حديث القرآن عن حوارالفكر وفكرة الحوار
حديث القرآن عن حوارالفكر وفكرة الحوار
سماحة الشيخ احمد المبلغي
المقدمة :
قد أولى القرآن الحوار أهمية بالغة إلى حد لم ينظر إليه كوضع مقبول وشأن مطلوب فحسب، بل ذهب إلى أبعد وأعمق من ذلك، واعتبرأن الحوار وسيلة قوية لاستحضار العقل ومنطلق داعم للحركية الاجتهادية في الفكر الإنساني وأرضية مشتركة للحركة السياسية والإجتماعية والفكرية في المسائل الاختلافية ومجال شامل لإيجاد العلاقات والأواصر الإجتماعية. وبتعبير آخر خرج الحوار في القرآن عن حدود كونه ذا وضع مطلوب ليبلغ مستوي خصلة إنسانية لايمكن تفكيكها عن الحياة الدينية ولاالمادية .القرآن هو كتاب حوار، يأتي بقصص الحوار ويحكي حوارالقصص، يعطي فكرة الحوار ويروي حوارالفكر، دعوته إلى الحوار وحواره للدعوة، هدفه الحوار وحواره للهدف، يبني الديانة والحضارة على الحوار ويدعو إلى حوارالديانات و الحضارات. يريد هذا الكتاب الحواري إنشاء مجتمع حواري لكي يفكر بكل حرية ويختار بكل إرادة، ويريه أنه سيختار سلوكاً واعياً يتناسب مع عمق فطرته التي فطره الله عليها.
هذا المقال نريد من خلاله التعرف على مكانة الحوار وثقافته من وجهة نظر القرآن. وقد توزعت مواضيع المقال في محاورثلاثة :
- تعريف الحوار وفرقه مع الجدال
- مكانة الحوار حسب الرؤية القرآنية
- ثقافة الحوار حسب الرؤية القرآنية
المحور الأول :تعريف الحوار وفرقه مع الجدال
الف. تعريف كل من الحواروالجدال :أما الحوار فهو من المُحاورة ؛ وهي المُراجعة في الكلام. قال الزبيدي في تاج العروس :الحوار أي المحاورة ( و ) المحاورة المجاوبة و ( مراجعة النطق ) والكلام في المخاطبة وقد حاوره (وتحاوروا تراجعوا الكلام بينهم ) وهم يتراوحون ويتحاورون.[1] وقال الطبرسي : والتحاور :التراجع، وهي المحاورة، يقال :حاوره محاورة أي :راجعه الكلام، وتحاور. [2]و قال العلامة الطباطبائي :المحاورة المخاطبة والمراجعه في الكلام[3]
وأما الجدال، فقال الراغب الاصفهاني في تعريفه :
الجدال المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله ومنه الجديل، وجدلت البناء أحكمته ودرع مجدولة. والاجدل الصقر المحكم البنية، والمجدل القصر المحكم البناء، ومنه الجدال فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه، وقيل الاصل في الجدال الصراع وإسقاط الانسان صاحبه على الجدالة وهى الارض الصلبة، قال الله تعالى :( وجادلهم بالتى هي أحسن - الذين يجادلون في آيات الله - وإن جادلوك فقل الله أعلم - قد جادلتنا فأكثرت جدالنا - وقرئ - جدلنا - ما ضربوه لك إلا جدلا - وكان الانسان أكثر شئ جدلا ) وقال تعالى :( وهم يجادلون في الله - يجادلنا في قوم لوط - وجادلوا بالباطل - ومن الناس من يجادل في الله - ولا جدال في الحج - يا نوح قد جادلتنا) [4]
وقال القرطبي :والجدل في كلام العرب المبالغة في الخصومة... ويقال للصقر أيضا أجدل لشدته في الطير.[5]
وقال الطباطبائي : ... وهو الحجة التي تستعمل لفتل الخصم عما يصر عليه وينازع فيه من غير أن يريد به ظهور الحق بالمؤاخذة عليه من طريق ما يتسلمه هو والناس أو يتسلمه هو وحده في قوله أو حجته[6]
ب. الفرق بين الحوار والجدال :ويتم البحث عن وجود الفرق بينهما أو عدمه من زاويتين :
الزاوية الأولي :الفرق بينهما من حيث الإحتواء أو عدم الإحتواء للمعني السلبي :وقد برز من هذا الحيث اتجاهان :
الاتجاه الأول :أن للجدل معني ً سلبياً بخلاف الحوار؛ والدليل الذي قد يطرح لإثبات ذلك أن القرآن يركز في مواقع كثيرة على الحوار، بينما نرى أن القرآن يذكر الجدال في المواضع غير المرضي عنها وكأنه يستنكر الجدال. يقول في الدرالمنثور :أخرج ابن أبى حاتم عن ابن زيد في قوله وكان الانسان أكثر شئ جدلا قال الجدل الخصومة خصومة القوم لانبيائهم وردهم عليهم ما جاؤا به وكل شئ في القرآن من ذكر الجدل فهو من ذلك الوجه فيما يخاصمونهم من دينهم يردون عليهم ما جاؤا به والله أعلم[7]
