جذولر وأسباب الازمات الراهنة في العالم الاسلامي
جذولر وأسباب الازمات الراهنة في العالم الاسلامي
العنف الطائفي والتيارات التكفيرية
البروفسورعلين علي سوير / فرنسا
مستشار وباحث في وزارة التربية والتعليم الفرنسية
المقدمـــة :
دخلت الأمة الإسلامية في القرن الواحد والعشرين وما زالت تواجه صعوبات ومشكلات عظمى على الأصعدة المختلفة الداخلية والخارجية وفي المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية. وأحدى أهم مشكلاتها هي مشكلة العنف الطائفي علما منذ عام 1921 حيث أنعقد أول مؤتمر أسلامي يضم المسلمين السنة والشيعة معا ، مرورا بمؤتمر 1931 ثم 1935 ثم إنشاء دار للتقريب بين المذاهب الإسلامية في مصر ، والجهود التي رعتها بعض الدول الإسلامية والعشرات من المؤتمرات والكتب في إطار مشاريع التقريب ودرء الفتن الطائفية ، وأخيرا عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية بندوة تحت عنوان " العنف الطائفي في العراق"، حيث نجد أنها جميعا حققت القليل من أهدافها السامية والملحة وقد يعود السبب حسب اعتقادي إلى عدم إمكانية التشخيص الصحيح لهذه المشكلة رغم وجود النوايا الحسنة لحلها. الطائفية ليست مرض بل ظاهرة تدل على وجود خلل أو عيب في هيكلية عمل المجتمع، هي كالحمى في الجسد تدل على وجود مرض في مكان ما ( 1 ).
أصبحت قضية العنف بكافة أشكاله الاجتماعية والدينية والسياسية في الفترة الأخيرة منار للنقاش الواسع.
رئيس وزراء العراق السابق السيد نوري المالكي يقول في مؤتمر هيئة الحج في النجف الأشرف عام 2012: ( جذور كل الصراعات في المنطقة هي طائفية). أما الشيخ محسن الأراكي يقول: "ضرورة الوحدة شرعا وعقلا. لكن الوحدة الاسلامية تواجه اليوم تحديات خطيرة خارجية تارة وداخلية تارة " ( 2 )،أما الشيخ خالد الملا يقول: " أليس جدير بنا بعد تشخيص الداء الذي تدور عليه أكثر مؤتمراتنا ومحاضراتنا، أن نضع أيدينا على الدواء. والحل هو التسامح والوعي الوطني" ( 3 ). أما الدكتور كمال الهلباوي يعزي هذا العنف الى دخول النزعات القبلية الى ميدان العقيدة والتشريع ( 4 ). وقد أنفرد السيد فاضل الميلاني عن الآخرين بتحليله سبب هذا التخلف والانحطاط والانفلات من كل القيم يعزيه انعدام الحوار وانعدام البحث العلمي ( 5 ). بينما الدكتور سعيد الشهابي يرى ان البحث في المشكلة يجب ان لا تكون من منظور طائفي ( 6 ) .
هذا البحث يقوم بدراسة عميقة لظاهرة العنف الطائفي في المنطقة، وذلك باستخدام أحدث المناهج واآليات العلمية الحديثة في الدراسات الانسانية مثل الانثروبولوجيا (7)، والابستمولوجيا (8)، والسيسيولوجيا (9) وخاصة السيسيولوجيا الدينية، والفينولوجيا (10) والجينيالوجيا (11). هذه المناهج العلمية عملت ثورة في تفسير الظواهر التأريخية في أوربا وخاصة في فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى. وسوف أتناول ظاهرة العنف المتمثلة حاليا في داعش ( الدولة الاسلامية في العراق والشام) كمادة حية لدراسة ظاهرة العنف الطائفي بكل أبعاده ، لمعرفة وفهم هذه الظاهرة ومن يختفي وراءها.
هذا البحث أستند على مفاهيم مدرسة الحوليات الفرنسية والتي كان من روادها جان بول سارتر (12)، وميشيل فوكو (13) صاحب منهج الحفر ، ودريدا (14) صاحب منهج التفكيك. فلسفة هذه المدرسة هي الفصل بين الدين والتأريخ والذاكرة، حتى لا يهيمن أحدهما على الآخر ومما تؤدي الى ضياع المعلومات الدقيقة عند دراسة الظواهر التأريخية ، هذا من جانب، ومن جانب آخر، هو أن الباحث يجب أن يبحث على جواب لمشكلة يعيشها ويعاني منها ومن ثم يجد جذور هذه المشكلة في التأريخ سواء القصير أو المتوسط أو البعيد.
وبما أن الهدف هو بناء مشروع اسلامي، اذن محتوى هذا المشروع وهندسته واتجاهه يعتمد على المعلومات التي يحصل عليها. المعلومات في الزمن القصير هي بعيدة جدا عن التكامل. أما المعلومات للزمن المتوسط والطويل هي الكافية لاتمام هذا المشروع بصورة علمية حديثة بعيد عن التناقض.
الاشكاليات البحثية:
1. المشروع الاسلامي كثر الكلام عنه، وأثير حوله جدل ولغط وتدافع، وروج له بعض الناس ورفضه بعض الناس ويظنون بأنه وهم لا وجود له.
2. ماهي الاوليات في هذا المشروع. هل هو مشروع تغيير أم مشروع اصلاح؟ هل هو مشروع اسلمة السلطة أم أسلمة المجتمع؟ وهل الديمقراطية بديلا عن الشورى؟.
