دور الصحوة الإسلامية في تعزيز الوحدة الإسلامية

دور الصحوة الإسلامية في تعزيز الوحدة الإسلامية

 

دور الصحوة الإسلامية في تعزيز الوحدة الإسلامية

 

طلال عتريس
استاذ جامعي - لبنان

 

احدثت الصحوة الإسلامية وما نتج عنها من ثورات في المنطقة العربية تغييرا"مهما" لا تزال تداعياته مستمرة منذ سنتين. وسوف تستمر تلك التداعيات في المستقبل المنظور لأن حجم التغيير الذي حصل سيمتد إلى الابعاد السياسية والاستراتيجية والاجتماعية والثقافية في تلك البلدان.
كان الرؤساءالذين اطاحت بهم الثورات في تونس ثم في مصر واليمن من حلفاء الولايات المتحدة الأميركية .وهذا تغيير استراتيجي لواقع لم يتغير منذ أكثر من ثلاثة عقود. وقد وصل الإسلاميون بعد ذلك إلى السلطة في مصر وفي تونس .وهذا بدوره تغيير آخر انتقل معه الإسلاميون من الاضطهاد والمظلومية ومن السجن والنفي إلى مواقع الحكم والادارة والسلطة. ما يعني ان مرحلة جديدة بدأت  لا بد وان نشهد انعكاساتها على مستوى سياسات تلك البلدان الداخلية والخارجية والاقتصادية والامنية والثقافية . لأن الحاكم السابقين  كانوا من اشد الناس حرصا" على المصالح الغربية. ومن اكثر الحكام الذين فتحوا ابواب البلاد للثقافة الغربية .وقد اعتبر الإسرائيليون انهم فقدوا "كنزا" استراتيجيا" بعد سقوط الرئيس المصري حسني مبارك.وقد ينطبق هذا التوصيف على الرئيس التونسي بالنسبة إلى أوروبا، مثل ما كان علي عبد الله صالح الرئيس اليمني بدوره حليفا" لواشنطن ..
الاطاحة بهؤلاء الرؤساء كانت تعني خسارة مباشرة للولايات المتحدة ولحلفائها ولسياساتها. حتى قيل ان هؤلاء الحلفاء فقدوا الثقة بهذه القوة العظمى التي لا تمد يد العون إلى الذين وقفوا إلى جانبها طوال عقود ثم تخلت عنهم عندما نزل المتظاهرون إلى الشارع للمطالبة برحيلهم.
لم تفقد الولايات المتحدة الامل بعد سقوط حلفائها وصعود الإسلاميين.واستنادا" إلى البراغماتية التي يلجأ اليها الغربيون عندما تتهدد مصالحهم فقد عمدت واشنطن إلى فتح قنوات الحوار مع الإسلاميين. وتغلبت وجهة النظرالأميركية التي دافعت عن هذا الحوار في مقابل وجهة النظر الأخرى التي رفضت ان تثق بالإسلاميين.لذا تحولت الاستراتيجية الأميركية إلى الحد من الخسائر بعد سقوط حلفائها.وهذه الاستراتيجية تعني ان على واشنطن الا تترك البلدان التي تحققت فيها الصحوة الإسلامية وباتت تحت سيطرة الإسلاميين.وعدم ترك هذه البلدان يفترض،بالنسبة إلى واشنطن، ان لا تشعر القوى الإسلامية بالاطمئنان ،وان تبقى في حال من عدم الاستقرار ،بحيث لا تجد هذه القوى اي فرصة او متنفس لتغيير سياساتها الخارجية والاقتصادية والثقافية. بل تبقى في حال من الانشغال الدائم بأوضاعها الداخلية وبالمخاوف من عودة النظام القديم او المخاوف من الصدام الداخلي مع القوى المعارضة لها. 