الاتجاه الثاني :أنه ليس للجدل أيضاً معني سلبي كما في الحوار؛ وهذا الاتجاه للكثير من مفسري الشيعة والسنة :
منهم العلامة الطباطبائي، فإنه بعد أن اعتبر أن الجدال الوارد في القرآن نفس الجدل المنطقي قال :انه سبحانه قيد...الجدال بالتى هي أحسن ففيه دلالة على أن من الجدال ما هو أحسن وما ليس بأحسن ولا حسن.... والمجادلة منقسمة إلى حسنة وغير حسنة ثم الحسنة إلى التي هي احسن وقال أيضاً :والجدال أحوج إلى كمال الحسن من الموعظة ولذلك أجاز سبحانه من الموعظة حسنتها ولم يجز من المجادلة إلا التي هي احسن .وذهب إلى أبعد وأكثر من ذلك في موضع آخر من كلامه واعتبر أن المجادلة يمكن أن تكون من أقسام الدعوة وأساليبها وقال في ذلك :ذكرالبعض إن المجادلة بالتى هي احسن ليست من الدعوة في شئ بل الغرض منها شئ آخر مغاير لها وهو الالزام والافحام قال ولذلك لم يعطف الجدال في الاية على ما تقدمه بل غير السياق وقيل وجادلهم بالتى هي احسن. وفيه غفلة عن حقيقة القياس الجدلي فالافحام وان كان غاية للقياس الجدلي لكنه ليس غاية دائمية فكثيرا ما يتألف قياس من مقدمات مقبولة أو مسلمة وخاصة في الامور العملية والعلوم غير اليقينية كالفقه والاصول والاخلاق و الفنون الادبية ولا يراد به الالزام والافحام. على ان في الالزام والافحام دعوة كما ان في الموعظة دعوة وان اختلفت صورتها باختلاف الطرق نعم تغيير السياق لما في الجدال من معنى المنازعة والمغالبة.[8]
ومنهم القرطبي حيث قال :والجدل في الدين محمود، ولهذا جادل نوح والأنبياء قومهم حتى يظهر الحق، فمن قبله أنجح وأفلح، ومن رده خاب وخسر. وأما الجدال لغير الحق حتى يظهر الباطل في صورة الحق فمذموم، وصاحبه[9]
والنتيجة التي ننتهي اليها أنه لاينبغي لنا أن نظن بأن الجدل مفعم بمفهوم سلبي بحيث لايبدو معني ولامصداق لتركيب "الجدل الإيجابي " ففي القرآن موارد معتد بها من استخدام معني هذا التركيب، فالجدل ليس أمراً سلبياً بحد ذاته بل ما رافقه من أوضاع – من قبيل التعصب والجهل - هو الذي منحه طابعاً سلبياً. على أنه بلحاظ كثرة تحقق هذه الحالة، أي اقتران الوضع الفطري للانسان في الجدل مع شؤون سلبية، تركت انطباع عدم رضا القرآن عن الجدل الذي لاتترتب عليه فائدة.
يقول أحد الكتاب :(… أما كلمة الحوار فهي ذات مضامين معرفية ومدلولات واسعة... صحيح أن كلمة الجدل تنطوي على مفاهيم الأخذ والرد الذي يتحول بموجبه الحوار إلى مجرد جدل عقيم سلبي تكمن الغاية منه في ممارسة ذات الجدل فحسب، دون وجود أهداف حقيقية، لأن المسألة المتحركة في هذا الاتجاه، قد تتحول عند بعض المتجادلين إلى لقلقة فكرية دون محاولة الدخول إلى صلب القناعة الراسخة أو الحقيقة الهادئة... لكن يبقى الجدل متصلاً بأصل وجودنا كأناس نحاول أن نترقب حركة الأحداث، ونفسرها وفق مجريات وقائعنا وتصوراتنا عن أمور الحياة والوجود بما يتصل مع حركتنا اليومية)[10]
الزاوية الثانية :تعيين النسبة بينهما
ونواجه من هذا الحيث فروضاً وهي ما يلي :
الفرض الأول :هما اصطلاحان لمعني واحد
حسب هذا الفرض، يمتلك هذان الاصطلاحان معني واحدا ً , وهو عبارة عن المناقشة بين طرفين أو أطراف، يكون المقصود بها في بعض الموارد إظهار حجَّةٍ لإثبات حقٍ، أو دفع شبهةٍ، وفي موارد اُخري تصحيح كلامٍ، أو ردُّ قول فاسد.
الفرض الثاني :هما اصطلاحان لمعنيين مختلفين
حسب هذا الفرض، يمتلك كل من الاصطلاحين معني خاصاً يختلف عن المعني الذي للآخر.
والذين قبلوا هذا الفرض يمكن تقسيمهم على اتجاهين :
الاتجاه الأول :يري أن الحوار والجدل وإن التقيا في كونهما بمعني حديث أو مناقشة بين طرفين غير أنهما يفترقان في أن الحوار هو مراجعة الكلام والحديث بين طرفين بحيث ينتقل الحديث من الأول إلى الثاني،ثم يعود إلى الأول.. وهكذا دون أن يلحظ مستمع أو مراقب أن بين الطرفين ما يدل على وجود خصومة. أما الجدل فهو التخاصم بالكلام، والنقاش المحتد المفعم بالعناد والتمسك بالرأي والتعصب.