3. الاشكالية الاخرى هي في فهم الاسلام. قسم يعتبره دين طقوس وعادات وعلاقة الانسان بربه فقط. وقسم آخر يعتبر الاسلام حضارة وثقافة تنظم علاقة الانسان بربه وعلاقته مع أخيه الانسان.
الهدف من البحث :
قراءة جديدة ومبصرة لأسباب العنف الطائفي، المبنية على أرضية بحثية ومعرفية دقيقة من العلوم الأنسانية الحديثة وذلك باستخدام المناهج والآليات الحديثة في قراءة العنف الطائفي بصورة عميقة حتى يتسنى لهذا المشروع الاسلامي الحضاري الحديث أن يعطي جوابا شافيا لا لبس فيه. وكذلك يسهل هذا البحث على تصحيح و تسديد أفكار ومقولات مسبقة وتزيح ما تراكم من أوهام وتوظيف سياسي للإحداث.
المبحث الأول
تعريف الطائفية :
هنالك معنيين للطائفية : المعنى اللغوي ، وتعرف بأنها مشتقة من ( طاف، يطوف ، طائف) ، أي تحرك الجزء من الكل دون أن ينفصل عنه بل يتحرك في إطاره وربما لصالحه ، وهو مفهوم ذو دلالة ايجابية ، أي تعني التنوع في المعتقدات والممارسات الدينية بين الأفراد (15) . أما المعنى الاصطلاحي للطائفية ، فهو اصطلاح ذو دلالة سلبية ، وذلك بفصل الجزء عن الكل ، أي وضع المصلحة الخاصة فوق المصلحة العامة. ولهذا المصطلح مفهومين :
الاول : مفهوم الطائفية الاجتماعية : أي أن المجتمع بطبيعته طائفي ، أي يستخدم الطائفة كجدار فاصل بينه وبين الطوائف الأخرى ، أي ما يسميها بن خلدون « بالتعصب »
مثال على ذلك : في بورما ذات الأكثرية البوذية ، اندلعت حالة العنف بين البوذيين والمسلمين والسبب هو اغتصاب امرأة بوذية وعلى أثرها تم الهجوم على حافلة نقل للمسلمين .
السؤال الذي يطرح وهو : هل المجتمع الإسلامي وبصورة خاصة المجتمع العربي نسيجه مصاب بالطائفية الاجتماعية ؟
يقول كل من الباحثان المصريان محمد عبد الرؤف و عبد الوهاب شعبان ، في مصر لا توجد طائفية اجتماعية ( بين المسلمين والأقباط) (16). أما في العراق ، الانتماء إلى الطائفة الشيعية أو السنية لم يقف عائقا أمام الانتماء القبلي أو العشائري ( قبيلة شمر والجبور والجنابات ) ، وكذلك لم يقف عائقا أمام التعايش والتزاوج العائلي . وأكبر دليل على أن الطائفية الاجتماعية غير موجودة في العراق هو 9 نيسان لعام 2003 ، رغم انعدام الأمن ووجود فراغ كبير مع توفر السلاح في كل مكان وبعدها بأسبوعين جرت أول زيارة أربعينية للإمام الحسين، ولم يسجل أي حدث عنف أو اعتداء على زوار العتبات المقدسة، وقبل ذلك بادر عدد غير قليل من رجال الدين لتأدية صلاة مشتركة في مدينتي الكاظمية والاعظمية. في العراق لا وجود للطائفية بين السنة والشيعة فقط ، بل لا توجد بين الأديان المختلفة( اليهودية والمسيحية والصابئة). تأريخ العراق الحديث يروي لنا رثاء الشاعر معروف الرصافي عام 1932 لساسون حسقيل أول وزير مالية .
أما على ضوء الشرق الأوسط ، التأريخ يؤكد ويوثق بأن المسيحيين في الشرق الأوسط لم يناصروا الصليبيين في حملاتهم، ولم يتحالفوا معهم ضد المسلمين (17).
الثاني: مفهوم الطائفية السياسية : عادة يكون بفعل خارجي .تحاول قوى خارجية توظيف الجانب الطائفي لخدمة مصالحها وذلك من خلال إثارة مشاعر الطوائف ليكون الاصطفاف على أساس طائفي.
يقول رئيس وزراء العراق نوري المالكي في مؤتمر هيئة الحج في النجف عام 2012 « جذور كل الصراعات في المنطقة هي طائفية »
مثال على ذلك : الصراع العثماني ألصفوي في العراق. وكذلك حديثا بعد تشكيل هيئة سياسية عليا عام 2003 في العراق سميت « مجلس الحكم » ، حيث أسس هذا المجلس على أساس عرقي وطائفي مما دفع المجتمع العراقي بعد انتخابات عام 2005 إلى الاصطفاف الطائفي وكان وراء هذا الاصطفاف رغبة سياسية قد أعتمد الناس من خلالها الولاء قبل الكفاءة ، والانتماء للطائفة قبل الانتماء إلى الوطن ، علما بأن العمق الاجتماعي العراقي يرفض ذلك ويستهجنه ويستنكره .