يجب ان نتذكر ان الولايات المتحدة كانت تطمح منذ سنوات اي قبل الثورات العربية والصحوة الإسلامية إلى ما اطلق عليه المحافظون الجدد "الشرق الاوسط الجديد".الذي كان يفترض "تغيير البنى والهياكل السياسية والاجتماعية" في البلدان العربية والإسلامية من جهة ،وتحقيق السلام والاستقرار مع إسرائيل من جهة ثانية،من خلال المصالحة معها ودمجها بشكل طبيعي في المنطقة . وهذا كان يفترض بالنسبة إلى ادارة جورج بوش ان تتوقف المقاومة ضد إسرائيل.ولهذا كانت الادبيات الأميركية تكرر دائما" ان المقاومة (في لبنان وفي فلسطين) تهدد الاستقرار الاقليمي.والمقصود بالاستقرار الاقليمي "أمن إسرائيل".
مارست الولايات المتحدة شتى انواع الضغوط والعقوبات والحصار على الدول التي شكلت بيئة الحماية والدعم لهذه المقاومة ،كما شنت الحروب بواسطة إسرائيل على حركات المقاومة نفسها في لبنان في تموز/يوليو 2006 وفي نهاية كانون الاول/ديسمبر 2008 وبداية كانون الثاني/يناير 2009 على غزة في فلسطين ثم تكرر الأمر في نهاية عام 2012 على غزة مرة جديدة . والهدف هو القضاء على حزب الله في لبنان وعلى حركة حماس في فلسطين، اي على حركتي المقاومة ضد إسرائيل ..لتحقيق "الاستقرار الاقليمي" :أي "امن إسرائيل".وأمن إسرائيل هو من المصالح الاستراتيجية الثابتة للولايات المتحدة في الشرق الاوسط ،كما يكرر كل القادة الأميركيين دون استثناء.لكن هذه المحاولات فشلت .من دون ان تتراجع الاستراتيجية الأميركية عن "أمن إسرائيل" وعن ما يحتاجه هذا الامن من سلام او تطبيع او القضاء على المقاومة. لذا عمدت الولايات المتحدة إلى تعديل في اساليب الدعاية والتحريض لتحقيق الاهداف نفسها .هكذا بدأنا نلاحظ منذ سنوات سواء في الادبيات السياسية الغربية أو في الادبيات السياسية العربية الرسمية وغير الرسمية كيف تحولت إيران عدوا" بدلا" من إسرائيل.،وباتت إيران مصدرا" لعدم الاستقرار الاقليمي بسبب برنامجها النووي تارة او بسبب اعتراضها على السلام مع إسرائيل ودعمها لحركات المقاومة. حتى ذهبت بعض الاتجاهات الإسلامية (التكفيرية) إلى تبرير هذا العداءلإيران على قاعدة ان قتال العدو القريب اولى من قتال العدو البعيد. باعتبار إيران هي هذا العدو القريب وإسرائيل هي العدو البعيد.ومثل هذا الترتيب لأولويات العداوة تجد فيه الولايات المتحدة انسجاما"مع اهدافها في تطويق إيران ومحاصرتها وفي تسعير الخلاف الداخلي وفي منع التقارب بين الدول العربية والإسلامية . 
لم يكن استخدام البعد الديني جديدا" على السياسات الاستعمارية في العالم الإسلامي. فقد لجأت الدول الغربية منذ القرون الماضية إلى التحريض الديني والمذهبي والعرقي،والى تفسيم المنطقة على هذا الاساس الديني والمذهبي، بما يضمن استمرار التوتر بين الشعوب ويحول دون وحدتها ويضعف قدراتها من اجل الاستقلال أو في مواجهة الاستعمار والاحتلال.
اليوم وبعد نحو قرنين تتكرر السياسات الدينية الغربية الاستعمارية نفسها.العقلية نفسها والوقود المستخدم هو نفسه (الدين والمذهبية والعرقية ) والاهداف هي نفسها (الانقسام والتفتيت الداخلي) .أي ان هذه السياسات الغربية ستعمد إلى ثنائيات :العربي والكردي، والفارسي والعربي، والسني والشيعي، والمسيحي والمسلم، والافريقي والعربي.بحيث تغفل الشعوب الإسلامية عن الاهداف الاستعمارية الحقيقية التي هي الاحتلال ونهب الثروات،وتغرق في صراعات وحروب داخلية لا تنتهي...
عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بدأ التركيز على الإسلام الشيعي في الادبيات البحثية والاعلامية والسياسية والثقافية الغربية.وكأن هذا الإسلام أو كأن الشيعة لم يكونوا موجودين قبل الثورة.والمقصود من التركيز على شيعية الثورة أنها غير إسلامية. بمعنى ان السنة شئ والشيعة شئ آخر.وان الثورة التي حصلت هنا ليس بالضرورة ان تحصل هناك حيث السنة هم المذهب الاكثر انتشارا"..وربما أريد من "شيعية الثورة" الإيرانية،الايحاء للسنة  بأن الشيعة باتوا خطرا" جديدا بعدما نجحوا في تشكيل دولة لهم...هكذا بدأت مراكز الدراسات  والمؤسسات الديبلوماسية والسياسية والأمنية في الولايات المتحدة واوروبا تعقد المؤتمرات والندوات وحلقات النقاش لبحث "الخطر الشيعي القادم".فقال هنري كيسنجر في بعض تلك الندوات على سبيل المثال عام 1982 :"يجب ان تعتبروا الثورة الإيرانية ثورة شيعية ،ويجب على العالم السني أن يقف بوجه الغزو الشيعي". اما وزير الخارجية جورج شولتز في ذلك الوقت فاعتبر"ان الثورة الإسلامية هي اخطر عدو مشترك للحضارة الغربية على طول تاريخها"...
كان المطلوب من وجهة النظر الغربية الا تمتد الثورة الإسلامية إلى بلدان أخرى. ولذا يجب محاصرتها بالوسائل كافة. ومن احد أهم هذه الوسائل كان التركيز على شيعية الثورة من جهة وعلى الخلاف السني –الشيعي من جهة ثانية. وقد ساعدت الحرب العراقية ضد إيران في الترويج كثيرا لبيئة هذا الخلاف...
كانت هذه الحرب التي بدأت عام 1980 وامتدت إلى ثماني سنوات المثال الأشد وضوحا" على التحريض المذهبي والعرقي. (أي ان التحريض المذكور استمر طيلة تلك السنوات) فعلى الرغم من اعتراف العالم كله بمسؤولية النظام العراقي السابق عن هذه الحرب الا ان السياسات الغربية ربطت بين هذه الحرب وبين الصراع السني الشيعي تارة والفارسي العربي تارة اخرى.حتى ذهبت بعض  التحليلات إلى الربط بين هذه الحرب وبين حرب القادسية التاريخية التي انتصر فيها المسلمون على الفرس ليقال بأن الحرب بين العراق وإيران هي رد إيراني-فارسي على حرب القادسية . وقد كررت بعض  الكتابات العربية هذا التحليل عمدا" او سذاجة.
في العراق ولبنان كانت الأمثلة أكثر وضوحا" من سواها من البلدان الأخرى بسبب التنوع الديني والمذهبي من جهة، وبسبب التغيرات السياسية والاجتماعية التي تموج بها مجتمعات هذه البلدان من جهة اخرى. 