الاتجاه الثاني :يري هذا الاتجاه أن الحوار له أصول لو لم تراع تلك الأصول حال الحوار، فإنه ينقلب ذلك إلى مفهوم آخر مختلف عنه تماما اسمه الجدل.
الفرض الثالث :هما اصطلاحان لمعنيين بينهما العموم و الخصوص
وهذا الاتجاه لمن ذهب إلى أن الحوار ينقسم إلى قسمين :الحوار البنـّاء والحوار غير البناء، وغير البناء هو الجدل.
المحور الثاني :مكانة الحوار حسب الرؤية القرآنية
تأتي المطالب في توضيح ذلك تحت العناوين التالية :
* حقائق كونية تقوم عليها إمكانية ومعقولية الحوار
* نظرة القرآن إلى دور الحوار في الحياة الإنسانية
* انعكاس مكانة الحوار في القرآن من خلال رواياته للحوارات
1 -حقائق كونية تقوم عليها إمكانية ومعقولية الحوار :
هناك حقائق كونية حول الإنسان طرحها القرآن الكريم، تمثل هي إطاراً فطرياً وكونياً تتشكل وتتكون على أساسه مصداقية وإمكانية الحوار للإنسان أومعقوليته له ونقول في توضيح ذلك :إنه يختلف الوضع الفطري بين البشر والملائكة في المجالات التالية :
الف) الإعتقاد بالحق؛ إن الانسان خلافاً للملائكة – والذين هم مفطورون على اعتقاد الحق [11] - لم يفطر على امتلاك الايمان والاعتقاد بالحق منذ الاول، بل كان مفطوراً على استعدادات نفسية وإمكانيات عقلية، تتهيأ بها الارضية لأن يسعي لأدراك الحق والإيمان به.
ب) الإنقياد للحق ؛ إن الانسان خلافاً للملائكة - والذين كانوا مفطورين على الإطاعة الدائمية لله سبحانه - قد فطر على الاختيار، فالإطاعة ليست حالة دائمية له، بل تتم عبر إرادته و إختياره فإن شاء يعبد وإن شاء يكفر يقول عز من قائل :لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي[12] ويقول سبحانه فأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين[13] ويقول سبحانه في آية اُخري : إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً[14].
ج) اختلاف البعض مع البعض ؛ إن الإنسان خلافاً للملائكة – وهم المفطورون على
عدم الاختلاف و التشعب [15] - قد خلقوا مختلفين، وقد نبه القرآن على ذلك في الآية الكريمة :وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إ ِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [16]
وهذا الإختلاف يعد من السنن الإلهية التي لا تبديل لها ولا تحويل ؛يقول سبحانه وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ[17]
وفي التعرض للاختلاف في اللغة تنبيه إلى وجود اختلافات طبيعية اُخري لدي الناس ؛ حيث إن الاختلاف في اللغة متأثر من عدة عوامل من أهمها اختلاف الناس في العقول والصفات والطباع والمعنويات، كما أن الاختلاف في اللغة كان بدوره من العوامل المؤثرة في نشوء التعددية في الآراء والمُدركات والتوجهات والاتجاهات بين الناس.
وغير خفي أن اعتبار الاختلاف في الخلقة كأساسٍ فلسفيٍ للحوار يتم انطلاقاً من أن الحوار لايمكن أن يكون ممكناً ومعقولاً إلا فيما إذا كان هناك اختلاف، وبتعبير آخر إن الواقعية التي تبتني عليها إمكانية - بل ومعقولية الحوار- هي وجود الاختلاف الفكري لدي الناس.
د. الجدال ؛ يري القرآن الرغبة والسعي لأجل الحوار من ضمن خصال البشر الذاتية،خلافاً للملائكة .وهذا ما يستفاد من هاتين الآيتين التاليتين :
* يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفي كل نفس ما عملت وهم لايظلمون وفقاً لهذه الآية فإن الجدال من خصائص الإنسان يوم القيامة، فهويجادل حتي في لحظات الحساب يوم يجازي الإنسان على أعماله، ومع الأخذ بنظر الاعتبار زوال صفات الانسان العرضية يوم القيامة، فإنه يمكن اعتبار بقاء الجدال في الآخرة دليلاً على ذاتية هذه الخصلة. ومن ذلك كله نخلص إلى القول بفطرية وذاتية خصلة الحوار (أو فقل : السعي المنتهي إلى الحوار) لدي الإنسان.
* وكان الإنسان أكثر شيء جدلاًبناءً على هذه الآية يكون الجدل من جبلة الإنسان، وأنه جزءٌ من وضع فطري يسعي باقتضائه لمتابعة الحوادث وحدسها أو التنبؤ بها وتفسيرها بما ينسجم مع تجاربه وتصوراته ورغباته. وخصلة الجدال توجد في الإنسان في أصعب وأحلك الظروف .