ملخص القول : الأزمة الطائفية في العراق بصورة خاصة وفي الشرق الأوسط بصورة عامة هي أزمة سياسية وليست أزمة اجتماعية . السياسة بنيت على مبدأ الغلبة واعتبار الآخر خصم ، أي تقسم الناس إلى مؤيد ومناهض . أما الدين فهو يجمع الناس ويصلح بينهم . السياسة بنيت على تخويف الناس من الآخرين ، وهذا هو مبدأ ميكافيلي الذي لازال ساريا مفعوله (18) . تخويف الشيعة من السنة وتخويف السنة من الشيعة فأصبحت الطائفة ملجأ يحتمي فيه الناس ولا يهمهم انقطاع الماء والكهرباء بقدر اهتمامها بحماية أنفسهم . ولعبة الطائفية السياسية ليست جديدة في المنطقة. يقول وليد جمبلاط زعيم الدروز في الفايننشيل تايمز في 12 مايس عام 2012 « انتهى الدور السياسي للدروز وكذلك المسيحيين، وسينصب النظر من الآن فصاعدا على الشيعة » (19) أي الطوائف تلعب دور سياسي أكثر مما هو ديني أو مذهبي . مثال على ذلك، الحرب الأهلية اللبنانية التي اتفق على تصويرها على أنها نزاع طائفي ، فسوف نجد أن انتهاء الحرب لم يتحقق نتيجة حوار بين أهل الأديان والمذاهب التي شاركت فيها، بل تحقق بالاتفاق على إعادة صياغة النظام السياسي وتوسيع مصادر القوة بين الطوائف المختلفة. إما النزاع الحالي في العراق، فالذين يتحاورون لحل الأزمة الطائفية ليسوا المرجعيات الدينية ولا القبلية ولا الفكرية بل المرجعيات السياسية. لم يتطرقوا عن أحقية مذهب أو آخر، بل يتطرقوا عن كيفية توزيع مصادر القوة في البلد.
أذا كانت الطائفية التي تولد اليوم العنف هي ليست طائفية اجتماعية بل طائفية سياسية ، إذن يجب إن يكون الحل سياسي.
المبحث الثاني: دراسة ظاهرة داعش
وتعني، الدولة الاسلامية في العراق والشام. تنظيم مسلح تبنى المذهب الوهابي السلفي الجهادي. أنبثق هذا التنظيم من تنظيم القاعدة في العراق عام 2004م.
ظاهرة نشأت من البيئة العربية الاسلامية. كان أساسها فكريا حالها حال الظواهر المتطرفة التي حدثت في العالم العربي والاسلامي قديما وحديثا وما أكثرها في هذا العالم.
تدرجت داعش في عدة مراحل قبل أن تصل الى ما هي عليه اليوم. فبعد تشكيل جماعة التوحيد والجهاد بزعامة أبي مصعب الزرقاوي في عام 2004م ، تلى ذلك مبايعته للقاعدة ليصبح تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.أراد الزرقاوي أن يعمل شيئا مشابها الى 11 سيبتمبر 2001، فقام بتفجير مرقدي الامامين العسكريين ومما أشعل الحرب الطائفية في العراق . وفي عام 2006، أعلن الزرقاوي تشكيل مجلس شورى المجاهدين بزعامة عبد الله رشيد البغدادي. وبعد مقتل الزرقاوي، جرى انتخاب أبي حمزة المهاجر زعيما للتنظيم. وفي نهاية السنة، تم تشكيل دولة العراق الاسلامية بزعامة أبي عمر البغدادي. وفي عام 2010 قتلت القوات الاميركية والعراقية أبي عمر البغدادي وأبي حمزة المهاجر.وبعد حوالي عشرة أيام، أنعقد مجلس شورى الدولة ليختار أبي بكر البغدادي خليفة له والناصر لدين الله سليمان وزيرا للحرب. ظهرت كلمة داعش في نيسان 2013 ، وبعدها في عام أي في 29/06/2014 سقطت مدينة الموصل في أيديهم.
المشكلة التي تعاني منها هذه التنظيمات هي الشرعية. تنظيم القاعدة، هدفه بأخذ الأمة للجهاد . أما الزرقاوي، كانت شرعيته أما قتل أو تهجير الكفار والمشركين ومنهم الشيعة . أما داعش، فانها جمعت الاثنين، أخذ الأمة للجهاد وهم المسلمون السنة، ضد الروافض الشيعة مع تهجير المسيحيين والازديين. لمعرفت الاسباب والعوامل التي تؤدي الى ولادة ظاهرة العنف المتمثلة بداعش، علينا أن نبحث في أعماق التأريخ العربي الاسلامي .
1. من خلال الزمن القصير: من خلال هذا المجال نقرأ الواقع اليومي الحي للظاهرة، أي نقرأ موازين القوى المرئية التي تتحكم في ظاهرة العنف لهذه الحركة، وعلى ضوئها يمكن أن نحصل على معلومات دقيقة تساعدنا للانتقال الى المجال الثاني وهو الزمن المتوسط. من اشكالات هذا الزمن القصير هو عدم امكانيتنا قراءة الرموز والاشارات وما وراء الحدث. أي نقوم مقام الطبيب وهو أولا المعاينة والكشف لمعرفة نوع المرض، هل هو فعلا طائفيا أم يخفي وراءه شيء آخر؟
أية ظاهرة تأريخية تخضع للدراسة ضمن أبعاد ثلاثة وهي، الزمان والمكان والاشخاص. وبما أن دراستنا حول ظاهرة داعش، فالزمان هو 29/06/2014، أما المكان هو العراق وسوريا، وأما الأشخاص هم من هويات مختلفة. وهنا يجب معرفة عدة أسئلة سوف تطرح ضمن هذا الزمن وهي: الزمان: لماذا لم تولد ظاهرة العنف الداعشية قبل 2014؟
المكان: لماذا وجدت هذه الظاهرة في غرب العراق وفي شرق سوريا؟
الاشخاص: لماذا لم يوجد معهم شيعيا واحدا؟
الحروب والمعارك تعرف من راياتها.ماهي رايات داعش؟ أقصد هنا بالرايات الخطاب العام . هناك نوعين من الخطاب.