في لبنان كانت فرنسا "أم الموارنة الحنون".عند تأسيس الكيان اللبناني. أي ان ابناء الطوائف الأخرى لم يكونوا كذلك.وقد عملت فرنسا من خلال سياساتها المباشرة وسياساتها التعليمية والاقتصادية على ربط الموارنة خصوصا" والمسيحيين عموما" بها. وتحول جبل لبنان إلى زراعة التوت خدمة لصناعة الحرير الفرنسية ،وتصديره إلى مدينة ليون الفرنسية . واصبح جبل لبنان في الوقت نفسه مقرا" للبعثات التعليمية من اليسوعيين والعازاريين والكرمليين وسواهم من الذين تدعمهم فرنسا.بحيث ساهم نشاط هذه البعثات في تغيير الواقع الثقافي بين الطوائف اللبنانية لمصلحة الموارنة الذين لم يكونوا احسن حالا" من الطوائف الأخرى قبل القرن التاسع عشر. ولكنهم انتقلوا تدريجا" إلى التفوق الثقافي التعليمي على الآخرين بعد نشاط الارساليات التعليمية،والذي تزامن مع الاندفاع الاستعماري الغربي في لبنان وبلدان المشرق الأخرى. يقول قنصل فرنسا العام في بيروت حول نشاط هذه البعثات عام 1864 في رسالته إلى وزير الخارجية الفرنسية في باريس :"إن الفائدة التي تقدمها كلية عينطورة تزيد أكثر فأكثر كل سنة.ويكتسب تلامذتها جنسية جديدة ويلتفون حول الحضارة الغربية...وقد أنشئت مؤخرا" في خان صيدا مدرسة فرنسية ...إن مؤسسات من النوع هي أفضل خدمة يمكن ان يتلقاها المسيحيون من جانبنا". وفي رسائل أخرى يؤكد القناصل والموفدون الفرنسيون أهمية المؤسسات التعليمية في التأثير على الاقليات المسيحية التي يريدونها ان تكون إلى جانبهم.فكتب احد القناصل عام 1844:"إن عدد سكان سوريا يبلغ حوالي مليون واربعمائة ألف نسمة ،بينهم ثلاثمائة الف مسيحي.على هذه الأقلية ان تعيد الحياة للأكثرية التي تعيش بينها،بإن يشاد مؤسسة كبيرة تحت حماية فرنسا ،تستقبل اطفال هؤلاء المسيحيين وتعلمهم مجانا" وتدربهم لكي يصبحوا في المستقبل رجالا" يدينون لفرنسا بما هم عليه من نعمة".
ويقول آخر في رسالة له عام 1897 :"إن الموارنة هم بلا منازع ،من اكثر الطوائف الشرقية الموحدة الذين يمكن ان نعتمد عليهم ...".ويقول السفير هنري غيز في رسالته إلى وزير الخارجية الفرنسي عام 1835 حول قرار حكومة الملك في حماية الموارنة "كمال كان الأمر في السابق،:"اذا شاءت سعادتكم إعادة احياء حماية فرنسا للموارنة فسوف يكون لذلك فائدة كبيرة لمصالحنا السياسية والتجارية...".    
اختلفت سياسات الدول الغربية في توظيف الواقع السني الشيعي في البلاد الإسلامية.فهي لا تعير هذا الواقع أي اهتمام اذا كان لا يفيد مصالحها المباشرة.وهي تؤلب السنة على الشيعة والشيعة على السنة اذا كان الأمر يلبي السيطرة الغربية ويساعد عليها ويضعف الجبهة الإسلامية المناهضة لهذه السيطرة. ففي أثناء الإحتلال السوفياتي لأفغانستان على سبيل المثال (1980-1990) لم تنشغل السياسات الأميركية بالفروقات او بالخلافات بين السنة والشيعة.كان الهم الغربي والأميركي تحديدا" هو عدم السماح للسوفيات بالاستقرار في أفغانستان. ولذا كانت واشنطن واجهزة استخباراتها تؤيد وتشجع الدول الإسلامية على ارسال المتطوعين للقتال إلى جانب إخوانهم في الدين. وكانت وسائل الاعلام الغربية ومعها المسؤولون في العواصم الغربية لا يترددون في تسمية هؤلاء المقاتلين ب"المجاهدين".وكانت الاموال والتبرعات ترسل علانية من الشخصيات ومن المؤسسات وعبر كل البنوك في العالم الإسلامي ومن العالم الغربي إلى هؤلاء المجاهدين.ولم يعترض احد طريق تلك الأموال بحجة "تجفيف منابع الارهاب".ومن المعلوم ان أجهزة الاستخبارات الأميركية ساهمت من جهة وغضت الطرف من جهة أخرى على التعاون الباكستاني والعربي-السعودي مع حركة طالبان بعد الانسحاب السوفياتي من افغانستان،وخصوصا" في اثناء المعارك الداخلية بين الفصائل الأفغانية المختلفة.وحتى اليوم لا تجد الولايات المتحدة أي مبرر لسياسات دينية مذهبية في المواجهة مع حركة طالبان في افغانستان،على الرغم من اشتداد ساعد الحركة في مقاومتها للاحتلال الغربي-الاطلسي( لا تذكر الاتهامات الأميركية لطالبان "سنيتها" كما تفعل على سبيل المثال مع المقاومة في العراق) لأن هذا التذكير غير مجد ولن يساهم في التحريض ضد طالبان ،ولن يغير مسار الصراع مع هذه الحركة ولن يصب في محاولات اضعافها أو تفتيت قواها ...وكذلك لا تشير الادبيات السياسية الغربية على الاطلاق إلى "سنية"الحكومة الباكستانية في المواجهات مع تنظيم القاعدة او مع حركة طالبان في افغانستان أو في باكستان نفسها ...