وبهذا كله ننتهي إلى أن هناك مباديء فلسفية أربعة حول خلقة الإنسان ، وهي :
الف) كون الإنسان مفطورا على الفكر
ب) كون الانسان مفطوراً على الإختيار
ج) كون الاختلاف لدي الناس سنة كونية
د) كون الجدال خصلة فطرية للإنسان
والفرق بين هذه المباديء أن فطرية الجدال للإنسان تفيدها المباديء الثلاثة الأولي بمعونة التحليل، بينما المبدأ الأخير ينص عليها.
ومع قطع النظر عن هذا الفرق فإن جميع المباديء الأربعة تمثل وجود وضعية للإنسان تدعوه بصورة فطرية إلى الحوار، كما تقتضي اعتبار الحوار كأمر ممكن ومعقول، بل وضروري للإنسان.
2 - نظرة القرآن إلى دور الحوار في الحياة الإنسانية :
إنه يستفاد :
أولاً :كون الحوار أرضية خصبة لحصول المعنوية والكمال الديني
من وجهة نظر القرآن يعد الحوار مجالاً للعلاقات الانسانية وأرضية خصبة للمعنوية فالقرآن يربط بوضوح بين مصير الانسان المعنوي والحوار ويري أن بينهما ارتباطاً وثيقاً وثابتاً. وهذا الدور يمكن استفادته من الأمرين التاليين :
الأول :كون الحوار حاظياً بتوجه البشارة الإلهية إليه .
وهذا ما يستفاد من الآية الكريمة :فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه
يمكن إثبات مكانة الحوار في هذه الاية من خلال ذكر النقاط التالية :
النقطة الاولى :إنه طرح في هذه الاية ثلاثة عناصر هي :"القول" و "استماع القول" و "اتباع احسن القول" وبذلك تتشكل ثلاث مراحل :
المرحلة الاولى :تبلور أجواء تبادل الآراء والأقوال.
بتبلور فضاء تبادل الآراء والأقوال – والذي يعد الحوار وضعاً أكثر انسجاماً له -
تظهر الرؤي المختلفة والمتفاوتة.
المرحلة الثانية :استماع القول والتعرف على ما استبطن من نكات ومقالات أحسن.
المرحلة الثالثة :اتباع الأحسن.
الكثير يتحاور لكي يثبت ما يعتقد به ويتبعه، ومن وجهة نظر القرآن تقع مكانة الاتباع في مرحلة لاحقة للاستماع، ولو لم يقع الاتباع لايكون معني للبشارة. فإن اتضاح الحقائق والواقعيات رمز تبلورت البشري الإلهية بلحاظه.
ملخص القول :ما لم تتحقق المرحلة الاولي للحوار لاتتبلور أرضية لاستماع القول والتعرف على ما استبطن من نكات هي الأحسن، وما لم تترجم المرحلة الثالثة (الاستماع والتعرف على القول الأحسن ) إلى عمل لاتتوافر أرضية اتباع الكلام الأحسن.
النقطة الثانية :أينما استخدم الله سبحانه مفردة "عبادي" وما شابهها، لبيان العلاقة بينه وبين البشر، عرض من خلال ذلك أعمق الأفكار وأساسياتها. ومن خلال اعتبار هذا القالب البياني ( إيجاد النسبة بنحو خاص بين الله سبحانه و عباده ) ملاكاً وحاكياً عن عمق وأصالة الفكر يمكن الوقوف على علو منزلة الحوار؛ وذلك لان هذا القالب البياني استخدم في باب الحوار ؛ حيث قال عز من قائل "بشر عبادي الخ"
النقطة الثالثة :مع الأخذ بنظر الإعتبار أن بشارة القرآن توجهت إلى نعم هي الأكثر أصالة وحقيقة فإن استخدام مفردة "بشر" فيما يخص موضوع الاستماع و اتباع أحسن الكلام يحكي المستوي الرفيع للحوار و كونه حاظياً بمنزلة مصيرية في الحياة المعنوية بالإضافة إلى دوره في الحياة المادية للانسان.
الثاني :محورية الحوار في الدعوة
إن القرآن لايرى وحدة في الفضاء الذي تبلورت فيه دعوة الرسل، بل الله سبحانه طلب من الرسل أن يبدوا دعوتهم بالحوار فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشي [18]
لاشك أن الدعوة إلى الحق أحد المظاهر الاساسية في هذا الكتاب ؛ لو لم نقل بأنها الأساس . واللافت هنا كون هذا المظهر الهام والمحوري حاصلاً في إطار دعوة صريحة للحوار، ومن باب المثال وردت الآيات التالية :
* اُدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن [19]
* قل هاتوا برهانكم إن كنتم صا دقين [20]
مضافاً إلى ذلك فإن سيرة النبي الأكرم وباقي الأنبياء شاهد على أن طريق الدعوة والهداية يمر عبر الحوار، وقد كان للحوار والجدال الدور المصيري في هذا المجال، كما ينقل لنا القرآن والتاريخ، ولم ينقل لنا التاريخ هداية رسول اُمته بسيف صارم او وعود دنيوية خادعة، بل الحوار كان دائماً بمثابة الجسر لنقل الهداية الإلهية إلى البشرية.