الأول: موجه الى المسلمين العرب. ومنه الى العرب السنة في العراق وسوريا والجزيرة ، وهو خطاب طائفي يستهدف الشيعة وايران. وكذلك خطاب الى العرب المسلمين من جنسيات مختلفة، الخطاب الموجه لهم هو ارجاع الحلم القديم بتأسيس خلافة السلف الصالح على اساس الشريعة .
الثاني: خطاب موجه الى المسلمين وغير المسلمين القاطنين في أوربا، وهذا الخطاب يدعوا الى اقامة دولة نقية خالية من هيمنة القوي على الضعيف. ممكن القول انه خطاب موجه ضد النظام العالمي الرأسمالي الجديد. وعن طريق هذا الخطاب يجند آلاف من الأجانب الى صفوف داعش مثله مثل خطاب جيفارى لمقارعة الامبريالية في امريكا الجنوبية والذي ادى الى تجنيد الآلاف من الأوربيين انذاك. مثلا هناك أكثر من 1600 فرنسي في صفوف داعش منهم 450 من أصل أوربي و9 قاموا بعمليات انتحارية. هذا الخطاب اليومي سواء اعلامي وغير الأعلامي غير موجه ضد الغرب .لم نجد علم امريكي يحرق، ولا علم اسرائيلي يحرق ولم ينادوا بتحرير القدس ولم ينادوا ويساهموا في مساعدة غزة من العنف والظلم الصهيوني.ممكن القول في هذا الخطاب لايوجد فيه روح الاسلام. أي ليس خطابا دينيا. بينما عند سقوط الموصل، أتخذ أبو بكر البغدادي القنصلية التركية مقر لخلافته وأنزل العلم التركي ورفع علم داعش ليقول أننا الخلفاء الشرعيون للمسلمين بعد غيابها قرن من الزمن. وكذلك لم تتخذ داعش الموصل عاصمة لها بل اتخذت الرقة السورية عاصمة للدولة المؤقتة لأنها كانت مصيف لهارون الرشيد.
الخطاب كذلك لا يحوي على تطبيق العدالة ورفع الظلم، بل أعتبر الحكام كفرة ومرتدين، وأما رجال الدين، اعتبرهم منافقون. ولو كان كذلك لكان موجها أولا الى دول الخليج، حيث الدخل السنوي للفرد القطري يتجاوز 70000 دولار سنويا، والدخل السنوي للفرد الاماراتي يتجاوز 44000 دولار سنويا، والدخل الفردي للفرد السعودي يتجاوز 16000 دولار سنويا، بينما الدخل السنوي للفرد اليمني والمصري والسوداني لا يتجاوز 2000 دولار سنويا. أين العدالة ؟ أي ممكن التأكيد أن خطاب داعش يخلو من روح الاسلام ومبادئه التي بنيت على العدالة والمساواة.
لماذا لم يوجد حضور لداعش التي لا يقهرها التحالف الدولي، علما بأن الرئيس الامريكي أوباما يقول أنها حرب طويلة تأخذ ثلاث سنوات. لماذا لم يكن لها وجود في الاردن، ولا في السعودية ولا في فلسطين وهي قادرة على ذلك؟ الجواب هو أن خطاب العنف لظاهرة داعش موجه ضد ايران والشيعة بطوائفهم المتعددة، وآخرها يوم الجمعة 22/05/2015 فجرت داعش مسجد شيعي في المنطقة الشرقية من السعودية، وعندما دخلت داعش مدينة الرمادي لقوا خطاب في مسجد الرمادي أمام التائبين الذين تعاونوا مع الحكومة العراقية بقولهم: أنتم حملتم السلاح ووقفتم مع أولئك الرافضة تقاتلون أبنائكم، فاليوم هو يوم الصفح. نحن أبنائكم، نحن اخوانكم. جئنا لنحافظ على دينكم وأعراقكم. هل تعرفون لماذا؟ لأننا نريد لم شمل أهل السنة .
على ضوء هذه المعلومات والفحص السريري ممكن القول بأن ظاهرة العنف لداعش هي تدخل ضمن باب العنف الطائفي. وعلى ضوء هذا الفعل الشنيع سوف يكون رد الفعل في المشروع الاسلامي وفي ستراتيجية الدول المعنية ضد العنف الطائفي.
هل هذه المعلومات والشواهد كافية لبناء مشروع وحدة اسلامية يجيب على هذه المحنة والسرطان الذي يسري في جسد الأمة الاسلامية؟
استخدام المناهج والآليات الحديثة في الدراسات الانسانية سوف تساعدنا على قراءة ما بين السطور وفك الرموز.
لم تلد داعش من فراغ، حالها حال ولادة أي مولود. نحن هنا نرى المولود بشع وغير جميل. ولكن لا نرى كيف تكون هذا الوليد في حاضنة أمه. الأشهر الأخيرة للحمل عجلت من ولادة داعش. ماذا حدث؟
السبب الأول هو: داعش مولود غير شرعي. ولد من أبوين أحدهما غربي، حيث أطلق الغرب العقل المفكر لداعش وهو أبو مصعب السوري في عام 2012 لدعم المعارضة السورية ، ومن أم سعودية وقطرية، للتعجيل في سقوط بشار الأسد .