 لكن في بقعة أخرى من بقاع العالم الإسلامي كانت السياسات الغربية-الأميركية نقيض ذلك تماما".ففي لبنان مثلا" كان من اللافت ان  يتعمد الساسة الغربيون ووسائل الاعلام الغربية  إضافة صفة "الشيعي" و"المتشدد" إلى حزب الله عندما يشار اليه في المقاومة ضد إسرائيل .بحيث تجعله هذه الصفة مختلفا" عن المسيحي في القرى المحاذية للشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة. وبحيث تبرر هذه الصفة بشكل غير مباشر للمتعاملين مع الاحتلال ما يقوموا به، لأن ما يفعلونه هو لخدمة لبنان والاعتدال و السلام وضد الارهاب والتشدد ،كما كان يقول قادة العملاء وانصارهم مما عرف ب"جيش لبنان الجنوبي طوال سنوات.وقد اشتد التركيز على "شيعية" حزب الله ولكن مع تأكيد جديد هو ارتباطه بإيران خصوصا" في أثناء الأزمة السياسية والأمنية التي عصفت بالبلاد منذ عام 2005(بعد اغتيال الرئيس الحريري) .ما يعني ان ما يقوم به الحزب ليس حركة مقاومة للدفاع عن لبنان او لصد الاعتداءات الإسرائيلية بل هو لخدمة اهدافه الشيعية من جهة (يثير حفيظة السنة) أو لخدمة اهداف دولة أخرى غير لبنان (يثير حفيظة باقي اللبنانيين وخصوصا" المسيحيين).وقد اعتبرت على سبيل المثال وكيلة وزير الدفاع الأميركي ميشيل فلورنوي خلال جلسة اجتماع في مجلس الشيوخ (15/4/2010) ان الجهود الأميركية في لبنان لتطوير قدرات القوات الأمنية وتحسين الحكم ساعدت في إضعاف من أسمتهم «عملاء إيران»...  ومهما قيل في مدى نجاح تلك السياسات الا انها وبكل تأكيد تركت أثرا" ملحوظا" على واقع الانقسام السياسي والمذهبي في لبنان خصوصا" في سنوات الأزمة الخطيرة التي شهدت انقساما" حادا" بين اللبنانيين  بين 2005 و2009.