ثانياً :كون الحوار آلية لاستحصال القابليات المكنونة في الإختلاف الطبيعي الحاصل بين البشر
إنه كما ذكرنا لا شك في أن الإختلاف يكون من الاٌسس القائمة عليها النظام الكوني الالهي وأنه يعد من السنن الإلهية التي لا تبديل لها ولا تحويل، كما لا شك أن الاختلاف لو لم يتم ترشيده فسوف ينتهي بالإنسان ومجتمعه إلى مهالك عظيمة ومخاطر جسيمة، بينما أنه لو تم توظيفه نحو الرشد فسوف ينتج فوائد عظيمة باهرة، فانطلاقاً من ذلك كله فإنه لابد من وجود آلية فعالة للتعامل مع هذه الحقيقة الفطرية، وهذه الآلية أرشدنا القرآن إليها واعتبر أنه الحوار فهو الذي يمكننا من الاستفادة من فوائد قضية الاختلاف الفطري ويجنبنا عن الوقوع في مخاطرها العظيمة.
3 - انعكاس مكانة الحوار في القرآن من خلال رواياته للحوارات
الحوار في القرآن ليس موضوعاً نادراً، هناك مجموعة متنوعة من الحوارات رواها القرآن لنا في المجالات المختلفة، والنظر إلى هذه المجموعة المتنوعة سيكشف لنا عن درجة أهمية الحوار ومكانته في رؤية القرآن. وفيما يلي توضيح لأبعاد انعكاس هذه الدرجة تحت محاور :
الأول :كمية حجم روايات القرآن للحوار
يمكن عرض كمية رواية القرآن للحوار من خلال الإحصائيات التالية :
تكرر مفردة "قال" 527 مرة.
ورود مادة الجدل في 29 مورداً، وكثير من هذه الموارد استبطنت رواية الحوار.
تكرر مادة الحوار ( سواء على وزن مفاعلة أو وزن تفاعل ) في موارد ثلاثة وهي ما يلي :
* (... فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً)[21]
* (... قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً...)[22]
* (قد سمع اللَّه قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللَّه واللَّه يسمع تحاوركما إن اللَّه سميع بصير)[23]
- ورود قصص الحوار في القرآن أكثر من500 مرة.
الثاني :منهج رواية الحوار في القرآن
وهذه المنهجية تتضح من خلال ذكر نكتتين، وهما :
أولاً :منح الحوار مكانة يتمحور حوله كل شيء
عندما يطرح القرآن قصة تتضمن حواراً بين طرفين أو أطراف، يعكس المراحل الواردة في القصة بصورة يتصور القاريء المتأمل أن الحوار هو المحور الأساس لها وأنه العنصر الأساس الذي يأخذ كل شيء ورد في القصة معناه منه ؛ وبتعبير آخر إن القرآن في خلال ذكره للقصص يمنح الحوار محوريةً إلى درجة يظهر كأنه هي الروح الواقعية التي تجري في جميع مراحل ما يرويه من حكاية أو قصة ؛ فمثلاً إن القرآن عند ما ينتهي الحوار القائم بين طرفين في قصة إلى مستوي الإهانة والايذاء وما شابهه، لا يترك الحوار ولا يلقيه إلى جانب، بل يختار أسلوباً يكشف لنا عن الهزيمة الحوارية لأحد الطرفين. ومثل هذا المنهج يتضمن التاكيد على منطق الحوار، وأن الحوار في هذه الموارد يحظي باهمية تفوق الرواية إلى حد تنعدم اهمية كل شيء في قباله. ويمكن مشاهدة نماذج لإستخدام هذا المنهج في عدة الموارد من القرآن :منها الموارد التالية :
- يحكي القرآن فقدان قوم لوط للاجوبة المنطقية في الحوار قائلاً : فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اخرجوا آل لوط من قريتكم
- كما يحكي فقدان قوم ابراهيم للاجوبة المنطقية عن التسائلات الواردة في الحوارات الطويلة ويقول : فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه
هذا التعبير يستبطن نسبة السفاهة اليهم ؛ لانهم عند ما بلغوا طريقا مسدوداً وافتقدوا الدليل قالوا :لاتحاجوه بل اقتلوه لكي تتخلصوا منه.
يقول الشيخ الطوسي :"انهم لما عجزوا عن جوابه بحجة عدلوا إلى ان قالوا اقتلوه أو حرقوه" [24]
كما يقول الشيخ الطبرسي :
"وفي هذا تسفيه لهم إذ قالوا حين انقطعت حجتهم لا تحاجوه، ولكن اقتلوه أو حرقوه، ليتخلصوا منه"[25].
وكما هو معلوم فإن إطلاق كلمة الجواب – والذي يتجلي ويتمثل معناه الحقيقي في كلام يذكره أحد طرفي الحوار لرد كلام الطرف الآخر – على اعمال وحشية وأساليب غير إنسانية مثل القتل والتحريق يدل على أن التوجه القرآني يكون توجهاً حوارياً وأن للقرآن تركيز على إعتبار الحوار كعنصر أساسي في الرواية .
ثانياً :عرض مقولات أطراف الحوار بتأنٍ تام
إنه بالنظر إلى القرآن يعلم مدي إهتمامه بنقل أقوال أطراف الحوار وأفكارهم، والشاهد على ذلك ما ذكرناه من ورود مفردة "قال"527 مرة .