أما السبب الثاني هو: في عام 1945 حصل تزاوج بين بن سعود والرئيس الامريكي روزفلت على أن امريكا تضمن حماية السعودية مقابل النفط السعودي، وأجريت معاهدة لمدة 60عام، أي تنتهي في عام 2004. أمريكا بعد 2004 لم تستطع أن تجدد المعاهدة بالمواصفات القديمة، لأن الوضع تغير وأصبحت اليوم عملية مكلفة. بعد حادثة 11 سيبتمبر لعام 2001 أنتقل هذا الزواج الى شبه طلاق. وبالنتيجة وضعت أمريكا ستراتيجية جديدة في المنطقة وهي:
الخطر المقبل هو الصين. يجب بناء أعمدة حاملة لهذه الستراتيجية وهي تركيا، ايران، وباكستان. فعلى أمريكا أن تصحح سياستها مع ايران وتكسبها في فلكها. نقطة ابتداء هذه الستراتيجية تبدأ من العراق. لماذا العراق؟
الشيعة في العراق حملوا مشاعل التنوير في المنطقة في القرن العشرين ولهم مستوى ثقافي وعلمي عالي وهم بدورهم سوف يبنون دولة عصرية حديثة سوف تؤثر على ايران وتشجع الاصلاحيون بأخذ المبادرة وبالتالي يتحقق الهدف الأول. أما الهدف الثاني وهو التعويض عن نفط السعودية بزيادة انتاج العراق الى 5.5 برميل يوميا. جاءت النتائج في غير محلها. السعودية لعبت دورا كبيرا في تأجيج الطائفية وبالتعاون مع المخابرات الباكستانية تمردت الفلوجة وقاومت الاحتلال الامريكي والسلطة العراقية . من جانب آخر ، لم ينجح القادة الشيعة في بناء دولة وذلك بأعداد رجال للبناء وآخرون للقيادة وآخرون للادارة كما عملها الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول بعد الحرب العالمية الثانية. ممكن القول أن ظهور الوليد داعش هو ليس نتيجة طائفية اجتماعية بقدر ما هي نتيجة اختلال في معادلات التوازن في المنطقة. ممكن نحصل على جواب اشمل وأوضح عند انتقالنا للزمن المتوسط.
2.من خلال الزمن المتوسط: في هذا المجال سوف نجد جذور العنف والمتمثلة اليوم في داعش ممتدة الى مسافات أعمق من السطح. لو افترضنا أن داعش هي أساسا ضد ايران والشيعة بكافة طوائفهم، وشريان حياتها هو الدعم الخليجي، وروافدها التي لا تنبض هي الطائفة السنية من الموصل مرورا بتكريت وانتهاء بالرمادي. هناك سؤال هو لماذا كانوا أمراء وملوك الخليج على وفاق تام مع شاه ايران؟ ووجدوا ارض للتفاهم استمرت حوالي نصف قرن. وايران دولة والسعودية دولة وكأية دولة في العالم تبحث عن مصالحها وعن أمنها القومي وضمان عمقا جغرافيا لها. هذه المعادلة تغيرت مع الثورة الاسلامية في ايران لأن موازين القوى اختلفت لا لكون ايران شيعية بل الستراتيجية تغيرت. الصراع هو ليس صراع شيعي سني ولا صراعا وهابيا صفويا ولا أصوليا ضد ثوري، بقدر ما هو صراع في توازن القوى في المنطقة. القلق اليوم من الهلال الشيعي أو الخطر الايراني هل هو مصطنع أم مبالغ به؟والتعبير عن هذا القلق ولد الزرقاوي ومن بعده داعش . الأوطان تحكمها معادلات والطوائف تحكمها معادلات أخرى. اذن لماذا انجر كثير من العرب والمسلمين خلف القطار الخليجي لمقاومة واجهاض الثورة الاسلامية في ايران ومعادتهم للشيعة؟ . علم السيسيولوجي الديني يؤكد على أن لكل مجتمع له قوانينه ومعادلاته الخاصة به.أي انه يملك نقاط قوة وضعف تنحصر في اطار هويته، وما على رجال القيادة الا اكتشافها ومعرفةها بصورة دقيقة حتى يتمكنوا من ادارة وتوجيه البلاد. مثلها مثل سفينة شراعية،فربان السفينة يستخدم قوة الرياح واتجاهها والتي هي خارجة عن ارادته، بل يوجهها بالتوجيه الصحيح حتى يصل الى هدفه. فاذا ما وجد عامل خارجي لاشعال نار الفتن والعنف في المنطقة، ما هو دوره الا مثل دور ربان السفينة حيث يستغل قوى موجودة في المجتمع لصالحه كما استغلوا الدين في أفغانستان ضد السوفيت، أو استغلوا القبائلية في ليبيا ضد القذافي، والطائفية في العراق ضد ايران والشيعة والطائفية في سوريا ضد العلويين.
السؤال هو ليس العامل الخارجي الذي يهمنا هنا بل هو لماذا وجدت القبائلية والطائفية كقوى في منطقتنا ولم توجد أمور أخرى؟
الجواب هو عدم وجود قوى أخرى تعوض عن هاتين القوتين وهما، مؤسسة الدولة الحديثة (20) ومؤسسة الدين (21).
عدم امكانية العرب بناء دولة حديثة وعصرية وبناء هوية وطنية يعود لاقصائهم عن الحكم مدة تزيد على سبعة قرون. ابتداءا من المغول، وانتهاء بالعثمانيين. وعند تأسيس دول وطنية للعرب في بداية القرن العشرين، لم يكن للعرب خبرة متراكمة لبناء وقيادة ومن ثم ادارة الدولة، بينما الاتراك والايرانيون استطاعوا بناء وقيادة وادارة الدولة الحديثة لوجود خبرات متراكمة لديهم في هذا الاتجاه. وعندما تحصل مشكلة للدولة في المنطقة كما في لبنان مثلا تتدخل فرنسا لحلها، واما في العراق تتدخل بريطانيا لحلها.
