجلّد الخامس ص: 12.

[25] - صحيح البخاري كتاب 92 الفتن, حر 7048 ج:13, ص: 3.

[26] - آخر مصدر وكتاب حر:4049 ,ج:13, ص: 3.

[27] - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد للإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ المجلّد الثاني ص: 291.

[28] - المصدر الأخير ج:2, ص: 297.

[29] - المصدر الأخير ج:2, ص: 299.

[30] - مسند أحمد المجلّد العاشر ص: 173.

[31] - المصدر نفسه " " 185.

[32] - صحيح البخاري باب قول النبيّ"ص" لتتبعن سنن من كان قبلكم ج:13, ص: 300.

[33] - التمهيد لابن عبد البر ج, 5. ص: 45.

[34] - مسند الإمام أحمد حديث رقم 9826 المجلد الثالث ص: 463.

[35] - آخر مصدر " " 11897.

[36] - صحيح مسلم باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور ج, 12 ص:16.

[37] - سورة آل عمران آية 144.

[38] - تفسير ابن كثير ج:1, ص: 502.

[39] - حاشية الصاوي على الجلالين للعلامة الشيخ أحمد الصاوى المالكي ج: 1,ص: 182.

[40] - الميزان في تفسير القرآن لمؤلفه الأستاذ العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي المجلد الرابع ص: 37.

[41] - فتح الباري ج: 13,ص: 4.

[42] - آخر مصدر " " " 3.

[43] - فتح الباري ج: 13,ص: 26.

[44] - " " " " " 26.

[45] - صحيح مسلم بشرح النووي ج:16, ص: 226 باب من سن سنة حسنة أوسيّة ومن دعا إلى هدى أى إلى ضلال.

[46] - آخر مصدر ص: 227.

[47] - رواه الترمذي باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع ج:5 ,ص: 45.

[48] - آخر مصدر باب ما جاء في من دعا إلى هدى فاتبع أوإلى ضلاله ج:5 ص:43.

[49] - فتح الباري ج: 4.

[50] - فتح البارى ج:13, ص: 302.

[51] - فتح الباري 13/ 253.

[52] - المصدر نفسه 13/ 253.

[53] -" " " / 254.

[54] - فتح الباري13/253.

[55] - آخر مصدر13/ 254.

[56] - فتح الباري كتاب صلاة التراويح باب فضل من قام رمضان 4/ 253.

[57] - آخر مصدر, كتاب: الاعتصام, باب الإقتداء بسنن رسول الله "ص" 13/253. أنظر كتاب الأدب باب:الهدي الصالح 1.

[58] - شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك للإمام العارف خاتمة المحققين العلامة سيدي محمد الزرقاني على صحيح الموطأ لإمام الأئمة وعالم المدينة: الإمام مالك بن أنس. المجلد الأول, ص: 238.

[59] - معارج القبول للشيخ حافظ بن أحمد حكمي الجزء الثاني ص: 616.

[60] - الإنصاف في نسائل دام فيها الخلاف للفقيه المحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني, الجزء الأول,ص:421.

[61] - آخر مصدر ص: 422.

[62] -البدعة والتبديع: رؤية حول المفهوم والتوظيف الأيديولوجي للدكتور الشيخ أحمد حسين أحمد محمد عضو اللجنة الشرعية للوقف الجعفري- الكويت. محث مقدم إلى مؤتمر الوحدة الإسلامية المنعقد في طهران من 13-15 مارس 2009م.

[63] - الإبداع في مضمار الإبتداع للشيخ على محفوظ 101.

[64] - الإنصاف 1/391.

[65] - سنن النسائي كتاب الحج ج: 5 ص: 115.

[66] - صحيح مسلم باب جواز التمتع ج: 8, ص: 202.

[67] - آخر مصدر.

[68] - صحيح البخاري باب التمتع والقران والإفراد في الحج ج: 3 ص: 421.

[69] - آخر مصدر ج: 3 / 425-426.

[70] - فتح الباري كتاب صلاة التراويح ج: 4, ص: 250.

[71] - آخر مصدر بصفحاته.

[72] - شرح العلامة الزرقاني على الموطإ 1/ 234.

[73] - سنن النسائي 3/ 165.

[74] - رواه البخاري في صحيحه باب: ما يكره من كثرة السؤال 13/ 264, صحيح مسلم با ختلاف في الألفاظ باب استحباب صلاة النافلة في بيته 6/ 67. المسند لفمام أحمدو حديث رقم 21638, ج: 8/ 139.

[75] - شرح الزرقاني على الموطأ 1/ 238.

[76] - رواه البخاري في المناقب باب : صفة النبي[ص] ج: 6, ص: 56.

[77] - الإبداع في مضمار الإبتداع ص: 39.

[78] - شمس الدليل لإطفاء القنديل ص: 93.

[79] - شرح الزرقاني على الموطإ 1/ 238.

[80] - الإبداع ص: 81.

[81] - آخر مصدر ص: 34.

[82] - الإبداع ص: 39/ 42.

[83] - شمس الدليل ص: 93- 94.

[84] - آخر مصدر ص: 93.

[85] - فتح الباري 4/ 252.

[86] - رواه الترمذي باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالك حديث حسن غريب من هذا الوجه.

[87] - أخرجه أحمد في مسنده حديث رقم 19285. ج: 7 ص: 75.

[88] - سورة النساء 35.

[89] - البداية والنهاية لأبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقيّ المتوفى ج:5,ص: 382.

[90] - رواه أحمد في مسند عبد الله ابن عمر بن الخطاب حر5566, ج: 2, ص: 385.

[91] - رواه الشيخان.

[92] - رواه أحمد من مسند أنس بن مالك بن النضر حر 13337 ج:4,ص: 446.

[93] - انظر المسند حر: 13035, و 12885, ج: 4.