المحور الثالث : ثقافة الحوار حسب الرؤية القرآنية
ونتحدث عن موضوعين :
* آدابه
* مجالاته
أولاً :آداب الحوار في القرآن
تستفاد من القرآن الآداب التالية للحوار :
1 - تكافؤ وتساوي طرفي المناظرة
ينبغي في الحوار ابتنائه على أصل المساواة وعلى الجميع أن يستهدف البحث عن الحقائق والواقعيات والكشف عنها وإلا فلانتيجة يمكن توخيها من الحوار، ورغم أن أحد الأطراف قد يكون بمستوي علمي أرفع من الطرف الآخر ألا أن شرط الحوار - من وجهة نظر القرآن- سعي أطراف الحوار لإيجاد فضاء الإستماع وما يمكنه أن يكشف عن الحقيقة. وهذا التكافؤ بين الطرفين لابد يترسخ ويتعمق إلى حدٍ يكونا متكافئين من حيث الإستعدادات النفسية أيضاً، حتي يتمكنا بذلك من الحوار واستمراره بهدوء.
الاية فبشر عباد الذين الخ ترسم لنا وضعاً لايكون الكلام فيه صادراً عن فرد بل عن جمع - أي عباد - والعمل بالاية يعني سعي الجميع لاستماع كلام بعضهم الاخر .
يمكن استفادة هذا المبدأ أيضاً من الآيات التالية :
إنا أو إياكم لعلى هدي أو في ضلال مبين[26]
قل لاتسألون عما أجرمنا ولانسأل عما تعملون [27]
2 – الإستماع إلى الإدعاء والتأني فيه
على المحاور أن يصغي إلى مدعيات المخاطب بدقة تامة. وهذا المبدأ يستفاد بوضوح من الآية الكريمة فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إن من يريد أن يتكلم ولايستمع إلى الآخرين وأن يستمع الآخرون إليه ولايتكلمون ليس ممن تشمله البشارة الإلهية الواردة في الآية الشريفة. وكما هو معلوم فإن مقاطعة من يتحدث أوممارسة العنف ضده تنافيان قاعدة "الإستماع" القرآنية.
3 – تحكيم الجو العلمي وتجنب العاطفة
على طرفي البحث أن يسعيا لأن تكون مطارحاتهما علمية متجنبين بذلك الأجواء العاطفية ومايثير الأحاسيس. ينظر لإثبات ذلك إلى الآيات التالية :
"هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ" [28]
"إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إلاّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ" [29]
"أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ، فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ".[30]
وشدة تأكيد القرآن على علمية وموضوعية الحوار بلغت إلى حد برز خطاب "هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ" كشعار للقرآن يمثل أهمية الحوار ومكانته فيه، فقد ورد هذا الخطاب في أربعة مواضع في القرآن :[البقرة : 111، الأنبياء : 24، النمل : 4،القصص : 75]
4 – فسح المجال لطرح الأفكار
رغم أن بعض الأفكار تعد ساقطة علمياً من وجهة نظر الإسلام ألا أنه لا يريد للإنسان أن يعيش حالة من الخوف في مجال العقيدة والفكر، كما لايريد أن تتخلل عقائده فراغات أو نقاط سوداء، بل يريد له التفكير بحرية تامة، فاتحاً أمامه الآفاق لكي يكون على بصيرة. وهذا ما يمكن استفادته من هذه الآية :
وإنا أو إياكم لعلى هدي أو ضلال مبين
5 – البدأ بالنقاط المشتركة واعتمادها في المناظرة
يستفاد من الآية تعالوا إلى كلمة سواء أن على أطراف الحوار أن يكتشفوا قبل كل شيء نقاط الاشتراك بينهم لاعتمادها في بناء الحوار، فإن " الكلمة " – والتي ذكرت في الآية - تشكل المادة في الحوار، والحوارعبارة عن عملية تعتمد تبادل الكلمات.
إن الحوار لايثمر في الفراغ وفيما إذا لم ينطلق من مشتركات، فلابد لأجل أن يثمر الحوار أن يسعي الطرفان لإفتراض المشتركات يعتمدونها في كلماتهم.
حكي أن سقراط كان يبدأ المناظرين بنقاط الاتفاق بينهما، ويسأله أسئلة لم يكن لخصمه تجاهها إلا أن يجيب عليها :بنعم، فكلما عرض عليه سؤالاً قال :نعم، ويظل ينقله إلى الجواب تلو الجواب، حتى يرى المناظر أنه أصبح يقر بفكرة كان يرفضها من قبل.
6 - التجنب عن الطعن والسب
من المحاور الأساسية لوصايا القرآن في مجال الحوارالتجنب عن استخدام الطعن والاستهزاء والتحقير، يقول سبحانه :ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم[31]
7 - ختم الحوار بهدوء
إن نهاية الحوار كبداية الحوار لابد أن تتم في جو هادئ بعيد عن أي انفعال مهما كانت النتائج، يقول سبحانه :"أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنْ افْتَرَيْتُهُ فَعلى إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ"[32]، ويقول أيضاً :"وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُواعَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ[33].