عدم امكان الدولة الحديثة بناء هوية وطنية تحوي وجودات مختلفة، أدى الى هيمنة الوجود على الهوية الوطنية، وبالتالي حدوث العنف والحرب. هذه الظاهرة حدثت في ألمانيا التي كان لديها هوية ألمانية وطنية بوجود مسيحي ويهودي واري وافريقي وآسوي وسامي واوربي . عندما الوجود الآري أصبح الهوية والألماني أصبح الوجود، هنا بدأت بوادر العنف ومن ثم اندلاع الحرب. وهذا ما حدث في العراق، في الذي كانت هويته الوطنية عراقية بوجود كردي وعربي وتركماني وايراني ومسلم ومسيحي ويهودي وصابئي، الا أن اعلان حزب البعث أمة عربية واحدة فأصبح الوجود العربي هو الهوية، والهوية الوطنية العراقية أصبحت وجود عراقي تبعية ايرانية أو عراقي تبعية عثمانية. هذه هي بداية العنف وادت بالنتيجة الى الحرب. وعندما انحلت القومية التي كانت هوية فتحول الوجود الشيعي والسني الى هوية وبدأ العنف الطائفي ثم الحرب الطائفية. لقد حدث في التأريخ الحديث في الهند عندما كان الولاء للوجود الاسلامي في الهند أقوى من الهوية الوطنية، انفصلوا المسلمون عن وطنهم الأم وتكونت باكستان. نفس الشيء حدث في ايرلندا، عندما كان الولاء الطائفي الكاثوليكي أقوى من الولاء الوطني، أنفصلت ايرلندا عن بريطانيا.
أما المؤسسة الدينية ، فمن نهاية القرن الأول الهجري حتى القرن الرابع الهجري، كان الاسلام هوية أمة لوجودات مختلفة، فارسية، عربية، تركية، مغولية، هندية. خلال هذه القرون كان عصر ازدهار فكري وحضاري وثقافي، وولدت وازدهرت المدارس الفكرية والفلسفية والفقهية والعلمية المختلفة ، وولد جيل مثل جيل التوحيدي (22) ومسكويه (23) وابن قتيبة (24)، والذي عبر التوحيدي في كتابه "الهوامل " وهي الابل السائبة أي يقصد الأسئلة البعثرة التي تنتظر جوابا، وقد أجابه مسكويه في كتابه الشهير " الشوامل" وهي الحيوانات التي تضبط الابل فتجمعها ، ويقصد فيه الاجابات التي أجاب بها الهوامل. هؤلاء الرجال قد حولوا العقيدة الى حضارة، أي ربطوا العقل بالجمال. وكذلك الحوار الذي تم بين أبو حامد الغزالي (ت.505ه/1111م) في كتابه " تهافت الفلاسفة، والذي أجاب عليه بن رشد ( ت.595ه/1198م ) في كتابه " تهافت التهافت". هذه الثقافة كانت تعم معظم ربوع الأمة الاسلامية باختلاف أنماط الحكم، ولذا لم يكن للتطرف مجال لأن الوسطية هي المتغلبة. في تلك الحقبة كانت المؤسسات الدينية ورجالها واقفين على كل العلوم وليس فقط العلوم الفقهية التي لم تمثل أكثر من 5 بالمائة من الأصول. ذاكرة الأمة الاسلامية كانت ذاكرة حية. حصل انحدار في الذاكرة في بداية القرن العشرين بعد تكوين الهوية الوطنية وأصبح رجال المؤسسات الدينية في الأزهر والنجف وقم والرياض واقفين فقط على العلوم الفقهية وتركوا الأصول. هذا الفراغ ملئه الاسلام السياسي الذي أخذ على عاتقه البحث في الأصول ومنهم المودودي في باكستان وحسن البنا والسيد قطب في مصر ومحمد باقر الصدر في العراق. ولدت منها الأحزاب السياسية مثل حزب أخوان المسلمين وحزب الدعوة والحزب الاسلامي. هذه الأحزاب بصورة عامة كان يمثلها شريحة اجتماعية مثقفة. وعندما اضطهدت هذه الأحزاب وبقى فراغ تام في الساحة، فامتلئت بالاسلام المتطرف الأصولي الذي يقتل ويقتل، أمثال بن لادن والزرقاوي وداعش. ولو قرأنا خطاب بن لادن ، لوجدناه يتكلم في الأصول لا في الشريعة. وكذلك الزرقاوي والبغدادي يتكلموا في الأصول حيث يعتبرون الشيعة مشركين لأنهم يتوسلون بأئمتهم وكذلك الصوفية . ويهدموا التماثيل الأثرية لبوذا في أفغانستان وفي متحف الموصل على أساس أنها تمس عقيدة الاسلام في التوحيد.انشغال المؤسسة الدينية في الفقه ولد فراغا كبيرا يملئه اليوم الجاهلين في أصول الدين.
ممكن القول أن ظهور داعش هو نتيجة ضعف مرجعيتين مهمتين في بناء مدينة فاضلة تعيش بسلام وهي الدولة الوطنية والمؤسسة الدينية.
3.من خلال الزمن الطويل:هنا نبحث عن جذور العنف الطائفي في الجذور العميقة التي تمتد الى أكثر من عشرة قرون، وهي المصدر الذي يغذي كل أنواع العنف الطائفي وظهور أفكار متطرفة.