ينطبق ما جرى في لبنان على العراق ايضا" بعد احتلاله عام 2003 وبعد سقوط النظام. فقد تدخل الأميركيون مباشرة في كل تفاصيل الواقع العراقي. من تسمية المقاومة العراقية بالمقاومة "السنية". لتمييز الشيعة عن هذه المقاومة وللقول بأن الشيعة موافقون على الاحتلال الأميركي لبلادهم.(اتهام مقتدى الصدر الرافض للاحتلال بالتشدد ونزع صفة المقاومة عنه) ثم من خلال التدخل في صياغة الدستور العراقي الجديد الذي جعل التوزيع الطائفي اساس هذا الدستور. ما يعني احتمالا" دائما" للانقسام بين الشعب العراقي.كما ساهمت كثير من الادبيات الغربية ومعها بعض الادبيات السياسية العربية في تحويل احتلال العراق من مسؤولية اميركية –غربية،الى مسؤولية إيرانية-شيعية. بحيث ألقت تلك الادبيات اللوم على إيران لأنها لم تقاتل إلى جانب العراق، وعلى الشيعة في داخل العراق "لأنهم،كما تقول تلك الادبيات، تلقوا أوامر إيرانية بعدم القتال دفاعا" عن النظام العراقي وضد الاحتلال الأميركي...  
ومع إيران بلغ التحريض المذهبي الديني والعرقي الأميركي-الإسرائيلي ذروته.خصوصا" بعد احتلال العراق،وبعد تعثر التسوية السلمية في المنطقة. فقد اعتبرت السياسات الأميركية إيران هي العقبة امام التقدم في عملية التسوية. واعتبرت ان برنامجها النووي يشكل خطرا" على الدول  العربية. وشجعت بسبب ذلك كله على اعتبار إيران هي  عدو العرب الأول وليس إسرائيل. والمقصود بهذا التحريض تحقيق اكثر من هدف :
الأول هو طمس التهديد النووي الإسرائيلي،
والثاني هو التذكير بالاختلاف العرقي مع إيران  الذي يفترض الحذر وعدم التوافق (لنلاحظ ان التحريض على هذا المستوى لا يتناول الدورالتركي المتنامي. فليس ثمة من يشير إلى الخلاف العرقي العربي-التركي)
والثالث: هو تحريك الشعور المذهبي السني- الشيعي،في ظل بيئة مناسبة لمثل هذا التحريض ممتدة من لبنان إلى العراق. بحيث يبو ان هناك استحالة للتفاهم العربي الإيراني لحل المشكلات الاقليمية او لبحث قضايا الخلاف والمخاوف المتبادلة.
والرابع هو تشجيع العرب والفلسطينيين على المسارعة إلى التفاهم مع إسرائيل (بغض النظر عن سياساتها الاستيطانية التوسعية) لمنع إيران من الاستمرار في دعم حركات المقاومة وفي تعطيل عملية التسوية،وللحد من تقدم نفوذها في المنطقة على حساب نفوذ العرب (حلفاء الولايات المتحدة) التقليدي.
هكذا نفهم كيف ولماذا نشأت فكرة (الهلال الشيعي) ومعها تهمة ان الشيعة العرب يتبعون إيران ولا يتبعون مصالح بلادهم.وذلك في إطار التحريض ضد الشيعة في المنطقة العربية. وترافق الأمر مع تضخيم ما سمي بظاهرة "تشيع اهل السنة".فقام بعض العلماء والخطباء ووسائل الاعلام المختلفة بالتحريض المباشر والقوي ضد الشيعة وضد إيران التي "تثير الفتن في الدول السنية"،بحيث بات الحديث عن الخطر الشيعي مألوفا" (أكثر من الخطر الإسرائيلي) بعدما تكررت الاشارة اليه في مناسبات كثيرة ،خصوصا" وان البيئة السياسية- المذهبية في بلدان كثيرة مثل العراق ولبنان وسوريا وسواها ساعدت على هذا التحريض الذي يعود اليه البعض حتى على المستويات الدينية الرسمية كما فعل مؤخرا" وزير الأوقاف المغربي السابق عبد الكبير العلوي الذي "حذر في الملتقى العالمي الخامس لخريجي الأزهر المنعقد في القاهرة من محاولات المد الشيعي مطالبا" بتوحيد السنة للتصدي له".