ثانياً :مجالات الحوار
إن توصيات وتعليمات القرآن حول الحوار – والتي أشرنا إليها - تهدفان إلى تعميق أبعاد الحركة الفكرية الفاعلة على ثلاثة مستويات :
- العلاقات الانسانية الحاصلة بين إنسان وإنسان مع قطع النظر عن دينهما وفكرهما.
إن الأصل في العلاقات القائمة بين الشعوب بعضهم مع البعض أن يعيشوا في إطار التفاهم والتعاون وذلك لأنه :
أولاً :إن الجميع يريدون لأنفسهم الخير، والخير لايمكن حصوله إلا بأن يستفيد البعض من البعض.
ثانياً :الاختلاف سنة كونية حسب ما جاء في القرآن ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ففرض بعضهم لغتهم أو دينهم على البعض الآخر تصرف لاينتهي إلى نتائج منطقية ومرضية.
أن الإسلام لا يكره أحدا على الدخول فيه قال سبحانه :
(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) [34]
وقال سبحانه :
(أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)[35]
وقال تعالى :
(ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) [36]
- المواجهات الدينية الحاصلة بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى
الحوار في القرآن ضرورة تقتضيها جميع الظروف، وانطلاقاً من هذا الأصل فقد دعا إلى حوار أهل الكتاب :(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن.. وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون).
كما قال سبحانه :(قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم.)
كما قال تعإلى :(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم )
إذا كان القرآن يركز على الحوار بين الاسلام وبين أصحاب الديانات الاخري ويدعو المسلمين لأن يوجهوا دعوتهم إلى متديني الديانات للانطلاق من القواسم المشتركة بينهم في المبادئ والقيم نحو اتخاذ قرارات تنفع الجميع، فالحوار بين أبناء الامة الاسلامية يحظي بأهمية أزيد وضرورة أكثربلا شك. وبتعبير آخر إذا كان من اللازم أن يكون للمسلم موقف حواري في مقابل أهل الكتاب - الذين يخالفونه في أصل دينه – فأهمية اتخاذ مثل هذا الموقف بين بعضهم تجاه البعض الآخر يحظي بدرجة أكبر بلاشك.
- اللقائات الاسلامية الحاصلة بين مسلمين بما أنهم مسلمون مع قطع النظر عن المذاهب التي ينتمون إليها.
إن الاُمة الإسلامية بحاجة إلى حوارات علمية وإجتماعية بشكل مستمر، فالحوارات تطور مستويهم في الفهم والمعرفة والتفاهم والتعارف وتمكنهم من الخروج من دهاليز سوء ظن بعضهم بالبعض.
فالحوار حسب النظرة القرآنية يشكل آليةً أساسيةً للتقارب بين المذاهب والتحالف بين الدول الإسلامية ويمثل وسيلة فاعلة تحشد طاقات الأمة في مواجهتها للتحديات العالمية. وفيما يلي توضيح أكثر لدور الحوار في التقريب :دور الحوار في التقريب
وهذا الدور يتبين بالالتفات إلى المقدمتين التاليتين :
الأولى :إن الوحدة الإسلامية تعني أن يتوفرما يلي :
- اجتماع الجميع على الجوامع المشتركة في عمل موحّد
- عدم تحويل الخلاف المذهبي إلى صراع
- تجنب المعارك الجانبية
- عدم التنافس على إلغاء الآخر
- توظيف جميع الطاقات في مشاريع متّسقة يشدُّ بعضها بعضاً.
الثانية :الموارد الخمس المشار إليها لايمكن أن تتوفر إلا بتوفر أموريلعب الحوار دوراً فعالاً في إيجادها، وهذه الأمور تمثل بعضها وضعية فكرية بينما البعض الآخر تمثل وضعية روحية في حين أن قسماً ثالثاً منها مرتبطة بالعمل :
الف. ما يرتبط بالفكر :
- لزوم الإنتهاء إلى نتائج علمية أفضل ؛
ودور الحوار في ذلك يتبين بالالتفات إلى أن من خلاله يتم تعاون من جانب الطرفين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها، وذلك لإن الحوار في واقعه يكون أدة للبحث والتنقيب يكشف بها كل طرف ما خفي على صاحبه وآلية للاستقصاء والاستقراء في تنويع الرُّؤى يتمكن بها الطرفان من الإنتهاء إلى نتائج أفضل وأمْكَنَ.
- لزوم التعارف؛
إنه بالحوار يتعرف كل طرف على وجهة نظر الآخر فيستدرك المفاهيم الخاطئة لديه عنه. ويتجلي هذا الدور بالإلتفات إلى أنه إذا لم يكن هناك حوار فإن كل طرف إما يبقي على جهله بالطرف الاخر ولاتتم له معرفة به أصلاً أو أنه وإن تمت له معرفة إلا أنها تحصل عن طريق واسطة ربما لاتكون المعلومات الحاصلة من جانبها دقيقة وصحيحة.