الإسلام ليس دين طقوس وعبادات فقط ، بل هو حضارة وثقافة ، لذلك القانون ومفهوم الدولة فيه أساسي حتى لو لم يكن ظاهر عليه .
ظهر الإسلام كبرنامج للحياة في فترة من التأريخ انتظمت فيه البشرية في ممالكها و حضاراتها ودياناتها ، فالمسيحية عمت في الغرب برعاية الإمبراطورية الرومانية، والديانة المزدية انتشرت في الشرق برعاية الإمبراطورية الفارسية ، وكانتا هاتان الإمبراطوريتان قائمتان قبل ظهور وتوسع الأديان، فأصبح الدين وسيلة للحفاظ على تماسك الإمبراطورية بعد توسعها.
أما شبه الجزيرة العربية كانت متأخرة عن القافلة الحضارية في ذلك الوقت، بسبب عدم وجود دولة فيها بالشكل المتعارف عليها حينها ، لان الدولة لا تنشأ ألا في المجتمعات التي تنتج أكثر مما تستهلك ظهرت في شبه الجزيرة العربية دولة بسيطة وهي دولة كندة حيث أخذت تفرض الإتاوة ( الضرائب ) على القبائل العربية ولكنها لم تستطع البقاء والديمومة طويلا (25). لذا أهتم الرسول الكريم أولا ببناء أمة قبل بناء دولة.
أما شكل هذه الأمة حددها القران الكريم بالمواصفات التي ترقي الإنسان إلى الكمال والعيش بأمان. تكونت في هذه الفترة اللبنات الأولى للدولة المدنية الاتحادية أي اتحاد بين الأديان والقبائل (26) .
بعد وفاة الرسول الكريم ابتدأ مفهوم الحكم للأمة على شكل « البيعة » للغالب ، أي قيادة الأمة (مفهوم الإمارة والصيانة للحكومة ) هي عقد مرضاة واختيار لا يدخله أكراه ولا إجبار .
الدولة في التصور السياسي الإسلامي هي دولة مدنية بمعنى أن تصرفاتها اجتهادية قابلة للخطأ والصواب أي غير شمولية ، كما هو النص الوارد عن الخليفة أبا بكر حينما تسلم الخلافة نتيجة قرارات مؤتمر السقيفة فخطب الناس قائلا
« أما بعد أيها الناس فأني قد وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فأعينوني ، وان أسأت فقوموني » (27). لم يملك العرب آنذاك أي تجربة أو نموذج للحكم إلا نموذجين أمامهم وهما ، النموذج الروماني والنموذج الفارسي. الخلافة ولحد الخليفة الرابع وهو الأمام علي قد مالت نحو النموذج الروماني . وذلك بوجود مجلس مقرب من المحاربين الأوائل هم المسؤولين عن تعيين أو إقالة قيصر الروم ، يقابله عند المسلمين العشرة المبشرة بالجنة وهم من قريش ومن المهاجرين الأوائل.
هذا الأسلوب من الحكم أدى إلى اغتيال ثلاث خلفاء والى نشوب حروب أهلية وهذه الحروب حسب اعتقادي نشبت بين فريق يريد بناء دولة وفريق يريد قيادة دولة ( أي بين فريق العمارة وفريق الامارة ). أما الأمويين فأنهم ألغوا هذا الأسلوب للحكم وأنهم تبنوا الأسلوب الثاني وهو أسلوب الامبراطورية الفارسية أي الكسروية وهي مبنية على مبدأ الحكم الوراثي والجيش هو قوة لحماية الملك. هذا الأسلوب لم يدم أكثر من ثمانين عاما لأنه شجع على بروز التقاليد العربية القديمة بعد ما كاد الاسلام أن يقضي عليها كالعصبية القبلية وعلاقة الدم.
الصراع بين الفريقين ( الامارة والعمارة ) لم يكن فقط على المستوى السياسي فقط بل كان على المستوى الاجتماعي العام ، أي على مستوى الوعي الجماعي للأمة الاسلامية. هذا الصراع نضج على المستوى الفكري والفلسفي بظهور مدرسة المعتزلة والتي عرفت الإيمان بالتحرر العقلي وبالمقابل مدرسة الأشاعرة ( فريق الإمارة ) حيث عرفت الإيمان بالطاعة ( وأطيعوا أولي الأمر ). رفضت الشعوب الإسلامية هذا النموذج من الحكم الأموي فجاء العباسيون بفكرة بناء حكم بأسلوب وسط لا قيصري ولا كسروي . هذا الأسلوب من الحكم سمح ببناء إمبراطورية عصرية وعاصمتها بغداد ، التي أصبحت ملتقى الحضارات، ودولة حماية ورعاية لأمور الناس باختلاف أعراقهم ومللهم. فكانت بغداد جامعة الأرض في العلوم بمختلف فروعها . ماذا حصل في تلك الفترة ؟
الذي حصل في بغداد هو التزاوج بين الايمان الذي جاء من المدينة المنورة وبين العقل الذي جاء من بلاد فارس ، لان عمارة وتأسيس دولة تحتاج لكل الفنون والمهن والعلوم ، أي بمشاركة جميع شرائح الامة الواحدة بدون تمييز. لماذا بغداد ؟ لأن بابل كانت مدينة القانون والشريعة ومنها شريعة حمورابي.
علماء الفيزياء والكيمياء والفلسفة والحديث واللغة والتفسير والتأريخ جلهم من بلاد فارس انذاك (28) . نفس الشئ حدث قبلا في روما. في روما تم التزاوج بين الايمان الذي جاء من القدس في زمن المسيح وبين العقل في أثينا بعلوم وفلسفة اليونان ، وحدث هذا التزاوج في روما. لماذا روما ؟ لأن روما كانت مدينة القانون سابقا (29).