وقد حذر العلوي ايضا" من توظيف الدين لأغراض سياسية ومن فرض المذهب الشيعي على العالم لخدمة هذه الأغراض" (10/5/2010) .ومن اللافت ان العلوي هو المدير العام لوكالة "بيت مال القدس الشريف".اي بدلا" من الدفاع عما تتعرض له القدس من تهويد ومن بناء لا يتوقف للمستوطنات يذهب تحريض وزير الاوقاف المغربي السابق ضد الشيعة والتشيع. فيجعلهم الخطر الملح،بدل ان تكون إسرائيل،منطقيا" وواقعيا"، هي هذا الخطر...ومن الواضح ان هذا التحذير نفسه ينطوي على بعد سياسي يطال إيران التي يرى كثير من الحكومات العربية ومن بينها القاهرة،(في عهد مبارك) أن نفوذها يتسع ويتمدد على حساب نفوذهم التقليدي. لذا تحول التشيع إلى هدف للتحريض بدل ان  يقتصر الخلاف مع إيران على المستوى السياسي. ومن المعلوم ان مثل هذا التحريض يحتمل ردا" مماثلا" من اوساط شيعية موازية ، واذا حصل ذلك فإنه سيخدم  الغلاة من الجانبين السني والشيعي،ما سيعزز ثقافة العداء والكراهية المتبادلة...أي ما يؤدي فعليا" إلى التحضير الجيد لبيئة الفتنة المذهبية بين المسلمين.علما" بأنه صدرت في المؤتمر نفسه "دعوات لوضع اسس ومنهج للحوار بين المراجع والعلماء في الأزهر والنجف".أي دعوات للابتعاد عن مشروع الفتنة الذي يحث   البعض الخطى نحوه ،حتى لو لم يدرك ذلك تماما"...
هكذا يتصل التاريخ بالحاضر.لا انقطاع بين السياسات الغربية في بلاد المسلمين.وعلى الرغم من غياب الاحتلال العسكري المباشر،فقد استمر التدخل في هذه البلاد عبر تفكيك المجتمع، والهيمنة على الثروات ، و التحريض الديني والعرقي والمذهبي...وفي المقابل تفاوتت الاستجابة لهذه السياسات الغربية في التفكيك والتحريض، بين من ادرك اهدافها وعمل على مواجهتها ،وبين من اصبح مطية لها ووقع في شرك الدعوة لها،أو في شرك المزيد من تقسيم البلاد الإسلامية إلى دول وامارات ...فجعل المسلم الآخر أو العرق الآخر هدفا" للحرب أو للكراهية.... وبين من عمل على مواجهة السياسات الغربية بأن جعل من الاحتلال أولا" وأخيرا" ومن التدخل الغربي بأشكاله كافة هدفا" للمقاومة وأولوية ما بعدها اولوية.
هذا هو التحدي الذي تواجهه الصحوة الإسلامية اليوم خصوصا" وانها اصبحت في موقع القدرة والادارة والحكم. والتحدي هو في الاستفادة من تجارب التعامل الغربي مع البلدان الإسلامية قديما" وحديثا"، بحيث لا تنخدع الصحوة بالفتن الغربية ولاحتى بالوعود الغربية . وبحيث تجعل الصحوة  وحدة المسلمين هدفا"،وأولوية في مواجهة مشاريع التفتيت والكراهية . وفي مواجهة من اساء لصورة الإسلام من الغربيين ومن المسلمين في وقت واحد. وهذا يعني ان على الصحوة ان تؤكد اليوم على أولوية التعاون بين الدول الإسلامية .وعلى أولوية ثقافة التسامح بين ابناء الامة في مقابل ثقافة الشدة على اعدائها.وذلك حتى تقطع الصحوة الطريق على الاتجاهات كافة الإسلامية وغير الإسلامية الداخلية والخارجية التي تريد إفشال تجربتها  من خلال تأجيج الحروب والفتن الداخلية بذرائع دينية وغير دينية.ومن خلال الالتباس في تحديد العدو من الصديق.لأن بعد الصحوة ليس كما قبلها.فبعد الصحوة  لم يعد من المقبول ان يشعر ابناء الامة على اختلاف انتماءاتهم بالقلق او التوتر في حين يشعر الاخرون في الخارج بالاستقرار او بالطمأنينة.....