ب.ما يمثل وضعية روحية :
- التفاهم؛
إن عدم استعداد كل طرف للتفاهم مع الطرف الآخر من الأسباب الكبري للنزاعات والخلافات المذهبية، وقد نشأ ذلك – أي : عدم الإستعداد للتفاهم – نتيجة لسوء فهم البعض للبعض الآخر، فالواقع أن الذي مرت به المذاهب من تجارب في مراحل من التاريخ قد جعل أنصار كل مذهب شكّوا بالآخرين شكوكاً سيئة،وقد ترسخت هذه الشكوك في أنفسهم إلى حد بنوا على أساسها تحليلاتهم واستنتاجاتهم وقراراتهم، فحصلت من جانبهم مواقف انفعالية لاتزال تستمر جملة عظيمة من هذه المواقف. والذي يحمل قابلية كبيرة لأيجاد الأرضية للتفاهم ورفع الشكوك الناشئة من دواع واهمة بين المذاهب بعضها مع البعض، هو تشكل الحوار المذهبي على مستوي واسع. نحن تعودنا أن ننظر إلى مثل آية حرمة سوء الظن بالعين الفردية وأن نحملها على إسائة ظن فرد مسلم بفرد مسلم آخر مع أن الآثار التي تتركها إسائة الظن الاجتماعية الحاصلة بين المجموعات الإسلامية بعضها مع البعض عظيمة وجسيمة وخطيرة أكثرجداً.
- تقليص شدة التعصب وبعث مشاعرالمحبة.
من المشاكل التي تواجهها الحركة التقريبية وجود عصبية حادة ترسخت جذورها في الموروثات الفكرية والمواقف الإجتماعية التاريخية، ولا شك أن في الأجواء المملوة من التعصب والظروف المشحونة بالعداء لاتنفع أي محاولة للتقريب بين المذاهب. والدورالذي يلعبه الحوار في مثل هذه الأجواء والظروف تخفيف شدة التعصب وتقوية الأرضية للتحبب، وذلك لأن الحوار يجعل كلاًّ من الطرفين يلتقي بالآخر، يتكلم له ويستمع إليه، وهذه العملية لو تحولت إلى ممارسة دائمية فسوف تساهم مساهمة جذرية في تقليص حدة الخصومة وإيجاد المناخات الملائمة والداعية إلى الوحدة.
إن تقريب النفوس خصلة لازمة للحوار وإنها من نتائجه الأولية، فلونتمكن من تحصينه برعاية ضوابطه القرآنية ونسعي لمحافظته من استغلاله للتفرقة بالإلتزام بآدابه العقلائية، فسوف تزداد قابلياته التقريبية.
ج. ما يرتبط بالعمل :
- التفاعل للخروج من الواقع المأزوم ؛
إن الحوار هوالذي يمكن أن يعطي الأمل المشرق في الخروج من الأزمة الحالية، والتحديات المصيرية التي شهدتها ولا تزال تشهدها وتمر بها الأمة الإسلامية في شتي المجالات.
-التعامل والتعاون لبناء مجتمع أمثل ؛
إن الامة الاسلامية لو تمكنت في ضوء الحوار من أن تزيد من معارفها وتحصل على التعارف فيما بينها وتحقق الأرضية لتفاهم بعضها مع البعض وتحل مشاكلها بالتعاون فسوف تتمكن من أن تتخذ خطوات فاعلة في عملية النهوض وصنع القرارات المصيرية بهدف بناء حالة مجتمعية إنسانية راقية تقوم على المبادىء الإسلامية.
[1] -تاج العروس، الزبيدي ج 3 ص 162.
[2] -تفسير مجمع البيان، الطبرسي ج 9 ص 408 .
[3] -تفسير الميزان، السيد الطباطبائي ج 13 ص 309 .
[4] -مفردات غريب القرآن قال الراغب الاصفهاني ص 89.
[5] -تفسير القرطبي ج 9 ص 28.
[6] -الميزان ج 12 ص 371 .
[7] -الدر المنثور لجلال الدين السيوطي، ج 4 ص 228.
[8] -الميزان، ج 12، ص 374 .
[9] -تفسير القرطبي، ج 9 ، ص 27، صفحة 28.
[10] -هو نبيل علي صالح .
[11] -يقول الامام علي بن الي طالب (ع ) : (لم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم - أي الملائكة – ولم تعترك الظنون علي معاقد يقينهم.... وقطعهم الإيقان به إلي الوله إليه) ( نهج البلاغة الخطبة 90 .)
[12] -البقرة: 256.
[13] -يونس: 99.
[14] -انسان: 3.
[15] -يقول الامام علي بن ابي طالب عليه السلام : (...لم يختلفوا في ربهم باستحواذ الشيطان عليهم، ولم يفرقهم سوء التقاطع، ولاتولاهم غل التحاسد، ولاتشعبتهم مصارف الريب ولااقتسمتهم أخياف الهمم .)
[16] -هود: 118- 119.
[17] -الروم:22.
[18] -طه: 44.
[19] -نحل: 125.
[20] -بقرة: 111.
[21] -الكهف: 34.
[22] -الكهف: 37.
[23] -المجادلة: 1.
[24] -التبيان، الشيخ الطوسي ج 8 ص 199.
[25] -تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي ج 8 ص 19.
[26] -سبأ 24.
[27] - سبأ 25.
[28] - آل عمران:66.
[29] - غافر:56.
[30] -الصافات:156-157.
[31] -انعام 108.
[32] -هود:35.
[33] - القصص:55.
[34] -بقرة 256.
[35] -يونس 99.
[36] -بقرة 272.