هذا التزاوج بين العقل والإيمان قد صرح به الفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران حيث قال « لم يعرف العرب حقيقة مقام الإمام علي ومقداره حتى قام من جيرانهم الفرس أناس يدركون الفارق بين الجوهر والحصى » (30).
ولازال هذا التزاوج موجود لحد يومنا هذا في أوربا ولولاه لأصبحت المسيحية حالها حال اليهودية أو الصابئية.
الذي حدث عندنا هو الطلاق بين الايمان والعقل. لبناء دولة عصرية يتطلب انهاء حالة الطلاق أولا ثم جعل الدين أساس لبناء أية دولة . عند المسلمين الدين هو الذي كون الدول والامبراطوريات. الدين هو الذي كون دولة الخلفاء والأتراك العثمانيون والمماليك . بينما روما كانت موجودة قبل المسيحية ، فالدين ليس أساس في بناء الدول في أوربا.
الملخص
غياب المشروع الإنساني المتكامل لبناء دولة عصرية نتيجة القصور في فهم الحقائق التاريخية لهذه الأمة مما سهل من ظاهرة العنف والتناحر في الساحة الدينية والسياسية مما أنعكس على أبناء الطوائف فأهدر من قيمة الأمة والوطن وأستدعى نوعا من الانكفاء الطائفي والسياسي والفكري والثقافي وكان الضحية في كل ذلك هو حلم الأمة المشترك والأمر الذي أدى إلى فقدان رؤيتها المستقبلية و اهتزاز غاياتها الكبرى وهذا مما أضاف بعدا جديدا في المعاناة لأبناء هذه الأمة الذين يعانون أصلا من عقدة التأريخ .
المصادر
مجلة القايننشيل تايمز ٌ الحمى الطائفية تجتاح الشرق الأوسطٌ ٌ في 12/05/2012.1
2.المؤتمر الدولي السابع للتقريب بين المذاهب الاسلامية في لندن 203.
3. نفس المصدر السابق.
4. نفس المصدر السابق.
5. نفس المصدر السابق.
6. نفس المصدر السابق.
7.الاننثروبولوجيا، هو علم الانسان أي الدراسات العلمية للانسان، في الماضي والحاضر، الذي يرسم ويبنى على المعرفة من العلوم الاجتماعية، وعلوم الحياة، والعلوم الانسانية.
8.الابستمولوجيا، هي فرع من فروع الفلسفة تهتم بطبيعة ومجال المعرفة.
9.السيسيولوجيا، هي علم الاجتماع.
10.الفينولوجيا، هو علم دراسة التحولات الاجتماعية والنفسية.
11.الجينيالوجيا، هو علم النشأة والتكوين للأحداث التأريخية.
12.جان بول سارتر،( 1905-1980)، فيلسوف وروائي وناشط سياسي فرنسي.
13.ميشيل فوكو( 1926-1984)، فيلسوف فرنسي يعتبر من ىأهم فلاسفة النصف الثاني من القرن العشرين. تأثر بالبنيويين ودرس وحلل تأريخ الجنون.
14.جاك جريدا (1930-2006)، فيلسوف فرنسي من مواليد الجزائر صاحب نظرية التفكيك.
15.ويكيبيدا الموسوعة
عبد الوهاب شعبان ٌ المدينة الفاضلة ٌ 2012م.16
سهيلة عبد الانيس ٌ أسباب العنف الطائفي وجذورهٌ .18/04/2007 .17
كتاب ٌ الامير ٌ لنيكولا ميكاقيل غام 1515م .18
جريدة الفايننشيل تايمز في يوم 16/05/2012.19
ندوة دراسات الوحدة العربية. بيروت أكتوبر 2011 .20
La question irakienne . J. P. LUIZARE . Paris 2004 .21
22. أبو حيان التوحيدي ولد في بغداد 310ه وتوفى في شيراز 414ه.أمتاز بسعة الثقافة وحدة الذكاء والاسلوب وسمي أديب الفلاسفة وفيلسوف الادباء. ومن أهم كتبه هو الهوامل والشوامل، وكتاب الاشارات الالهية.
23. مسكويه، هو أحمدبن يعقوب، أبو علي الملقب مسكويه( 932-1030م). فيلسوف ومؤرخ وشاعر فارسي بارز. وهو أول علماء المسلمين الذين كتبوا في علم الأخلاق بمفهومه العلمي والفلسفي وذلك من خلاال كتابه تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق. ولمع نجمه في الفلسفة حتى لقبه البعض بالمعلم الثالث.
24. بن قتيبة الدينوري ( 213ه-276ه)، أديب فقيه محدث ومؤرخ عربي. له العديد من المصنفات أشهرها أدب الكاتب وعيون الأخبار.
علي الوردي. ٌ لمحات اجتماعية من تأريخ العراق الحديث ٌ. بغداد. 1968.25
26. المادة 37 من وثيقة المدينة
27. السيوطي ٌ تأريخ الخلفاء ٌ . دار الكتب العلمية.
28. حكمت نجيب عبد الرحمن. ٌ دراسات في تأريخ العلوم عند العرب ٌ. جامعة الموصل 197
29. فاضل الحسيني الميلاني ٌ محاضرة عن تأريخ القانون في العالم ٌ
30. جورج جرداق. ٌ الامام علي صوت العدالة الإنسانية ٌ.5ج